قضايا وآراء

الإمام الخميني وخطاب الوحدة الإسلامية / جابر مسلماني

واستعادت قيمه وقواعده التحتية في الربع الأخير من القرن المنصرم، شخصية خلاصية إسلامية المنشأ كونية الدوائر والتخوم والشخوص.

لقد أعلن الإمام الخميني الأسبوع الفاصل بين ولادة الرسول الأعظم (ص) بحسب التاريخ الرقمي السني وبين التاريخ الرقمي الشيعي لولادته الشريفة أسبوعا للوحدة الإسلامية، وهو أحد تجليات النظرة الخمينية العاملة على تجسير الفجوات بين مناطق الاختلاف بين جناحي الاسلام الكريمين وبذلك يرتقي الإمام بالأمة من مضائق الاحتباس والانحباس الى رحابات التلاقي والتكامل والعمل على تجذير معاني الولادة المحمدية في الاطار التاريخي الاسلامي والانساني الواسع .

يعمل الاستكبار الدولي والاقليمي  على الدوام على قواعد التفتيت والتصديع واشاعة التنابذ والاحتراب بين الوحدات والمكونات التي يربطها الكثير ويفصلها القليل، لأن الانسجام والاتحاد والتكامل يؤدي الى الانسداد امام مشاريعيه الثقافية والسياسية والاقتصادية والأمنية، فرق تسد هي المقولة والقاعدة الذهبية التي تستخدمها الإمبراطوريات لمد أذرعها الأخطبوطية في مدى الاجتماع الدولي المثخن بالتشقق والتصدع.

يدعو ذلك الى ضرورة فقه الاجتماع العربي والإسلامي بمذاهبه وقواه الفاعلة وأحزابه ومجمل مكوناته أن نجاح القوى الكبرى أو فشلها في تصدير مشاريعها وصياغتها وتثبيتها على أرضنا العربية والإسلامية يتوقف علينا نحن أصحاب الأرض، السيادة على الأرض  تعني إمتلاك القرار، وامتلاك القرار يعني القبض على جدران الأوطان والكيانات السيادية.يعني ذلك سقوط كل المشاريع والمطامح الدولية على أسوار وطن عربي وإسلامي يجيد ترسيم الحدود العريضة بينه وبين الآخر وعلى قواعد الاحترام والحقوق والحدود والمعايير.

إن امتلاكنا كدول وطنية وكيانات قومية  لمنظومات السلاح بكل الأوزان والمقادير لا يكفي لكف الاعتداء على اوطاننا وكراماتنا الجمعية، ان انظمة الردع هي انظمة ثقافية بالدرجة الاولى، معرفتنا بالثقافة السيادية، كيفية إدارة التنوع في أطر الوحدة، إحياء مناطق الموات في عقليتنا الجمعية والمجتمعية، معرفة الاوزان ومناطق توازنات القوة وتسييلها في مدى الرؤية الدولية.

مولد النبي الكريم رسول الله (ص) يدعونا الى تحمل مسؤولياتنا بعمق وحفر تحت معضلاتنا الكبرى وإعادة تقليب صفحاتها بعناية ودقة، بعناية الأمة كلها لا الأفراد، إضاءة الشموع على البيوت والمساجد لا تكفي ولا تعبد الطريق الى النبي محمد، ولا تعيد الضياء الى عتماتنا العربية والاسلامية.

يبدأ الطريق الى رسول الله(ص) بالوحدة الاسلامية التي دعا اليها القرآن واعتصموا بحبل الله جميعا ولا تفرقوا، المضمون الذي أعاد إحياءه الأمام الخميني ومن على منبر الدولة بعد إنتصار الثورة الاسلامية   في مثل إيامنا هذه، بما يعني أن لصرخة الدعوة الخمينية الى الوحدة الاسلامية من منبر الدولة قدرة الدعوة على الحراك والفاعلية والتأثير والتحقق والتحقيق لا دعوة شعار يذوب بالقرب من الفم الذي أطلقها بعد لحظات من الارعاد بها .

 

هناك خطابان واضحان في يومنا العربي والاسلامي الراهن :

خطاب مستقيل بالكامل عن مقاربة هموم الأمة المعاصرة وقضاياها، لا تعنيه مشاكلها، وأحيانا لا يعرف بها أصلا، ولا يتحسس وطأتها، قد إستدار وبفاعلية فراغية الى التاريخ، يشهد معاركه، ويصطف في معسكراته وكأن طبول حروبه تُقرع في أصول آذانه، لا يعيش الحاضر ولا تصل الى "تخومه" طبول الأساطيل المعاصرة، ولا يلتفت الى الاحتلالات والاختلالات الراهنة لثقافته ولجغرافيته الطبيعية والسياسية ولمجمل اجتماعه، بإختصار هو خطاب معلق بين الماضي والحاضر ليس بإمكانه العودة الى الماضي بطبائع الأمور وليس بإمكانه الحضور في الحاضر بطبائع العقول !

وهناك خطاب عقلاني ثقافي ومعرفي وسياسي تكون من رحم التاريخ وثقافته الاسلامية المتعالية على الضمور والانحسار والترنح، يأخذ من الماضي قواعده وحتميات مخاضاته ويبني ويدير ويحصن حاضره ويهندس مستقبله، همه الأعلى سيادة الاسلام قيما ومبادئ ومد يديه الى العالم لشراكة محترمة ومتكافئة ، يعلن كرامته على رؤوس الأشهاد بإحترام الاشهاد من منصات الشهود، يعمل على تثبيت جغرافيته وترسيخ أقدامه عليها بعيدا عن الاوهام وصناعة الانتصارات الزائفه.قضاياه غضة طرية تمشي في شرايين اللحظة الحاضرة وتنبض برسالتها الحرة والكريمة وتعود وافرة الى القلب، الى المركز ومعالم الارتكاز.

إن أكبر جريمة يرتكبها العقل السياسي العربي، هو استعداء ايران، ليس مطلوبا تبعية العرب لإيران، هذا لا تطلبه ايران نفسها ولا ينبغي، ولكن بإمكان صناع القرار العربي إعادة قراءة المشترك بين القضايا العربية والإسلامية، إن أرقى وأعظم ما يجمع العرب وايران هو النبي الأعظم محمد (ص) الا يكفي ذلكم المشترك ؟!

العدو الحقيقي والمشترك هو "اسرائيل"، لماذا لا يتم التعاطي معها كعدو، خارج ترسانة الشعارات العربية التي لا تعيد أرضا ولا تدفع عدوا ولا تبني كرامة ذاتية ؟

هل البرنامج النووي الإيراني الاسلامي  السلمي مشكلة ؟اليس هو حق لكل الشعوب في العالم ؟متى كانت امريكا وصيا اختياريا مفوضا على العالم ؟من أعلنها شرطي الذرة والمجرة؟ 

ألا تخيفنا وتقلقنا الترسانة النووية الحربية الاسرائيلية ؟لماذا نعلنها بإيحاءات تحييدها عن جداول أعمالنا السياسية والثقافية والإعلامية بردا وسلاما على قلب وطننا العربي ؟!

نحن المسلمين لا نملك خيارات خارج منظومتنا القرآنية العادلة ونداءاتها، ولن نصل الى أي مكان آمن إذا أدرنا ظهرنا لقواعدها ورسالتها، لنعد الى خطاب القرءان وقواعد إرساءاته لإجتماعنا الديني والسياسي والمدني، لنحترم قومياتنا في فضاءات إسلامنا العزيز، لندير اختلافاتنا بما لا يصدع وحدتنا وأمننا القومي الاسلامي الشامل وتطلعاتنا، لنكن للظالم خصما وللمظلوم عونا، إن أشهر المظلومين في القرن الماضي ولا تزال في قرننا الحالي وحتى إشعار آخر هي فلسطين، لا تزال تئن وتنادي :يا عرب ويا مسلمين أين شهامتكم، أين صفقات سلاحكم، أين نفطكم؟ أين عروشكم وجيوشكم ؟ وأولا وآخرا أين قرءانكم  وصرخات مآذنكم؟؟؟

أليس من المعيب أن يصدر من بعض الخطاب الاسلامي، ما يقصي إيران عن اسلاميتها السياسية بحجة قوميتها، ويصفق لإسرائيل ضمنا بحجة ردعها !!

وهل من المعيب أن يكون المرء اسلاميا وفارسيا، الم يكن سلمان "منا أهل البيت" لماذا لا تكون إيران ممثلة سلمان في قلب حاضرنا؟كما كان سلمان حبيبا للرسول على أرض الاسلام الأولى ..لقد قدمت إيران هدية لرسول الله (ص) في ذكرى ميلاده قمرا صناعيا يصافح بداية الطريق الى المعراج المحمدي إلى السماوات العلا لحماية الأرض والإنسان، لنصافح ايران في منتصف الطريق الى صناعة السيادة الاسلامية الشاملة والمشتركة.

هي الوحدة الإسلامية بين الشيعة والسنة  التي أعلنها ودعا اليها الإمام الخميني وقادة الاسلام العظام وكل من يعنيه أمر هذه الأمة المرحومة .

 

 

العودة الى الصفحة الأولى

............................

الآراء الواردة في المقال لا تمثل رأي صحيفة المثقف بالضرورة، ويتحمل الكاتب جميع التبعات القانونية المترتبة عليها: (العدد :2024 الاربعاء 08 / 02 / 2012)

الشيخ جابر مسلماني 

في المثقف اليوم