قضايا وآراء

خريف الجسد و رفض الانثى المرتد نحوها / ماجدة غضبان

اكثر مما للانسان من حق في البقاء يظل الشعر احد اشكال التعبير الامثل عن وعي الانسان الاجتماعي ومن خلاله ينعكس الفعل على المفعول به في حين يظل الفاعل هو الناطق الاعلى بلغة الوجود والتواجد لمن قوي على علاقة الصراع وكانت له الغلبة لذلك لم يكن بدا من ارتداد المفعول به الى النواح قرب ما تبقى له من خرائب فهو خياره اللصيق لصيق شهيقه وزفيره كدلائل على اشغاله حيزا من الوجود وله كتلة (و هي للاسف دلائل فيزيائية بحتة تقاس بها المواد الصلدة والغازية والسائلة كما هي ادوات النقد المحجمة للخيال والفكر وفقا لفلسفتها القياسية المجردة) ازاء نفي الفاعل الآمر الناهي بإقصائه عن ساحة الفعل والادراك تماما.

 

و كحاصل لاجتماع الاثر الانساني مع مقاييسه الفاقدة لمرونتها مثل كل قانون رياضي يغترب المتلقي خارج لعبة النقد والابداع وبدلا من ان يصبح النقد اداة لفهم النص يتحول الى سور يلقي بغير حاملي لافتة القانون الفيزيائي خارج حصنه المنيع.

 

لابد ان تفتقد كل القوانين في حضارة الاقوى لجمال المرونة والانسانية فهي وليدة احد اطراف العملية لولادة الانسان وليس ثنائيته ومادام مبعث الدفء والجمال مبعدا عن مصنع انتاج الحضارة البارد الصلد المذكر جفت الاقلام ورفعت الصحف وحل اللون الواحد محل تدرج الالوان في موشورها القادر على اخراج ماخفي منها من قبل الكائن الموهوب = المرأة.

 

أرى جسدي،

يمضي ذابلا

يحصي خريفا

وراء خريف

 

ليس هنالك من توقد اعظم من هذه الابيات يلقي بانعكاساته المضيئة على عتمة انطواء الانثى مقتلعة عن ثرى انسانيتها امام ابصار وبصائر البشرية وقد حل الخريف في مجتمع معولم يحكم المرأة ويحكم عليها من خلال مواسم تشييئها فهي ليست سوى ظل لانهمار الفصول على سكونها وموتها المسبق عدا ما كان لها من ربيع فائت استهلكته السلطة الذكورية ومنحته جواز مرور مؤقت تنتهي صلاحيته بانتهاء الذكر منه.

 

أجسادنا

يا ربعنا الخالي

يا هذه الصحراء

لا شمساً

أرى

ولا قمراً

المكان لم يمنحنا المكان

 

لا يتفق ان يعطي المكان مكانا لغير مواطنيه ولانها تحمل جواز مرور مؤقت تنتهي صلاحيته بانتهاء صلاحية الجسد للاستخدام من قبل الفاعل الذكر فمن المعقول جدا ان يكون الجسد مجرد صحراء خال من الحياة منفيا ونافيا لما حل به راثيا مستنكرا جور المواسم والفصول مستشعرا من خلال بصيص النبض الانساني داخله حجم الظلم الذي احاله الى بقعة خربة او صحراء اسمتها الشاعرة بالربع الخالي.

 

الأجساد تلمع، ببرق الرغبات.

نزف إليها أوهامنا،

ثوبا يشفُ عن نجوم لا تنام

 

النجوم لا تنام فقط لان الانسان لا يتمكن من رؤيتها ..انها موجودة وهائلة الحجم والغاؤها ينم عن محدودية الفكر السلطوي الذكوري الذي يرى الاشياء حسب انعكاس بريقها على عدسة عينه (و هذه ايضا نظرة فيزيائية صرف قاسية قسوة ما يقاس بها من اشياء) مع انكاره تماما (و هنا يتعاظم التناقض في سلوكه ازاء الكيان الانثوي) انه قد احصى الافعال المطلوبة من هذا الشيء المكنى بالجسد الانثوي وليس (الانسان_المرأة) وارغمه على النفي سلفا بتوقيت مدة وتأثير افعاله الممنوحة له بموجب السلطة المطلقة.

نصلي بقدم واحدة،

نحن الذين فقدوا أجسادهم في معارك الحب الطويلة.

مجنونان،

بلغا الرشد في ساعة متأخرة.

 

لم يعد هنالك سوى الاشلاء ونصف صلاة تفي بالغرض لمن اعاقته الحرب عن بلوغ مجمل قدراته الحركية ومثل هذا المعوق المنفي ليس سوى مجنون حين تتضح له الحقائق ويرى ان الحب يتطلب النضوج الفكري ليتم فصوله جميعا ويقطف ربيعه الابدي نائيا عن فعل السلطة مناوئا لها واقفا على الضد منها يشع بما اوتي النجم من قوة في سماء هي ملكه قبل ان تعمى عنه العيون وتجبره على الرحيل وهو الذي يرى الارض من عل وينيرها بصبر وتأن تعرفه المرأة اكثر من اي مخلوق اخر.

 

جسدي جاء معي، لكنه ظل هناك

منذ عمر وأنا اكتبُ بيدي العرجاء.

كم تحمل من جنون يا جسدي!

 

تبدو خريطة التناقض والنفي واضحة في هذا المقطع حد تجسيمها وتحميلها إثم الجنون فمن ذا الذي يحارب السلطة بوجوده فحسب دون سلاح عالما بجحود الاعتراف السلطوي بابعاده الثلاثية التي تعكس ظله على الارض؟.

 

بكاء الموج

زبدٌ أبيضٌ

على جسد الصخور

هكذا تصرخ الأسماك في جسدي.

 

ان البحر يبكي زبدا وقد احيل صراخ الجسد الى فعل متوار خلف وجود الاسماك.

هنا يبلغ الالم قمته فالكائن كأنه قد بدأ يصدق ان لا وجود له فعلا وان الزبد لا قيمة له ان كان حقا دموعا لبحر عظيم.

 

يسحبني إلى الضوء

كفراشة

هو، جسدي يحب النار

 

الوجود واعلانه معضلة المرأة وما يقابله من انكار واستنكار لانسانيته وقد يكون الضوء هو اشارة من النجم الى بعض عطائه مثلما هي الفراشة التي تخص موسما واحدا لجواز مرورها وعمرها القصير وليس صدفة ان النتاج الفني الذكوري قد شبه المرأة بكل ما هو موسمي قابلا للذبول وقريبا من النهاية ، بقاؤه يتعلق تماما بمدى احتيازه للالوان والعطر والنضارة كالزهرة والفراشة والاريج.

ان الجسد الذي يصر على البقاء وان تجاهله الاخرون ليس الا عابثا بالنار محبا لها.

 

الأثداءُ جفت..

أيتها الأنثى، الأنثى ..

سأهُديك كل كلامي الأخرس.

جسدي طائرٌ، وهبته لصياد

مرَّ في غابتي

 

هنا لسنا بحاجة لأية مدرسة نقدية لتحليل هذا النص.

الاثداء هي المرأة ومع جفافها تنتفي الحاجة اليها ، فاي رجل هذا الذي يحب المرأة دون نهدين نضرين واقفين كجبلين اشمين وان كان ذلك بفعل كيسين من السليكون دسا داخلهما اثر عملية جراحية مؤلمة لا يطالب بمثيلها الفاعل فهو مالك الارض وحاميها وخصاله تتلخص بوجوده كحاكم لا تشمله اعراف الانوثة ولا آلام عملياتها لصالح جسد افروديت او عشتار الخرافي نتاج الثقافة الذكورية لا غيرها؟

ان الكلام هدية خرساء في غابة هي هبة لقويّها والجسد طائر عابر لا يصح له الاقامة اكثر مما يتطلبه مرور عابر لا يستدعي تأمل الوحوش وغرائزهم الهائجة.

 

الفصول لا تنام في جسدي !!

 

يقصصن الروايات عن سيرتي الأولى

 

يا حنيني

 

يا ثوبي الممزّق

 

من يرتق لي هذا الجسد،

 

ويرتّب الألوان

 

اضحى الاعتراف كاملا فالفصول تمر بسرعة ولا تقيم وما كان من مواسم مجرد روايات عن سيرة ماض لم يتبق منه سوى مزق من ثوب وحنين فمن يرتق الجسد ويرتب الالوان دون ارتكاب معصية الثورة وهو ابعد من ان تنوله المرأة وقد علمنا ان قادة الثورات يولدون خارج عالمها ورحمها فمن اين للمضطهد قوى ونظرية الثائر؟؟؟؟؟؟؟؟؟.

على مرالتأريخ كان القادة ينبثقون من خارج المناجم والمعامل واراضي العبيد كذلك كانت حرية المرأة حصيلة حاجة السلطة اليها وازمة الايدي العاملة التي مجدت الحليب المبستر عوضا عن ثدي الام والحضانة بديلا للجو الاسري وكل مؤسسة حكومية تعنى بالفرد كقيمة لما ينتجه القوي منها ويحصل ضعيفها على افرازات هذا الانتاج سلبا او ايجابا.

 

لم تثن صعوبة الطاعة لمبدأ الحرية الذي خدم الذكر اكثر مما خدم المرأة وحملها ما يزيد عن طاقة الرجل على احتماله اضعافا مضاعفة وباعتراف حضارته نفسها عزيمة الانثى الملغية اصلا كأنسان وقد صدقت هذه الكذبة وراحت تعمل لمدة 24 ساعة متتالية تنجب النصف الاخر من المجتمع وتربيه وتنتج كشريك له غير مشمول بحرية الرجل القائد والخالق المنفرد بالحضارة الذي يطلب باستمرار ان تمتثل المرأة لمنجزاته العلمية والفنية والادبية معبرا عن رؤيته الانانية لكل ما حوله حتى باتت المرأة تخضع نفسها لتغييرات هائلة في شكلها الخارجي تحت عذاب مستديم ارضاء للشكل الاسطوري للانوثة الطاغية التي لا تعبأ بما تحت هذا الشكل ما ان يتجعد وتظهر عليه ملامح سن (اليأس) ، اما من اطلق عليه اسم سن اليأس بدلا من سن النضوج وقمة العطاء فهذا بحث آخر لا يسعنا الخوض فيه الآن.

نص ثائر بألم ومنعكس بكامل عدته المقيتة الجارحة الى داخل النقطة التي انطلق منها (الجسد المغيب غياب الفصول والذات المنفية خارج نطاق ضرورات الذكورة).

 

ايتها المرأة..

يا فرات أسبر ..في كل عصر

انت صوت يطيح بكل ما يدعونه حضارة ويقيم في متاحف الحجارة ساحقا لحمك شاربا دمك لاغيا كل عطائك الثر وحنانك المسبغ دون منة مكرها لك على تقبل النفي والاقصاء والالغاء والتهميش وما زلت تعشقين وتلدين وترضعين وتهبين بلا توقف منذ الاف السنين كما فعلت افروديت وعشتار وخلد الرجل منها موسم ربيعها وتنافر نهديها فحسب محولا اياه الى حجارة منحوتة دون عطاءات انسانية تذكر.

 

 

العودة الى الصفحة الأولى

............................

الآراء الواردة في المقال لا تمثل رأي صحيفة المثقف بالضرورة، ويتحمل الكاتب جميع التبعات القانونية المترتبة عليها: (العدد :2017الاربعاء 01 / 02 / 2012)

في المثقف اليوم