قضايا وآراء

ذهنية التكفير / جابر مسلماني

ما يمكن تصنيفها من أصول المذهب وخصوصياته وذلك بناء على النظرة من خارج الكيانات المذهبية، حتى مع عظمة ومركزية تلك المفاهيم في الداخل المذهبي، مما تعتبر قاعدية ومفصلية وأساسية في حركة الدين كله كنظام شامل.


هل يمكن تكفير وإخراج المختلف مذهبيا مع الأصول المذهبية الاخرى كمعطى من داخل التأسيسات الاسلامية الشامله في فضاءات احد المذهبين؟!

 هذا للأسف الشديد والأليم ما بدأنا نشهده على أكثر من صعيد، تكفير الآخر واستباحة إيمانه واعتقاده، حتى مع رفعه كل أعلام التسليم والانتماء إلى الله، وحتى مع إقراره بل مع كل أنواع إشهاره لإنتمائه


إن هذه الظاهره بمقدار ما تنتج عن حمى الصراع المذهبي ولهيبه في بعض الدوائر لا كلها، فهي ايضا نتاج بعض دوائر أنظمة العقل الفقهي الذي لم يصر إلى اعادة تموضعه وترتيبه بما يرتكز على منظومة التقعيد القرآني، فهو المرجعية الكلية لفحص الانظمة الحديثية في كل دوائرها وتشكلاتها وترجع اليه رؤيويا وانعطافا عضويا توليديا وتأصيلا المنتجات الفقهية في نظراتها المقاصدية التي ترسم حدود الايمان والكفر بطريقة واضحة لا لبس فيها.

 ان هناك نهضة فقهية عظيمة في الدوائر الفقهية التي تعمل - الآن - على اعادة تأصيل الفقه وذلك في المديات والدوائر البحثية المعاصرة في العالم الاسلامي بشقيه الشيعي والسني إنْ في الهيكلة المتجددة لاعادة انتاج نظرات معاصرة في سياق الكتب والابحاث الفقهية التي يعمل فيها العقل الاجتهادي الذي هو ضرورة انسانية، ويحوز على المشروعية الدينية المطلقه ضمن ثوابته، او في ما نشاهده من دوريات فقهية في اطار النصوص والكتابات المعاصره.

 وبمقدار ما ينتج التكفير عن بعض الانظمة الفقهية التي لا زالت في بعض أنساقها تخلط بين العقدي والفقهي الرمادي والغائم ، وبين العام الإسلامي والخاص المذهبي، كذلك فإن التكفير ينتج ايضا عن مركزية الأنا في في داخل الرؤية المذهبية نفسها، على قاعدة احتكار الحقيقه الاسلامية ونفيها وجودياً عن الآخر، وإلزامه بما لا يلتزم من داخل منظومته الفكرية العقدية والتشريعية.

 ان تكفير الآخر امر خطير ينبغي التنبه اليه والالتفات الى نتائجه وتداعياته، ليس اقلها المترتبات الفقهية الصارمة على حياته وعلى علائقه الاجتماعية وما شاكل، وأخطرها فصله عن الله.


يحصل كثيرا ان يقرأ أحدهم من داخل المذهب الاسلامي او من خارجه كلمة او سياقاً فقهياً او فتوى فقهية ويبني عليها فهماً كبيراً وعريضاً، علماً انها قد تنتظم في كليات وتحت مشروطيات كبيره في النظام الفقهي الخاص ، لذا يجب موضعة الفتوى - او السطر- الفقهي داخل منظومته الفقهية المؤسسه له والضابطة له عن الاطلاقية.

 وأخطر من ذلك هو رفع المحمولات الفقهية القديمة في انتاجها والتي تجاوزتها النظرات التحديثية الاجتهادية قطعاً وفي سياق كل المذاهب، الى فضاء الرؤية ومن دون التدليل على تجاوزها، مما يوهم الآخر الموضوعي في قراءتها، انها لا تزال تعمل في دائرة المشروعية والاعتبار الفقهي لأصحابها، وهذا ما يفسح المجال لمن يريد توظيفها في دائرة الصراعات المذهبية وجعلها وقوداً ووثائق ناجزه لإدانة الآخر ومن فمه النصوصي.

 هذا ما نشاهده كلنا على بعض الفضائيات التي تفرد برامج للجدل المذهبي، ولأكثر من هدف فإنها تأخذ نصاً من احد الكتب المذهبية القديمة وتضعها في شريطها المتحرك اسفل الشاشة، ويتحرك هذا الشريط وبعنف في قلب وعقل المختلف مذهبياً، لأنها تطاله في عقر دار اعتقاده وإيمانه الديني. ان اخطر ظواهر ومظاهر التكفير، هو التكفير الجمعي، تكفير مذهب بكامله او تكفير كل المذاهب. فهناك اتجاهات تكفر كل المسلمين، فالله لها لوحدها، والرسول لها لوحدها، والجنة الواسعة امتياز حصري لها من دون العالمين، مما يعكس سلوكيات في الاجتماع العام لا ترضي الله ولا الاديان ولا الاتجاهات الاسلامية ، الا تلك التي اسست في داخل عقلها الجمعي وداخل وعيها الاجتماعي انها شعب الله المختار.


على عقلاء المذاهب وأعمدة التوجيه فيها، العمل على ضبط ما يحصل وإدانته بعد العمل على تجفيف منابعه المؤسسة وإبعادها نهائيا عن ديمومة التفريخ والانتاج والتوليد.

 ان ظاهرة التكفير هي اخطر الفيروسات التي اصابت بعض مظاهر وتجليات المذاهب في خطاباتها. ان هناك قروناً وسطى يعاد انتاجها بكل ملابساتها وتداعياتها. إن قتل الناس وتفجيرهم وتكفيرهم الى اي مذهب انتموا، هو اعتداء على القرآن نفسه واعتداء على رسول الله (ص) ، وتقويض للعقيدة والاخلاق، ومس بكرامة الانسان التي جعلها الله اقدس ما في الدين على الاطلاق، وأخطر ما في هذا العمل البربري انه يجري باسم الدين الرحيم والمتسامح.

من الذي اعطاهم صلاحية تكفير المسلمين وبتر الانسان وتهميش ونفي ايمانه بالله عز وجل. اننا نعيش في اوطان مؤمنه وفي جغرافيا مؤمنه، على اختلاف دوائر ايماننا طائفياً ومذهبياً.

 إن العبث وبالطريقة البغيضة التي تحصل تهدد العيش المشترك وتؤسس لنسف الأوطان التي تشكلت بعرق ودماء اهلها وتعبهم.

 إن هناك من يبتسم ويسخر منا على سرعة استجابتنا لمخططات التفتيت التي صيغت من وراء مكتب سياسي عريض وماكر يجيد صناعة الخرائط الجديدة للأوطان التي يريد تمزيقها وإعادة تركيبها بما يتلائم مع ما يناسبه ان نكون عليه.

 ان هناك من يستطيع التفجير في اي مكان متداخل مذهبياً وطائفياً، لأن مناخات الإدانة السريعة والمرتجلة حاضره وجاهزة للآخر المذهبي.


 لا يمكننا، ولا ينبغي الا ان نعيش معاً، بكل مكوناتنا الدينية والطائفية والمذهبية، لاحترام الطوائف، لاحترام المذاهب واجتماعاتها المكونة، وليحتفظ كل منا برأيه الديني ورأيه المذهبي، ولنعمل على تثمير واقعنا الوطني في كل مكان نعيش فيه.

 إن اوطاننا العربية والاسلامية فيها، من التنوع ما يكفي لجمال وجلال وثراء المشهد العام فيها لنعمل على صوغ عقيدة وطنية تؤسس للعيش في الفضاء الحر والمشترك وتحترم كل الخصوصيات الثقافية والدينية والمذهبية.

 ان ادياننا ومذاهبنا داخل ادياننا كلها تنادي بالله وتنادي بالأنبياء ورسالاتهم وتنادي بعشق الاوطان وفدائها وبذل الارواح على مذبحها، فحذار من ذبح الاوطان على مذبح الافكار الضيقة ومن تعميم ثقافة الظلام والظلاميين بدلا من ثقافة انوار الاديان في تسامحها واحترامها للآخر. حذار حذار من تسييد ثقافة الجهل المقدس. 

الشيخ جابر مسلماني  

 

العودة الى الصفحة الأولى

............................

الآراء الواردة في المقال لا تمثل رأي صحيفة المثقف بالضرورة، ويتحمل الكاتب جميع التبعات القانونية المترتبة عليها: (العدد :2020 السبت 04 / 02 / 2012)

في المثقف اليوم