قضايا وآراء

مع وجيه عبّاس الموسوي (1) / عدنان الظاهر

وحضورٌ آخرُ كتابيٌّ تصحبُهُ خلاله تقرأه دون أنْ تراه . وجيه عباس قويٌّ دافئ ديناميٌّ في كلا الحضورين وليس كل الكتّاب فيمن عرفتُ كذلك . يقول وجيه أبو علي ما يقولُ فتحسبه يكتبُ قولاً مُباشراً يسعى لأهدافه على خط مستقيم لا يحيد عنه ولا يزوغُ أو ينحرف .  تلك خدعة كبيرة ووهم أكبر يقع القرّاء في حبائلهما ما لم يتحصّنوا وما لم يتدرّعوا ويتذرعوا بالكثير من الصبر والكثير من الحَذَر والحيطة وسعة العينين . إنه كاتب قدير متمكن من فنون الكتابة وخبير في أساليبها يقف المنطق معه والثقافة الموسوعية وتحرسه لغة رصينة سليمة مطواعة والفكر النافذ أحد أسلحته المتنوعة . كتب في كتابه سالف الذِكْر على الصفحة التي تحمل الرقم 5 ما يلي (أنقلها كما وردت حرفياً) :

{إلى باب فاطمة

الباب الذي دخلَ إليه محمد، وخرج منه علي!

الباب الذي كان يُسبّح بين يديّ محمد حين تمسّهُ يداهُ، فخانهما بطاعة الأيدي!

الباب الذي كان ظاهرهُ الرحمةُ وباطنهُ العذابُ..

الباب الذي كان يغلقُ نوافذَ عينيهِ ومساميرَ أهدابهِ على جليسةِ الرحى..

الباب الذي قُدَّ من قُبُلٍ ومن دُبُرٍ فألفيا سيّدةَ البيتِ العَلَويِّ لدى الباب..

الباب الذي خرجَ منه إيمانُ عبد الله، ودخلَ إليه كفرُ عبدِ الله..

الباب الذي أخرجَ إسلامَ السلطةِ، وأدخلَ سلطة الإسلام..

الباب الذي كان شاهداً، فأصبحَ شهيداً..

الباب الذي تكلّمَ بحروفٍ من خُشُبٍ مُسنّدَةٍ يحسبون صيحته عليهم!!

الباب الذي أولدَ كربلاء واحدة بين يديه فتناسلت الكربلاءاتُ من النوافذ..

الباب الذي خرجت منه فاطمةُ ولم تعدْ إليهِ..

الباب الذي أسكتَ باءَ الأب حتى أيتمَ أولاده..

الباب الذي أخرجَ فاطمة إلى قبرٍ مجهولٍ، ليس باستطاعته أنْ يسترَ عري التاريخ..}

أراها بادئ ذي بدءٍ لوحة سوريالية مُسربلة بزاهي الألوان رغم وضوح معانيها ويسر تركيباتها اللغوية فما سر السوريالية فيها إذاً؟ السوريالية في التداخل وفي تشابك الأحداث المعروفة في تأريخ صدر الإسلام وما جرى لآل بيت محمد سواء في حياته أو بعد رحيله . فضلاً عن ذلك  يجد القارئ في سطر واحد من سطور هذه اللوحة لفظة يبدو أنْ لا من أحدٍ يفقه معناها إلاّ السيد وجيه عباس نفسه : أعني كلمة " خُشُب " ! ... خُشُب مُسنّدة . ثم ازداد التعقيد تعكّراً بما اختتم به هذا السطر إذْ قال : يحسبون صيحته عليهم!! . أكتب السطر كاملاً لأتبين ما إذا كنتُ واهماً أو قاصراً في فهمي له ولما جاء فيه ففيه غموض ولا أقول إرتباك في التسلسل أو في تقنيات الموائمة والتعشيق بين معاني الألفاظ :

{الباب الذي تكلم بحروفٍ من خُشُبٍ مسنّدةٍ يحسبون صيحته عليهم !!}

الباب المقصود هو باب بيت فاطمة . جيّد ولكن، ما هي هذه الحروف التي هي من خُشُبٍ مسنّدة ومن هم هؤلاء الذين يحسبون صيحته عليهم ثم صيحة مَنْ ، البابُ إياه أم صيحة رجل غائب لا يود الكاتب أنْ يُفصحَ عنه ولماذا جعله مُضمَراً؟ أسيءُ  إلى كتابات السيد وجيه إذا ما حاولتُ تفسيرها وتلكم ميزة وخصيصة أخريتان يمتاز أسلوبه بهما ويتزيّن بكلتيهما . لماذا بدأت كلامي بالحديث عن هذا البيت بالذات لا بغيره؟ أقولُ الحق: جذبتني كلمة " خُشُب " ووضعتني أمام الجمعين (قُتُب وأقتاب)  فما هي هذه الخُشُب المُسنّدة؟ مَنْ أسندها وعلامَ تسنيدها؟ تلكم أمور تبقى غامضة أو غير واضحة في أحسن أحوالها والكاتب حرٌّ في أنْ يُفصح أو ألاّ يُفصح تاركاً للقارئ مطلق حريّة التفكير والإجتهاد ثم التفسير .

(البابُ الذي دخل إليه محمدٌ وخرجَ منه عليٌّ) . ما زال الكلام عن باب فاطمة. فهل دخل محمدٌ في الواقع بيت إبنته فاطمة ليخرجَ منه زوجها عليٌّ؟ كان محمدٌ يدخل بيت كريمته فاطمة الزهراء متى شاء ولكنْ متى ولماذا خرج منه قرينها عليٌّ؟ ما المقصودُ بهذا الخروج وإلى أين خرجَ؟ المعروفُ أنَّ عليّاَ دخل بيت زوجه فاطمة ولم يخرج أو يُخرجُ منه أبداً . في خاطر الأستاذ وجيه عبّاس مغازٍ وتفسيرات لقوله هذا ما أحوجنا لمعرفتها والوقوف على أسرارها فإنّا لعاجزون عن إدراك الكثير من أسرار أقواله . له أساليبه الخاصة جداً في الكتابة وله مجازاته الكثيرة المتشعبة والمتشابكة لكنَّ الدلالات تبقى ناصعة البياض قوية مبنىً ومعنىً .

ثُمَّ {الباب الذي كان ظاهره الرحمة وباطنه العذاب} ! أكان الأمرُ كذلك في واقع الحال؟ أفلمْ تكن السيدة فاطمة مثالاً للرحمة والعدل فهي كريمةُ الرسول وهي قرينة إبن عمّهِ عليٍّ بن أبي طالب وهي أم الحسن والحسين؟ أكانت هذه الحقائق مجرد مظاهر وافتراء ورياء وأين العذابُ في البواطن؟ الرحمة كانت مع فاطمة فمع مَنْ ولمن كان العذابُ؟ كانت هي مّنْ تعذّبَ وعانى وتحمّلَ وقاسى بشهادة التأريخ وتقصياّت الأستاذ وجيه عباس نفسه. وبإعتباره طالباً للحقيقة (الصفحة 339 من كتابه هذا)، وهو لا ريبَ كذلك، بذل أبو علي جهوداُ مُخلصة مُضنية دفاعاً عن فاطمة ونفياً لما قيل عن تعرضها للضرب والإعتداء والحرق (الصفحات 497 وما يليها في هذا الكتاب) كما أجهدَ نفسه بالحق في تسفيه ما كتب البخاري ومسلم من أحاديث مشبوهة تُسيءُ للنبي محمد وتتعرض لبعض تفاصيل حياته الشخصية والعائلية . تخرّصات وافتراءات البخاري ومسلم معروفة مثبّتة في صحيحيهما ولديَّ صِحاح البخاري دون صِحاح مُسلّم . كان الأستاذ وجيه عباس موضوعياً موسوعياً محايداً فيما كتب واجتهدَ في كتاب (هكذا تكّلمَ بابُ فاطمة) بإستثناء ما جمع وحشّدَ وعرض وفسّر التأريخ الخاص بكل من الخليفة الثالث عثمان بن عفّان وعائشة بنت أبي بكر. كان كثير الحماس في مواقفه ضد الخليفة وضد أم المؤمنين . خصص الأستاذ وجيه عبّاس في سِفره هذا فصولاً أو أبواباً أسماها (عادل بلا عدالة) تعرّض فيها ـ مستعيناً بالتأريخ وما تواتر من أحاديث وأخبار ـ  لسلوك ومثالب عثمان بن عفان بالأسلوب الساخر المعروف عنه . كما أنَّ عائشة أم المؤمنين لم تسلم من قلمه ولسانه حيث أفرد صفحات طويلة للكلام عن "معزى" و"نعال" عائشة ! معزى عائشة تخص آية الرجم والرضاع فقد كتب السيد وجيه (الصفحة 331) ما يلي :

رضاع الكبير ومعزى عائشة /

رويّ في مُسند أحمد ج6 ص 296 وسُنن إبن ماجة ج1 ص625 ... عن عائشة قالت {لقد نزلت آية الرجم ورضاع الكبير عشراً ولقد كان في صحيفة تحت سريري  فلما مات رسول الله وتشاغلنا بموته دخل داجنٌ فأكله}. كما أنه استعان بما جاء حول هذا الموضوع في  صحيح مسلم 169 /4 (الصفحة 326 من كتاب وجيه). لقد بذل الأستاذ والمفكّر الموسوعي السيد وجيه عبّاس الموسوي جهداً ووقتاً كبيرين لتسفيه فتاوى من أفتى برضاع الكبير من بين علماء الأزهر وغيرهم وصال وجال وسخر من هذا الموضوع بما يملك من صنوف السخرية التي لا حدَّ ولا عدَّ لها .

لي حول أطاريح السيد وجيه ملاحظتان الأولى تتعلق بموضوع معزى عائشة: كيف استنتج أنَّ الداجن آكلَ آية الرجم والرضاع هو معزى؟ قد يكون الداجن خروفاً أو كلباً أو قطاً أو جحشاً أو ديكاً أو حتى جرذاً أو فأراً فهذه الحيوانات جميعها حيوانات داجنة تشارك الناس مساكنها ويفيدون منها في تأمين طعامهم وشرابهم . لا أستثني الجرذان والفئران لأنَّ البدو حتى اليوم يأكلون جرابيع وأراول البوادي لذا لا أستبعد فكرة أنَّ أوائل المسلمين درجوا على أكل ما اعتادوا على أكله زمان الجاهلية خاصة والقرآن يخلو من نص صريح يحرّم لحم الفأر والجرذ . الفئران والجرذان تقضم الورق والجلد والخشب وربما العظام إذا جاعت . إذاً هي كذلك حيوانات داجنة سَكَناً عشوائياً أو تدجيناً قصدياً . ألملاحظة الثانية تخص نظرية أو فرضية الأستاذ وجيه من أنَّ نصف الإسلام جاء من فقيهة ، يقصد عائشة ، فقد قال بعظمة لسانه في الصفحة 330 (صدّقوني أنَّ الإسلام جاءنا من امرأتين اثنتين لم يبلغن العشرين من أعمارهنَّ ... الأولى فاطمة الزهراء والثانية عائشة أم المؤمنين ..) . ما رأي علماء الدين الإسلامي وفقهائه وعلماء الحديث والتفسير بهذه النظرية التي أحسبها شوكةً ناتئة منتصبة أمام عيون الجميع ! لستُ خبيراً بالأحاديث لكني لا أعرف أنَّ كثيراً من الأحاديث والدعاوى نُسبت للسيدة فاطمة المتواضعة القابعة في دارها لا تبرحه إلاّ نادراً . وما كان معروفاً عنها أنها سيدة مجالس تحدِّثُ أو تنقل أو تنسبُ أحاديث لأبيها للخاصة أو العامّة فكيف جاءنا نصف الإسلام منها خاصة كانت قد رحلت وهي في عزِّ شبابها؟ بلى ، نُسِبَ الكثير من الأحاديث إلى عائشة خاصة وأنها عُمّرت طويلاً وفارقت الحياة وقد تجاوزت الثمانين . ثم إنها زوج الرسول تشاركه حجرة نومه . ثمَّ ... الإسلامُ ليس حكراً مطلقاً على ما روي من أحاديث مُسندة أو فاسدة غير مُسندة إنما الإسلام دينٌ وقرآنٌ ونبيٌّ وسُنّة نبوية فكيف تكون عائشة مصدراً لنصف الإسلام؟ معروفٌ أنَّ أبا هُريرة كان قد نسب لعائشة الكثير من الأحاديث فهل كان دوماً صادقاً أو دقيقاً فيما نسب ونقل؟

عائشة وعثمان ونعل النبي /

في فصل عادل بلا عدالة رقم واحد الصفحات 337 ـ 362 من كتاب " هكذا تلكم بابُ فاطمة " تكلّم الأستاذ وجيه عباس كثيراً وطويلاً حول حادثة شهيرة تطاولت فيها السيدة عائشة على عثمان خليفة المسلمين في مسجد الرسول إذْ شهرت في وجهه نعل الرسول 

 قائلةً له (تركتَ سُنّة رسول الله صاحب هذا النعل) . لا أتفق مع السيد وجيه حول عدد من الأسئلة طرحها من قبيل " لماذا لم تُخرج عمامته ، يقصد عمامة الرسول؟ ولنقل رداءه؟ وبردته؟ وحتى البساط الذي كان يُصلّي عليه؟ يبدو أنْ قد غاب عن مخياله الإحتمال الأقرب للمنطق أعني أنَّ أم المؤمنين ما شهرت نعل الرسول بوجه عثمانَ إلا إهانة له وتهديداً بلطمه به عقاباً له على خروجه عن سُنّة النبي وعدم الإصغاء إلى شكاوى أهل العراق أتوه شاكين ظلم وفسق أخيه غير الشقيق السكّير اللاهي والي العراق الوليد بن عُقبة واتهامه لهم بالكذب وشهادة الزور وتهديدهم (بالجلد بالسوط أمام مسلمي الحجاز). نعم ، النعلُ وسيلة فعّالة للإهانة فهو المركوبُ المَهينُ ينتعله الناس لإتقاء أوساخ الطريق وحماية الأقدام مما يلسع أو يعضُّ أو يوخزُ أو يؤذي. أي أنه الواقي والجامع للأوساخ فإذا ضربتَ به وجه إنسان آخر كأنك ساويته بقيمة هذا النعل وما يرمز إليه من وساخة ووعثاء الدروب ونحن نعرف دروب وطرق ذاك الزمان . أعجبتني قدر ما أضحكتني مناجاة وجيه لأمّه وأم غيره من المؤمنين جاعلاً من نفسه ممثلاً وناطقاً باسم العراقيين المظلومين منذ الأبد حتى اليوم مُفتتحاً خطابه بقوله : أُمّنا وتاجَ رأسنا ... نحن أولادك وأبناؤكِ من العراق الجريح !! (الصفحة 348 من كتابه) . يتكلم وجيه مع التأريخ لكنه لا ريبَ يخاطب ويقصد الحاضر وما فيه وما عليه العراقيون ! يظلُّ وجيه المثال والرمز والناطق بصوت وباسم المظلومين والمكلومين والمستضعفين في الأرض فهو منهم نسيجاً وانتماءً والتزاماً وعقيدة .

وجيه وماريّة القبطية وحديث الإفك /

أطروحة أخرى للسيد وجيه تخص زوج الرسول ماريّة القبطية لم أسمع بها من قبلُ ولا أدري هل سمع أحدٌ بها قبلي أو بعدي ! أين وجدها وجيه أعني في أي كتاب أو صحيح أو غير صحيح من كتب الأحاديث وغيرها مما كتب مؤرّخو الدين الإسلامي؟ لديَّ الكامل ولديَّ في مكتبتي المتواضعة مروج الذهب للمسعودي وتأريخ الطبري وإبن كثير وصحاح البخاري لم أجد فيها أطروحة الأستاذ وجيه عباس القاضية بأنَّ حادثة وحديث الإفك إنما تخص ماريّة القبطية وليس أم المؤمنين عائشة (الصفحة 317). أسأل العزيز ، عزيز بغداد والعراق ، السيد وجيه : لماذا أشار الإمامُ عليٌّ إثرَ الشائعة الشهيرة على الرسول أنْ يُطلّق عائشة؟ عانى عليٌّ ما عانى جرّاء نصيحته لإبن عمه تلك كما هو معروف فلقد كرهته أم المؤمنين وحقدت عليه حقد ناقة صحراوية جاهلية ومن ثم حانت فُرصتها الذهبية لتقود على جملها الحرب الضروس التي راح ضحيتها عشرات الآلاف من المسلمين وفيهم صحابة كبار وحفظة القرآن والأحاديث . وجيه يعرف حقَّ المعرفة حرب الجمل هذه ويعرف الدور الذي قامت به عائشة فهل يا تُرى يجهل السيد وجيه الدوافع الحقيقية التي حملت زوج النبي على تأجيج الفتنة والتحريض على عليٍّ والمساهمة بل وقيادة حرب الجمل بنفسها؟ معلوم كيف عاملها عليٌّ بعد خسارتها لهذه المذبحة العلنية غير السريّة . وجيه عزيزي ! حديث الإفك الذي ورد ذكره في القرآن ورد دفاعاً عن عائشة لا عن ماريّة القبطية .

الطريف أنَّ السيد وجيه الموسوي يعترف على الصفحة 306 من سِفره القيّم موضوع ملاحظاتي بأصل حديث الإفك ومن كانت المقصودة مِن بين أزواج النبي وإشارة عليٍّ على ابن عمّه محمدٍ أنْ يطلّق عائشة .

" شطحة " أخرى من شطحات وجيه المتسرعة والكثيرة الجرأة في قوله (ظاهر القرآن يُفضّل السيدة عائشة على فاطمة الزهراء / الصفحات 306 ـ 307) مستشهداً بالآية 95 من سورة النساء . يستطرد قائلاً (المتتبع لمسيرة حياة السيدة عائشة يجد أنها أولى المجاهدات في سبيل إسلام أبيها نكاية بإسلام زوجها) !! هذه مسألة خطيرة يا وجيه لا تجد أحداً يُشاركك فيها أو يصدّقك عليها إذْ ما الفرق بين إسلام زوجها وإسلام أبيها؟ ما كانت عائشةٌ شيئاً ذا بال زمنَ خلافة أبيها وما كانت أصلاً مؤهّلة  لأن تلعب أدواراً خطيرة الشأن في تلكم الحقبة من خلافة أبيها أبي بكر. لستُ متأكّداً هل نزلت هذه الآية وهل نزلت سورة البقرة بعد زواج الرسول من عائشة حتى أنَّ فيها نصّاً يُفضّل عائشة على فاطمة الزهراء؟

متى تنزّلت سورة البقرة ومتى نزلت الآية التي استشهد وجيهُ بها؟ ((لا يستوي القاعدون من المؤمنين غير أولي الضرر والمجاهدون في سبيل الله بأموالهم وأنفسهم فضّل اللهُ المجاهدين بأموالهم وأنفسهم على القاعدين درجةً وكلاًّ وعدَ اللهُ الحُسنى وفضّلَ اللهُ المُجاهدين على القاعدين أجراً عظيماً / الآية 95 من سورة النساء)) . أينطبق فحوى هذه الآية على عائشة والزهراء؟ ما كان عمر كل من السيدتين وقت نزول سورة البقرة ووجيه يحسبُ أنَّ السيدتين في عمر واحد (الصفحة 330)؟

يتفوّق الباحث الموسوعي السيد وجيه عباس في مجمل أفكاره ونوع الأسئلة التي يعرضها للملأ على الكثير من الباحثين القدماء منهم والمعاصرين . الفكرة الكبيرة يقف وراءها فكر كبير وتفكير عميق. تساءل الباحث على الصفحة 311 (لماذا ننحى باللائمة على زوجات الأنبياء حين يجدنَ أنفسهنَّ مقيّدات بجنب رُسل الله وأنبيائه؟ هل نريد منهنَّ أنْ يكنَّ نبيّات؟) سأل وجيه كأنه نسيَ أنَّ الرسل والأنبياء ما هم إلاّ بشر مثل باقي البشر يأكلون الطعام ويمشون في الأسواق وفيهم المنعوتُ بالكاهن والساحر والشاعر والمجنون. وثمّةَ تساؤل وجيه على الصفحة 312 (ما حكمةُ تزويج السيدة عائشة بالنبي العظيم وهو في أحلك ظروفه الحياتية، فأجد أنَّ ذلك سرٌّ لا يتأتى إلاّ لمن ألقى السمعَ وهو شهيد). سؤال كبير حقاً لكنَّ أجوبته معروفة وفيها الكثير من الإجتهادات والأخذ والرد وله ما يشبهه في زواج عثمان بن عفّان من ربيبتي الرسول من زوجه خديجة. لعبت المصالح الدينية والدنيوية ـ  ولم تزل تلعب ـ أدواراً غاية في الخطورة في الحياة كما في السياسة وكان محمدٌ رسولاً وسياسياً فذاً من أعلى طراز.

وجدتُ الأستاذ وجيه عباس لا يميّزُ بين أحكام إنَّ وأنَّ وعليه أنصحه بالرجوع لهذا الموضوع في كتب اللغة العربية مع الإعتذار.

 

عولمة بالدهن الحُر (2)

في كتابه الأول (عولمةٌ بالدهن الحر) أقحم نفسه في جدالات ونقاشات مع بعض الكتّاب أذكر منهم صاحب الإسم الحَرَكي المُنتحل (سليم عبد الكريم) بشكل خاص ثم سلام الحسني ثم فاروق يوسف. وقد لا يغفر له نفرٌ مِنّا أنه دافع عن يوسف الصائغ وعبد الرزاق عبد الواحد (عولمة بالدهن الحر / الصفحات 822 ـ 830). ضاقَ ولم يتسعْ صدرُ وجيه عبّاس أمام ما كتب عنه بعض كتّاب موقع كتابات للسيد أياد الزاملي وهو جادٌّ مقتدرٌ وسريع الردود والإستجابات. لديه العقلُ والثقافة والمنطق الساخر فمن يجرؤ على تحدّيه ومنازلته في الميادين التي يعرف خصائصها وتضاريسها وجغرافيتها؟ لا يُقصّر وجيه في الدفاع عن نفسه وعن معتقداته وعمّا يكتب كما أنه لا يقصّر في الدفاع عن الحقائق وفق إجتهاداته وقناعاته وقراءاته الشخصية فدفاعه عن نفسه مثل دفاعه بالحق كما يراه عن فاطمة. في " هكذا تكلم بابُ فاطمة " خالف وجيه عباس نفسه إذْ ظهر فيه منحازاً غير موضوعيٍّ بل وتطرّفَ وبالغ وأسرفَ حين تعرّض لأبي بكرٍ وعمر كأنه لم يقرأ ما كتب قبله عباس محمود العقّاد وطه حسين حول الفتنة الكبرى خاصةً. ما أسبابُ تحوّله الدرامي هذا وهل للسيد حبيب الصدر دور في هذا التحوّل؟ لا يُخفي وجيه عباس إعجابه بهذا الصدر كما لا يتحرج من الدفاع عنه وكتاباته فيه منشورة في " عولمة بالدهن الحر " (أنظر الصفحات 645 ـ 650) .

 

عدنان الظاهر

كانون الثاني 2012

 

..............

هوامش

1 ـ وجيه عباس (هكذا تكلم بابُ فاطمة). الطبعة الأولى 2011 . الناشر؟

2 ـ وجيه عباس (عولمة بالدهن الحر). طُبع في مطابع سوق مريدي العصرية. بغداد؟؟

 

العودة الى الصفحة الأولى

............................

الآراء الواردة في المقال لا تمثل رأي صحيفة المثقف بالضرورة، ويتحمل الكاتب جميع التبعات القانونية المترتبة عليها: (العدد :208 السبت 21 / 01 / 2012)

 

في المثقف اليوم