قضايا وآراء

نهاية سلطة الأفكار الأُحادية في زمن الطفرات المعرفية / سامان سوراني

المتبقية بعيدة عن تدبر شأنها البشري بإستراتيجية فكرية جديدة في إدارة الهويات والقضايا والعلاقات بين الكيانات المختلفة بعد قراءة المجريات تشخيصاً ومعالجةً لإعادة تشكيل المنطقة بمفاهيمها ومحركاتها وكتلها وأدواتها وهدم الأفكار الميتة والبرامج العقيمة والقاصرة.

اليوم وفي زمن الطفرات المعرفية وبعد سقوط المنظومة الإيديولوجية القومية بمسلّماتها الثابتة وأطرها النظرية وساستها وأمناءها وقممها وجنرالاتها وومفكريها ونظرياتهم المتهافتة لا يستطيع من يتعصب ويُشح?ن لاستعداء الآخر أو لمن يبصم ويصفق أو يهلل بصورة عمياء ويمارس طقوس العبادة تجاه الزعماء والأبطال الطفو فوق سطح الماء وبعد خراب المعن? وتدمير القضايا لا حاجة ال? قادة ملهمين أو غير ملهمين، يخطئون في التقدير، بقدر ما يتفردون بالقرار.  

منطقة الشرق الأوسط في عصر الثورة الرقمية والتقنية بحاجة ال? قياديين ذوي عقول نقدية، يحتفظون باستقلاليتهم الفكرية ويستعصون عل? الاختزال والتصنيف، يستمعون ال? الآخر لخلق وسط للتفاهم أو خط للتواصل، لإدارة القضايا والمصالح بعقول تداولية، وسطية إجرائية ويقفون عل? التخوم بين المعسكرات، لممارسة هويتهم بصورة منفتحة، مرنة، متحركة، عالمية ولإثبات جدارتهم بالاشتغال عل? معطياتهم وتصنيع مجتمعاتهم وانتزاع الاعتراف بهم وسط القياديين العالميين.

من المعلوم بأن التفكير هو حيلة الإنسان ومنبع معاناته، وهو سيف ذو حدين، به نستطيع أن نصنع المعجزة ونخرق الشرط أو نفك الطوق لإنتاج المعرفة أو الثروة والقوة ونمارس علاقاتنا بصورة خلاقة وبناءة وحية، وبه نستطيع أيضا أن نتعامل مع أفكارنا بصورة متحجرة ومغلقة.   

إن العقليات والأفكار الأحادية التي كانت في الماضي القريب تتعامل مع الأحداث والحقائق عل? سبيل التبسيط والتهوين أو التهويل والتضليل أو التلفيق والتزييف أو التهويم والتشبيح، وتتحكم في الخطابات القومية والطقوس المذهبية بدعاو? الحسبة وفتاوى الردة، لم تنتج سو? العوائق والمآزق، وكانت تنفجر كلُغم أمام المساعي الوجودية والمشاريع الحضارية، كي تمارس مجتمعات المنطقة العماء والخواء والجهل، باتت بسبب ظهور فاعل بشري جديد، أي الإنسان التواصلي، الذي يعمل عن بُعد وبسرعة الضوء أو الفكر تتقلص أو كادت تضمحل.

أصحاب إستراتيجية إلغاء الآخر المختلف وعقلية الاصطفاء، الذين مارسوا سلطتهم في العراق ويمارسونه في سوريا الجريحة بسياسة الحديد والنار لفرض الاستبداد والتسلط  بشعاراتهم الخاوية وأختامهم الأصولية ومشاريعهم المستحيلة وقوالبهم المتحجرة لم ينجبوا سو? الأزمات والمحن والكوارث.

لا ينفع الرجعيين الجُدد من قوميين وديناصورات التراث والمذاهب، الذين يريدون لنا العيش في زمن مض?، المفجوعين لحد الآن لسقوط  الطاغية في بغداد والمذعورين من فتوحات العولمة، دغدغة مشاعر "الأمة" لحشدهم نحو عقلية القوقعة والمؤامرة. إنهم في زمن تداخل المستويات المحلية والإقليمية والعالمية لا يستطيعون التعامل مع العالم بعين واسعة بوصفه المدى الحيوي والأفق الكوكبي للعمل الحضاري والتنمية البشرية. إن وصاياتهم النبوية وتهويماتهم التنويرية قد فقدر مصداقيتها ومشروعيتها وفاعليتها، عل? وقع الخسائر المتزايدة والهزائم المتلاحقة والمآسي المتكررة.

إن كسر أُحادية الفكر والتحرر من صن?مية الأصل الثابت والنموذج الكامل والنظام المقفل والمعن? الامبريالي هو السبيل نحو فهم العالم وتشخيص وقائعه أو تدبّر أزماته والتأثير في مجرياته.  

في زمن الطفرات المعرفية يجب نبذ مفردات التحدي والتعامل مع الأفكار والهويات بصورة أحادية، قدسية، صن?مية، طوباوية، فردوسية، اصطفائية، نهائية، سواء تعلق الأمر بالدين أو القومية أو بالديمقراطية أو العقلانية أو الاشتراكية ونقض العدة الفكرية وقلب المفاهيم والتمرّس بعقل جديد من مفرداته: التعدد والتنوع، سياسة الاعتراف المتبادل التواصل والتبادل، الخلق والتحول لإدارة الشأن الكوني بصورة سلمية، ايجابية، بنّاءة.

وختاما نقول لطبّالي الأفكار الأُحادية: "من مارس احتكار المعرفة واحتقار الناس وفكّر بعقلية السحرة والكهنة والنبوة والبطولة، فليعلم بأن عمله‌ هذا لا يجلب سو? المزيد من العجز والتراجع والمظالم والكوارث."

 

د. سامان سوراني

     

العودة الى الصفحة الأولى

............................

الآراء الواردة في المقال لا تمثل رأي صحيفة المثقف بالضرورة، ويتحمل الكاتب جميع التبعات القانونية المترتبة عليها: (العدد :2027 السبت 11 / 02 / 2012)

 

 

في المثقف اليوم