قضايا وآراء

فرويد ومزعمة شعب الله المختار(1)

 فاطردشعوبا كثيرة من أمامك، أطردالحثيين، والجرجاشيين، والعموريين، والكنعانيين، والغرزيين، والحوبيين واليبوسيين، سبع شعوب أكبر وأعظم منك، وقد دفعهم يهوه الهك أمامك فضربتهم، انك تحرمهم، فلا تقطع لهم عهدا ولا تشفق عليهم،.. سفر التثنية... ثم تحول يهوه اله القبيلة - بعد قرون - الى اله عالمى في سفرالخروج وأحدأهم معالم التعريف المعجمي الليكسيكي للحضارة الغربية باعتبارها: التوليفة (الاغريقية – الرومانية والقيم اليهودية - المسيحية) حيث تم اقصاء الاسلام كدين ابراهيمي عن توليفة ما يسمى 'بالديانات الابراهمية الثلاثة باعتباره: الدين الكاذب ونبي الاسلام ب النبي الكاذب في معظم دوائرالمعارف الغربية للديانات الى أواخر الستينات

 

 مقدمة

تعرض فرويد لتحليل اليهودية في مؤلفات عديدة أهمها: كتاب (الطوطم والمحرم) وكتاب (موسى والتوحيد). - وهوموضوع بحتنا في هذه العجالة‏، ومقالته الشهيرة (موسى ومايكل أنجلو). واتسمت دراساته لليهودية - بمنظور التحليل النفسي للضميرالجمعي اللاشعوري لليهود، بالتركيزعلى خصوصية العقلية اليهودية التي تتميزبسمات عامة، تنطبق على ما يمكن تسميته ب الشخصية اليهودية أو العقليةاليهودية عموما (دينية معتدلة أو متطرفة، أولادينيةأوملحدة). وهذه السمات كما ذكرها فرويدهي: الكذب، وجنون العظمة، والعنف، والإرهاب، والترويع، وتزويرالتاريخ، والادعاء‏، والغطرسة.

 

 بالاضافة الى رسالة التحفظ الشهيرة التي خطها فرويد عام1930الى حاييم كوفلر عضو مؤسسة اعادة توطين اليهود في فلسطين التي يعتذرفيها فرويدعن عدم اقتناعه بفكرة دعم المشروع الصهيوني التي طلبت منه كماطلبت من أنشتاين، الذي حقرعقله الجبارالذي ساهم في الترويج لعظمة الشعب اليهودي وتاريخه المجيد، والتذكير بمآسيه، حيث تم ترشيحه لرئاسة الدولة العبرية قبل بن غوريون...

 

 وقد كان لرفض فرويد مساندة المشروع الصهيوني، عواقب وخيمةعلى عمله وأبحاثه في النمسا (معقل الصهيونية الفكري والايديولجي) مما اضطره الى الهجرة الى انجلترا حيث طلب منه - كعلامة ومؤسس علم النفس التحليلي للترويج (كأحدكبارمؤسسي علم النفس الديني، والانثربولوجيا الدينية، مع العلامة فرايزر وجون ديوي ووليم جيمس من عتاة مؤسسي البراغماتية ) للترويج - سيكولوجيا - لعلو كعب الشعائراليهودية ورموزها الروحية على سائرديانات اليابسة، جلبا للعلمانيين اليهودالجدد القادمين الى اسرائيل، والتأويل العقلاني لأسرار شعار حائط المبكى بالقدس وأهميتها ليهود العالم،. ترويجا لأكبرقرصنةغربية ولأحقرمشروع تجاري تم التخطيط له بمفاهيم الحداثة والديمقراطية الغربية والاشتراكية العلمية والاقتصاد الانغوساكسوني والاجتماع الفرنسي والفلسفة الألمانية بأخبث التحايلات الفكرية الأخطبوطية

 

 وقد ظلت رسالة فرويد الى حاييم كوفلر مصادرة وممنوعة عن الاعلام الدولي والثقافي مدة سبعين عاما من طرف الاعلاميين الغربيين ومثقفيهم - مما يدفعنا - نحن الباحثين - الى التشكيك في نزاهة البحث العلمي الغربي ومصداقيته، وانتقائياته الاقتطافية التبريرية والمشوشة -، ثم ظهرت هذه الرسالة مرة أخرىفي صحف ومواقع عربية عام 2003، حيث أثارت جدلا بين متهمي فرويد بالتصهين - الذي لم يثبت وثائقيا - ومن برأه – مقتفيا دفاع ادوارد سعيد عن فرويد وتبرئته منهذه التهمة

 

 الا أن أهم الأبحاث التي أنجزها فرويد في التركيزفي نقد مزاعم التراث العبري في الثلاثينات – أي قبل قيام دولة الكيان الصهيوني عام 1948 -: بحثه الذي طلع على العالم عام 1937، بدراسة خطيرة ينتقد فيها قواعد الديانة اليهودية التي ينتمي اليها (ويظن البعض انه له كتبت له حياة أطول، لحدث له من الانحراف عن العلم والنزاهة الموضوعية في الشأن اليهودي، والتحول الى الهرطقات التوارتية كماحدث لعديله–في العلم والديانة - العلامة ألبرت أنشتاين) هذه الدراسة التي نشرتها - المجلة المشهورة 'ايماغو التي كان لها صدى بعيدا في الأوساط العلمية زمنها، ولا سيما بعد نشرالقسم الثالث منها بعد وفاة فرويد بفترة طويلة، والتي اختفت عن الأنظار، وأصبحت أثرا بعدعين، أوعلى الاقل ما زالت مختفية عن الأعين الى حين يتم العثور عليها من جديد

 

مدخل عام لفكرة: أصول فكرة شعب الله المختار

أدرك الشعب اليهودي مكانته السامية، وقتما اعتنق في مراحله الأولى فكرة الوحدانية، في حين كانت الشعوب المحيطة به – حسب مزاعم اليهود - غارقة في غياهب الشرك والضلال، وبلغ أوج التضحية في سبيل اعلاء الشأن اليهودي، وبذل كل مرتخص ونفيس، للحفاظ على استنارة الشعب الدينية في عصرالأنبياء، حيث كان مدركا لكنزه الروحي الثمين ومعتدا به، فعزم على التحريف والانحراف عن الابراهيمية وكان له ما اراد، ولكن كيف تم ذلك؟

 

لأسباب تاريخية معقدة، - اختلف المؤرخون القدامي، والمتخصصون في الأنثروبولوجيا الدينية - ذكرالقرآن الكريم بعضا منها على سبيل التذكيروالعبرفي سورة الانبياء وسورة القصص (والقرآن ليس كتاب تاريخ، للتذكير) – تحول هذا الشعب عن عبادة الله الواحد الأحد، الى عبادة ذاته، فلقد اعتبر السموالروحي الذي وصل اليه، امتيازا له خلعه الرب عليه وحده بموجب عهد أبدي يجعل منهم شعب الله المختار، وهكذا ضل اليهود وأضلوا بالتالي الأقوام الذين عاشوا بين ظهرانيهم، مما سبب لهم الكوارث والهزات المتتالية عبرالتاريخ الانساني، فتردوا في خطأ مميت فحاقت بهم الويلات، وانحرف بهم اعتقادهم بصفة شعب الله المختار التي ألصقوها بأنفسهم زورا وبهتانا – كما سنرى في تحليل فرويد - الي العقم الفكري والعقائدي والروحي، والتيه في متاهات أدت بهم الى مزالق، وأودت بهم في مهالك، عندما آمنوا يقينا بأن الله كتب لهم سيادة العالم بموجب أنهم خلص صلب ابراهيم عليه السلام، الذي عقد الرب معه ومع نسله عهدا - حسب مزاعم مزاميرهم - بأن يمنحهم بمقتضاه الأرض المقدسة وسيادة الأغيار والعبيد في العالم، فتحجرت العقيدة اليهودية عندما ضحى اليهود برسالة سماوية مجيدة لهداية البشرية، مقابل تبني غاية مقيتة، تتجلى في الحفاظ على ذاتيتهم وكراهية الأغيار وسائر البشر، فحولوا الديانة' اليهودية بمفهومها السماوي والروحي، وانعطفوا بها الى القومية البغيضة العنصرية، حين خشي أحبار اليهود أن تضيع مقوماتهم الثقافية في خضم حياتهم مع الأمم الأخرى، وأن يحطم الاضطهاد معنوياتهم، فيرتدواعن ديانتهم، فأوحوا الي الشعب اليهودي، بأنهم رسل الله الواحد الحق على الأرض، وأن ما يكابدونه في حياتهم عقاب على خطاياهم، ليقينهم بأن الله سيغفر لهم بعد فترة من المكابدة والمعاناة كل ذنوبهم وأكاذيبهم، حتى يتمكن خلالها شعورالندم في قلوبهم ( وهذا من أخطرأسرارهم التلمودية الخفائية ésotirique الغيرمفهومة للعبيد من غيراليهود)، ومناط غفران الخطايا، هوالعودة الى أرض فلسطين، وتمكينهم من رقاب أهلها، ومنها السيطرة على بقايا شعوب العالم انطلاقا من أرض الميعاد الى بقية العالم، وهوما يعتقده كل يهودي العالم اليوم بكل انتماءاتهم السياسية من أقصى اليمين الى اقصى اليسا (بالمنظورالأنثروبولوجي) – والحديث عن الحكومات اليمينية والحكومات اليسارية في تاريخ الصهيونية منذ نشأة الكيان الصهيوني أمريثيرالسخرية بمنظورالبحث العلمي - (1)

 

 ولقد تغلغلت فكرة مزعمة الشعب المختار في أعماق النفسية اليهودية، فاعتنقوها يقينا، لكثرة تردادها من الأحبار لمئات القرون، حتى أصبحت جزءا عقائديا من الديانة اليهودية، بحيث تصبح والعدم سواء ان جردت منها، بحيث لا يمكن التبشيربالديانة اليهودية بين الشعوب الأخرى، ذلك لأن الشعب المختار محدود بنسل ابراهيم وحده، - حسب مزاميرهم - فيعرفون الشعوبية عندهم بأنها ترابط بين أفراد يقومون بتجربة في علاقتم بالله الذي اختارهم لتحقيق رسالة خاصة لا يعلمها سواه

 

موسى والوحدانية بمنظور سيغموند فرويد

 بدأ فرويد كتابه المشهور موسى والوحدانية بتقريرالأمانة العلمية التي تفرض علي، بالافصاح عن الحقائق التي اهتدى اليها عن بحث وتمحيص، وان كانت شديدة المرارة على للشعب اليهودي الذي ينتسب اليه فرويد نفسه،

 

 وأول ما لفت فرويد كما–لفت الباحثين في أنثروبولجيا الديانات، والأديان المقارنة - هو اسم موسى عليه السلام المشتق من اللغة المصرية القديمة التي تعني طفل ويدخل في كثيرمن الأسماء المصرية مثل آمون موسى وتعني آمون وهب طفلا وبتاح موسى أي بتاح وهب طفلا ورع موسى وتحوت موسى الخ

 

ويخلص فرويد الى ان اسم موسى أحيط به وبمولده الكثيرمن الأساطيرالمتناقضة المروية عن اليهود في سفرالخروج، للقول بأن موسى بطلهم وحاميهم ومانحهم شريعتهم وناموسهم لم يكن يهوديا - بمفهومهم -، بل كان مصريا صميما، ولقد هان على اليهود أن يكون بطلهم القومي (لانبيهم) أجنبيا، فأحالته أساطيرهم الى يهودي عرقي وان كانت التوراة قد اعترفت بأنه قد اكتسب حكمة المصريين ونورانيتهم، وما تزال هذه النزعة التلفيقية تطال مع الأبحاث الأكاديمية المعاصرةبمحاولة فصل الموسوية عن اليهودية في جامعات عتيدة مثل السوربون ومعاهد الدايات العليا بفرنساعلى سبيل المثال وخاصة تلك الابحاث المختصة بالدراسات الاركيولوجية المتعلقة بحفريات الشرق الاوسط برمته الخاضعة في أبحاثها الرصينة الى المنطق والقراة التوراتية للمنطقة وخاصة مصروفلسطين.

 

عقيدة اليهود قبل موسى (عليه السلام)

يؤكد فرويد على أن الشعب اليهودي – قبل موسى عليه السلام - كان يعتنق ضربا من العقيدة الدينية تخلو من الوحدانية التي تؤمن بان الله واحد أحد، قادرعلى كل شيء يسمو عن التصويروالتشكيل، لكون المصريين - وقتذاك - كانوا يؤلهون عددا كبيرا من الكائنات تمثل قوى الطبيعة على اختلافها، وكان معظم هذه المعبودات ذا طابع محلي ورثه السكان، وقتما كانت البلاد تنقسم الى عدد من الأقاليم، وكان لكل اقليم طوطيم يتخذ معبودا له على شكل حيوان يألفه سكان الأقليم، وتقام له طقوس العبادة والمراسم والاحتفالات وتنحث له التماثيل‏

 

 ولقد أثارتهذه الدراسة الفرويدية زمنها – وماتزال - الكثير من الجدل العلمي، واتهمته الأوساط العلمية اليهودية والصهيونيةبالخبل العقلي والتجديف والتخريف. الان أن أهيمة الدراسة تكمن في الجراة علىاعادة تسليط الاضواء على الثبوتيات التوراتية واتباث الكذب والتدليس فيها ونفي أسطورة الشعب المختار اليهوديةالتوراتية التي أدت باليهود إلى جنون العظمة، والميل الى القتل وسفك الدماء، بقتلهم لموسى عندما شكوا في عبرانيته. ‏

 

كما نعود أهميتها في التركيزعلى ذكر مسوغات قرصنة تاريخ المنطقة والتاريخ البشري، وارجاعها الى الصفات التي ذكرها في مقدمة كتابه وهي: الميول اللاشعورية الى التزوير والتلفيق، الذي هو نتيجة طبيعية لرغبتهم المتأصلة في الهيمنة والسيطرة، مما دفع بهم الى تنمية جافز ودوافه والقتل وسفك الدماء، وجنون العظمة، وبسبب افتقارهم إلى أدنى مقومات الدين المفترض أن تكون: البراءة والصفاء ونقاوة الفطرة والطهرانية، وبالتالي فان (فرويد) يشكك في سلامة النص التوراتي، إذ يقول:... إن النص التوراتي الذي بين أيدينا يحتوي على معلومات تاريخية مفيدة،.... ولكن تم تحريف هذه المعطيات بفعل مؤثرات مغرضة قوية، كما تم تجميلها رومانسيا

 

ويخلص فرويدالى أن الشخصية اليهودية المتسمة بما ذكرناه أعلاه، كان لا بد وأن تكون مصابة بمرض (البارانويا). وهي سمة أساسية - حسب فرويد توجه معظم سلوكيات اليهود منذ وجودهم. ومنها يرفض فرويد فكرة حاجة اليهود إلىالنازية' لتبرير سلوكهم الإجرامي (علما بأن النازية والصهيونيةهما: فلسفتان انتقائيتان للفكر الألماني النتشي والرعشات الأولى للسيادة الرومانية القديمة). فالنازية لم تفعل أكثر من كونها مؤثراً ومحفزاً، ومنبها لإخراج هذه (البارانويا) من حالة (الكمون) الىالممارسة والفعل، وهو ما دفع اليهود إلى وضع تصورمرضي فانتزمي بأن: فلسطين: بلد اليهود أو دمارالعالم، أوالطوفان.... !!!

 

د. الطيب بيتي العلوي

 

............................

الآراء الواردة في المقال لا تمثل رأي صحيفة المثقف بالضرورة، ويتحمل الكاتب جميع التبعات القانونية المترتبة عليها. (العدد: 1172 الجمعة 18/09/2009)

 

 

في المثقف اليوم