قضايا وآراء

الشاعرة الجزائرية الراحلة هادية رجيمي.. صديقتي التي لم أرها

وجدت جثتها في حالة تحلل في بيتها الذي كانت تسكنه منفردة، وبينت التحريات أنها وضعت حدا لحياتها بنفسها، لأسباب مازلت غامضة، وهي التي صدر لها قبل ذلك بقليل ديوانها الشعري الأول (والأخير) "عطر الثرى" عن منشورات التبيين لجمعية الجاحظية التي يديرها الروائي الطاهر وطار.

عندما دعاني الصديق الكاتب الصحفي سليم بوفنداسة للمساهمة في ملحق "كراسة الثقافة" الذي يشرف عليه بيومية "النصر" الجزائرية، فتحت أرشيفي وكان أول ما رأيته، تقديمي لباكورة الشاعرة هادية رجيمي "عطر الثرى" للشاعرة هادية رجيمي، وكنت أنوي إعادة تحريره بما يتماشى والنشر في صحيفة، لكني ولسبب لا أعرفه تم تأجيل الأمر وبقيت تلك المسودة تنام بين ملفات "الوورد". وفجأة قمت بتحريرها وأرسلتها على الفور إلى بريده الإلكتروني. وعندما نشر المقال بعد ذلك، وقد حمل عنوان "نصوص بكر وشؤون كبيرة"، ثم نشر في مجموعة من المواقع الالكترونية العربية، كنت أتوقع بأن تقرأ الشاعرة ما كتبت، وأطمع في أن يبعث فيها ما كتبت شيئا من الغبطة، فكثيرا ما ينتظر أصحاب البواكير الأدبية الأقوال على قولهم الأول، ولم أكن أدري بأن صاحبة الديوان الذي كتبت عنه لم تقرأ ذلك لأنها ببساطة غادرت عالمنا أسبوعا قبل ذلك.

وعندما كلمني الصديق سليم مرة أخرى في أحدى الليالي الرمضانية، سائلا إياي إن كنت أعرف شاعرة من منطقة سوق اهراس(بأقصى الشرق الجزائري)، كنت قد كتبت عنها، وهل هي ضابطة شرطة؟ وأكدت له ذلك مما قاله لي الروائي الطاهر وطار قبل أن يضطره المرض للسفر إلى الضفة الشمالية من المتوسط وقد طالت غيبته بعض الشيء، ليخبرني سليم أنها نفسها ضابطة الشرطة التي نقلت بعض الجرائد الوطنية نبأ انتحارها قبل حوالي أسبوعين من ذلك ولم أتمالك نفسي وأصبحت بحالة اكتئاب شديدة وعدت إلى أرشيف "أخبار غوغل" أحاول البحث عن تفاصيل ذلك الغياب الإرادي المفاجئ، وكم كانت مفجعة طريقة الغياب تلك التي رحت أتخيل تفاصيلها الأخيرة، وأنا أقرأ نصوصها التي بين يدي وأتذكر أول مرة سمعت اسمها.

كان ذلك في مقر جمعية الجاحظية، وعمي الطاهر يغري بكأس شاي من يد "عمك السعيد"، قبل أن يريني مخطوطا يحتوي على أوراق كثيرة، ويقول بأن صاحبته ضابطة شرطة من سوق اهراس تكتب شعرا، ويريد النشر لها ضمن سلسلة جديدة اسمها "في الطريق" سبق وأن صدرت ضمنها مجموعة بعنوان "ورد هشيم" للقاصة ياسمين بن زرافة. وأرادني أن أكتب لها شيئا كالمقدمة، وعندما تناولت تلك الأوراق الكثيرة لم أبد تحمسا للموضوع لأن المخطوط أكبر حجما بكثير من مجموعة شعرية، وكان فيه الكثير من الخواطر الشخصية التي تنقصها اللمسة الأدبية، وافترقنا على هذا. وكان لقاء آخر سلمني فيه مخطوطة أخرى أقل حجما ومصففة بشكل جيد ليقول بأن الشاعر عبد الرحمن عزوق تكفل بانتخاب تلك النصوص الأجمل من بين كل النصوص الكثيرة الأخرى وبدا المخطوط أقرب لمجموعة شعرية حقيقية يفترض أن تنشر ضمن سلسلة "في الطريق" المخصصة لأدب الناشئين، وتمت العملية بسلام وصدرت المجموعة الشعرية تلك واستلمتها صاحبها بكثير من الفرح كما قيل لي ولم ألتقها إطلاقا. واحتفلت الشاعرة الضابطة هادية رجيمي بكتابها على طريقتها الخاصة وهي تقدمه لبعض منتديات الانترنيت وتكتب شيئا لطيفا عني وعن المقدمة التي وضعتها للديوان وكم كان صدرها رحبا وروحها الكبيرة لنظرتي القاسية لبعض محاذير بداياتها وكنت أتوقع مثلما توقع لها عمي الطاهر وطار أن تتجاوز البداية تلك بنصوص أقوى، لكنها تجاوزت تلك النصوص وكل الحياة لتلك نصها الأخير بطريقتها الخاصة.

هادية رجيمي ارتبط اسمها عندي منذ أيام قليلة بالراحلة صفية كتو، التي عادت إلى تفكيري بقوة منذ أشهروالمقر الجديد للجريدة التي أعملها بها يقترب كثيرا من النقطة التي سقط فيها جسدها عندما وضعت حدا لحياتها في أجواء أحداث أكتوبر 1988، ومعها أذكر عبد الله بوخالفة وفاروق اسميرة وآخرين، وها أنا الآن أضيف اسم الشاعرة هادية رجيمي إلى القائمة، تلك الصديقة التي ربطتني الأقدار معها ولو بشكل غير مباشر ولم التقها في حياتي، بل ولن ألقاها.

الخير شوار 

 

............................

الآراء الواردة في المقال لا تمثل رأي صحيفة المثقف بالضرورة، ويتحمل الكاتب جميع التبعات القانونية المترتبة عليها. (العدد: 1162 الثلاثاء 08/09/2009)

 

 

في المثقف اليوم