قضايا وآراء

فرويد: عقدة اليهودبين السموالمصري، وعقدة التسامي التوراتي(3)

وتراق روح مصر داخلها، وتضيع مشورتها، فيسأل كل واحد العرافين والتوابع والجن، وأغلق على المصريين في يد حاكم قاس فيتسلط عليهم، وتجف المياه من البحر، ويجف النهر، وتنتن الأنهار، وتضعف السواقي، ويتلف الزرع، وتجف الرياض والحقول علي ضفاف النيل، .. والصيادون لا يجدون صيدا ..، وكل من يلقى بشص إلى النيل ينوح، … ويكتب كل عامل بالأجرة .

أين ذهبت حكمة فرعون وماذا قضى رب الجنود على مصر .

لقد ألقى الرب عليها روحا شريرة أوقعت مصر في ضلال، وأضلت أبناءها، فأذ هم يترقبون ذلك اليوم تكون مصر كالنساء ترتعد وترتجف، كالسكران في قيئه فلا يكون لمصر عمل يعمله ولارأس أو ذنب . الخ...

 

مقدمة توضيحية

 إن مصرستظل العقدة القديمة الحديثة لليهود..

 والعقدالقديمة :

-خروج اليهود من مصر، وهم للخروج منها كارهون، وكل آلاثار والمرجعيات التي وجدها اليهود لتاريخهم، وتوراتهم، ومزاميرهم، وألواحهم هي آثار مصرية، والعهد القديم يتحدث معظمه عن مصر، وبالتالي فليس لهم منها من عاصم ولا فكاك الى يوم الدين، فمن حسن الفطن، اذن، في العرف الصهيوني، واليهودية الدولية المعاصرة أن تفكك مصر وتفتت ويقضى عليها.

 

و العقدة الحديثة :فكابوس تراتي قديم يجثم على صدراليهود من مغبة مرارة الهزيمة في الحروب القادمة، التي ستكون أيضا على يد مصر حسب تنبؤاتهم...، ويا ليت حكام مصرالحاليين يعون هذه الحقائق بذل الاستعجال والهرولة الى التطبيع المجاني الرخيص، الذي لن يزيد مصرالا ارتكاسا وضعة، ويجعلها أمام أنظارالعالم هزءا، وتعريض أمنها القومي الى الأخطار الماكرةالمحدقة، ووضع مصيرها المستقبلي تحت رحمة شبكات اسرائيل الأخطبوطية-في كل المجالات من الثقافة الى الدعارة- لتعبث فيها تخريبا، وللمجتمع المصري افسادا، وبحشر ضعاف العقول والقيم والروح في متاهات قيم (يهودية –عملاتية) اجتماعية جديدة سلبية – (فالتطبيع هوالتطبع مع عادات الأقوى مهما تحايل المتحايلون علىالمصطلح، فالمغلوب يتاثر دائما بالغالب حسب علامتنا الكبيرابن خلدون)-

 

وسيتحول المجتمع المصري برمته –بالمنظور الأنثربوبولوجي المبسط-الى أكبرماخورللشرق الأوسط-بعد الاستعصاء اللبناني-، وجعل مصرقبلة الموتورين من مرضى هسترة زولوجية الخنا والفسق الكونية الجديدة المستعرة في أوربا وأمريكا-بفعل الأزمات الاقتصادية والاجتماعية والنفسية- كما هو الحال اليوم في مدن حضارية عريقة بالمغرب وتونس، التي حولها المسوخون المغاربيون المتفتحون الجدد الىجهة ذوي العاهات النفسية والخلقية في الغرب،

 

كما ستعاني مصروشعبها الطيب العريق والمفقر - بفئة جديدة - ممن لا خلاق لهم- من الطفيليين والانتهازيين والسماسرة، من المستفيدين من التطبيع، استكمالا للمشروع الساداتي القديم، بعزل مصرعن محيطها الطبيعي نهائيا، منذأن تم التخطيط لذلك في اللقاء التاريخي المشبوه والمشؤوم، عام 1973 بين اليهودي هنري كيسنغر صاحب نظرية لاتاريخية مصروالمنطقة وبين فرعون مصرالجديد أنور السادات صاحب نظرية آخر الحروب مع اليهود والمروج ل نظرية الانفتاح الاقتصادي والأمني مع اسرائيل، والزج بالشعب المصري المرهق في دروب وهم الرفاه، وتوجيه أنظاره نحو الجشع الاقتصادي وألوهية السوق اليهودية-الأمريكية، والتهافت على تحقيق الربح الفاحش السريع، وفتح المجال لرؤوس الأموال اليهودية العالمية لتحطيم البنيات التحتية الشعبية، والصناعات والمنتجات الوطنية الصغرى والمتوسطة، ناهيك عما سيترك هذا التطبيع من المزيد من التدهورالمماثل لكل أشكال الابداعات الفنية، ووأد ما تبقي من خلق ابداعي عميق الجذور، استجابة للطلبات الحينية للأسواق اليهودية الاستهلاكية الخارجية، عبرأشكال فنية جديدة رخيصة ومبتذلة...

 

 فرويد وفكرة التوحيد السامية لدى اليهود في مصر القديمة

 لقد كانت مصر القديمة تمثل الدولة العظمى، والقطب الأوحد، بالمصطلح السياسي المعاصر-، ويصفها فرويد في مبحثه، بالدولة الامبريالية الأكبر في التاريخ القديم –فانظر !- التي تفردت بالحكمة والنبوة والحضارة والثقافة وفلسفة المطلق (وهنا يبدو تهافت فرويد في وجه المقارنة بين مصروبين الامبرياليات الغربية 'الماكيافلية المتوحشة) (1) ونظرته التاريخانية ومركزية الغرب الضيقتين الأسيرة للموقف الغربي المعرفي الرسمي المتعالي

 

أثارتعدد الكائنات المؤلهة التي كان المصريون القدامى يعبدونها وكيفية نشأتها، الباحثين في تاريخ الديانات، حيث تساءل فرويد عن مصدرفكرة التوحيد السامية التي اعتنقها اليهود بفضل موسى عليه السلام

 

ويمكن تلخيص رد فرويد على هذا التساؤل في الخطوط التالية:

1- أصبحت مصر لأول مرة خلال حكم الأسرة الثامنة عشرة، دولة عالمية-بالمعنى المتعارف عليه الآن-.ففي عام1375 قبل الميلاد، تولى شئونها فرعون شاب مستنيرعرف باسم أمنحوتب الرابع الذي آلى على نفسه تغييرعقائد قومه واقناعهم باعتناق عقيدة دينية جديدة تتجافى مع التقاليد العتيقة المتوارثة، وكانت العقيدة الجديدة توحيدا مطلقا، فنزع الملك الجديد نزعة لم يألفها العالم في عهد الوثنية والأرباب المتعددة، حيث حارب أنواع الخلط الوثني المسيطر في مصروقتها، وبوفاته عام1358 قبل الميلاد زالت عقيدته الدينية التي لم تستمرسوى سبعة عشرعاما، وحاول خلفاؤه محو اسمه وتحريم ذكره

2- وبالنظر الىأن لكل جديد أصول سابقة، فان الباحثين في أنثروبولجيا الديانات - (ومعهم فرويد - مع كثير من التحفظ نحو أقوالهم، لكونها ليست يقينية بالمصطلح العلمي البحثي، وقد دحض الكثير منها المفكروالمؤرخ روجي غارودي في كتاباته القيمة حول تاريخ الشعب اليهودي وأكذوباته التاريخية) - يرجعون أصل التوحيد الى فترة أبعد كثيرا من عهد أمنحوتب الرابع أي اخناتون

وقد سبق أن وجد معبد الكهنة اتجاهات سابقة نحو تطوير فكرة اله عالمي، والىتوكيد مظاهره الأخلاقية، وكانت عبادة رع اله الشمس طاغية في عهد أمنحوتب الثالث والد أخناتون، الذي سعى للحد من طغيان كهنة آمون معبود طيبة، فبرزاسم قديم لرب أتون أو آتوم الذي وجد فيه أمنحوتب الرابع أخناتون ضالته، واجابات لتساؤلاته الميتافيزيقية، وطمأنة لقلقه الروحي

3- بفضل انتصارات تحتمس الثالث غدت مصر دولة عالمية بمقياس ذلك العهد، وبالتالي تاثرت العقيدة الدينية المصرية تأثرا حاسما بسبب اتساع رقعة مصر، التي كانت تضم النوبة في الجنوب، وفلسطين وسوريا، وجانبا من بلاد النهرين في الشمال، مما أضفى على هذه السيادة، سياسية جديدة، أدت الىالتوحيد الجغرافي الذي جمع ما بين الدلتيين (الفرات والنيل) ووحد ما بين بينهما (ويسميها فرويد – للغرابة - بالامبريالية المصرية العالمية-وهو نفس المصطلح الذي تروج له الكثيرمن الكتابات الأنثروبولجية في الغرب، بحيث لم يتطرق فرويد -هناعمدا-وهوالخبير في الأنثروبولجيا الدينية، وعلم النفس الديني- الى التجانس التاريخي لشعوب المنطقة روحيا وثقافيا، وتلاحم الهكسوس مع الأشوريين الذين نقلوا الىالعالم كبرىالمسائل الفلسفية والروحية الخالدة، لفلسفة ما وراء الطبيعة أو(المطلق)، ووحدة الاله المتجانس، من عراق حمورابي الى مصر اخناتون (1350ق.م) عندماانتشرت أرقى الحضارت البشرية (المبنية على الروحانيات) عبرالارتقاء في البناء الفوقي للثقافات المتجاورة والمتمازجة والمتعاقبة من الموسوية الى المسيحية، انتهاء بالاسلام)

واذا كان سلطان فرعون–كما يرى فرويد-قد بات يمتد وراء حدود مصر الى النوبة وسوريا، فقدأصبح على الربوبية نفسها-حسب تعبير فرويد-أن تنزل من تحديدها الوطني، فيغدواله المصريين الجديد –كما هو الحال بالنسبة لفرعون- السيد الواحد الأحد

4- ارتبط ولاء أخناتون الديني بعقيدة عبادة الشمس، وان كان بعض الباحثين يشكون في عبادته لاله الشمس، -باعتباره أنه موجد جميع الكائنات الحية وحافظها في الكون بأسره-

 ولم يقتصر الحال بأخناتون على تنبؤه المذهل(في ذلك الوقت قياسا الى المكتشفات العلمية) بتلك الحقيقية العلمية المتصلة بتأثيرأشعة الشمس في كل الكائنات الحية من انسان وحيوان ونبات، أي أن أخناتون(الذي حيرالمؤرخين القدامى وأربك تحليلات فرويد التاريخانية قد أله فقط تلك القوة التي الي جعلت من الشمس طاقة مادية ومعنوية وروحية وفي نفس الوقت، تحس جميع الكائنات بتأثيرها، مستعيرا اسم آتون من المعتقدات المصرية القديمة للتدليل على ذلك الكائن الالهي الواحد الأحد في كل مكان ولا شريك له

 

 فرويد والختان وعقدة التسامي لدى اليهود

اختلف فرويد كل الاختلاف مع التوراة، التي ترجع الختان الى أن الرب أمر ابراهيم عليه السلام، أن يختتن كجزء من العهد المبرم بينه وبين الرب، كما تذكرالتوراة، أن الرب غضب على موسى–عليه السلام-لاهماله الختان، فأسرعت زوجته وختنته، بينما تذكرالمصادر التاريخية وأهمها هيرودوتس وما أسفرت عنه دراسات الموميات المصرية، بأن الختان عرفه المصريون منذ أحقاب بعيدة قبل عهد الأسرات الفرعونية نفسها، أي قبل دخول اليهود مصربآلاف السنين.وان الختان خاصية مصرية انفرد بها المصريون، وتبينوا فضلها دون سائرالشعوب البشرية..، وكان موسى بحكم مصريته-كمايقرر فرويد- قد ألزم اليهود باعتناق التقاليد والطقوس المصرية القديمة بهدف دمج اليهود في المجتمع المصري والمساواة بينهم وبين المصريين الذين يحسون بأنهم أسمى الأجناس–حسب فرويد- وهناك من الانثروبولجيين الذين يرجحون عقدة التعالي المرضية لدى اليهود، نتيجة بشعورهم بالدونية أمام الشعب المصري القديم، لقيادة فراعنته الذين غالوا في نوعية تعاليهم على سائر الخليقة وان الأسرالحاكمة، اما آلهة، أوانصاف اله، أو أنصاف بشر

 

 والحقيقة، هي أن اليهود، هم الذين ميزوا أنفسهم عن بقية الأجناس فيما بعد-كما يقرر فرويد-، بممارسة عادة الختان والحفاظ عليها، بادعائهم أنها طقس يهودي محض، مما حال دون ذوبانهم في مجتمعات المنطقة، وخارجها في الشتات، أثناء ترحالهم وتجوالهم(فهم قوم رحل ولم تتسم حياتهم بالاستقرار–تاريخيا-عكس ما روجوه لاحقا من زيف، تسويغا للانقضاض على أرض الميعاد ..،

 وما كان أحبار اليهود ليعترفوا بالأصل المصري لعادة الختان لما فيه من اضعاف لأسطورة شعب الله المختار، فادعوا في التوراة أن الختان التزام فرضه الرب على شعبه بموجب العهد الابراهيمي كما يدعون

وقد عانى اليهود الكثيرمن عقد النقص تجاه الشعب المصري عموما –وما يزالون- وستضل مصر هدفهم الأول والأخيرفي سياساتهم الحالية، بكل تمظهرات انتماءاتهم المسرحية، بحكم ارهاصات التاريخ التي تأزم اليهودي أينما كان، وكيفما كان، ولذا، فقد حوراليهود، السمو الحضاري والروحي للمصريين القدامى-كما تثبته الحفريات ودراسة الموميات- التي تثبت رقي المصريين القدامى تحويرا (تلموديا) مما خلق لدى اليهودعقد الحقد والكراهية تجاه مصر والشعب المصري، وحولوها –حسب قانون الاحالة السيكولوجي -الى فكرة التسامي والتعالي على بقية الشعوب، والعزوف عن الاختلاط بها، فنزهوا أنفسهم عن التشبه بالآخرين، مقتبسين فكرة السموالحضاري والثقافي والروحي عندالمصريين، بتحويلها الى عنصرية مقيتة..، فقد ذكر هيرودوتس في تاريخه بأن المصريين كانوا- من جميع النواحي- أنقى شعوب العالم آن ذاك، كما اختلفواعن بقية الشعوب بعادة الختان-رمزا للطهرانية والسمو والترقي في السلم الانساني- والاعتقاد بنجاسة الخنزير، فحرموه لارتباطه بأسطورة رب الشر ست ..وعدم الاختلاط بالأجانب لوثنيتهم – وللفوارق الحضارية والثقافية الكبيرة-الا في صورة ضيقة للغاية... وسنرى في الفصل القادم ان شاء الله، ما الذي دفع موسى عليه السلام للتبشير بعقيدة التوحيد بين اليهود ومحاولاته اليائسة الى ردهم الى طريق الهداية والرشاد؟

للبحث صلة

 

............................

الآراء الواردة في المقال لا تمثل رأي صحيفة المثقف بالضرورة، ويتحمل الكاتب جميع التبعات القانونية المترتبة عليها. (العدد: 1187 السبت 03/10/2009)

 

في المثقف اليوم