قضايا وآراء

الشعر الوطني الفلسطيني . . .الى اين؟!

كامتداد  واستمرار طبيعي للشعر الذي ابدعته وجادت به قرائح واقلام شعرائنا الفلسطينيين قبل النكبة، وفي مقدمتهم :ابراهيم طوقان وعبد الرحيم محمود ومطلق عبد الخالق ونوح ابراهيم  . وكان الشاعر والاديب الجليلي الراحل جورج نجيب خليل اسبق الشعراء الى النشر في تلك الحقبة ، اذ ظهر له ديوان "ورد وقتاد" سنة 1953 ثم لحق به الشاعر والروائي والناقد الادبي الراحل عيسى لوباني بديوانه "احلام حائرة "الصادر سنة  1954،  وتلاهما الشاعر حنا ابو حنا المعروف بريادته في كتابة القصيدة الوطنية الملتزمة التي تعنى بصور الارض والتراب والزيتون، ثم ظهر الشاعر الوطني الراحل توفيق زياد الذي استطاع ان يحول الفجيعة الى اغنية متفائلة  تحفل بالحزن الشفاف، واتسمت قصائده بالنزعة الخطابية الحماسية والعاطفية التحريضية، بعدها افرزت حركة الشعر الفلسطيني جيلا جديدا اخذ هو ايضا موقعه في الخندق النضالي ولم يقف على قارعة الطريق، بل ساهم في نهضة شعبنا وتطوره الثقافي وكفاحه السياسي وصنع الخلاص وبناء المستقبل الواعد، فظهر عصام العباسي وراشد حسين ومحمود درويش وسميح القاسم وسالم جبران وشكيب جهشان ونايف سلسم وحنا ابراهيم وجمال قعوار وطه محمد علي وفوزي عبدالله وسعود الاسدي وميشيل حداد واحمد حسين واحمد طاهر يونس وغيرهم . ومن الجيل الثالث برز في مجال القصيدة الشعراء :حبيب زيدان شويري  وفهد ابو خضرة وفاروق مواسي وشفيق حبيب وادمون شحادة ونزيه خير وسيمون عيلوطي ونواف عبد حسن وسليم مخولي ونعيم عرايدي  وسميح صباغ وحسين مهنا ويعقوب حجازي  وهايل عساقلة ومحمد حمزة غنايم وعدوان ماجد ومفلح طبعوني وفتحي القاسم وناجي ظاهر وانطون شماس ورشدي الماضي وعطالله جبر وابراهيم مالك وسليمان مصالحة وعلي الصح وسهام داود وعبد الرحمن عواودة  وغير ذلك من الاسماء .

 

ومن نافل القول ان الشعر الوطني الفلسطيني وقف في الصفوف الطليعية للثقافة العربية المعاصرة واخترق الحصار الى الافاق العالمية وحظي باهتمام الباحثين والدارسين، وتعرف الضمير الانساني العالمي على الابداع الشعري لشعبنا المعذب المحاصر والمكافح ضد القهر والاضطهاد السلطوي والظلم القومي والطبقي، وذلك بترجمة النصوص الشعرية الفلسطينية الى لغات متعددة وما زلنا نتذكر ولن ننسى صرخة شاعرنا الراحل محمود درويش "انقذونا من هذا الحب القاسي ".

 

ان الشعر الفلسطيني هو شعر شعبي من ناحية فكرية واجتماعية  وسياسية، وشعر تحريضي موجه وحي وله قلب نابض، وقد التزم قضايا الناس وتفاعل مع احداث الوطن وخاطب الجماهير والتحم بالقضية الكبرى وبالمعركة الوطنية ولامس الواقع الفلسطيني، واقع القهر والغبن، كما جسد الهوية النضالية والثورية لجماهيرنا العربية الفلسطينية  وطرح قضايا تحرير الارض والمجتمع والانسان، وابرز ملامح المواجهة القادرة على صياغة الفعل المقاوم، وهذا الشعر صادق وبعيد عن التكلف ويتغلغل في القلب والروح والعقل كتغلغل الماء في الارض العطشى .

 

وتمتاز القصيدة الفلسطينية  الوطنية والمقاومة بالعمق والاصالة والجمالية الفنية والغنائية والسلاسة والوضوح، ومحلاة بالرمز الشفاف والصور المتماسكة، وبالتفاؤل الثوري الواعي والتبشير بالاتي الاجمل .

 

وبتوقد الشاعر الفلسطيني الملتزم والمقاوم بشرارة الخلق والابداع والعشق الصوفي للوطن والارض والثورة الاجتماعية التحررية، ويخوض معركة الكلمة حاملا صليب الصمود متوهجا بالمعرفة والوعي والنور، ومسلحا بالارادة والايمان والرؤية الواضحة، ويساهم في صياغة  نص الحرية والعدل والانعتاق ورسم معالم المستقبل وافاق الدرب المخضب بدماء الشهداء .

 

وفي الحقيقة والواقع انه طرا تراجع ملموس وواضح على الشعر الفلسطيني الوطني الكفاحي نتيجة انحسار المد الثوري، وانهيار الايديولوجيات، وغياب الحلم الثوري، واخفاق حركات التحرر الوطني في العالم العربي في احداث التغيير المنشود وتحقيق احلام وطموحات الجماهير في الحرية والمساواة والعدالة الاجتماعية والدمقراطية . واذا كان الشعر الفلسطيني المعبر عن القضايا والهموم الوطنية والطبقية، والمشحون بالرفض والتحدي وروح المقاومة قد نبت في قلب واتون المعارك والخنادق والزنازين والسجون  فان الشعر الفلسطيني في هذه الايام يكتب ويولد في الغرف المكيفة وبهوات الفنادق الفخمة، واحد كبار شعراء الثورة والمقاومة والكفاح في هذا الوطن الذي طالما عرى انظمة الذل والعار والهزيمة وطالب بدك العروش العربية واسقاطها، اخذ يحج الى القصور الملكية وفاق الجواهري في قول كلمات الاطراء والثناء للملك وراح ينسق معه من اجل اقامة مؤتمر عربي فكري لمناقشة القضايا العربية المصيرية .! !

 

وخلاصة القول ان المشهد الشعري الفلسطيني الراهن يعج بالاسهال الشعري والنتاج السطحي الهابط والمتدني، البعيد عن روح وجوهر الشعر الاصيل والجميل من ناحية المبنى والمعنى والصياغة الفنية والمتانة والجزالة وجمالية الاسلوب الشعري، واننا في زمن الجوع الثقافي وفي هذا الجو الادبي الباهت والانفلات البعيد عن الشعر الصادق والابداع الحقيقي نفتقد للشعر الوطني الثوري والكفاحي اللاهب والخالد ذي النكهة الخاصة والاخاذة، الذي يمد جذوره الى الجماهير ويتفاعل مع واقعنا وهمومنا واحلام شعبنا المقدسة، ويكرس بقاءنا الثقافي والروحي والمادي في عناق الارض والوطن والمستقبل .

 

(مصمص )           

 

............................

الآراء الواردة في المقال لا تمثل رأي صحيفة المثقف بالضرورة، ويتحمل الكاتب جميع التبعات القانونية المترتبة عليها. (العدد: 1168 الاثنين 14/09/2009)

 

 

في المثقف اليوم