قضايا وآراء

هل يفعلها حسن النواب؟

لابد أن يكون وسيلة الاستمرارية ... فالحياة النقية تنضج فيها صداقات نابعة من اللاهدف أو المصلحة الزائلة وتمثل وشيجة لا يمكن تفسيرها!

وبعيداً عن (التنظير) في الصداقة، ومعانيها، أدخل صلب الموضوع.... والموضوع هو علاقة الصداقة الروحية بين الشاعر كزار حنتوش، الذي غادر الدنيا دون أن يكمل بناء هرمه الشعري، وتوأم روحه حسن النواب الذي إ..تخذ من استراليا مستقراً له، وبني علي أرضها (تنوراً) طينياً هو الأول من نوعه في تلك القارة!

 

شخصان لم أرهما إلا معاً ....

كزار مع حسن أو حسن مع كزار لا يهم ... صباحهما مثل مساؤهما، وليلهما العبثي، عنوان المحبة المجلجلة بنقاش غير منهجي .... والعجيب أن حسن النواب لم يغار من الإشادة المستمرة في الصحف بشاعرية حنتوش، بل وجدته كلما جاءني إلي مكتبي في الصحيفة التي أعمل فيها، حاملاً معه موضوعاً أو نقداً أو قصيدة، يزيد من هذه الإشادة بأقوال أكثر ثراءً!

ومن غرائب الأمور إن جرت معي حالتان بطلاها كزار حنتوش وحسن النواب، الفارق بينهما عشر سنوات أو أكثر.

الأولي: كنت واقفاً متأملاً المتسوقين في سوق الخضار في منطقة (الشرطة الرابعة) وهي سوق شعبية شهيرة ببغداد، برفقة صديقي الكاتب حسن العاني، وإذا بحسن النواب يقبل عليّ بلهفة متسلحاً بابتسامته الطفولية العذبة المعروفة، ليسلم سلاماً حاراً جداً لم ألفه، ويجيب بعجالة قبل أن أسأله بأن وجهته هو بيت شقيقته .... وأعتبرت الأمر عادياً، فافترقنا، ثم عاد النواب بعد أن سار بضع خطوات راسماً علي خدي قبلة وأخري علي جبيني ... فضحكت واعتبرت ذلك نتاج (عصرونية) إنداح فيها حليب السباع ..وأدهشني أكثر وأنا أقرأ موضوع النواب الشيق في جريدة (الزمان) بعنوانه الجميل (لجوء خاص جداً) وقد ساح فيه بما يحب في العراق دون أن يمر علي ذهنه توأمه وحبيبه كزار.. وبعد فترة علمت أن النواب غادر العراق، واستقر في الأردن .... والذي أدهشني فيما بعد، كيف أن قلبه إستمر في الخفقان، وهو بعيد عن كزار حنتوش ... إنها الدنيا ... القريب من حظوظها ... قريب من وهجها .... والبعيد ... تائه في المجهول !!

أما الحالة الثانية: فكانت مع الشاعر، كزار حنتوش: فهذا الشاعر إختار في السنوات الأخيرة مدينة الديوانية، جنوب العراق، مقراً له مع حبيبته زوجته الوفية الشاعرة (رسمية محيبس) وفي العام 2006 طلب إليه أدباء المدينة، أن يرشح نفسه، ليكون نقيباً لهم، وأغلب الظن أنه وافق، فهل هناك أفضل من يمثل أدباء الديوانية ... من كزار حنتوش؟

وفي أثناء الاستعدادات لذلك الترشيح، جاء لبغداد، فزارني، كعادته، فحدثني وناقشني في أمر كان قد اتخذه ... شجعته، مع تأكيدي عليه أن لا يدع موقع رئاسة أدباء الديوانية، يأخذ من صولته الإبداعية! أومأ برأسه، غير أني لاحظت عليه، ونحن نحتسي الشاي، وجلاً وخجلاً وتواضعاً وقشعريرة من حزن مكبوت ... وعندما سألته عن أحوال (حسن النواب) غادرني مسرعاً، معتذراً، بارتباطه بموعد آخر، بعد أن أسمعني جملة واحدة (يسلم عليك)!

رحم الله كزار حنتوش .... وأمنيات لصديقي حسن النواب أن يجعل من خبزه العراقي المعجون من طحين الحنطة الاسترالية، والمشوي في فرن طيني، مفتاحاً لولوج عالم أدبي يستحقه ... وأن يكون باكورة هذا العالم عمل عن ... كزار حنتوش .... وما أحلي التوأم في الصداقة وما أتعس الأيام التي ينشطر فيه هذا التوأم إلي نصفين ... فالتوأم نبع واحد.

يعطي للآخرين ماءً رقراقاً من الحب . حتي لو كان من طرف واحد!

 

[email protected] 

............................

الآراء الواردة في المقال لا تمثل رأي صحيفة المثقف بالضرورة، ويتحمل الكاتب جميع التبعات القانونية المترتبة عليها. (العدد: 1161 الاثنين 07/09/2009)

 

 

في المثقف اليوم