قضايا وآراء

في نقد الخطاب الديني السلفي

 التكفيري المنفلت على العلمانية والعقلانية،  ونتيجة ممارساته وهجومه الغوغائي اقتحمت الشوارع العربية حوادث عنف واغتيال راح ضحيتها العديد من المفكرين والمثقفين العلمانيين النخبويين السابحين ضد التيار السائد، المؤمنين بالاجتهاد والداعين الى تحديث العقل العربي الاسلامي وتجديد الفكر الديني.وفي الوقت الذي تزدحم فيه الحياة الحديثة المعاصرة بكل عناصر العلم والمعرفة والفلسفة والتكنولوجيا والتفاعل العميق مع التطورات والافكار الجديدة، نرى التيارات الدينية السلفية والغيبية الظلامية المتطرفة،  التي تموج بها مجتمعاتنا العربية الاسلامية تفرض احتكارا على الدين والفكر الديني، وتخنق الفكر،  وتنشر الاساطير والخزعبلات، وتحارب بشراسة التنوير والاصلاح والحداثة،  وتفسر الدين تفسيرا معاديا للعقل والاجتهاد، وتطرح افكارا شديدة التعصب والتخلف والرجعية ازاء الثقافة والفكر والابداع والتطور العلمي وتدعو للعنف وتكفير المجتمع وتهديم النسيج الاجتماعي ومصادرة راس المراة وملامحها.

 

وما من شك ان الرجعيات والانظمة العربية تقوم باستثمار واستغلال سياسي للدين يكون ريعه تدمير المجتمع العربي الاسلامي عدا عن تعميق التناقضات والصراعات الطائفية والقبلية فيه وتمنع تطوره وتقدمه، كذلك فان الجماعات والحركات المتاسلمة ذات الطابع السلفي الظلامي تتغذى من النفط السعودي وتستثمر اللحى والجلباب والحجاب من اجل سرقة الفقراء وسرقة الاوطان.

 

لقد استخدم السلف الفكر الديني بعمق ووعي وعقلانية، لتاصيل وعصرنة المفاهيم الاسلامية ورفع مستوى الوعي العربي الاسلامي وتحويل الدين الى رافعة للمجتمعات العربية الاسلامية لتتمكن هذه المجتمعات من التصدي للتحديات التي تجابهها، لا سيما في الميادين الاقتصادية والثقافية والاجتماعية .وان رواد الفكر العربي الاسلامي المضيء والمشرق من رفاعة الطهطاوي وعبد الرحمن الكواكبي ومحمد عبده وقاسم امين وصولا الى جيل طه حسين واحمد لطفي السيد وسلامة موسى وعلي عبد الرازق وخالد محمد خالد وسواهم، ساهموا فعلياً في نهضة المجتمع وتحرير المراة ومشاركتها الفعالة في مختلف مناحي الحياة، ودافعوا عن حرية الراي والتفكير واحترام الراي الاخر، بينما نجد الاصوليات الاسلامية السلفية تعمل وتسعى جاهدة الى تقييد حركة الراهن وجعله اسير الماضي، وان تمجيدها لهذا الماضي هدفه تهديم الحاضر دون تقديم برنامج ومشروع مستقبلي عصري وتجديدي وعقلاني .كذلك فان السلفية الجديدة ترى ان كل الاسئلة القائمة التي يطرحها الانسان موجودة في الغريزة او في الدين، ونتيجة ذلك فان الانسان لا يقرا الدين على ضوء اسئلة الحياة وانما يقرا الحياة على ضوء تعاليم الدين .

 

وفي حقيقة الامر ان تراثنا يحمل في ذاته مجموعة من القيم الروحية والاخلاقية العليا، ويزخر بالنزعات المادية والعناصر والجوانب التقدمية والدمقراطية .وقد حافظت هذه العناصر على بقائها ورسوخها من خلال علاقتها المادية الصادقة مع ثقافتنا القومية التقدمية، وهذا التراث كان وسيبقى دائما مع وحدة المظلومين والمقهورين ضد الظالمين والمستبدين .

 

ولا جدال ان قوى التعصب وجماعات الاسلام السياسي هي قوى متعصبه ورجعية ومتزمتة معادية للابداع وللعلم والدمقراطية والتعددية والحرية وشرعية الاختلاف، والمساواة للمراة، ومعادية للحضارة الاسلامية السمحة التي تحمل ملامح دمقراطية وعقلانية مدهشة، وايضا معادية لقوانين التطور ولطموحات الانسان العربي في التقدم والتطور الحضاري في مختلف المجالات الثقافية والاجتماعية والعلمية والاقتصادية .ومن نافل القول، ان قيادات الحركة السلفية يتسمون بمعاداة العقل والتفكير المنطقي استدلالا بالنص المقدس الذي يدعو هو نفسه الى ضرورة اعمال العقل وتحريض النبي الكريم على هذا بقوله : "انتم اعلم بشؤون دنياكم ". انهم يديرون ظهورهم لكل مستجدات الواقع والحياة ويؤسسون لفكر احادي يقدس النص ويكرس الجهل والتبعية ويعادي الثقافة والفن والابداع، ويفرضون معايير واوضاعا ماضوية تعتبر ردة حضارية ودعوة الى تمزيق المجتمع وعزله عن حضارة العصر،  ومحاولة فرض سلطة دينية على هذا المجتمع . ولذلك فعلى القوى التحررية التقدمية والتيارات الفكرية والايديولوجية العلمانية المكافحة والمقاتلة لاجل التجدد العام لمجتمعاتنا العربية، كشف حقيقة وزيف الجماعات الدينية الاصولية السلفية التكفيرية المتطرفة التي تعارض التاويل المستنير والعقلاني للنصوص الدينية.وهذه الحركات تدعي الاسلام وتشوه جوهره الوسطي الانساني وبعيدة عن روح وجوهر الاسلام الحقيقي المتسامح والمنفتح،  وعن تراثه وتقاليده وتعاليمه المتميزة بالسماحة واحترام الاخر، الاسلام الذي يدعو الى الثورة على الظلم السياسي والقهر الطبقي والاجتماعي ومواجهة الفقر والجهل والتخلف، ونشر المحبة والوئام والتكافل بين البشر، علاوة على التصدي بالفكر والجدل والسجال لخطابها السلفي المنغلق ومشروعها السياسي، وابراز صورة الاسلام النيّر الذي اعطى وقدم الكثير للحضارة العربية الاسلامية ..الاسلام المشرق الذي ينشد الحرية والانعتاق وتهذيب الانسان ورقيه وتطوره .وايضا الوقوف في وجه دعاوى الشعوذة السياسية والظلامية، لان هذا دفاع عن حق مجتمعاتنا على امتداد الوطن العربي في التقدم الحضاري ومواكبة روح العصر باتجاه بناء وتاسيس الدولة المدنية المعاصرة القادرة على التخطيط العلمي المنهجي الواقعي في خدمة طموح الجماهير الى حياة افضل واجمل واخصب، لادولة الاكراه والتعصب الاعمى والجاهلية الجديدة والطائفية المقيتة البغيضة، ودولة العنف والتصفيات الجسدية والاغتيالات الفكرية لكل من يجرؤ على الاجتهاد وممارسة الحرية التفكير العقلاني المغاير والبديل .

 

(مصمص)(كاتب وناقد فلسطيني)

 

............................

الآراء الواردة في المقال لا تمثل رأي صحيفة المثقف بالضرورة، ويتحمل الكاتب جميع التبعات القانونية المترتبة عليها. (العدد: 1173 السبت 19/09/2009)

 

 

في المثقف اليوم