قضايا وآراء

حول ديوان مهر ليلى للشاعر/ ياسين عرعار / السعيد مرابطي

 ... معنى هذا أن زيتونة اختارت موسما للظهور...فضلا على أن شاعرا قد نزل بأرض ما، ليزرع شوق الحياة، ويغني للحظات السعيدة كما سيعبس باللحظات الحزينة.

و الإصدار الذي نحن بصدد عرضه على القراء قد تمت طباعته بالمؤسسة الوطنية للفنون المطبعية (وحدة الرغاية ) الجزائر سنة (2008)   .

الإيداع القانوني (4033 – 2008 )

تمت طباعة الكتاب بدعم من وزارة الثقافة  سنة 2008

 في إطار الصندوق الوطني لترقية الفنون وآدابها وتطويرها .

و يضم الكتاب بين دفتيه (14) أربع عشرة قصيدة موزعة على العناوين التالية : -

 (نهى - الشفق البعيد - حنين إلى الماضي - لست أدري - ماذا سأجني ؟ - ذنب من؟ - أهواك يا بحر – مهر ليلى – في ذمة الكبرياء – أغنية عاشق مجهول – رؤيا – رقصة الأيك – حتام؟ – غواية )

 

 حيث كتبت القصائد بين سنوات(1992 و2004 م).

صاحب الديوان، الشاعر ياسين عرعار من مواليد 17 جانفي 1974 .

 بمدينة ونزة – ولاية تبسة – الجمهورية الجزائرية.

أستاذ لغة عربية بمتوسطة بوسته عثمان بنفس المدينة.

 (متحصل على شهادة ليسانس في الأدب العربي)

 ( جامعة العربي التبسي/ تبسة/ الجزائر)

سبق له ونشر أعماله الشعرية بمختلف الجرائد الوطنية والمواقع الإلكترونية.

 شارك في عدة تجمعات أدبية وثقافية .

متحصل على العديد من الجوائز الأدبية .

 

نتبين من خلال مجموعته الشعرية هذه، أنه عاشق للقصيدة الخليلية.

قد حفل الديوان باثنتي عشرة قصيدة شعرية وقصيدتين فقط من

 شعر التفعيلة.

 توزعت جميعها على البحور الشعرية التالية: -

(الرجز – المتقارب – البسيط – الرمل – الطويل – الكامل)  .

 

إن المتأمل في هذا المنجز يلحظ بأن تجربة الشاعر عاقرت خيبات، وآلام طبعت جيلا عاشر فترة عصيبة من مراحل الجزائر، فلم يحفل في زهرة العمر سوى بالانكسارات المتتالية والحياة المهددة إما بالزوال

 وإما بسوداوية المشهد وانسداد الأفــق.

 

لعل هذه التجربة الشعرية التي أراد الشاعر ياسين عرعار تقديمها للمتلقي،

 راوحت تارة بين البحث عن الذات، وأخرى بحثا عن أسلوب فن القول . حيث يبرز الشاعر جليا في المتن هذا الخط الذي يدلل عن الحالات وطقس الكتابة لديه، تفاعلا.. تدرجا ونضجا، إذ بنا نقرأ القصيدة الغزلية العفيفة

 والتي تقنص أنساقها التعبيرية وفق منظور تراثي تارة :

 

لَوَاعِجُ القَلْبِ قدْ ضَاقَتْ بِها سبُـلٌ

في موجةِ اليَمِّ قَـدْ زَجَّـتْ بأَورَاقِي

مَاذَا جَنَيتُ منَ الأَحْلاَمِ يَـا كَبِـدِي 

غَير الـمَواجِـعِ في إيقَاعِهَا الرَّاقِي ؟

من قصيدة ( لست أدري)

------------

 

و تتملص في أكثر الفترات من هذا المنظور حين يعمد خيال الشاعر إلى توليد الصورة والتشبيه وفق نسج تتمظهر فيه القصيدة العربية الحديثة المراقبة للتجاوز وخلخلة التمظهرات الجاهزة، بالتغلغل في طقس سوريا لي، ما يجعلنا نحفل بنص ينهض وهاجا معانقا أفقا لا يحجزه حائل عن طلاقته وتوثبه .

يــا خـصْـلـةَ الـدَّمْــعِ، أهـْـدَابِـي مُـمَـزقةٌ

بِـالـلـه تـشــريـنُ، لا تـَسْـأَلْ عـن الألــم

قـدْ بـعْـتَ لـلـبَـحْـر، شُـطـآنًا بـأَكْمَـلـهَـا

و اخـتـرْتَ للشِّـعْـرِ مـداحـًا عــلى قَـلَــمِـي

قصيدة ( رقصة الأيك)

هذا وإن تفحصنا أسلوب وهندسة القصيدة لدى صاحبنا الشاعر، صار بمقدورنا تقسيم هذه التجربة إلى فترات مرت من خلالها مغامرته الإبداعية بمراحل ثلاث تجلت ملامحها الفنية في القصيدة العمودية التي تنهل من متن ديوان العرب معظم تشخيصها

و تلوينها، في خيال رومنطيقي حالم تتصدره قصيدة (مهر ليلى)

 وهي عنوان الديوان الشعري.

 

لـيْتـهَـا الأقــدارُ تـْرثـِي الـحزنَ يـومـًـا

مِـثلمَا الـخَـنـسْـاء تـرثِـي الـخِلَّ صخْرَا

 لـيتَ شعـِري فـي عُـكاِظ الـُحبِّ، يـَلْقَــى

 رَغْـم مَـوّال الأسَـى - لـيْــــلاهُ بِــــكْـرا -

من قصيدة (مهر ليلى)

-----------

 

إن لذة النص تعظم نكهتها عند تتبعنا مراحل إنجازه، مرورا بمستويات تعبيرية رؤيوية رمزية تعبر فضاءات النص الواحد حيث يقيم الشاعر بين حالاته الجوهرية الاستثنائية معتمدا على تفجير لغوي يرغب، تأملا وترميزا في القبض على نصه الحلم . وبما أن الإنسان ينصهر وفق الترتيب المشترك للطبيعة، تكون جماليات المنظر أو قفره قد أباحت لرؤاه الكئيبة والمنغمسة آنئذ في عزلة المكان وعزلته،

و هو ما تولد عنه هذا البذخ السريالي بالتصور الانطباعي .

 

دُنْـيـاكَ تِــشْـريـنُ إحْـسَــاسٌ، أكــابــدُهُ

في اللـيْلِ، فِـي الـصُّبْـحِ، فِـي مُرْجـانَـةِ الكَلِمِ

يـا خـصْـلـةَ الـدَّمْــعِ، أهـْـدَابِـي مُـمَــزقةٌ

بِـالـلـه تـشــريـنُ، لا تـَسْـأَلْ عـن الألم

 

من قصيدة ( رقصة الأيك )

---------------

 

هذا وإن تأثيث النص تشكيلا ورؤى، قفز إلى أفق جديد مذ عانق معجما رمزيا ليخصب المخيال ويتعمق الحقل الدلالي فيفيض المعني عبر تلك الانزياحات اللغوية متخذة مسلكا تغمره الفجيعة، ليتسع أفق النص وتتحقق سعادته.. لعل على إثره يتصالح الشكل مع مضمونه .

 ونلحظ آنئذ كيف أن المفردتين : "قيدوني ودمروني "

 متناظرتين في المعنى والترتيب الخطي .

نقف على هذا التشكيل في أبيات الشكوى التالية :

!.. لقَـــدْ قيـَّدُونِـي بِسفْكِ دِمـَـــــائِي

!..  لقَـــدْ دمّـرُونِـي بعُمْقِ رَحِيلِـــي

!.. لقَـــدْ قيـَّدُونِـي بِنبْذِ شِـــــــــتائِي

!.. لقَـــدْ دمّـرُونِـي مدًى يَا خَلـِيلِــي

 

من قصيدة ( أغنية لعاشق مجهول )

----------------

 

و تسري اللغة المشتهاة تحت حرقة السؤال، بحثا عن مخرج للمكابدة وفي نسق آخذ في استحضار رموز تبعث الروح في رماد الذكرى النائمة في تراثنا العربي البعيد , كأنما تدعو العفاف والوفاء وعودة الروح

كغواية حيث يقول :

يَــا ســؤالاً قـدْ حَــوَى كُـلَّ غَـــــرامِي .. !!

أيـنَ شِـعْـرِي ؟ والـهَـوَى ؟ والـصَّمْتُ لَـحْدِي

أيْـنَـهَا الأعْـمَــارُ .. أيْـنَ الـذِ ّكْـريَــــاتُ .. ؟!

أيْـنَ لَـيلَـى ؟ .. مَـنْ أَنَـا ؟ .. يَـا دَعْــدُ رُدِّي

 

من قصيدة ( ذنب من ؟ )

--------------

 

هذا.. وإن الشاعر ياسين عرعار، في منابته بالوطن الكبير،

 يغزوه الاغتراب الفاحش.. يعاقر الظروف الاستثنائية التي ألمــّت،

التي على إثرها دخل الوطن في دوامة وفجائع وتدافع.

حيث حرقة السؤال وتململ  الشاعر عند نقاط  التنافر.

و يتجلى بصورة أنضج هذا المعطى عبر الأبيات التالية :

 

مَا الشّعـرُ ؟ .. ما عشـقُ القواِفي كلَّمَـا

هـزَّ الـهجيـرُ البِكْرُ أحـشـاءَ الجُمـلْ ؟!!

ما الصّبرُ ؟ ما جَدْوَى الرُّؤَى يا خافِقي ؟

إنْ لـمْ يكنْ طوفانُـهَا عكسَ الـجدَلْ ؟!!

من قصيدة ( نهى )

و من القصيد نفسه نقرأ للوطن هذه الأبيات المكثفة دلاليا، ونلحظ وقوف الشاعر،

على مبنى وفق جملة اسمية، يكثف معناها لقارئ نموذجي بصيغة هي غاية في الجمال،  وهذا حتى يحفل بخلاصة حكمة الشاعر وبرؤاه تجاه أسرار اللغة

 وإشاراتها البعيدة.

 

السِّـرُّ رمـزٌ في تسابيـحِ الألَــــى ..!!

و الرَّمْـزُ سـرّ في تبـاشيرِ الـمُثُلْ..!!

و النَّبـضُ في رسـمِ الـمعَاني سُلَمٌّ..!

واللّغـزُ منأىَ للصّحيحِ الـمُرْتَـجَلْ..!!

من قصيدة ( نهى )

------------------------

 

الغلاف

إن الصورة المنتخبة من طرف دار النشر ( موفم ) تمثل صورة فتاة عربية تتمظهر في زي أصيل يرجع  لفترات سابقة  من تاريخ الجزائر المرتبط بالقرن الماضي.

 وإن الزي العسلي والقلادة الراقدة على صدر الفتاة، يفشيان مكانتها المرموقة وهي مثبتة النظر كأنما تصغي لمحدثها وفي شموخ .

 إن انتخاب الصورة في قراءة سيميائية تعتبر القراءة التأويلية للعنوان المشكل من كلمتين هما (مهر ليلى)  يحيلان عن المخزون المشترك

من حيث أنه يعطي الانطباع الظاهر والإحالة المصدرية لاسم- لــيلى-

 الرابض في مخيلة الشاعر العربي الذاهب في التضحية والوفاء.

 ويبدو أن اللون العسلي أختير ليدلل عن اشتهاء الشاعر لفتاته المرموقة المحتلة لأقطار قلبه، وقد بذل فداء لإرضائها، سهده ومناجاته لها وقدمهم لها مهرا من الدموع والأسى والسهر والوفاء.

 

صورة الغلاف..

رشــحتها مبدعة وهي الآنسة / مدينة كريمش /

 مواليد 1977بالجزائر العاصمـة

تعمل بدار النشر:، مختصة في التصميم والإخراج بالمؤسسة

 ( ENAG )

صورة الغلاف هي مقطع من لوحة للرسام الفرنسي الذي

اعتنق الإسلام بالجزائر إبان الاحتلال الفرنسي وقد غير اسمه من:

 (إتيان دينيه)

 إلى :

(نصر الدين ديني)

 

فأما عنوان الديوان فقد رقّــّـشه الخط الكوفي الأنيق،

 استجابة

للانسجام فني يقرأ العنوان في ضوء التلقي الحديث

تظافرا أنيقا والمضامين النصية الحافلة طيّ المؤلــّف.

هــذا وليسهم جماليا،

بالإيماءة الظريفة لقنص عين القارئ والعبور إليه.

 

أخيرا ..نترك للمهتمين بنظريات  التلقي وسيميائية القراءة،

- إذا ما تعرضوا بالنقد لهذا المنجز الشعري وفي قراءة للغلاف-

البتّ في مدى الانسجام الحاصل بين رسم الغلاف

 ومتن الديوان.

 

و في النهاية لا يسعنا سوى تقديم التبريكات للشاعر ياسين عرعار،

على ولوجه عالم النشر عبر ديوان مهر ليلى .

 

                                           إنتــهى.

............................

الآراء الواردة في المقال لا تمثل رأي صحيفة المثقف بالضرورة، ويتحمل الكاتب جميع التبعات القانونية المترتبة عليها: (العدد: 1784 الجمعة: 10 / 06 /2011)

 

في المثقف اليوم