قضايا وآراء

في شعرية الدكتور عبد الله الفيفي / عبد الستار نورعلي

ذلك أن "القصيدة" لم تسمَّ بهذا الاسم في اللغة العربيّة- ولغير العربيّة ما لها- إلاّ لأن النصّ "مقصّد"، أي منغّم، منظّم، مرتّل في وحدات موسيقيّة، وفي وزنٍ مستقيم، أو ما أطلق عليه الخليلُ مصطلح: بحر. لأن من معاني "القَصْد: استقامة الطريق... وطريقٌ قاصد: سهلٌ مستقيم... والقَصِيدُ من الشِّعْر: ما تَمَّ... سُمّي بذلك لكماله وصِحّة وزنه."

 

هذا ما يقوله الدكتور عبد الله الفيفي في الجزء الأول من دراسته (شعرية البناء الموسيقي ... مراجعات نقدية في خطابنا الشعري الحديث)، وهو ما يمكن لنا اعتماده ملخصاً لموقفه من الشعر والقصيدة، مثلما هو تعريف لمعنى القصيدة (الشعر) واختزالها في الموسيقى والنغم أي الوزن صحته وتمامه، وبذا فهذا في رأيه هو شرط احتساب أيِّ نصٍّ أدبيٍّ وإجازته لدخول عالم القصيدة، وبذا يُخرج ما اصطلحنا على تسميته بـ(قصيدة النثر) من هذا الفن الأدبي . ولا يتردد الدكتور الفَيفي في التأكيد على موقفه الرافض باصرار لاعتماها شعراً وقصيدةً عبر دراساته عن الشعر العربي، ومنها سلسلة الدراسة المشار اليها، إذ يقول فيها أيضاً:

"فعلى هذا فإنَّ ما ليس فيه من الكلام وحدات نغميّة تتقصّد فليس بقصيدٍ البتّة، وعلى أرباب قصيدة النثر، إذن، أن يبحثوا عن لفظٍ آخر غير "قصيدة"."

 

هذا الموقف الرافض الحازم مبنيٌّ على اعتقادٍ ثابت بتقديس ما توارثناه من قيم وثقافة وشعر، ورسوخها في النفس، وكأنّ محاولات تطوير القصيدة وتحديثها فنياً شكلاً ومضموناً هو مساسٌ بها وضربٌ من الآثام والذنوب التي لا تُغتفر . وينطلق ايضاً من المحافظة على منهجية الشعر وعناصره وقواعده وشروطه الفنية المعتمدة في الاشارة الى الجودة والضعف، وإلى التفوق والرفعة، والى الغثِّ والسمين كما وردنا عن القدماء. وعليها يُبنى التقييم وتكون النظرة الى الشعراء، وبدرجة جودة وحسن وبلاغة وسلامة وجزالة وقوة وتأثير ما يبدعون، ومن خلال المحافظة على تلك القوانين والشروط والعناصر الفنية وتوفرها في القصيدة وفي مجمل منتج الشاعر . لذا قسّم النقاد القدامي الشعراء طبقات مثلما فعل ابن سلام الجمحي مع فحول الشعراء في (طبقات فحول الشعراء)، فحتى الفحول طبقات عندهم، وإنْ كان تقسيم ابن سلام يعتمد معايير الزمان والمكان والجودة والفن الشعري الأبرز لدى الشاعر .

 

وهنا علينا النظر في عنصر وشرط (الجودة) بمعنى المعايير الفنية التي يجب توفرها في شعر الشاعر ليُوضع ضمن الطبقة المناسبة له . ومثلما كان يجري ماقبل الاسلام في اختيار أفضل وأجود القصائد، التي سميت بالمعلقات، سواءً جاءت التسمية لتعلقها في النفوس أم لتعليقها على جدار الكعبة، فالذي نريده أنها اختيرت لأنها الأفضل والأجود والأجزل، على أساس مدى تأثيرها في النفوس بفعل شعريتها، من خلال جودة وجزالة وسلامة لغتها وصورها وأخيلتها ومضامينها حسّاً ومعنى، وفق ما تعارفوا عليه من معايير القوة والضعف شعرياً، مع خلو النظر النقدي آنذاك من المنهجية المدرسية بالشروط والقواعد الفنية التي وضعها النقاد القدامى فيما بعد، شكلاً ومضموناً، لتُعتَمد مقياساً منهجياً في نقد الشعر، وتقييم القصيدة ومنزلة الشاعر، دون الركون الى الذاتية في النظر من خلال الذائقة الخاصة والموقف الشخصي العاطفي خارج التقييم الموضوعي .

 

يقول القاضي الجرجاني (ت 392 للهجرة) في الأسس والمعايير التي سبقتهم في المفاضلة بين الشعراء، والتي يصح لنا اعتبارها الشروط الفنية لتفوِّق الشاعر وقياس جودة القصيدة في ذلك العصر والتاريخ:

" وكانت العرب إنما تفاضل بين الشعراء في الجودة والحسن، بشرف المعنى وصحته، وجزالة اللفظ واستقامته، وتسلم السبق فيه لمن وصف فأصاب، وشَبَّه فقارب، وَبَدَه فأغزر، ولمن كثرت سوائر أمثاله وشوارد أبياته."

وإنْ اشار فيما قال الى عدم نظرهم في الأساليب والفنون البلاغية التي تمنح القصيدة ألقاً وجمالاً وحلاوة أكثر لتلامس الحسّ لدى المتلقي فتثيره وتؤثر فيه فتهزّه، وعدم اكتراثهم بها مع أهميتها البالغة في الابداع الشعري حين اضاف :

 " ولم تكن تعبأ بالتجنيس، والمطابقة، ولا تحفل بالإبداع والاستعارة إذا حصل لها عمود الشعر، ونظام القريض."

 

وحصول عمود الشعر ونظام القريض هو في الاهتمام بعناصر وأسس هذا العمود، وهي التي وضعها البلاغيون وهم النقاد المُعتمَدون في عصرهم، فسُميت على ضوئها القصيدة الملتزمة بها والتي تتألف على نظامها وتتوفر فيها بـ(القصيدة العمودية). وهذه العناصر هي التي أشار اليها أبو علي المرزوقي (ت 421 للهجرة) في مقدمته لشرح ديوان الحماسة لأبي تمام وهي: شرف المعنى وصحته، جزالة اللفظ واستقامته، الإصابة في الوصف، المقاربة في التشبيه، التحام أجزاء النظم والتئامها على تخير من لذيذ الوزن، مناسبة المستعار منه للمستعار له، مشاكلة اللفظ للمعنى وشدة اقتضائهما للقافية حتى لا منافرة بينهما.

 

ويمضي الدكتور الفيفي في رؤيته للشعر وفق المنهجية الفنية الكلاسيكية الى حدّ متعصب حين يردُّ على  مريدي قصيدة النثر والثائرين على القصيدة بشكلها العمودي وحتى على البناء الموسيقي (الوزن) في شعر التفعيلة بحجة الحداثة والتطور الثقافي والفني بالارتباط بالتطور الحضاري والتقدم البشري، فيقول في الجزء الثاني من دراسته :

" بل لا يكترث حين تحدِّثه، مثلاً، عن شِعريّة البناء الموسيقيّ في الشِّعر، وعن قيمتها التعبيريّة، (التي ما جُنَّ العربُ ليتّخذوها نبراسَ بيانٍ لألفَي عام)؛"

 

فالدكتور يرى في البناء الموسيقي في الشعر قيمة تعبيرية عليا، والعنصر الأول والمحدِّد الاساس في اعتبار النصّ المنظوم قصيدة لكي تكون من فنّ الشعر، وإلا فمن الكفر اعتبار الكلام النثري المرسل شعراً وقصيدة حتى لو احتوى صوراً شعريةً، وبناءً متيناً، ولغة جميلة، وعاطفةً وحسّاً رفيعاً. وهي من باب "الأقاويل الشعرية" كما سمّى النقد القديم هذا الشكل من القول، على ما ينصّ عليه الدكتور الفيفي .

 

فإذا أطلق اسم "الأقاويل الشعرية" على هذا الشكل من النثر فمعنى ذلك أنها تحمل شحنة شعرية، أي تمتلك عناصر من الشعر إلا الوزن، فهل من المعيب والمرفوض أنْ يسميها أصحابها من الكتاب المبدعين (قصيدة نثر) ويعتبرونها شعراً ومن باب التجديد والتحديث للقصيدة العربية، مثلها مثل غيرها من الفنون الابداعية الجميلة؟

 

يذهب الدكتور عبد الله الفيفي في نظريته الشعرية الى عدم القبول باطلاق تسمية قصيدة حتى على مايُسمى بشعر التفعيلة وما عُرف مدرسياً بـ(الشعر الحر)، فها هو يقول في الجزء الأول من دراسته :

" أمّا شِعر التفعيلة، فلا يعدو تكرار التفعيلة، ووضع قوافٍ اختياريّة بين وقتٍ وآخر، ولا يُعَدّ ذلك وزنًا في شيء، ولا يقتضي أيّ مهارة موسيقيّة شِعريّة تُذكر، كما لا يَختبر قدرات الشاعر اللغويّة، وتحكّماته في مادّته اللغويّة.  لذا كان مَرْكَبًا سهلاً لكل عابرٍ في كلامٍ عابر. "

وهو يمضي في القول لاغياً كلياً هذا اللون الشعري والسِفر الضخم الذي ساد لعقود ومايزال، ولا أعتقد أنّ الشعراء سيتوقفون عن الابداع فيه، فلقد أضحى من مسلمات التطوّر الفني الشكلي الذي طرأ على القصيدة العربية، مثلما تطوّرت كلّ مناحي الحياة العربية حضارةً واجتماعاً وثقافةً وفنّاً:

" لقد جاءت قصيدة التفعيلة لتُلغي الوزن العروضيّ أصلا، بل لتُلغي كلّ العوائق والحواجز والتحدّيات أمام الشاعر، وتُلقيها برُمّتها عن كاهله، ليُعبِّر، وكأنه يكتب نثرًا مرسَلا، سِوى أنه يلتزم بتفعيلة يقلّبها بين كفّيه كيف شاء وشاءت له التداعيات التعبيريّة. فما ظنّنا بردّة فعل أُمّة عاشت أكثر من ألف سنة تعرف جِنس الشِّعر على أنه ذو معمار هندسيّ دقيق خاصّ، موزون مقفّى، وفجأة قيل لها: لا، سنهدم هذا القصر الشِّعري الشامخ، ونسمِّي هذه الأنقاض شِعرًا، وإنْ كانت بلا وزن ولا بناء؟!"

 

إنه ينكر حتى الوزن في شعر التفعيلة بانياً رأيه على الآتي:

" ومن هنا فما في شِعر التفعيلة ليس بوزن، وإنما هو نَغَمٌ فقط، يتماوج في وحداته في غير وزنٍ مطّرد، ولا اتّزان تركيبيّ، يَرْعَى التقابل والتناظر في معمار النصّ."

 

ويُعلّلُ رأيه هذا بالقول:

" إن مصطلح "الوزن" لا يتطابق معناه مع شِعر التفعيلة، من حيث إنّ الوزن هو اتفاق الشطرين في عدد التفعيلات وتكوينها، وكأنهما كفّتا ميزان، هذا مع اتّفاق القصيدة في نظام أبياتها، من حيث الزحافات والعِلل، في أعاريضها وأضربها وحشوها، فلا يختلّ ميزانها الدقيق وفق قوانين العَروض العربيّ.  ذلك هو ما يُطلق عليه: الوزن،"

 

إذن هو يرى أنّ القصيدة هي التي تحافظ على الأوزان الشعرية كما وردت الينا إرثاً فنياً شكلياً بتعدد التفعيلات وتناظرها وتوازنها واتفاقها عددياً وانتظامها في بيت ذي شطرين، لذلك يسمّي القصيدة العمودية بـ(القصيدة التناظرية)، وفق نظريته في القصيدة وتناظر تفعيلاتها . ونظريته كما نقرأها مبنية على أساس الشكل موسيقياً في اطار الوزن والبحور الشعرية، فهي عنده العنصر والمعيار الوحيد للقصيدة . وعليه يجوز لنا أنْ نحسبه ممن أشار اليهم القاضي الجرجاني في قوله:

" ولم تكن تعبأ بالتجنيس، والمطابقة، ولا تحفل بالإبداع والاستعارة إذا حصل لها عمود الشعر، ونظام القريض."

وبالنسبة للدكتور عبد الله الفيفي: إذا حصل لها (القصيدة) الوزن .

 

ومع كلّ ما يراه الدكتور الفيفي في النظر الى القصيدة والشعر عموماً، وفي موقفه الرافض لقصيدة النثر ولتسمية كاتبها بالشاعر، إلا أنه يعترف في الوقت نفسه بشعريتها وبتسميتها حين يُشير قائلاً في مقالته (قصيدة النثر نزوعات ما قبل حداثية):

" إن قصيدة النثر قد تكون شِعريّة، بمعنى مصطلح (الشِّعريّة) الواسع، لكنها ليست "شِعرًا"، بمعنى الجنس الأدبيّ الخاص. أمّا بحسب معايير ما يسمّى "شِعرًا" في العربيّة، فهي محض نثرٍ فنّيٍّ، أو جميل، أو شاعريّ، أو لا بأس أن نسمّيها قصيدة نثر، شريطة أن لا ننسى ما ينصّ عليه المصطلح، من أنها "نثر"، وأن كاتبها "ناثر"، لا شاعر."

 

وهو يرى أنّ قصيدة النثر فتحت الباب لكلّ من هبّ ودبّ لينسج كلاماً يسميه شعراً، فيمشي في الأرض مرحاً نافخاً أوداجه، ونافشاً ريشه، مدعياً أنّه شاعرٌ لا يُبارى ومبدعٌ لا يُجارى:

" ومِن ثَمَّ فَتَحَ مصطلحُ "قصيدة النثر" الباب على مصراعيه لادِّعاء آخر، هو: أن النثرَ "شِعرٌ". وصار كاتب قصيدة النثر يُعَرَّف على أنه شاعر، بل أمير الشعراء في مملكة الشِّعر الحديثة، ويكتب على أعماله بالخطّ الأحمر العريض: (شاعر)."

 

فمن دوافع نكرانه لقصيدة النثر شعراً هو فيما ذكر اعلاه، وله الحقّ في ذلك وفي سخريته واستنكاره وغضبه، لما نرى على الساحة من خلال مواقع النت العجيب والغريب من النصوص التي لا تمتلك حتى مقومات النثر الفنيّ، فكيف بالشعر ؟

 

إنّه لا يرفض قصيدة النثر فناً من فنون القول الجميل، فيها شعرية قولاً، لكنه يرفض اعتمادها قصيدة وشعراً بسبب ما يرى في ما يعني الشعر وفق نظريته الخاصة المعتمدة على النظر في تاريخ الشعر العربي الطويل، وأهمية الشعر فناً لغوياً بديعاً عند العرب، وديواناً لهم، وسجلاً تاريخياً لحياتهم ومشاعرهم وافكارهم والاحداث التي مرت بهم، وهو ما يقتضي الحفاظ على قواعده ونظامه المتوارث المبني على عناصر وقواعد شكلية ومضمونية، عُرف العرب به (الشعر) تاريخاً ثقافياً وأدبياً، كما لم تُعرف به أمة أخرى .

 

إنّ اهتمامه الأساس ونظريته في نظم الشعر وكما نقرأ له هو الحفاظ على موسيقاه عبر الحرص على الوزن، وأهمية ذلك باعتباره موروثاً شعرياً ظلّ ثابتاً راسخاً عبر القرون ورغم كلّ التيارات والنظريات والمواقف والمحاولات التجديدية الحداثية والمؤثرات الغربية المستوردة :

" تظلّ موسيقى الشِّعر خاصيّة مهمّة من خصائص الشِّعر، (العربيّ منه خاصّة)، وأدوات تعبيره؛ من حيث إن اللغة نفسها، جوهريًّا: موسيقى. ولا معنى للتخلّي عنها، إذن، في الشِّعر."

 

هامش:

كنتُ قد رغبْتُ ففكرْتُ فخطَّطْتُ، ثم شمّرْتُ عن ساعدِ القرار للبدءِ بالكتابة في قصيدة الشاعر والناقد الكبير الدكتور عبد الله الفيفي (طائر الشعر) والتي مطلعها:

يا طائرَ الشِّعرِ، قُلْ لِيْ: كيفَ أَرْثِــــيْـــهِ؟

......... هذا الذي طَــيْرُ شِــــــــعْـــرِيْ مِنْ مَعانِيْهِ!

مُحَلِّقًا في سَمـاءِ الحـَرْفِ مُنْطَلِقًـــــــــا

.......  في مـا وَراءَ اندهاشاتـــــيْ وتَشْبِيْهِـــــــيْ

أَرَى الكَلامَ كَلِيْلاً في مَـدَى شَفَـــــتِيْ

........  مِنْ أَوَّلِ البَثِّ حتَّى شُــــقْرَةِ  التِّـيْـــــــــــهِ

أُعِــيْـذُ فِيْــكَ بَـيَـــــانِـيْ مِنْ تَلَعْـــثُمــِهِ

    .......   وقَــدْ  يَــهـــــلُّ بَـيــــانٌ  فــي  تَـــأبِّـــيـْــهِ!

 

 وشرعْتُ، فكانَ ما عزمْتُ عليه هي مقدمة قصيرة كمدخل الى قراءتي في القصيدة. ولكنّني لما استرسلتُ في عرضي لرؤيته الشعرية وجدت نفسي أنطلق معه على سفينة الكلام ماخراً عباب أقواله وطروحاته وآرائه ومواقفه، وكأننا جالسان معاً متقابلين على مائدة الأفكار نتكلم ونتناقش. فكنتُ على جناح طائر خيالي هذا محلِّقاً كأنني ميخائيل نعيمة حين قال: "وهل التأليف غيرُ مكالمة الناس ؟ " وهو يشير الى ما عُرف وسُئلَ عنه، وهو اعتزاله في صومعته على سفح جبل صنّين بين سكون الكهوف والصخور والأشجار والوادي، حيث مزرعتهم (الشخروب)، وهو يقرأ ويكتب ويتأملُ، مثلما أنا في صومعتي، ولكنْ بين الأمطار والثلوج والغابات والقطط والكلاب، لا على سفح جبل . فكانت هذه السياحة معه، د. عبد الله الفيفي، في نظرته الى القصيدة، وفي موقفه الصارم الحادّ من قصيدة النثر، لتتمخّضَ عن قراءة مسهبة، رأيْتُ أنْ أبسطَها وحدها على مائدته وموائد القراء الأعزاء والباحثين الأجلاء، عساني أرضيتُ، وكنتُ قد رضيتُ .

 

قصيدة الدكتور الفيفي المشار إليها (طائر الشعر) أثارت اهتمام العديد من الأدباء ومنهم الشاعر والناقد القدير الاستاذ سلام كاظم فرج،  فكتب عنها باعجاب واكبار، واندهاش وانبهار، بحيث وضع شاعرها في مقام زهير بن أبي سلمى والنابغة الذبياني والحارث بن حلزة اليشكري. كما كتب الشاعر الكبير يحيى السماوي عنها وعن شاعرها .

 

لقد رأيتُ في القصيدة، على حدِّ قراءتي ونظري ورؤيتي، تطبيقاً عملياً منهجياً لنظرية الدكتور الفيفي في القصيدة، بأسلوبٍ يناظر الأساليب الشعرية القديمة في عصورها الزاهرة. فهي مفعمةٌ موسيقىً وجزالةً وفخامةً، وسبكاً متيناً، ولغةً وبلاغة راقية،. فظهر فيها المحافظ على عناصرها وقواعدها وشروطها مثلما ورثناها عن القدماء. وجدته العابدَ الواقف في محرابها، الساجدَ أمام أيقونتها متبتلاً عن ايمان وتقديس. وكأنّه، حتى في اختياره لعنوان القصيدة، يقولُ لكُـتّاب قصيدة النثر وقصيدة التفعيلة:

- خذوا ! هذه قصيدة، وهذا شعر، وإلا فلا !.

 

كما وجدتُ فيها انعكاساً لعناصر عمود الشعر كما أوردها البلاغيون القدماء، والتي ذكرناها، لتكون القصيدة (طائر الشعر) عمودية (تناظرية) بامتياز . وهنا يحقُّ لنا أن نقولَ:

إذا كانت هناك قصيدة عمودية (تناظرية)، إذن هناك قصيدة غير تناظرية. وهذا ما نستشفّه من مضمون قول الدكتور نفسه، بمعنى أنّ في فنّ الشعر ألواناً من القصائد، وإلا لما احتجنا الى توصيفٍ مُحدِّدٍ للقصيدة طالما أنّ هناك (قصيدة) واحدة بشكلها وتعريفها، وهي الشعر فقط، بحسب معنى كلمة (قصد) كما اشار اليه د. الفيفي، وغيرها ليست كذلك .

 

وطالما أنّ (قصيدة) تعني نصّـاً شعرياً، فلماذا إذن لا يرى الدكتور بأساً في اطلاق اسم (قصيدة النثر) على النصوص التي يعترض على تسميتها شعراً وكتابها شعراء رافضاً ذلك رفضاً بائناً ؟

 

قصيدة الدكتور طويلة تتألف من اثنين وتسعين بيتاً . وقد تكون لي عودة للنظر والكتابة فيها .

 

عبد الستار نورعلي

الخميس 5 يناير 2012 

 

 

العودة الى الصفحة الأولى

............................

الآراء الواردة في المقال لا تمثل رأي صحيفة المثقف بالضرورة، ويتحمل الكاتب جميع التبعات القانونية المترتبة عليها: (العدد :2001 السبت 14 / 01 / 2012)

 

 

في المثقف اليوم