قضايا وآراء

وقفة تأملية في الواقع العربي الراهن وحركة التحرر الوطني العربية

ناهيك عن احتدام الصراع الطبقي والاجتماعي في الأقطار العربية وازدياد وقاحة المؤسسة السياسية الحاكمة في التامر المكشوف وخدمة الاستعمار والامبريالية العالمية والتواطؤ مع مشاريعها ومخططاتها المفضوحة . بالاضافة الى تراجع الوعي القومي الاجتماعي التقدمي، القائم والمؤسس على احترام التعددية والديمقراطية واختلاف وجهات النظر وحرية التفكير وكذلك انحسار قوى الثورة والتقدم واليسار، وتعمق أزمة حركة التحرر الوطني العربية التي تعرضت لهزات ذاتية عنيفة واعترضت طريقها عوامل وحواجز كثيرة أعاقت مسيرتها الثورية وانطلاقتها الى أمام.

 

ومن الواضح أن النظام السياسي والمؤسساتي العربي، الاستبدادي والقمعي هو السوط الذي يجلد طموحات وأحلام الانسان العربي ويقف عائقاً أمام تطور الفكر العربي التقدمي الديمقراطي والرؤية العلمية الحضارية، وكم من ظواهر اجهضت عبر التاريخ البشري؟؟!

 

ولا ريب أن الفكر التقدمي على امتداد الوطن العربي كان دائماً عرضة للاغتيال والحصار والتغييب، الأمر الذي حال دون احداث تغيير جذري في البنية الاجتماعية والسياسية والاقتصادية في الوطن العربي، وأدى بالتالي الى  اضعاف واخفاق القوى اليسارية والثورية، حاملة لواء الفكر التقدمي والديمقراطي المستنيروافساح المجال لظهور وصعود قوى ظلامية وأصولية وأوساط تكفيرية استطاعت التغلغل بين القطاعات الشعبية والجماهير المسحوقة والفقيرة ونجحت في جذب قطاع واسع واستمالته والقبول بأفكارها ومعتقداتها.

 

هنالك عوامل كثيرة أسهمت في انكماش وتقهقر حركة التحر ر الوطني العربية وتراجع المد الثوري القومي العربي الجارف، ومن هذه العوامل: غياب التضامن العربي والوحدة العربية الشاملة، والردة الساداتية وانتهاج السادات سياسة" انفتاح" مضادة للثورة أدت الى تصفية الدور الطليعي الهام لمصر في حركة النضال القومي العروبي وعزلتها من خط ودائرة المواجهة وجعلتها فريسة سهلة للامبريالية ولمخططاتها التامرية، ومواصلة مبارك السير في ركب السياسة نفسها، مما جعل هذا الكابوس يلقي بكلكله على صدر النيل العظيم، اضافة الى الى الزلزال السوفييتي وانهيار ما كان يسمى بالمنظومة الاشتراكية أو المعسكر الاشتراكي، الذي شكل رأس الحربة في الدفاع عن القضايا والمسائل التحررية للشعوب المضطهدة، وكانت سنداً قوياً لحركة التحرر العالمية، وكذلك سيادة النظام العالمي الجديد الذي تقوده الولايات المتحدة، وأيضاً حرب الخليج وما افرزته من تداعيات، والعدوان على العراق، وغياب الحلول للقضية الفلسطينية . كل هذه العوامل قادت وأدت الى انهيار الأيديولجيات واختلال الموازين في الساحة الدولية وخلق بلبلة واضطراب فكري وصدمة ايديولوجية قوية أفقدت الأحزاب والحركات الثورية الطليعية والتيارات الأيديولوجية مفاهيمها العلمية والتخلي عن الكثير من شعاراتها وبرامجها السياسية وتغيير تكتيكها السياسي على حساب الاستراتيجية، كما زاد من حالة الركود والاحباط والتقوقع والانسلاخ عن الواقع الثوري وتقلّص أحلام التغيير، وتراجع القيم الاجتماعية والفكرية والاخلاقية، وهجرة الادمغة العربية المتنورة والمبدعة الى الخارج بسبب انعدام الديمقراطية وحرية التعبير، وبات المثقف النخبوي العربي يحس بالعجز واستحالة التغيير في ظل هذه الاوضاع القاتمة والحالكة مفضلاً البقاء في صومعته بعيداً عن المعارك الضارية والطاحنة، والسؤال المطروح الان: ما هو الجواب الحقيق يوالمخرج من الأزمة الراهنة في الواقع العربي وحركة التحرر الوطنية؟!

 

برأيي، أن الجواب في هذه المرحلة العاصفة هو اجراء مراجعة نقدية شاملة لمسيرة حركة التحرر الوطنية العربية، والاستفادة من التجربة السابقة واعادة الاعتبارات والاضاءة للفكر التقدمي والديمقراطي التحرري، وفتح حوار معمق حول الاشكالات المطروحة والقضايا المصيرية والمستقبلية الكبرى، وتوسيع جبهة المواجهة والرفض والتصدي للقمع والارهاب الفكري، وكذلك خلق وانشاء حركة تحرر وطني جديدة تحمل المسؤولية التاريخية، رغم الظروف الصعبة، وبلورة صيغة جديدة للثورة العربية القادمة ذات بعد اجتماعي وطبقي عميق وتوجه ديمقراطي وثوري حقيقي علاوة على الالتصاق بالجماهير الشعبية العريضة، وايجاد حلول تضمن رفع المعاناة الاقتصادية لهذه الجماهير التي وصل بؤسها وفقرها واحباطها الى اللجوء والانضواء تحت خيمة الحركات السلفية والتيارات الأصولية، كما هناك حاجة لانضاج واختمار الظروف الموضوعية، وانتظام ما تبقى من قوى التقدم والثورة والتغيير، القادرة على دك العروش وهدم القصور النتنة على رؤوس الأنظمة القمعية الحاكمة، واطلاع فجر الحرية والعدل والديمقراطية، وبناء مجتمع الحضارة والتعددية الثقافية والفكرية والحزبية ومؤسساته المدنية. 

 

............................

الآراء الواردة في المقال لا تمثل رأي صحيفة المثقف بالضرورة، ويتحمل الكاتب جميع التبعات القانونية المترتبة عليها. (العدد: 1177 الاربعاء 23/09/2009)

 

 

 

في المثقف اليوم