قضايا وآراء

مصر تتنكر لحائز جائزة نوبل ..نجيب محفــــوظ !!

ذكرى وفاته الثالثة التي مرت الاحد الماضي (30-آب-2009) سوى المقربين من اهله فيما ابتعد عن الزيارة من كان لصيقا به حد الذّلة...!!

فهل اصابت عدوى (الإهمال)  القاهرة التي كانت إحدى  اهم العواصم التي تهتم بأعلامها ..ربما !!!

لقد مرت ذكرى رحيل الروائي نجيب محفوظ وسط تجاهل، شبه كامل في الأوساط الأدبية، العربية وخصوصاً المصرية .. فلم يلمس المتابعون للشأن الثقافي، فعاليات، للرجل الذي جلب لمصر عن استحقاق وجدارة جائزة نوبل للأدب .

والمتصفح للمطبوعات والصحف العربية الصادرة هذا الاسبوع لن يجد شيئاً ذي بال، سوي موضوعات يتيمة نشرتها صحيفة (الأهرام) التي كان الراحل أحد أعمدتها، حيث يحمل أحد طوابقها اسمه .. وبعض الصحف والمجلات الأخرى مثل (اليوم السابع) و(الهلال) في عدد خاص كانت طروحاته هامشيه .. حتي أن ربيبه وتلميذه، الروائي جمال الغيطاني شح في إعطاء هذه المناسبة ما تستحق .. وصح القول : إن القريب من العين قريب من القلب، فيما الغائب هو مجرد ماضٍ حتي لو كان مبدعاً مثل نجيب محفوظ .. أحد أهرامات مصر الحديثة .

إن هذه الظاهرة، تستحق التأمل والتوقف عندها وأيضا ينبغي أن تكون مفتاحا لنقاشات وموضوعاً لندوات متخصصة .. فمثل هذا النسيان لشخصية صاحب (السكرية وزقاق المدق وبين القصرين) دلالة علي سيادة عقلية التغييب

في المجتمع العربي بكل اتجاهاته : سياسية وأدبية واجتماعية وفكرية وفنية .. فالمبدع العربي المتحرك، يلمع كالذهب طالما هو حي .. وعند غيابه، يصبح رماداً وركاماً لا يتقرب اليه إلا القليل .. عكس المجتمعات المتحضرة الأخري التي تواصل الاحتفاء بمبدعيها جيلاً بعد آخر ..

وهذا هو الشاعر شكسبير وأليوت وغوركي وغيرهم محور دراسات وندوات، حتي لتشعر أنهم يعيشون معك، من خلال المسرحيات والأفلام والبحوث ...

بل إن بيوت بعضهم أصبحت متاحف يزورها الباحثون والمعجبون .. وإن قسماً من الجامعات الأوروبية تخصصت بأدباء القرن العاشر الميلادي أو الخامس عشر أو قبلها أو بعدها .. إنهم يقدرون مبدعيهم .. ونحن نتسابق لإسدال الستارة علي مبدعينا .. مفارقة عجيبة في زمن خلا من الوفاء !!

إن من يقرأ روايات محفوظ، ومن يدرس بإمعان عبقريته وحبكته الفطرية في كتابه السيناريو، يجد أن مصر بتاريخها واهراماتها ونيلها تحت ناظريه وأصبح المواطن العربي البسيط في أصقاع البلاد العربية، يعرف شوارع مصر وحاراتها من خلال نجيب محفوظ وشخصية (سي السيد) في الثلاثية الشهيرة باتت أهم الألقاب العربية للرجل الشرقي !

لقد زرت مصر كثيراً، ولا أعتقد أن واحدة من زياراتي خلت من لقاء (الإنسان) نجيب محفوظ

ومنه تعلمت أن التواضع سيد الكبرياء وأن الخطأ الكبير في النظرة إلي الماضي يجر إلي الخطأ الكبير في النظرة إلي الحاضر وبالتالي إلي المستقبل وأن الرواية والأدب والفكر والصحافة، لا تحيا إلا في ظل الحرية، وبدون الحرية تصبح قصاصات ورق وحروفاً بكماء، خرساء، لا تشع ولا تضيء ..

إني مندهش جداً، لأن عدوي النسيان، تسربت إلي مصر .. وهي الوفية لمبدعيها .. فهل ندق ناقوس الخطر؟ إن مصر التي عودتنا الاحتفال بسيد درويش والعقاد و طه حسين وعبدو الحامولي وشوقي وأم كلثوم وعبد الوهاب، هل نلتمس لها العذر، عندما تبخل باحتفال يليق بأديب مثل نجيب محفوظ الذي علمنا في رواياته أن الظلام لا يبدأ في المساء، إنما يبدأ في القلب وأن الحرية والكراهية كلاهما طاقة ثمينة لا يستحق أن نبددها فيمن لا يستحق .. وإن لكل شيء إيقاع في الحياة ... حتي الصمت!!!

 

 [email protected] 

  

............................

الآراء الواردة في المقال لا تمثل رأي صحيفة المثقف بالضرورة، ويتحمل الكاتب جميع التبعات القانونية المترتبة عليها. (العدد: 1157 الخميس 03/09/2009)

 

 

في المثقف اليوم