قضايا وآراء

ماهية التقويم في البحث الفلسفي

فان ما نريد الوصول إليه هو إن هذا التقويم يعد البوصلة التي ترشدنا، أو هو المهماز الذي نتلمس بواسطته الغاية المبتغاة، أو انه فيما يتبدى فلسفيا الغاية ذاتها، وهذه الغاية بذاتها التي تدخل حيز التطبيق الفلسفي أما إذا أردنا الذهاب ابعد من ذلك والوقوف على التقسيمات الفلسية التي ترد إليها الغاية بذاتها، فهي تعود من حيث الأصل إلى الحق والخير والجمال فمجموعة هذه القيم عبارة عن قيم ذاتية أو ما اصطلح عليه بالقيم الداخلية، إذ إنها تقابل داخل الدائرة الفلسفية قيما خارجية، فإذا ما أخذنا (الورد) على سبيل المثال لا الحصر فانه قيمة ذاتية أي إن المظهر الجمالي فيه لايتعداه، أما قيمة (الحصان) فيكمن فيما يؤديه من خدمات لغيره، وإذ نحن بهذا الصدد فلابد لنا من أن نؤصل موضوعة (الخير) التي تعود إلى فلسفة الأخلاق وموضوعة الجمال التي تعود إلى فلسفة الجمال، أما قضية الحق والصواب فتعود إلى علم المنطق. عودا على بدء نقول إن فلسفة الأخلاق تتبار في الشروط التي تتوافر في الأفعال الإنسانية لكي تصبح موضوعا خلقيا أو هي (العلم الذي يضع المثل العليا التي ينبغي أن يسير السلوك بمقتضاها).

هنا يمكن لنا أن نقول إن القضية قضية (معيارية) تبحث فيما ينبغي أن يكون  ولانريد هنا أن ندخل في التعارف بقدر ما هو مرور سريع على فهم المصطلح الذي يضعنا أمام العربة من دون خوف .

إن القضية الأخلاق قضية خلافية في الفلسفة إذ إن الصراع بين الفلاسفة كان يكمن في طبيعة التوجهات العامة أو البيانات والقيم الأخلاقية فبعض الفلاسفة يرى إن الأخلاق مسالة وضعية أي إن الإنسان هو الذي سن مفرداتها وطورها مثلما يطور الفلاح شجرة يغرسها فالإنسان هو الذي تكفل وضع شروطها القائمة مرة على الفائدة والمنفعة الذاتية أو التحرر من ربق هذه الأمور إلى حيث القواعد التي تضع النفع العام في مقدمة أولياتها لتصبح في النهاية قضية أخلاقية. أما المجموعة الأخرى فتقف على الضد من هذا وتعدها قضية نسبية أي إنها تخضع لظروف ذاتية وموضوعية وهنا تتعامد الحقيقة وقد لانتبينها بنحو جيد، لذلك ينبغي أن يكون هنالك مقياس أو مسطرة نوعية لأفعالنا، البعض الفلاسفة أعادها إلى القانون الأخلاقي المتأصل في الإنسان والظاهر كضمير أو صوت العقل وهؤلاء سموا بالعقليين ومنهم (كانت) وهنالك من أضاف إلى العقل الشعور بالألم (الندم) الذي يصاحب الفعل السيئ أو ما يخالف الإجماع وعلى الضد من هذا القانون الذاتي تمسك الخارجيون بالله وبالقوانين الوضعية التي تسنها الدول والجماعات ويتصل بذلك مشكل الحرية وتفرعاتها الكثيرة من جبر واختيار وحق وعدالة ... الخ .

أما الجزء الآخر فهو فلسفة القانون وهذه وان وقعت في دائرة الفلسفة الأخلاقية إلا إنها مرتبطة بما هو وضعي، أي في تعيين العلاقة بين الإنسان والدولة بمجموعة من القوانين الوضعية المرتبطة بهذا الاتجاه أو ذاك من حيث التأصيل النظري .

لقد ذهب الفيلسوف (عمانوئيل كانت) في هذا المنحى بعيدا إذ انه فصل بين (قانونية الفعل وأخلاقيته) أي فصل بين فلسفة القانون وفلسفة الأخلاق بمعنى إننا حيث نهتم بالقانون فإننا نركز على (الظاهرة) أي الطاعة المقترنة بفعل ظاهر لاعلاقة له بالنيات إلا إذا سبب فعلا ظاهرا، إذ إن الدولة لاتعاقب الناس على ما يدور في خلدهم أو نواياهم، بغض النظر عن كون تلك النوايا حسنة أو سيئة، لهذا تذهب الفلسفة القانونية في هذا الاتجاه إلى تغليب المسلمة المعرفية والمنطقية كما إنها تبحث في الذيل الدلالي للعدالة والمتمثل بالعقاب والتبعة والشخصانية والملك .

  

............................

الآراء الواردة في المقال لا تمثل رأي صحيفة المثقف بالضرورة، ويتحمل الكاتب جميع التبعات القانونية المترتبة عليها. (العدد: 1157 الخميس 03/09/2009)

 

 

في المثقف اليوم