قضايا وآراء

من الشروق الى السطوع .. مناقشة الباحث لمداخلات القراء حول موضوع حزب الدعوة وإشكالياته (2) / علي المؤمـن

المسلسلة حول حزب الدعوة والإشكاليات التي اكتنفت مسيرته من نشوء الفكرة وحتى الآن؛ وبالنظر لأهمية كثير من الردود ومساهمتها في إكمال الصورة الحقيقية لموضوع الدراسة؛ فسأخصص بعض الحلقات للخوض في الردود؛ على أن أستأنف حلقات الدراسة الأصلية مستقبلاً.

وسأنقل هنا نص السؤال أو المداخلة؛ ثم أحاول الإجابة عليها أو معالجتها. مع التأكيد على انني لم أجب على التعليقات والمداخلات الممجدة أو المسيئة الى الحركات والجماعات، أو ذات الطابع الشخصي؛ ولاسيما التي تمجد أو تسيء الى بعض الشخصيات، او التي تحتوي على اتهامات شخصية للباحث ولاعلاقة لها بالموضوع.

 

?   موضوعي يادكتور حتى الآن .. الكاتب: د.ياسر العبادي حتى هذه الحلقة الثانية أثبت موضوعية رفيعة وحيادية خطيرة؛ وكانك تسير بثقة عالية بين ألغام لم يستطع حتى الآن أي باحث غيرك من تفكيكها؛ سواء من الدعاة او أعدائهم او من بقفون في الوسط. ننتظر حلقاتك القادمة. مع تمنياتي ان تجيب في حلقاتك القادمة عن مشكلة تعدد الثقافات الاجتماعية للدعاة الاوائل بالنظر لانتمائهم كما كشفت لنا لاول مرة الى عدة دول كالعراق ولبنان وايران وباكستان والبحرين وغيرها. وبالحقيقة كانت صدمتنا كبيرة ونحن نقرأ هذه الاسماء الكبيرة التي كانت ضمن المرحلة الاولى من تحرك حزب الدعوة. وارجو أيضا ان افهم كيف حصلت على هذه المعلومات التي لم نسمع بها من قبل حتى من قادة الدعوة و من وسائل اعلام الحزب وادبياته؟ وعذرا اذا تساءلت ان عمر حضرتك لايسمح بمعاصرة هذه الاحداث ونعرف انك في الاربعينات من عمرك وانك انتميت للدعوة كما قرانا سابقا في عام 1979. لان مايلفت النظر انك تتحدث وتحلل وتفكك الاحداث والاشكاليات بدقة وتفصيل وكأنك معاصر لها.

?   علي المؤمن:

الدعاة المؤسسون كانوا عراقيين ومن أسر عراقية معروفة، عدا السيد مرتضى العسكري الذي ولد في العراق ولكنه من أصول إيرانية، بينما الشخصيات التي التحقت بحزب الدعوة فيما بعد فتعود في اصولها الى أكثر من بلد؛ ولكنها نتاج نتاج البيئة الإجتماعية نفسها، اي بيئة النجف الاشرف، فهي مولودة في النجف أو في مدن العراق الاخرى وعاشت في النجف ودرست فيه. وهذا يشمل مايقرب من 80% من الدعاة الاوائل. وفي اواسط الستينات عندما بدأت تنظيمات الدعوة تنتشر في البلدان الاخرى؛ دخل في الحزب أعضاء لم تكن تربطهم بالنجف او العراق غير رابطة الولاء الديني للمرجعية الدينية النجفية. ولكن هؤلاء أصبح ولاؤهم للنجف ولاءا سياسيا وفكريا أيضا؛ إذ أصبحت المرجعية الفكرية ثم الدينية فيما بعد للسيد محمد باقر الصدرهي بوصلتهم، فضلا عن بوصلتهم التنظيمية والسياسية المتمثلة بقيادة الدعوة الموزعة بين النجف وبغداد.

والحقيقة ان التنوع في الانتماءات الاجتماعية الأصلية للدعاة لم تؤثر في خلق اتجاهات وميول متباينة في اطار حزب الدعوة؛ لان البيئة النجفية هي بالأساس بيئة موحدة في شكلها ومضمونها؛ بالرغم من تنوع الاعراق والإنتماءات الاجتماعية فيها؛ إذ ظلت البيئة النجفية طوال مئات السنين قادرة على صهر جميع الوافدين في بوتقتها؛ سواء كانوا من العراقيين الحضر من المدن الاخرى او العراقيين الريفيين أو بدو نجد والاردن والشام او الايرانيين الفرس والاذربيجانيين او ابناء شبه القارة الهندية؛ فضلا عن العرب من البلدان الاخرى، وفي مقدمهم اللبنانيين والخليجيين؛ فتراهم بعد فترة يتحولون الى ابناء للبيئة النجفية بكل تفاصيلها. وهذه خاصية تتميز بها النجف ربما تكون فريدة من نوعها على مستوى علم الاجتماع؛ وهي القدرة على صهر الآخرين. اي ان النجف هي بالاساس هي مدينة عالمية وليست عراقية محضة في بعدها الإجتماعي، فضلا عن الديني.

وهذه الحقيقة ظهرت في حزب الدعوة بشكل واضح؛ فلم تكن عالمية حزب الدعوة نتاجاً لنظرية مؤسسيه وحسب؛ بل إنعكاسا لعالمية البيئة النجفية التي تاسس ونشا فيه حزب الدعوة. ولو تأسس حزب الدعوة في مدينة أخرى لما تحققت هذه القاعدة النظرية والعملية في بنائه. وهناك ثلاثة عوامل ذاتية كان لها التاثير الأساس في عالمية النظرية الدعوتية؛ أولها وجود علماء الدين في صدر قائمة المؤسسين والقياديين والدعاة الاوائل، والمعروف ان عالم الدين يكون البعد الاسلامي العالمي في شخصيته قوياً جداً وينعكس على حركته بشكل طبيعي. والعامل الثاني يتمثل في صعود قياديين غير عراقيين للقيادة، ولاسيما اللبنانيين وذوي الاصول الايرانية، والعامل الثالث هوالتأثر بعالمية التنظيمان السنيان الكبيران (جماعة الاخوان وحزب التحرير). وساهمت هذه العوامل الذاتية في تكريس ترشحات البيئة النجفية العالمية. وبالتالي ساهم كل ذلك في التنظير الموضوعي لعالمية حزب الدعوة؛ وفقاً لأساس عقائدي يتمثل في عالمية الإسلام ونظريته.

وقد اثرت العوامل الذاتية ـ هي الاخرى ـ على فقدان حزب الدعوة لبريقه العالمي، بدءاً من أوائل الثمانينات، وذلك بعد التنحي التدريجي لمعظم الفقهاء عن قيادته؛ سواء بوفاتهم او تصديهم للمرجعية الدينية أو تسنهم مواقع قيادية في مؤسسات غير عراقية ، او اختلافهم مع توجهات حزب الدعوة السياسية والفكرية الجديدة، كالسيد مرتضى العسكري والشيخ محمد مهدي شمس الدين والسيد محمد حسين فضل الله والسيد كاظم الحائري والشيخ محمد علي التسخيري والشيخ محمد مهدي الآصفي، وكذلك بعد خروج معظم القيادات غير العراقية، كالشهيد محمد هادي السبيتي والشيخ علي الكوراني، فضلا عن العامل الموضوعي بانهيار تنظيمات حزب الدعوة في البلدان الاخرى، والتي فقد إثرها حزب الدعوة قيادات تاريخية، كالشيخ صبحي الطفيلي والشيخ عيسى قاسم والسيد عبد الله الغريفي والشيخ محمد يزبك والشيخ حسين الكوراني والشيخ نعيم قاسم والشيخ عبد الامير الجمري وغيرهم. وأضاف البعد الذاتي الآخر المتمثل بانحسار الشخصيات النجفية في القيادة والكادر المتقدم دورا في انحسار الهم العالمي لحزب الدعوة، وتحوله الى حزب عراقي وطني، مع احتفاظه بقواعده العقادية النظرية الاسلامية الاخرى، ولاسيما بعد سقوط النظام السابق واستلام الحزب لمفاصل اساسية في السلطة . وهنا تعامل حزب الدعوة تعاملاً واقعياً يهدف الى دفع الضررعن الدعاة غير العراقيين في بلدانهم؛ كل لا يتهموا بالإرتباط بحزب حاكم في دولة اجنبية، وكذلك الحيلولة دون ضرب الواقع العراقي الجديد؛ للحيلولة؛ بحجة وجود أجنحة غير عراقية لحزب الدعوة، وكونه ليس حزباً وطنية.

وسيكون لي مقاربة موسعة مستقبلاً عند الحديث عن الاشكالية السادسة التي ذكرتها في مقدمة الحلقات؛ والمتعلقة بثنائية الوطنية والعالمية في فكر حزب الدعوة وسلوكه.

وعودا الى اصل السؤال؛ فان وجود القياديين والكوادر غير العراقيين، ولاسيما اللبنانيين وذوي الاصول الايرانبة؛ بالتنظر لتنوع خبراتهم الإجتماعية وكفاءاتهم الثقافية. وكان سبباً أساسياً في سطوع حزب الدعوة.

اما السؤال الآخر للدكتور ياسر العبادي، فهو عن معرفتي بالأحداث التفصيلية التي ادونها وكاني عاصرتها كما يقول. الحقيقة ان المؤرخ المحلل لايشترط فيه معاصرة الاحداث، وهذه آلاف الكتب والموسوعات التاريخية كتبها مؤرخون بعد مرور مئات السنين من وقوع الأحداث. وقد ذكرت في مقدمة الحلقات ان اهتمامي بموضوع الحركات الاسلامية يعود الى اكثر من ثلاثين عاماً، فقد دونت أحداث انتفاضة صفر عام 1979 وانتفاضة رجب 1979 وأنا في العراق، ثم بدأت بتدوين تاريخ الحركات الاسلامية بشكل احترافي ومهني منذ اوائل الثمانينات، وكنت اتابع وأسأل والتقي المؤسسين والرعيل الاول وصناع الاحداث، وأجري مقابلات مطولة معهم، واناقش الروايات وأفكك الاشكاليات. ومن هنا جاء التخصص في هذا المجال، ولايرتبط هذا بتاريخ انتمائي للحركة الإسلامية.

 

?   تساؤلات لايجيب عليها الباحث .. الكاتب: سميرة عبد الباقي

أتابع بانتظام مايكتبه الدكتور علي المؤمن كما أقرا التعليقات بعناية ولكن ارى ان كثيرا من التعليقات تحمل اسئلة واشكالات ولاسيما ماقرأته في المقال السايق حول اشكاليات تاسيس حزب الدعوة وكانت هناك اسئلة كثيرة ولكن الاستاذ المؤمن لايجيب ولم يجيب على اي من الاسئلة على اهميتها. وانا شخصيا كنت اطرح سابقا اسئلة ولكن عندما وجدت الدكتور علي لايجيب لم اعد اشارك

ارجو من السادة في الجريدة والموقع الطلب بالحاح الى الكاتب الاجابة على اسئلة القراء او تقوم الجريدة بفهرستها وتحويلها الى مقابلة مع الاستاذ والا مافائدة الاسئلة والاستفسارات اذا كانت الجريدة والسيد الكاتب لايتفاعلان معها؟

?   علي المؤمن:

أرجو من السيدة الكريمة ان تعيد إرسال مالديها من اسئلة وتعليقات، وساعقب عليها. وإذا حدث اي إشكال فني عدم نشر مداخلاتها، فهو امر تابعته مع رئيس تحرير الجريدة، ووعد بتلافيه. وسبق انأجبت على تساؤل سابق للسيدة الكريمة في حلقة سابقة. وهناك سؤال آخر يرتبط بموضوع قادم؛ سأجيب عليه في حلقة قادمة.

 

?   من هم آل الغريفي .. الكاتب: عدد من ابناء الأسرة الغريفية

تعليقاً على التساؤلات التي وردت حول الاسرة التي ينتمي اليها كاتب الحلقات الدكتور السيد علي المؤمن الغريفي؛ ننقل هنا خلاصة عامة لما ورد في كتب التراجم والانساب والتاريخ التي خطتها أقلام كبار علماء التراجم والمؤرخين:

آل الغريفي اسرة دينية علمية عراقية عريقة، عمرها حوالي 400 سنة، وتعود الى جدها الفقيه الكبير السيد حسين الغريفي المولود في كربلاء؛ والذي هاجر منها الى البحرين بصحبة ابيه العلامة الفقيه السيد أبي الحسن الحائري الموسوي المولود في كربلاء ايضا. وتعد أسرة آل الغريفي أحد أبرز أسر الزعامات العلمية الدينية والسياسية في العراق والبحرين والمنطقة الخليجية، و تنتهي بنسبها إلى الامام موسى الكاظم بن الامام جعفر الصادق بن الامام محمد الباقر بن الامام علي السجاد بن الامام الحسين بن الامام علي بن ابي طالب والسيدة فاطمة الزهراء بنت رسول الله محمد (ص). والاسرة الغريفية منتشرة في البحرين(موطنها الاصلي) والعراق وايران والكويت. اما آل المؤمن فهو الفرع النجفي العراقي للاسرة الغريفية، والذي يفخر بانتمائه إلى النجف الاشرف؛ حاضرة العلوم الإسلامية منذ أكثر من الف سنة، وعاصمة القرار الديني الشيعي. ويرجع آل المؤمن الى جدهم العلامة السيد عبد الله المؤمن حفيد زعيم البحرين وسيد اهلها المرجع الديني السيد عبد الله البلادي الغريفي. .

 أما الدكتورعلي حسين صادق المؤمن الغريفي، إبن هذه الأسرة؛ فقد ولد في مدينة النجف الاشرف (العراق) في 29 نيسان / أبريل عام 1964، و درس الابتدائية والمتوسطة والثانوية في مدينته النجف الاشرف، ثم جمع بين الدراستين الاكاديمية والدينية، حيث درس العلوم الدينية في الحوزة العلمية في قم بايران، كما حصل على البكالوريوس في الشريعة، ثم الماجستير في الاجتماع السياسي من الجامعة العالمية الإسلامية في لندن في عام 2002، والتحق بعدها مباشرة بمرحلة الدكتوراه في القانون الدستوري في الجامعة نفسها، وأكمل اطروحته المعنونة (التقنين الدستوري للفقه السياسي الإسلامي).

?   علي المؤمن:

اكتفي بالقدر الذي كتبه بعض أبناء العم بهذا الخصوص، رداً على بعض أصحاب التهم المعلبة؛ بالرغم من رفضي لنشر هذه المداخلة؛ الا ان اصرار الاخ رئيس التحرير؛ جعلني انزل عند رغبته.

 

?   إسم الشيخ العطار الكاتب: الشوكي

لماذا لم تذكر أسم سماحة الشيخ الشهيد مهدي العطار ضمن الدعاة الاوائل؟

?   علي المؤمن:

سقط إسم سماحة الشيخ الشهيد مهدي العطار سهواً عند تنضيد الحلقة الثانية من قائمة الدعاة الاوائل؛ فعذراً للقراء الكرام. وقد ذكرت إسمه عند إعادة نشر الحلقات الثلاث الأولى .

وقد قصدت بالدعاة الاوائل هم الاعضاء الذين انتموا الى الحزب قبل عام 1965. والشيخ الشهيد العطار (مواليد 1944) انتمى الى حزب الدعوة الاسلامية في عام 1962. وكان الداعية الشاب الشيخ مهدي يساهم في دعم تنظيم ( حزب ملل إسلامي) بشراء السلاح من بادية النجف؛ وهو الحزب الذي اسسه الداعية الإيراني المهاجر من النجف السيد محمد كاظم الموسوي البجنوردي عام 1960، وكان يحمل أفكار حزب الدعوة بالكامل، وهو الذي فجر الكفاح المسلح ضد نظام الشاه، بعد انهيار حركة الشهيد نواب صفوي. وكان جهاز المخابرات الايراني (السافاك) يعتبر حزب ملل اسلامي الفرع الايراني لحزب الدعوة. وهو ماقراته ايضا في منشور صادر عن حزب توده الشيوعي الايراني عام 1962. فكان الشيخ مهدي يذهب بالسيد كاظم الى بادية النجف لشراء السلاح من عشائر المنطقة، ثم ينقل السيد كاظم السلاح الى ايران. وينقل الداعية القيادي الشيخ محمد علي التسخيري بان الذي أقنعه بالانتماء لحزب الدعوة في عام 1963هو الشيخ مهدي العطار، وهما صديقان قديمان وبعمر واحد و ودرسا معا في كلية الفقه في النجف الاشرف.

 

?   وأين الدكتور ابراهيم الجعفري والاخرون؟ الكاتب: داعية قديم أصيل

تعقيبا على تعليق الاخ الشوكي أقول: عدا عن الشيخ الشهيد مهدي العطار ، هناك ثلة من الدعاة الاوائل لم يذكرهم الدكتور علي المؤمن ايضا كالدكتور ابراهيم الجعفري والسيد عبد الكريم القزويني والسيد نور الدين الاشكوري والسيد علاوي الهاشمي والشيخ محمد باقر الناصري والشيح حسين البشيري والسيد محمود الهاشمي الشاهرودي . وهناك دعاة اصبحو فيما بعد ضمن التيار الشيرازي دخلو ايضا في حزب الدعوة منذ البدايات كالسيد محمد الشيرازي والسيد حسن الشيرازي والسيد القزويني. وهناك دعاة قدامى جدا في السعودية والكويت لم يرد ذكرهم. أرجو من الدكتور علي المؤمن توضيح أسباب عدم ذكر هؤلاء؟ ونحن بصراحة نثق بتدوين الدكتور علي ومعلوماته وكتابته لتاريخ الدعوة اكثر من ادبيات الحزب الحالية وقيادة الدعوة الحالية

?   علي المؤمن:

لقد ذكرت في قائمة الدعاة الأوائل؛ الأعضاء الذين انتموا الى حزب الدعوة قبل عام 1965، عدا عن نماذج من الدعاة غير العراقيين. اما الدكتور ابراهيم الجعفري ( مواليد 1947) فقد انتمى الى حزب الدعوة عام 1966. وقد اعترض بعض المداخلين لأني ذكرت بعض اقران الدكتور الجعفري كالسيد علي الاديب (مواليد 1944 ) ولم أذكر السيد الجعفري اسوة به. وقد تحققت من هذا الموضوع من السيد عمران الطريحي، وهو من قدامى الدعاة في كربلاء؛ فحدد تاريخ انتماء علي الاديب بعام 1962، وانتماء الدكتور الجعفري بعده بأربع سنوات. أما السيد عبد الكريم القزويني والسيد نور الدين الاشكوري والسيد علاوي الهاشمي؛ فقد ذكرتهم عند إعادة نشر الحلقات الثلاث الاولى. كما أشرت فيها الى علاقة السيد محمد الشيرازي والسيد مرتضى القزويني بالدعوة . وماتبقى من الاسماء: الشيخ محمد باقر الناصري والشيخ حسين البشيري والسيد محمود الهاشمي ؛ فإنهم لم ينتموا الى حزب الدعوة، بل كان الشيخ الناصري في الناصرية والشيخ البشيري في كركوك يحتضان الدعاة وقريبين من الدعوة، وكان معظم أبناء الشيخ الناصري وكثير من أقاربه من الدعاة. اما السيد محمود الهاشمي (رئيس المجلس الاعلى للثورة الاسلامية في العراق ثم رئيس السلطة القضائية في ايران) فقد اعتقل عام 1974 بتهمة الانتماء لحزب الدعوة، وتعرض في زنزانات الامن العام ببغداد لاشد صنوف التعذيب لحمله على الاعتراف، ولكنه لم يكن منتميا للدعوة، بل كانت السلطة تحاول الوصول الى السيد الشهيد محمد باقر الصدر من خلال اعترافه؛ بالنظر لعلاقة السيد الهاشمي القريبة جدا من السيد الصدر. بل ان النظام البعثي أعدم ثلاثة من اشقاء السيد الهاشمي بتهمة الانتماء لحزب الدعوة، واعتقلت عدد كبير من أقاربه في بغداد وكربلاء؛ بعد هجرة السيد الهاشمي الى ايران عام 1979 ممثلا للسيد الصدر.

 

?   التسلسل في السرد الكاتب: نعمان المعمار- لندن

أرجو منكم سيدنا الكاتب العزيز أن تستمر بكتابة كل الحلقات وتترك الرد على جميع الأسئلة والتساؤولات الى نهاية الحلقات حتى يكون الموضوع متكامل.

? علي المؤمن:

ماتقوله موضوعي وصحيح، وكان منهجي منذ البداية ان نترك الإجابة بعد نهاية الحلقات، ولكن إلحاح كثير من الباحثين والمتابعين والقراء، فضلا عن رغبة رئيس التحرير؛ دفعتني الى قطع نشر السلسلة، وتناول الأسئلة والمداخلات؛ نزولا عند رغبتهم.

 

? الدعوة وإمكانية تجاوز الإنتماءات الوطنية للمؤسسين الكاتب: عبد الجبار كميل الحساني

أستاذ علي كيف استطاع حزب الدعوة تجاوز موضوع الانتماءات الوطنية المتعددة للمؤسسين والدعاة الاوائل واختلاف بيئاتهم الاجتماعية؛ لأنهم من بلدان كثيرة؟ هذا السؤال يشغلني كباحث في الاجتماع السياسي الديني. اما موضوع النسب التي ذكرتها حضرتك بالنسبة لانتماءات المؤسسين ألا تعتقد انها غير ذات تاثير في صياغة توجهات الحزب السياسية والاجتماعية فيما بعد ، على اعتبار انها تغيرت كليا فيما بعد عام 1961 كما استنتجت انا من المعلومات التي ذكرتها انت في هذه الحلقة؟ وهل تعتقد ان شبانا معدودبن في العشرينات ودونها من عمرهم يستطيعون إحداث كل هذا التغيير في الحوزة والنجف والعراق كما تقول أدبيات الحزب في مقابل وجود مئات الفقهاء وعلماء الدين والأحزاب الجماهيرية والنخبوية الكبيرة التي تملا الساحة كالشيوعي والبعث ووجود النخبة السياسية الليبرالية المهيمنه والاقطاع المالي والزراعي والديني والسياسي؟ أليس الكلام عن الانجازات فيه مبالغة كبيرة بل كثير من الحشو والتمنيات؟

? علي المؤمن:

سبق ان تحدثت عن علاقة تعدد الانتماءات الاجتماعية والوطنية لأعضاء حزب الدعوة الأوائل بقدرة حزب الدعوة على النفوذ في البلدان الاخرى. وأعتقد ان هذه التعددية أضافت لحزب الدعوة الكثير، إذ كان لها اكبر الأثر في مراكمة التنوع الثقافي الإجتماعي في بنية حزب الدعوة التنظيمية، وكانت تنسجم مع عالمية كيان الدعوة وفكرها؛ باعتبارها حركة اسلامية غير محلية. واستفاد حزب الدعوة في صهر هذا التنوع في بوتقته الفكرية والإستفادة منه وتجاوز سلبياته؛ من التجربة النجفية التي يزيد عمرها على الألف عام؛ على اعتبار ان حزب الدعوة هو وليد طبيعي للبيئة النجفية؛ إذ ظلت الاخيرة نتاجا لتفاعل بيئات ثقافية اجتماعية متنوعة، وظل هذا النتاج غنيا جدا ومتفوقا في عمقه وسعة افقه على الاحاديات الثقافية المحلية. وهي ميزة نادرة تتمتع بها البيئة النجفية، كما هي ميزة حزب الدعوة.

أما التحول الذي جرى على انتماءات أعضاء حزب الدعوة بعد عام 1961؛ بانفتاح حزب الدعوة على المدن والقوميات والبئيات الاجتماعية العراقية والعربية والمسلمة؛ فإنه لم يؤثر سريعا على توجهات حزب الدعوة الإجتماعية والفكرية. صحيح ان حزب الدعوة بدأ نجفيا في انتمائه الفكري و الإجتماعي الثقافي، ثم استحال عراقيا وعالميا في تنوع انتماءات أعضائه؛ الا انه من الناحية الفكرية والتقاليد الدينية؛ بقي ينتمي الى مدرسة النجف الأشرف. وربما كانت مرحلة المهجرهي التحدي الأكبر الذي واجه حزب الدعوة على هذا الصعيد؛ ولاسيما حين تواجدت قيادته في ايران؛ حيث ضغوطات البيئة الفكرية الدينية الإيرانية وتقاليدها، ثم نزوع عدد غير قليل من الدعاة الى إتباع مدرسة السيد محمد حسين فضل الله، المتباينة الى حد ما في تقاليدها الفكرية والدينية عن مدرسة النجف؛ الا ان بوصلة الدعوة ظلت متوجهة غالبا الى مدرسة النجف. وهذا الامر لايزال قائما حتى في خضم الإشكاليات الجديدة - القديمة التي تحكم العلاقة بين الدعوة والمرجعية النجفية.

وبالنسبة للتساؤل المشروع حول قدرة شبان في العشرينات من عمرهم (مؤسسو حزب الدعوة والدعاة الاوائل) على إحداث كل هذا التغيير الذي تتحدث عنه أدبيات الدعوة، في مقابل وجود المئات من الفقهاء في النجف، فضلا عن التنظيمات الايديولوجية الجماهيرية، كحزب البعث والحزب الشيوعي، المنتشرة في الوسط الشيعي، والإقطاع الإجتماعي والاقتصادي في العراق؛ أقول بعيدا عن أدبيات الدعوة في هذا المجال؛ ان جملة من المعادلات خدمت الدعاة الاوائل العشرينيين في إحداث التغييرات المقصودة:

1-   ان الوسط الشيعي كان يعاني من الفراغ في وجود تنظيم شيعي تغييري ايديولوجي، يوازي البعث والشيوعي من جهة، والتقليدية الدينية من جهة اخرى؛ الامر الذي حقق للدعوة انتشارا سريعا جدا في الوسط الشيعي الديني التواق الى الإصلاح على المستويات الدينية والإجتماعية والسياسية، وجعل الشباب الشيعي المتعلم يتفاعل بقوة مع التنظيم الجديد وينخرط فيه ويتبنى أفكاره. وحماس هذا الشباب في الحركة والتغلغل والنفوذ؛ جعلهم يمسكون بمفاصل التأثير المباشر في العمل الثقافي والديني وفي المؤسسات والجمعيات الثقافية والدينية والعلمية القائمة، ولاسيما جماعة العلماء وكلية الفقه وجمعية منتدى النشر في النجف الاشرف، ثم جماعة العلماء في الكاظمية وبغداد وغيرها.

2-   ان الدعاة الاوائل كانوا يتمتعون بحماية المرجعية الدينية العليا المتمثلة بالإمام السيد محسن الحكيم، والبيوتات العلمية العربية الكبيرة في النجف، بل كان عدد كبير من الدعاة ينتمي الى هذه البيوتات ذات التاثير الإجتماعي الكبير؛ كآل الحكيم وآل الصدر وآل بحر العلوم وغيرهم من البيوتات العلمية العراقية واللبنانية المقيمة في النجف، كآل ياسين وآل فضل الله. فضلا عن احتماء الدعاة بعدد من كبار الفقهاء الإصلاحيين، كالشيخ مرتضى آل ياسين والشيخ محمد امين زين الدين والسيد اسماعيل الصدر. بل كان عمل اعضاء الدعوة في إطار مرجعية الإمام الحكيم ومشروعاته الدينية والثقافية، كالمكتبات العامة مثلا؛ أكبر الأثر في الإنتشار السريع للدعوة وفي تغطيتها دينيا واجتماعيا.

3-   كان الدعاة من علماء الدين يمارسون من خلال عملهم كوكلاء وممثلين لمرجعية السيد محسن الحكيم ثم مرجعية السيد ابي القاسم الخوئي ومرجعية السيد محمد باقر الصدر؛ دورا مزدوجا؛ يصب في المحصلة النهائية لمصلحة حزب الدعوة، ويطرحه كممثل وحيد وشرعي للحالة السياسية الدينية الشيعية. وكان معظم هؤلاء الدعاة الوكلاء شباب في العشرينات والثلاثينات، ولكنهم كانوا يتمتعون بالغطاء الديني المرجعي.

4-   كانت الأفكار الإصلاحية الإنقلابية التي يطرحها الدعاة الاوائل؛ تلقى رواجا كبيرا في الوسط الإجتماعي الشيعي؛ الذي يتملس الحرمان السياسي والتمييز الطائفي من قبل الدولة، ولاسيما من قبل الشباب القادم من مدن الفرات الأوسط والجنوب العراقي للدراسة في الحوزة العلمية النجفية وجامعة بغداد، وكذا الشباب الشيعي القادم من جنوب لبنان وبقاعه او القادم من القرى البحرينية المحرومة. فكان تأثير هذه الافكار أكبر بكثير من الوعظ الديني التقليدي، او من الافكار القومية التنظيرية او الفكر الماركسي الذي يلامس حالة الحرمان بصورته العامة وليست الخاصة التي يعيشها الإنسان الشيعي بصفته الطائفية.

5-   كان الشباب العشريني الذي يعيش هموم حزب الدعوة؛ هو الأنشط فكريا وثقافيا على الساحة الدينية، فقد كان الدعاة هم العنوان الأبرز للتجمعات الثقافية ولحركة الكتابة والتأليف والخطابة والندوات؛ ومثال ذلك: السيد محمد باقر الصدر والسيد مهدي الحكيم والسيد مرتضى العسكري والشيخ محمد مهدي شمس الدين والسيد محمد حسين فضل الله والسيد محمد باقر الحكيم والسيد محمد بحر العلوم والشيخ مهدي السماوي والسيد عدنان البكاء والشيخ محمد مهدي الاصفي والشيخ محمد علي التسخيري والشيخ عارف البصري والشيخ علي الكوراني والشيخ عبد الهادي الفضلي وغيرهم. وكان تأثير كتاباتهم وحركتهم مهما جدا في الهيمنة النسبية على الوسط الإصلاحي الديني. وكان هذا التأثير يحسب لمصلحة الدعوة وقدرتها على الإستقطاب؛ وإن كان الداعية يتحرك في مفصل معين بصفته الشخصية او الدينية البحتة او العلمية المؤسساتية.

وبالتالي؛ فان الحديث عن الانجازات المركزة والسريعة لحزب الدعوة في مرحلة نهاية الخمسينات وأوائل الستينات؛ ليس حشوا دعائيا أو حديث تمنيات او مبالغات، وإن كانت بعض أدبيات الدعوة تعطيه حجما ربما أكبر من الواقع؛ لحاجة إعلامية زمنية، أو أحيانا لتقدير من عايش الإنجاز أو صنعه أو ساهم في صنعه. وفي المحصلة؛ فإن هذا الشباب العشريني من الدعاة؛ لم يكن مجرد شباب حزبي يسعى لاهداف سياسية او تنظيمية محدودة؛ بل كان مؤسسا لحالة مختلفة في مسار التاريخ الشيعي؛ شكلت انعطافة كبرى على مستويات الفقه السياسي والسلوك الحركي والعمل التنظيمي والرؤية التاصيلية لعملية التأسيس العصرية للدولة الإسلامية القائمة على مذهب اهل البيت. وهو عمل لم يسبق اليه الدعاة أحد من النخبة الشيعية في العراق وغيره. ولايمكن أن نقيس العمل التأصيلي التأسيسي للدعاة الاوائل على التجارب النضالية والسياسية والحكومية للنخب الشيعية في المراحل التي سبقت تأسيس حزب الدعوة؛ كما هو الحال مع الدولة العلوية في طبرستان او حكومة السربداران في سبزوار او الدولة الحمدانية في شمال العراق وبلاد الشام او الدولة الفاطمية في شمال افريقيا ومصر او البويهية في ايران والعراق او الصفوية في ايران، وصولا الى الحركة النضالية للنخب الشيعية في لبنان وايران والعراق والبحرين في مطلع القرن العشرين الماضي وحتى اواسط الخمسينات، ومنها ثورة المشروطة في ايران وثورتي النجف والعشرين في العراق والثورة الدستورية في البحرين، والحراك السياسي في جنوب لبنان؛ بالرغم من ان الإنجازات الميدانية لهذه التجارب يفوق انجازات حزب الدعوة بعشرات الأضعاف. ولكن حديثنا هنا ليس عن الإنجازات الميدانية وحسب؛ بل عن الإنجاز التأسيسي لفقه وفكر وبنية سياسية شيعية تختلف عن كل هذه التجارب. فالشباب العشريني المحرك للدعوة؛ أسس لأول مرة لمبدإ إقامة الدولة الإسلامية في عصر غيبة الإمام المهدي، وهي دولة تقوم على تاصيل فقهي، وكذا بالنسبة للتأصيل للحراك السياسي والتنظيمي والعسكري للدعوة، والذي يخضع لنظرية الشريعة الإسلامية وأحكامها التفصيلية، وليس دولة سلطانية تقوم على التوريث والطقوسية الشيعية؛ كما هو الحال مع الدول الشيعية التي قامت من قبل، وليست أيضا حركات نضالية سياسية تقوم على مواجهة ظرف معين.

وإذا أردنا أن نكون أكثر واقعية؛ فيجب ان نذعن الى حقيقة تاريخية مهمة؛ تتمثل في السبق المستمر للنخب السني في تحقيق الإنجازات الفكرية والسياسية والميدانية لمصلحة الواقع السني، وتعقبها النخب الشيعية في تمثل هذا الإنجاز؛ لتحقيق مصالح للواقع الشيعي. فمثلا ظلت الحكومة السلطانية غير مقبولة وفقا للتقاليد الدينية والسلوكيات النضالية الشيعية، وهو ما حصل - ابتداء - مع حركة المختار بن يوسف الثقفي، الذي كان مؤسسا لأول تحرك جهادي شيعي بعيدا عن الشرعية الدينية المتمثلة بالإمام المعصوم (الإمام علي بن الحسين السجاد) و لأول سلوك سلطاني في التاريخ الشيعي. ولكن بعض النخب السياسية والجهادية الشيعية اضطرت بعد ذلك الى اقتفاء اثر حركة المختار؛ لضمان مصالح الطائفة؛ عبر الثورات والجيوب الحكومية والحركات السياسية المجتمعية. ثم تطور الامر الى التشبه بالحكومات السلطانية السنية؛ وهو مابدأه العلويون في شمال ايران والحمدانيون في شمال العراق وبلاد الشام، ثم الفاطميون والبويهيون والصفويون. وحيال ذلك اضطر الفقهاء الشيعة الى منح الشرعية لهذه الحكومات السلطانية التي لاتستند الى الفقه السياسي الإسلامي بصيغته اللصيقة بموروث اهل البيت (ع). وكان الهدف من كل ذلك حماية المجتمعات الشيعية من ثوابت الإستهداف والإستئصال والتهميش والتمييز الطائفي الذي تتعرض له من الحكومات السنية والفقهاء السنة، وكذلك فسح المجال امام العقيدة الاسلامية الشيعية من التحرك بحرية، بمعزل عن دعوات التكفير والإقصاء والنبذ الذي تتعرض له باستمرار. وهكذا اصبح للنخب الشيعية فقها سلطانيا تتحرك في إطاره، اسوة بالنخب السنية، واصبح للحكومات الشيعية منصب (شيخ الإسلام ) اسوة بالحكومات السنية؛ لمواجهة قوة القهر العسكرية والسياسية بقوة دفاعية تعادلها، وسلطة الفتوى بسلطة أخرى توازيها؛ والا فالإبقاء على الحال كما كان عليه في عصر الدولة الاموية والمراحل الاكبر من عصر الدولتين العباسية والعثمانية، اي قوة وسلطة من طرف واحد؛ سيؤدي بالمجتمعات الشيعية الى الإندثار والإبادة، أو اللجوء الى الغابات والجبال والقلاع والسواحل، وبالتالي الإبتعاد عن أصول المعتقد وتبني معتقدات دخيلة، كما حصل مع ملايين الشيعة في شمال لبنان وغرب وشمال سوريا وشمال العراق و جنوب تركيا وشرق البانيا، والذين يعرفون بالعلويين، وهم بالأساس شيعة اماميون إثنا عشريون، وعددهم اليوم أكثر من 40 مليون نسمة، وذلك لعدم وجود سلطة تحميهم في مقابل الإبادة الأموية والقمع العباسي والبطش العثماني. وهو ما حدث بمفارقة أكبر مع عشرات الأسر الشيعية في لبنان وسوريا التي اعتنقت الديانة المسيحية، تخلصا من القتل والإبادة الجماعية؛ لأن السلطات العثمانية كانت تحرم دم المسيحيين وتعدهم اهل ذمة، بيما كان الشيعي مهدور الدم، وماله وعرضه مستباحين، ولاتنفعه جزية دينية ولاضريبة دنيوية.

واستمر الحال الى العصر الحديث، حيث كانت النخب الشيعية تتمثل النخب السنية في حراكها الميداني، فانتمى بعضها الى الواقع الأوربي في تبني القوانين الوضعية والدساتير الزمنية، كما حدث مع النخب الايرانية في المشروطة، او تقتفي اثر الإسلامويين السنة في التبعية للدولة العثمانية في صراعها مع الغرب، او تتجه نحو الحركات القومية المتحالفة مع الانجليز والفرنسيين أو المعادية لهم. فكانت النتيجة خسارة الشيعة الكبرى بعد ثورة العشرين في العراق، ومجيئ حكم طائفي عنصري أذاق الشيعة الويلات، حتى ترحم الشيعة على طائفية الدولة العثمانية، وكذا خسارتهم في لبنان بعد تأسيس لبنان الحديث عام 1934 ومجيء حكم طائفي يقوم على التحالف السياسي بين الاقليتين السنية (بقايا العثمانيين) والمارونية ( إفرازات الفرنسيين) ضد الاكثرية السكانية الشيعية. وكذا الحال في البحرين.

بيد ان تأسيس جماعة الإخوان المسلمين في مصر عام 1928؛ شكل حدثا مصيريا في الواقع السني؛ إذ كانت الحركة الإسلامية الاولى في التاريخ السني التي تدعو لحكم اسلامي على أساس الشورى، وليس لحكم سلطاني، اي لايقوم على الموروث السياسي السلطاني السني، الذي حكم الواقع السني منذ ملكلية معاوية الاموي وحتى سلطنة عبد المجيد العثماني. وأعقبها تأسيس حزب التحرير، الذي كان هو الآخر حركة سنية إسلامية تعارض الموروث السلطاني السني وتدعو لخلافة (راشدة).

وحيال ذلك؛ كانت النخب الدينية الشيعية العربية تنظر بإعجاب لجماعة الأخوان المسلمين وحزب التحرير؛ بالنظر لدعوتيهما الدينيتين المتجددتين القائمتين على الشورى والخلافة الراشدة، وخطابيهما التاصلي العصري القائمين على تطبيق الشريعة الإسلامية بأدوات حديثة، وعمليهما التنظيمي القوي الذي يقارب عمل الأحزاب العلمانية الايديولوجية في رصانته وهيكليته، وبعدهما عن الحالة التقليدية في الفرز الطائفي التي تتميز بها الجماعات السنية حيال الشيعة. فجاء تأسيس حزب الدعوة متأثرا بوجود هاتين الحركتين؛ ليس تاثرا بالمعنى الفقهي والفكري؛ بل بمعنى تلمس غياب العمل الشيعي المشابه، في الوقت الذي كان الواقع الشيعي بأمس الحاجة إليه.

ورغم هذا التشبه الشكلي؛ الا ان حزب الدعوة من خلال القوة الفكرية لمؤسسيه واعضائه الاوائل من الشباب العشريني، وحماستهم العالية، وعملهم الدؤوب، واحتمائهم بالسلطة الدينية الشيعية العليا، واستثمار النسبة السكانية للشيعة؛ باعتبارهم الاكثرية العددية في العراق ولبنان والبحرين؛ استطاع تجاوز جماعة الاخوان وحزب التحرير بمراحل متقدمة كبيرة من حيث العدة والعدد في هذه البلدان الثلاثة.

 

?   هل الدعوة الآن هي نفسها في زمن الشهيد الصدر؟ الكاتب: عبد الجبار كميل الحساني

هل ان حزب الدعوة عند التاسيس ووجود السيد محمد باقر الصدر هو نفسه حزب الدعوة بعد ذلك؟ وهو نفسه حزب الدعوة في مطلع السبعينات وفي نهاية السبعينات وفي مطلع الثمانينات ثم في التسعينات هو نفسه بعد عام 2003؟ هل هي الدعوة نفسها وتغير كل شيء في مرحلة ومنعطف ويبقى الاسم فقط؟

?علي المؤمن:

لاشك ان حزب الدعوة مر بتحولات كبيرة وكثيرة منذ تاسيسه وحتى الآن، شأنه في ذلك شأن جميع الحركات التغييرية ( السياسية الفكرية )؛ وإن كان يعد من ضمن الجماعات الايديولوجية التي تعطي لثوابتها قدسية خاصة. لقد نظّر السيد محمد باقر الصدر للدعوة خلال الأعوام 1965 – 1961، وليس من المستساغ بكل المعايير ان تجمد الدعوة على أدبياتها التي طبعت تلك المرحلة ( الأولى)؛ باستثناء الثوابت. فإذا تغيرت هذه الثوابت التي تمثل أسس حزب الدعوة وغاياته وفلسفة وجوده؛ انتهى مسوغ وجود حزب الدعوة و جدوى بقائه. أما آليات العمل وأدوات التحرك وتفسيرات الثوابت؛ فهي مساحة متغيرات يستطيع الحزب تطويعها وفقا لتحولات الزمان والمكان. ويمكن إجمال ثوابت حزب الدعوة بما يلي:

1-   إن حزب الدعوة هو حزب اسلامي ديني دعوي، اي ان غايته هي دعوة الناس الى الاسلام بكل ما للإسلام من أبعاد، وفقا لفهم حزب الدعوة للإسلام؛ باعتباره نظاما شاملا يستوعب كل مجالات الحياة المدنية والتشريعية والاجتماعية والسياسية والإقتصادية، وكونه دين ودولة، وشريعة وشعائر وشعور، وكونه طريق الله الى مرضاته، وسلوك الدنيا الى الآخرة، وجهاد الحياة الى الجنة . وبالتالي فان ثابت كون الدعاة جماعة دعوية هي الفلسفة التي تأسس حزب الدعوة وفقها.

2-   ان الهدف النهائي لحزب الدعوة هو تطبيق الشريعة الإسلامية؛ باعتبارها القانون الإلهي الذي تعتمده الدعوة في طبع حياة الناس به. وهذا القانون هو ثابت من ثوابتها.

3-   إن الهدف الآلي (الميكانيزم) الذي يعتمده حزب الدعوة في الدعوة للإسلام وتطبيق الشريعة الإسلامية هو إقامة الحكم الإسلامي. اي ان إقامة الحكم الإسلامي لايعبر عن الفلسفة الوجودية لحزب الدعوة؛ بل الأداة التي يستخدمها الحزب لتطبيق الشريعة الاسلامية ولنشر الدعوة. وبالتالي فإن إقامة الحكم الإسلامي هو ثابت آخر من ثوابت حزب الدعوة وأداته لتطبيق الشريعة الإسلامية.

4-   إن أدوات حزب الدعوة في العمل والحركة هي أدوات نابعة من قدسية ثوابته، أي انها أدوات محكومة برضا الشريعة الاسلامية وخاضعة لموازينها، سواء انتمت هذه الأدوات الى السياسة او الى الاعلام او العمل العسكري أو الاقتصاد؛ على اعتبار ان الوسيلة والاداة في العمل الإسلامي يجب أن تكون من جنس الغاية والهدف، ولايمكن أن يكون الهدف – مهما بلغت نسبة سموه – مسوغا لاستخدام أداة غير شرعية لا تخضع لموازين الشريعة الإسلامية.

وبالتالي؛ فان ألأدوات السياسية والتنظيمية والاعلامية والعسكرية وغيرها؛ هي أدوات متغيرية ولاتمثل ثابتا شرعيا؛ بل يمكن لحزب الدعوة تغييرها من زمن لآخر. وبما ان الظرف الزماني والمكاني الذي مر به حزب الدعوة منذ تاسيسه وحتى الآن؛ ظل عرضة لتحولات عميقة؛ فان من الطبيعي ان تتغير أدوات حزب الدعوة ولا تبقى جامدة كما هي منذ عصر المؤسس الشهيد الصدر. ومن هنا؛ اعتقد ان حزب الدعوة الآن في جانب الآليات والأدوات؛ لم يعد هو حزب الدعوة في زمان السيد محمد باقر الصدر. أما في جانب الثوابت؛ فان حزب الدعوة بدء منذ أواخر التسعينات يمر بظرف دقيق، وأصبح اكثر دقة وصعوبة بعد عام 2003 ؛ حين دخل العملية السياسية وأصبح الحزب الابرز فيه وفي الحكومة العراقية. وعندها برزت جملة خطيرة من الإشكاليات التي ذكرتها في مقدمة الحلقة الاولى من هذه السلسلة، وترتبط بالثوابت الاربعة سابقة الذكر. فماذا بقي من هذه الثوابت؟ وهل الادوات التي يستخدمها حزب الدعوة بعد 2003 تنسجم مع هذه الثوابت؟ هنا لا أريد أن أعرض منهج الدراسة التي اقوم بها الى الإرباك في طرح الموضوعات، وسأترك عملية تفكيك الإشكاليات والإجابة عليها الى تسلسلها المحدد لها منهجيا في حلقات الدراسة.

 

?   أين سنوات الرماد؟ الكاتب: أبو رامي

لما كنا بايران سمعنا ان حزب الدعوة ضغط على السيد علي المؤمن حتى لا ينشر الجزء الثاني من سلسلة كتبه عن مسيرة الحركة الاسلامية العراقية وهو كتاب سنوات الرماد الذي سمعنا انه يكشف امور تعود بالسلب كثيرا على الحزب، حيث يعتقد علي المؤمن ان حزب الدعوة صار رمادا بعد عام 1990 . ما صحة الموضوع؟

?علي المؤمن:

هذا الكلام غير صحيح؛ إذ لم يفتح الحزب أو أحد قادته سيرة الكتاب معي أبدا، لا قبل السقوط ولابعده، اللهم الا من باب الإستفسار عن مصير الكتاب. تجدر الإشارة الى ان كتاب "سنوات الرماد" هو الجزء الثاني من سلسلة مسيرة الحركة الاسلامية في العراق، ويدرس المرحلة من 1987 وحتى 2002 (خمسة عشر عاما)، ويفتح الكثير من الملفات المغلقة، ويكشف عن كثير من الأوراق المستورة، ولكنه لايتعرض لشخص أو لجماعة بالسوء او النقد الهدام؛ لأن هذا التوجه يتعارض مع المنهج الوصفي التحليلي للكتاب، وبالتالي حياديته. ولكن كما ذكرت في مقدمة الطبعة الثالثة من كتاب " سنوات الجمر"؛ فإن تأخير طباعة كتاب" سنوات الرماد" وإخراجه الى الضوء يعود لقراري الخاص بتغليب المصلحة العامة؛ لأن الساحة العراقية والإسلامية تواجه تحديات كبيرة؛ تحول دون طرح هذا اللون العميق من النقد والتحليل الشفاف، والذي قد يتم استغلاله بصورة سيئة و غير موضوعية. وبالتالي فأنا لست حيادياً في درء المفاسد عن ساحتي التي انتمي اليها، بالرغم من حياديتي في استقراء المعلومات والتحليل وتفكيك الاشكاليات، والإجابة على مايكتنفها من تساؤلات؛ فيما لو قررت الكشف عنها وعرضها.

إن معاييري في الكتابة والنشر؛ تستند الى مبادئي في الحياة وانتماءاتي، فلا أطرح موضوعا الا إذا كان مفيدا لانتماءاتي، ولا أكشف عن كل ماأعرفه؛ حتى لو وجدت في داخلي دوافع شخصية. ولو كانت عملية الكشف عن المعلومات وعرض التحليلات تهدف الى انتقام شخصي أو تنفيس عن ألم كامن؛ لتمكنت من تحقيق الكثير جدا من الأغراض الشخصية. وهو أمر معيب، وأستنكره على زملائي الذين يكشفون معلومات وربما أسرار عن اشخاص كانوا في يوم من الأيام أصدقاءهم، او يكشفون خفايا كانوا يوماً مؤتمنين عليها بحكم وضعهم الحزبي والحركي، بدوافع تنكيل شخصية. ولكن هذا لايعني ان الإعتقاد لايقودني أحيانا الى طرح موضوعات قد تكون قاسية في مظهرها؛ ولكن شرط أن تكون هذه القسوة شبيهة بحالات العلاج المؤلمة.

 

العودة الى الصفحة الأولى

............................

الآراء الواردة في المقال لا تمثل رأي صحيفة المثقف بالضرورة، ويتحمل الكاتب جميع التبعات القانونية المترتبة عليها: (العدد :2021الأحد 05 / 02 / 2012)

في المثقف اليوم