قضايا وآراء

الصَفويون الأتراك .. مالهمْ وما عليهم ْ..؟

- قال تعالى - نحنُ نقصُ عليك َأحسن َالقصَص- الثقافة الأسلاميه تطورت مع الزمن فكونت مزيجاً من ثقافات الأمم القديمه كالفرس واليونان والهند والسريان والأرمن، فالحضارة الأسلامية وبناتها من العلماء هم ليسوا عرباً وليسوا أتراكاً وليسوا فرساً وأنما هم مسلمون، ملأت نفوسهم كلمة القرآن، وعمرت أرواحهم دعوة الله تعالى العامرة بروح الأسلام، وهي بمثابة الجنس والأخوة الأسلامية، ساهموا جميعاً في بناء صرح الحضارة الأسلامية الراقية في مختلف العلوم والفنون وكان أغلبهم من الترك والفرس مثل سيبويه، الطبري،البيروني،أبن سينا،ابي حامد الغزالي، الفخر الرازي، البخاري، مسلم، الخليل ابن احمد، ابي حنيفه، أبن حنبل، الترمذي، الكيلاني، وغيرهم  يعدون من مفاخر المسلمين جميعاً، وأذا كانت مناطق أواسط آسيا وتركستان وأيران وأفغانستان تعتقد قبل الأسلام بالمجوسية، أذاً كانت الوثنية الخرقاء تغطي معظم بلاد العرب  قبل الأسلام، اِلا انهم جميعاً حملوا بعد ذلك لواءالأسلام، فمن يحاسب الترك والفرس على تأريخهم القديم،عليه أن يعرف أين كان العرب أيام السومريين والبابليين والآشوريين وغيرها من الأقوام، وموقفهم من الألهه المفترضه آنانا ومردوخ وجهل العرب بمعرفة الله تعالى .

 

 فعلينا أن نبتعد عن التمييز أذاً.

لقد حضَ القرآن الكريم والرسول الكريم على وجوب التثبت في قبول الأنباء والروايات، ونقصد الأمانه والحياد،و لاعجب أن نجد  في كل زمان ومكان  ممن يروجون أفكاراً مزيفه يوهمون الناس ويمجدون للطغاة  وينسبون لهم الأفضال والمكارم  فيما تشقى البشرية منهم

نجدهم يسجلون الأباطيل والأوهام ويلصقون العيوب والمساوئ مع من أختلفوا معهم بالفكر أو العقيدة أو المذهب،بقصد هوى الأنفس أو هم لا يشعرون .؟

 

قال تعالى - وما لهُم بهِ من علمٍ اِن يتبعونَ اِلا الظن واِن َالظن َلا يغني مِن َالحق شيئاً -.  وقول الرسول الكريم - سيكون في آخر أمتي أناس يحدثونكم مالم تسمعوا أنتم ولا آباؤكم فأياكم وأياهم - والأمام الغزالي يقسم - الخبر - الى ما يجب تصديقه والى ما يجب تكذيبه والى ما يجب التوقف فيه ..؟

ويعدد - أبن خلدون- الأسباب التي يتطرق الكذب للخبر من قبلها - التشعبات للآراء والمذاهب، وتوهم الصدق، والجهل بتطبيق الأحوال على الوقائع بالتصنع على غير الحق في نفسه، وتقرب الناس لأصحاب المراتب بالثناء والمديح على غير حقيقته. ولا ننسى العصبية الممتزجه بين الصراعات السياسية والدينية قد تركت أثراً واضحاً في طريقة وطبيعة الأساءه والأفتراء على المعارضين .

وقد جعلَ الفيلسوف - هيغل - الأمانة التاريخية أول شرط يجب مراعاته في نقل الأحداث بحيث تخلو من الأفكار والأختراعات الذاتيه، ونقصد الألتزام بالحيادية والأمانة .

 

نعود الى الأتراك

فقد أهتمَ الخليفة العباسي المُعتصم بأقتناء الجنود الأتراك وجلبهم من أقاليم ما وراء النهر، مثل سمرقند، فرغانه،الشاش، خوارزم وغيرها كان ذلك أما عن طريق النخاسة أي الشراء أو عن طريق الأسر في الحروب، أو الهدايا التي يؤديها ولاة الأقاليم على شكل رقيق، ولقد أمتلأت بغداد في عهد المعتصم بأولئك الجنود الأتراك الذين من المذهب السني الذين بلغوا عشرات الآلآف ألبسهم الخليفه أفخر الملابس وسمحَ لهم بركوب الخيل في شوارع بغداد، حتى ضاقت بهم الناس وتذمروا من تصرفاتهم وأصطدموا بأهالي بغداد وأثاروا السخط بينهم، فأضطر الخليفة الى نقلهم الى سامراء لتكون عاصمةالعباسيين، وكان هدف المعتصم من أستخدام العنصر التركي التخلص من النفوذ العربي والفارسي في الحكومة والجيش على السواء،وتوسع في أستخدام الترك من المماليك وغيرهم أعتقاداً خاطئاً منه بأنهم مجردون من الطموح الذي أتصف به الفرس ومن العصبية التي عرف بها العرب،  لكن هذه السياسة عادت على البلاد بالضرر الكبير ظهرت نتائجه فيما بعد !  

وأخذ خطر الأتراك يستفحل حتى قيل أن المعتصم ندم على أصطناعه الأتراك في آخر حكمه غير أن أسف المُعتصم جاءَ بعدَ فوات الأوان، وأستولى الأتراك منذ مقتل المتوكل على الخلافة فكان في الخليفة في أيديهم كالأسير اِن شاءوا خلعوه وأن شاءوا قتلوه.؟ حسب ماذكره أبن طباطبا - الفخري في الآداب السلطانيه - ولا حول ولا قوة لهم .

لعل أصدق قول للشاعر - دعبل - المتوفي 246 هج

خليفة مات،لم يحزن له أحد         --      وأخر قام،لم يفرح به أحد

فمر ذاك زمر الشؤم يتبعه         --        وقام ذا فقام النحس والنكد

 

--- أما الصَفويون الأتراك -- فهم أسرة تركمانية عريقة ولفظ التركمان يعني التركي المؤمن

وأُطلقَ على المسلمين الأوائل من قبائل أتراك - الغز - في تركستان، وقد أسسوا الطريقة الصوفيه،التصوفيه في -أذربيجان الجنوبيه - في مدينة آردبيل، وأشتق أسمها من أسم جدهم الأعلى صفي الدين الأردبيلي -650 هج- 1334م - المعتنق للمذهب السني الشافعي، والشافعي هو محمد بن أدريس الذي يلتقي بنسبه الى النبي الكريم -ص- في عبد مناف وقد ولد عام 150 هج 767م وتوفي 204 هج -819 م . وقد نجح الشيخ صفي الدين ومن بعده أحفاده الشيخ جنيدم وأبنه الشيخ حيدر من المشاركة في الأحداث السياسية في أذربيجان ثم  الى أيران وتحولوا من شيوخ طريقة صوفيه الى دعاة دولة لها طموحات في الحكم والسيطرة

وكانت الأجواء مشحونة بالفوضى والتمرد والأقتتال بين أبناء الأسر التركمانيه الأخرى خاصة دولة الخروف الأبيض-آق قوينلو - فكانت فرصة أستفاد منها الصفويين لكسب الكثير من الأتباع خاصة في عهد الشاه أسماعيل الأول - ولد عام 1487م-  وأستمر حكمه لغاية 1524م وأستطاع مع الكثير من أتباعه وأنصاره خوض معارك ضاريه سيطر فيها على - تبريز - وأعلنها عاصمة الدولة الصفوية التركمانية وسك العملة بأسمه، ولقبه أتباعه بأبي المظفر شاه أسماعيل الهادي الوالي، وكان يتمتع بصفات القيادة من الذكاء والصبر والشجاعة والقدرة على التاثير في قلوب الناس وكسبهم وتوجيهم لصالحه، وكانت أذربيجان وأيران وأفغانستان قبل ذلك سنية المذهب، وكان الشيعة يسكنون في مدن كاشان والري وقم - حيث مرقد الأمام علي بن موسى الرضا - من آل البيت،وبعد تتويج الشاه أسماعيل ملكاً عمل على جعل المذهب الشيعي - الجعفري - المذهب الرسمي للدولة،  نسبة الى - الأمام جعفربن محمد الذي عرف ب - الصادق -ولد عام 80 ثمانين للهجره 699م ونشأ في المدينه حيث آثار جده النبي  وكبار علماء الأسلام مع تراث آل البيت،كان حظ الأمام جعفر الصادق

من العلوم الأسلامية وافراً مع المكانة الأجتماعية العالية والقيمة السياسية، كان من كبار علماء عصره، وعنه أخذ الأمام مالك وغيره من العلماء، وقد وصف الأمام مالك مجلس جعفر الصَادق بقولهِ - لقد كنت آتي جعفر بن محمد وكان كثير المزاح والتبسم، فأذا ذكرعنده النبي أخضر وأصفر، ولقد أعتدت على زيارته زماناً، فما كنت أراه اِلا على اِحدى ثلاث خصال،أما مصلياً وأما صائماً وأما يقرأ القرآن . وذكرهُ علماء السنة وأثنوا على الصادق.

 

نعود - الى الشاه أسماعيل  الصفوي حيث كان الصراع والتصادم على المصالح والنفوذ والسيطرة والتنافس مع الدوله العثمانية التركية أيضاً، لبسط الهيمنة على أوسع رقعة من البلدان وليس من أجل العقيدة والدين، وأعتبر العثمانيين أن الصفويين  حاجز سد طريق طموحهم وحال دون أمتداد توسعهم في تركستان، وللسيطرة على طريق الحرير،-تبريز - حلب - اسطنبول -

وفي معركة جالديران شرق تركيا-1514م أنتصر السلطان العثماني- سليم الأول- بأستخدام الأسلحة الحديثة مدافع وبنادق البارود،على الشاه أسماعيل وتراجع جيشه الى أذربيجان ودخل الجيش العثماني - تبريز - عاصمة الصفويين منهكاً لبعد المسافه، ثم أنسحب السلطان سليم الأول الى بلاده آسطنبول بعد الحاح من جنوده، ولم يحسم الأمر بينهما وقد دخل الصفويين قبل ذلك الى بغداد وأحتلها لعدة سنوات وكان أقصى غاية الصفويين وطموحهم يتجلى بالوصول الى المراقد المقدسة لآل البيت في الكاظمية والنجف وكربلاء. وظل كل من الصفويين والعثمانيين ينتهز الفرصة للأطاحة بالأخر، وظل الشاه أسماعيل يفكر في الرد على العثمانيين لكن السلطان سليم الأول وافاه الأجل عام 1520م ولم يمهل القدر الشاه أسماعيل حيث وافته المنية بعده بسنوات قليله  1524م ودفن في أذربيجان وخلفه في الحكم ابنه طهماسب الأول، وقد أسس أسماعيل الصفوي دولة قويه غنيه بالموارد والعمران والفنون شملت أذربيجان وأيران وأفغانستان وأجزاء من العراق- عدا الموصل - كان محباً للشعروالشعراء والأدباء وكان نفسه يقرض الشعر بالتركيه والعربيه والفارسيه وله ديوان شعر باللغة التركية - يضم قصائد في مدح الرسول -ص- وآل البيت الكرام .

 بعد أنتهاء الحكم الصفوي دخلت أيران تحت حكم سلالة تركمانية أخرى هي - قبيلة الأفشار - حيث كان نادر شاه الأفشاري ضابطاً في الجيش الصفوي وتزوج شقيقة الشاه طهماسب2

 

وأعلن الدولة الأفشارية عام 1736 م .

لقد نشأت في أذربيجان دول تركمانية عديده منذ القرن العاشر الميلادي وأستمر ألف عام تقريباً، سيطرت هذه الدول التركمانية على أيران وأفغانستان وأجزاء من العراق وغيرها وهي الدولة الغزنويه والدولة الأيلخانية والدولة السلجوقية ودولتا الخروف الأسود والأبيض ثم الدولة الصفوية وبعدها الدولة الأفشارية والدولة القاجارية، لقد تبعت تبريز وأردبيل وروميه وغيرها الى أيران بعد تقاسم كل من روسيا القيصرية وأيران  ل - أذربيجان - وفق معاهدة تركمان جاي عام 1828 م وكانت حصة أيران منها الجزء الجنوبي، ويشكل الأذريون والأفشار والقاجار 30%من مجموع سكان أيران أضافة الى قوميات أخرى منها العرب ويهود وغيرهم .

أن المواقف الصفوية في الحكم لاتحجب ماقام به العثمانيون أيضا من أنتهاك وخراب جراءالمعارك والحروب ضد الشعوب العربيه وفي البلقان والشعوب المسلمه الأخرى بقصد التوسع والسيطرة خلال 600 سنة تقريباً، وفي نهاية المطاف وقوف القبائل والدول العربية في طرد العثمانيين ومحاربتهم والأصطفاف مع الأنكليز 1918م ونهاية حكم آل عثمان .

 

أخيراً فأن الصَفويين قبيلة تركمانية من أذربيجان وليسوا فرساً أو أيرانيين وكانوا لعشرات السنين يتبعون المذهب السني الشافعي وتحولوا الى المذهب الشيعي متأخرين،  أن ما يتحدث به البعض من طلائع ثقافة الكراهية والطائفية لخلط الحقائق ونشر الجهل خاصة تناول الصفويين  كمفهوم خاطئ يتداوله الأعلام العربي بشكل مُضلل كعنوان ردئ لأيقاظ الفتنة الملعونة وبقصد الأساءة .. في نفوس أكلت الأحقاد أكبادهم ؟ نتألم عندما نرى بعض من أمتنا على هذا الحال.؟ نتساءَل ..هل قلة الثقافة لدى هؤلاء هو السبب .. أم لجهل أصلاً .؟

كلنا أمة واحدة، وأن المدارس الفقهية المتعددة أستظلَ بظلها ومازال قرابة الملياري أنسان مُسلم من سُكان الأرض، وهذا هو الأنجاز الحَضاري العظيم للأسلام.

 

 صَادق الصَافي-النرويج

 [email protected]

 

------------------------------------------------

المصادر

الطبري- و- ابن طباطبا -

د.محمدعبدالغني-صراع العربخلال العصور

د.أحمدالسعيد-تاريخ الدولة الاسلاميه ومعجم الاسر الحاكمه

البرفسور. أحمدمختار- تاريخ الدوله العباسيه

 

............................

الآراء الواردة في المقال لا تمثل رأي صحيفة المثقف بالضرورة، ويتحمل الكاتب جميع التبعات القانونية المترتبة عليها. (العدد: 1182 الاثنين 28/09/2009)

 

 

في المثقف اليوم