قضايا وآراء

شعر المقاومة من الأثرة الى الايثار نموذج أراغون

 بنفس القوة والقدرة التي يلاقون بها الغازي الأجنبي؟تساؤل شاعرالمقاومة التركي ناظم حكمت

 

ارتباط المقاومة بالتراث في ثقافات الشعوب

 ان عفوية مواكبة شعرالمقاومة الفرنسية والروسية للتراث القومي في مواجهة الهجمة النازية، لحادث يثيرالدهشة، لماعرف عن هاتين الأمتين من القطيعة المبينة بين الماضي التراثي الكنسي، وحاضرالفكرالأوروبي التي سجلهاتاريخ الفكرالمعاصروالنقد الأدبي، حيث واجهت شعراء المقاومة الأوروبية ضد النازية جملة عقبات واشكاليات وهي :

 - اشكالية كيفية التغني بوحدة الأمة، وتحديد مفهومها، والبحث عن أدوات لتحويل الشعر من مجال التجريد الابداعي الى بث الروح الثورية، والىأداة للتحريض ضد الهجمة النازية

- اشكالية كيفية مناداة شعراء الالتزام للأمة لتنهض، لتخلف فترات التردد في مقاومة القوة النازية الضارية والضاربةعسكرا وفكرا، المتمثلة في قوة العتاد الحربي والفكر القومي الجرماني (الثقافي والفلسفي) النازي المتعالي والمتغطرس

- اشكالية كيفية مواجهة زمن التجزئة الرديء الذي عاشه الفكرالفرنسي لما بين الحربين، المتمثل في صراعات التيارات الايديولوجية البونابارتية، والتيارت المناهضة لها من ملكيين وفوضويين أنارشيين، وصراعات التيارات الماركسية الجديدةالصارمة (ا لشيوعية الارثوذوكسية، اللينينية، الستالينية، والتروتسكية)، ضد تيارات الاشتراكيات المثالية من السانسيمونية، والفابية، وصراعاتها مع التيارات الرومانسية، والوجودية، والعبثية، والرمزية والانطباعية، واللاانتمائية، وغيرها من التيارات التي ناءت بحمل ثقلها، وهديرجلجلات لسننة المتحاورين والمصطخبين من كافة أشكال أطياف المبدعين في مقاهي باريس وباحاتها السياسية والثقافية بالحي اللاتيني، لفترة ما بين الحربين الى بداية المقاومة عام 1942

 

ومن هذا المنظور، فان الأمم الجادة في مراحلها الحاسمة، لتكون في أمس الحاجة الى الالتحام التام ما بين المفكرالسياسي، والمتفلسف، والمثقف النخبوي، ورجل الدين، والكاتب، والشاعر، والنحات، والرسام، والمصور، والمنظر الحزبي، والمناضل الثوري، والمتمرداللامنتمي للانكباب على تأمل ودراسة مقومات وحدة الأمة، ورسالتها الى الخارج والى الآخرين، وتبيان حدودها ومسئولياتها الانسانية، في نفس اللحظة التي يكون مناضلوها الشرفاء يذوذون عن قضيتها وينافحون عن طهرها، ويتساقطون مبللين بدماء الشهادة، وهم يدفعون همجية الغزووالاستيطان والاستعمارالمؤقت (فكل استعمارهو مرحلة عابرة بالضرورة مهما طال حسب استقراء التاريخ ومنطقه وعبره)

 

وان الوعي بقدسية المقاومة، هوالذي يصوغ الشعارات الحزبية والوطنية والقومية والدينية في الشعروالنثر الابداعي، وسائرالأعمال الابداعية في زمن القهروالأزمنة العصية، من طرف أولئك المبدعين الذين يبحثون عن الانسان من خلال الانسان المرتبط بأرض، ولغة وتاريخ، ومستقبل، وتنبء بالآتي، للتواصل مع كل المستضعفين في الأرض، ممن رفعوا أصابعهم احتجاجاعلى الغزو، أوالقهر، أوالظلم، أومقاومة انتفاء الشرط الانساني للعيش الكريم في هذه الحياة الضنينة المعاصرة، وفي هذا الكون المجنون، حتى تزول تلك الحدود الفاصلة بين هذه الزمرة المبدعة الملتزمة بقضايا ذويها وأناسها، وبين الآخرين من أناس البشرية أجمعين، ما دامت قضايا الانسان وتساؤلاته في هذا الكون المعتم الدامي واحدة، والتي أصبحت في واقع الأمرأسئلة الشعروالشعراء الأصلاء في زمن اللاشعر وزمن الشعراء المزيفين، حيث طغت قذارت اللاقيم واللامعنى واللاغاية على الثقافة والابداع والفكرفي هذا العالم العضواني المعاصر، الذي أصبح يحتقرالشعراء، ويعتبرهم غيرمؤهلين لتسيير شؤون المدينة ... حسب تعبير أحد كبارشعراء فرنسا المعاصرينBruno Durocherبرونودي روشي مديرالمجلة الدولية للشعر Caracteres »

 

 

 وان اللامنتمين الفارغين، من أولئك العابثين اللاهين بملامح تراثهم وملاحمه الوطنية والقومية والدينية، لن يفلحوا اطلاقا الى الوصول الى آفاق العالمية في الابداع، مهماحاولوا وان وهموا ذلك، وكم منهم من عاش يتلوى حسرة، ويتحرق شوقا، ويتلظى ملتهبا تحت لهيب أوهام الشموس الحارقة والغاربة للغرب، لكي يمن عليه الأسياد بترجمة ابداعاته للوصول الى عالمية الغرب، في حين أن المتلقي الغربي لا يجد في ابداعات هؤلاء سوى كونها هذاءات مرضية، وبضاعته البائرة التي ردت اليه، وكونها لاتعدوأن تكون خربشات تدورفي فلك التقوت والاغتراف من نفايات ابداعات الشمال المضطربة والمتقلبة، التي لا تخرج عن المتطلبات الحينية، لتساؤلات وحاجيات الغرب القلق والمتأزم الشبعان على أرضه وملكوته، والا، فليأت هؤلاء المبدعين العرب المعذبين المتهافتين بنموذج واحد من كتابات كبارمبدعي الغرب عن معانتهم لما يعانيه الانسان الفلسطيني أوالعراقي أو الثالثي عموما في هذا الكوكب المترنح، الذي ملأه الغرب بقذارته التي لاتنتهي عبر الحروب الكبرى والصغرى المخلفة للمآسي والمنذرة بالمزيد منها بالمنظورالقريب باسم عقلانياته ولاعقلانيته وتنويره وحداتثه وكل أطروحاته الجديدة لما بعد ؟ ولم حركت مبدعيهم ومثقفيهم في أربعينات وخمسيات القرن الماضي نازية هتلر، وفاشية موسوليني، وديكتاتورية فرانكو، فهبوا لحمل السلاح، آتين من كل فج عميق الىاسبانيا لمحاربة الفاشية من أقصى الولايات المتحدة وأمريكا اللاتينية الى أوربا الغربية، منهم على سبيل المثال : بيكاسو، همنغواي، نيرودا، أرثر مللر، اللورد بيرون، دالي، وغيرهم ؟أم النازية الصهيونية ومجازها ومحرقاتها منذ 1948 الى محرقة غزة عام 2009 ليست بانتهاكات انسانية ؟؟؟؟؟؟؟ومن من هؤلاء من المبدعين الشبعانين في الشمال الوردي، من ملهمي مبدعينا، من يجرؤعلى كتابة قصيدة واحدة !أولوحة واحدة !أو مسرحية واحدة !أو فيلما واحدا !عن الانتهاكات الصهيونية؟ ؟لاأحد !!!وحتى وان حدث فالويل والثبورممن يجرؤعلى ذلك!!!!ناهيك عن ظاهرة تهاطل الابداعات ذات النغمة الدعاوية السياسية المبتذلة، والاستغلاق النرجسي والدوران في الفراغ الأبله حول هل المقاومة عقلانية أم عبثية؟؟؟ اضافة الى الاستنضال الورقي ذي الأسبقية الدلالية السياسيوية على الأداء الفني الناضج الذي حول أدب المقاومة وأدب الالتزام، الى اعلانات واشهارات سياسية مسطحة فجة... !!!!

 

حالة لوي اراغون فارس شعر المقاومة الفرنسية

 

لقد كان رد فعل شاعرنا أراغون هو محاولة التعامل مع الماضي البعيد لأمته، والتراث التاريخي الفرنسي، تعاملا خاصا، من حيث كونه جزءا من ثقافته وحضارته وتراثه، لمجابهة خطرالغزو الثقافى الجرماني العنصري الخارجي، حيث استلهم عظة الماضي المتمثل في أخلاقيات وفروسيات نبالة القرون الوسطى، لفرسان الطاولة المستديرة وخاصة فرسان طروا –جنوب فرنسا-وشعراء التروبادور (1) والجوالين (2) متأثرا بريشارقلب الأسد كملك صليبي أولا، وكشاعرثانيا، الذى كان يعد فى طليعة شعراء التروفير (3) ) البروفنسي، مع رفيقه كظله في الحياة وحتىفي السجن، الذي كان مفخرة فرنسا الكبرى :الشاعرالصليبى بلونديل أميرمنطقة الشمال الفرنسي الاقطاعي Blondel de Nesle حيث ما يزال الفرنسيون يرددون الى اليوم كلنا بلونديل (حتى بعد تحريرفرنسا في فترة مقاومتهم للثوارالجزائرين بجبال الأوراس ب القبائل، مستنهضن همم العسكر الفرنسي لسحق الشيطان الأسود –المسلم الجزائري– كما رددها الصليبيون في الماضي، وكما صاغها الملك قلب الأسد في احدى قصائده لطرد الشيطان الأسود من بيت المقدس الذي هو صلاح الدين الأيوبي (الذي غامربحياته لمداواة وعلاج هذا الملك الصليبي عندما كان طريح الفراش يعاني من سكرات الموت) حيث أبدع الملك ريتشارد و بلونديل في حوالي أكثرمن ثمان وثلاثين قصيدة دينية شجية، محملة بحب الوطن والدين وكره الشيطان الأسود ومشجبة بالعدوالمدنس الملوث للأراضي المقدسة، حيث أذكت هذه القصائد حمية الشعبين الفرنسي والاسبانى ضد أعدائهم في القدس والأندلس في الماضي البعيد، فعادت من جديد لتذ كي من حماس المناضلين ضد المحتل النازي، وضد الجزائريين في الحملة الكولونيالية الفرنسية ضد الثوار في الجزائر، والحملة الصليبية الاسبانية المعاصرة على شمال المغرب ضد أسطورة القرن العشرين في الكفاح المسلح والمقاومة الشعبية عبد الكريم الريفي أوالخطابي...

 

وقد كان للقصائد المستلهمة من التراث الكنسي الفرنسي لأراغون، مثل بساط الخوف الأعظم و أغاني فرنسا المهزومة، وأشهر قصائده التراثية ريتشارد قلب الأسد و الزنابق والزهور حيث كانت تتصف كلها بذلك القدرالعظيم من الانفعال بالتجربة الانسانية المستلهمة من التراث الفرنسي، ومن التجارب التي خاضها الشعب الفرنسي في الماضي البعيدعبرقيادته للحملات الصليبية، مقابل التجربة التي يخوضونها في تجربة المقاومة الجديدة لجحافل النازي بقيادة الجنرال دوغول، فكلنا شارلمان كما قال دوغول في احدى خطاباته ..

 

فكان أراغون يمزج –بانتقائية ارتقائية-ما بين التاريخ الفرنسي القرن-الأوسطى-الكنسي الشارلماني-الصليبي (وذاك أمرطبيعي فلكل أمة ذاكرتها وتراثها) كذاكرة شعبية، تذكرالمقاومين بدورالأمة الفرنسية في قيادة الشعوب الأوربية، كلها في الحملة الصليبية وتعزيز ثقافة المقاومة الشعبية ضد الأغيار، ومقارنتها بمأساة العصرالمتمثلة في الهجمة العنصرية النازية المتفوقة عرقيا حضاريا وعسكريا... ! تفاديا في عدم السقوط في عصاب الهزيمة النفسية التي هي أخطرعلى نفوس المقاومين من الهزيمة العسكرية، ليخرج منها بأحدى أروع قصائده التي هي (باريس)

 

 لا شيء من قبل جعل قلبي ينبض هكذا

لا شيء ألف بين ضحكاتي و دموعي هكذا

مثل هذه الصرخة لمواطني المنتصرين

لا شيء عظيم قدر كفن ممزق منسول

باريس... باريس حررت نفسها

 

 كما لم ينسب أراغون النصر لأحد حتى لأصدقائه من المثقفين الذين استشهدوا في القتال، أو تحت التعذيب، حيث لم يذكرهم قط في أشعاره...، وذلك كان منه من قمة الايثار، و قمة العطاء، فصورة الفرد تتحول الى وجه فرنسا بأكمله ذلك الوجه الغائب في أتون المعركة...، (علما بأنه شارك بنفسه في معارك التحريركمساعد طبيب-فتكوينه الجامعي كان طبيا-وترقى لاستبساله الى رتبة ملازم.)

 

 ومن هذه المشاركة الفعلية جاء شعره كخط الدفاع الأول عن الروح الفرنسية، قائلا في قصيدة أخرى

 

اني لأتذكر نغمة مثل صوت البحر العاري

مثل صيحة الطيور المهاجرة... نغمة خلفت

في الصمت... بعد الألحان تنهيدة مكتومة

اني لأ تذكر نغمة سمعت صفيرها في الليل

في زمن لم يعرف الشمس...عصر بلا فارس أفاق

عندما كان الأطفال يبكون من القنابل... في المقابر

كان الشرفاء من الناس يحلمون بنهاية الطغاة

فيختتم هذه القصيدة الطويلة بقوله

أود لو أصدق أن الموسيقى لا تزال

في قلب هذه المدينة... أو مخبوءة تحت الأرض

سوف ينطق الأخرس والمشلولون

سوف يسيرون في يوم بديع الى صوت القبلة المنتصر

 

للبحث صلة

 

كاتب وباحث مغربي/ أنثروبولوجي/ مقيم بباريس

............................

الآراء الواردة في المقال لا تمثل رأي صحيفة المثقف بالضرورة، ويتحمل الكاتب جميع التبعات القانونية المترتبة عليها. (العدد: 1165 الجمعة 11/09/2009)

 

في المثقف اليوم