قضايا وآراء

دلالة المصطلح الإسلامي وعلاقته بالمهدوية / صالح الطائي

 http://www.almothaqaf.com/index.php?option=com_content&http://www.almothaqaf.com/index.php?option=com_content&;view=article&id=60435:2012-02-12-03-41-39&catid=34:2009-05-21-01-45-56&Itemid=53

طالما وقفت أمام المواضيع التي يتناولها الدكتور عبد الجبار العبيدي متأملا بعمق وكنت أجد فيها غثا حد الهزال، وسمينا حد الإفراط فبت لا أدري هل يكتبها من بنات أفكاره أم هناك من يوحي بها إليه، إذ ليس من المعقول أن تنضوي غالبا على تعارض يصل إلى حد القطيعة، والليل والنهار لا يجتمعان، وإذا ما نجح مخلوق ما في جمعهما معا لن يحصل على دورة طبيعية للحياة لأنهما سيمتزجان معا ويتداخلان ويتحولان إلى لون رمادي باهت تعافه النفس فالرمادي لون غير محبوب.

لا أخفيكم أني قرأت أغلب كتابات الباحث المنشورة ومع كل موضوع كنت أقف لأؤشر بعض ما أراه من اللون الرمادي الطاغي عليها ولكني كنت أؤجل الخوض فيه عسى أن تحين ساعة النفاذ والولوج إلى الحد الفاصل بين اللونين، وهي الفرصة التي أتاحها لي موضوعه عن (المصطلح) الذي بدأت بقراءته لأني أكتب الآن كراسا عن مصطلح (مال) في الفكر الإسلامي وعلاقته بعصر ظهور الإمام المهدي عجل الله فرجه على أمل الإفادة منه.

ولا أخفيكم أني لم أجد في موضوعه ما يغني عما سواه بقدر ما وجدت فيه من خلط وتشعب  واستفزاز غير مبرر  وتكرار لآراء طرحها الآخرون بقسميهم الأعداء/ الأعداء، والأخوة/ الأعداء، بسبب الخلاف العقدي بين القسمين وهو خلاف جوهري دينيا ومذهبيا.

كنت أتمنى أن تكون الدراسة منهجية أكاديمية توفر معلومة فيها غنى للباحثين ولكني وجدتها بعيدة كل البعد حتى عن المجاملات المجتمعية التي تلطف الأجواء بين البشر ولا تمس الحقيقة التي يجب أن لا نزايد عليها لأي سبب كان.

واشد ما لفت انتباهي في الموضوع حديث الدكتور عن عقيدة المهدوية التي حاول تجريدها من عمومية إسلاميتها وحشرها في جزئية مذهبيتها ناسيا أو متناسيا أنها من العقائد الإسلامية المؤكدة، وان الخلاف بشأنها بين المسلمين لا ينال من صدقها.

ولكني قبل التعاطي مع معلوماته عن المهدوية أريد لفت نظره الكريم إلى استغرابي من قوله: " فالحضارة والثقافة والمدنية كلها مصطلحات حديثة دخلت عالم المعرفة، ثم تشعبت الآراء فيها" فالفاشي بين الناس أنهم يفهمون كلمة (حديثة) [*] المتداولة اليوم على أنها من ثمار تداعيات عصر التنوير الأوربي، ولا يلتفتون إلى معناها التاريخي، وفي هذا غمط كبير لجهود علماء اللغة والتفسير المسلمين والعرب ومنهم العلامة الراغب الأصفهاني المتوفى في حدود سنة 425 هجرية الذي عرّف المصطلحات الثلاث (حضارة/ ثقافة/ مدنية) بما لا يتعارض مع تعريفها الحديث، فالمعروف أن كلمة (مدينة) مثلا، ومنها اشتقت (المدنية)  وردت في القرآن الكريم في ثلاثة مواضع هي: {ومن أهل المدينة مردوا على النفاق} [1] {وجاء من أقصى المدينة رجل يسعى} [2] {ودخل المدينة على حين غفلة من أهلها}[3]

وفي تفسير الكلمة قال السيد الطباطبائي": قوله تعالى: {جاء من أقصى المدينة}: أقصى المدينة أبعد مواضعها بالنسبة إلى مبدأ مفروض، وقد بدلت (القرية) في أول الكلام (مدينة) هنا للدلالة على عظمها"[4] فالعظمة تأتي من السعة والتطور. وقال الراغب: "المدينة: وجمعها مدن، وقد مدنت مدينة" [5]

 

كذلك معروف أن اشتقاق المفردات اللغوية يأتي من الحاجة إليها، ولما كانت الحضارة عكس البداوة، اشتق الأولون مصطلح (الحضارة) من الحضور، والبداوة بخلافها لما في طباع البدو من حب للترحال والتنقل، والباحث حينما يقول: " لم يكن لكلمة حضارة ولا لمشتقاتها في اللغة مدلول شبيه بذلك المدلول الذي اكتسبته هذه الكلمة في العصر الحديث. فالمعاجم العربية مجتمعة تؤكد ان كلمة حضارة تقابل كلمة بداوة، وكلمة حاضرة تقابل كلمة بادية، لذا فتحديد الكلمة بمعاجمنا العربية ظلت سطحية باهته لا معنى لها بالمفهوم المعنوي للكلمة" ينسى في اتهامه المعاجم العربية الزاخرة بعلوم اللغة بالسطحية أن دلالات الآيات القرآنية التي وردت المفردة فيها حتم عليهم تفسيرها ووضع معناها من معنى وغرض ورودها في القرآن، فهي تأتي لتعلن عن حضور، وقدوم، واستحضار، وخزين، ومكان، وهي كلها مصطلحات على علاقة كبيرة بمعنى التحضر. وهي في الآية الشريفة: {كتب عليكم إذا حضر أحدكم الموت}[6] بمعنى: جاء، دلالة على القدوم بدلالة قوله تعالى: {حتى إذا جاء أحدكم الموت}[7] وهي في الآية الشريفة: {وأحضرت الأنفس الشح}[8] جاءت بمعنى الاستحضار والاستقدام، وهي في قوله تعالى: {علمت نفس ما أحضرت}[9] تأتي بمعنى الخزين. وفي ألفاظ القرآن: "الحضر: خلاف البدو، والحَضارة والحِضارة: السكون بالحضر، ثم جعل ذلك اسما لشهادة مكان أو إنسان أو غيره"[10] ومتى ما استقر الإنسان في وطن وبيت ومدينة تنوعت موروثاته ماديا وفكريا فتصبح الحضارة التي هي الرقي تحصيل حاصل،

الباحث لا ينكر هذه الحقيقة فهو يقول: "الكل يجمعون وان اختلفوا في الالفاظ على ان الحضارة هي: كل ما يرث المجتمع من اجياله السابقة من نظم وقيم ومعتقدات اجتماعية وفكرية ودينية، وأنماط سلوكية ومهارات فنية يسيطر بها على بيئته ويكيف نفسه لها ويستطيع بواسطتها اشباع حاجاته الحياتية  وينقلها من جيل الى الجيل الذي يليه، وهذا التعريف للمؤرخين العرب يتفق مع ما قاله الفيلسوف الانجليزي آرنولد توينبي بأنها"ثمرة التفاعل بين الانسان والبيئة". فأين الخلاف؟ ألا يرى الأستاذ الباحث أن إيراده لأقوال اللغويين العرب المتوافقة مع أقوال الفلاسفة والمؤرخين المعاصرين يتعارض مع ادعائه أن "تحديد الكلمة بمعاجمنا العربية ظلت سطحية باهته" بينما يرى المنصف والمدقق والباحث أن لا معنى أوفى من هذه المعاني للحضارة.

أما قوله: "من هنا ندرك ان كلمة الحضارة كلمة معنوية اكثر منها مادية، او قل كلمة تعني بانسانية الانسان وليس باحتياجاته المادية." فهو رأي شخصي أراه يتعارض مع تعريف الفلاسفة والمتخصصين لمعنى مصطلح (حضارة) ويتعارض مع الفهم العام والواقع المعاش، إذ لو كانت الحضارة محصورة بهذا المعنى فإن كل الدول العظمى القائمة اليوم والتي يطلق عليها اسم الدول المتحضرة هي واقعا ليست متحضرة لأن الإنسان فيها ناقص الإنسانية، ولأن أعمال قادتها الإجرامية سواء باستعمار البلدان الأخرى أو التدخل في شؤونها أو نهب خيراتها أو عرقلة تطورها وامتلاكها التكنولوجيا الحديثة بعيدة عن روح الإنسانية.

ضمن هذا السياق يأتي قول الباحث بشأن مصطلح (الثقافة) التي هي الأخرى برأيه لم يدرك العرب معناها الحقيقي و"ظلت سطحية باهته" بينما نجد في آرائهم وأقوالهم تعريفا دقيقا لها حيث عرفها الراغب الأصفهاني بأنها: "الثقف: الحِذق في إدراك الشيء وفعله، ومنه قيل: رجل ثقف أي حاذق في إدراك الشيء وفعله. ويقال: ثقفت كذا: إذا أدركته ببصرك لحذق في النظر"[11] والحذق يجعلك ملما بأطراف العلوم حتى لو لم تكن متخصصا بها كلها، وهذا ينطبق حرفيا على تعريف الثقافة.

ولا ننسى أن الباحث نفسه بعد أن اعترض على طريقة استعمال القرآن للمفردة بقوله: " هذا المفهوم لا ينطبق على الاستعمال الحالي لمصطلح كلمة الثقافة الحديثة المتعارف عليها عالمياً" كان قد أشار في أكثر من مكان من حديثه عن الثقافة إلى أن المصطلح لم يستقر بعد على معنى واحد ولا يوجد معنى متعارف عليه عالميا للثقافة إلى الآن، كما في قوله "ولازال مصطلح الثقافة لم يحدد الى اليوم بالمعنى اللغوي والاصطلاحي المتفق عليه" وقوله الآخر: " وعلينا ان نفهم ان للثقافة تسميات ثلاثة" وهي التسميات التي قال عنها: "والمصطلحات الثلاثة بحاجة الى المزيد من الدراسة والبحث والتطبيق" حيث يستخلص من مجموع آرائه في الثقافة. ومنه ندرك ان المسلمين كانوا متقدمين على غيرهم في إعطائهم معان حقيقية للمصطلحات.

 

واقعا أنا لا أريد أن أناقش الباحث في تخصصه أو رؤاه العامة فذلك أمر لا يعنيني كثيرا وهناك بين الباحثين من له باع طويل في هذا المضمار، ولكني ابغي مناقشته[12] في حديثه عن المهدوية الذي جاء حشوا زائدا لا علاقة له بمضمون البحث، فهو في حديثه عن مصطلح (البشارة) الإنجيلي قال: " لذا جاءت الكلمة عندهم بأكثر من 72 مرة في العهد الجديد لتعبر بصدق واخلاص عن مجيىء المسيح بن مريم المخلص" لكنه لم يقف عند هذا الحد بل تجاوزه كثيرا في قوله: " كما نلاحظ الفكرة عينها عند المسلمين الشيعة في المهدي المنتظر المخلص"

واستغرب صدور مثل هذا الرأي من باحث جليل، بل وأعجب من حصره لفكرة (المخلص) في الفكر الشيعي وحده دون سواه، مع أن المهدوية فكرة إسلامية صحيحة وردت رواياتها عند المدارس الإسلامية كلها [**] بما فيها التي تختلف رؤاها الخاصة عن غيرها، فضلا عن كونها فكرة عالمية تؤمن بها الديانات الثلاث (اليهودية/ المسيحية/ الإسلامية) وتؤمن بها غالبية العقائد الدينية والحضارية الأخرى، بل يؤمن بها حتى الغجر مع ما معروف عنهم من بعد عن الدين وابتعاد عن العقائد، فهم يعتقدون أنهم موعودون بمخلص سوف يأتيهم في آخر الزمان لينزلهم من قمم الجبال ويجمعهم من الشتات ويجعلهم أسياد العالم. وكان حريا به أن يتابع الموضوع ويستقي أخباره من مصادره الموثوق بها ورواياته الصحيحة الممتحنة والخاضعة لعلم الجرح والتعديل قبل الحديث عنه بهذا الشكل الاعتباطي.

ولو توقف الباحث عند رأيه ذاك لقلنا دفاعا عنه: إنها هفوة عالم، وكم للعلماء من هفوات، ولكنها بكل تأكيد لم تكن هفوة بدلالة انه لم يتوقف عندها وتجاوزها ليقول:"فأذا كانت عند المسيحيين ليخلصهم من ظلم اليهود الذين لا يعترفون الا بشعبهم وحسب نظريتهم في (شعب الله المختار).، فهو عند المسلمين الشيعة اشمل واعم ليخلص العالم من الظلم الشامل فقالوا: ان ظهور المهدي سيأتي ليملأ الارض عدلاً بعد ان ملئت ظلماً وجوراً"

وهو في قوله هذا يشكك بالأحاديث النبوية الصحيحة مستخدما المنطق الفلاطوني الذي أثبت خطله من خلال المقاربة التي أجراها بين الفكرين المسيحي والشيعي التي هي ليست من نتاج فكره الشخصي، لأنها بكل ما تحمله من حساسية تبدو راسخة كخلفية في صورة النقاش الخلافي الإسلامي/ الإسلامي بين الشيعة وباقي الفرق الإسلامية الأخرى التي تتهم التشيع بأنه يستقي عقائده من اليهود والنصارى. أما واقعا فالشيعة ليسو وحدهم من يعتقد بهذا الاعتقاد الإسلامي الخالص، كل المسلمين يعتقدونه، وكل كتب الحديث بما فيها الصحاح الستة والسنن وغيرها أوردت حديث: "ليملأها عدلا وقسطا بعد أن ملئت ظلما وجورا" وهو حديث متفق على صحته، ومن يكذب فيه إنما يكذب بكل المنظومة الحديثية الإسلامية.

ولو اكتفى الباحث بهذا الخلط الغريب ما كنا أجهدنا أنفسنا بالرد ولكنه ذهب لأبعد من ذلك فتحدث بأسلوب تهكمي غريب، قائلا: "فلا زلنا ننتظر بعد ان اصبح الظلم والجور والاعتداء على النفس والمال حد الحناجر من الارهابين والخارجين على القانون. فأين مهدينا الذي ننتظره من قرون؟

ولا دري لماذا لم يسأل الباحث نفسه: وأين يوم الدين الذي قال عنه الله سبحانه وتعالى: {وما يدريك لعل الساعة قريب}[13] {وما يدريك لعل الساعة تكون قريبا}[14] {ويقولون متى هو قل عسى أن يكون قريبا}[15] {إنهم يرونه بعيدا ونراه قريبا}[16]

إن يوم الطهور الذي هو من المقدمات الحتمية ليوم القيامة في علم الله سبحانه وتعالى كما هو يوم الدين في علمه، وليس في علم الدكتور، ولا حتى في علم النبي محمد (ص) فالجواب القرآني لمن سأل النبي (ص) عن يوم الساعة كان مفحما مخرسا: {يسألونك عن الساعة قل علمها عند ربي يجليها لوقتها}  وقوله تعالى: {وإنْ أدري أقريب أم بعيد ما توعدون}[؟] 

فإذا كان يوم القيامة الذي توّعدَ الله سبحانه به مخلوقاته منذ الرسالات الأولى إلى بداية البعثة المحمدية، وتوعد به البشر في البعثة النبوية المشرفة التي جاءت قبل خمسة عشر قرنا لم يتحقق إلى الآن، فهل من حق إنسان ما مهما كانت منزلته العلمية والمجتمعية أن يعيد سؤال عصور الجاهلية في عصر التنوير؟ هل من حق الباحث أن يسأل بتهكم: " فأين مهدينا الذي ننتظره من قرون؟" 

ومع كل هذه الآراء الغريبة وجدت الباحث يثير موضوعا من مواضيع الجدل البيزنطي طالما سمعناه من الفضائيات المشبوهة، وقرأنا عنه في الكتب الصفراء والمواقع العميلة والبؤر الخلافية المنتشرة هنا وهناك، واقصد به اتهام البعض للنبي محمد (ص) بأنه ليس نبيا مرسلا وإنما استقى قوانين رسالته من أهل الكتاب الذين التقى بهم في رحلاته التجارية وتعلم منهم، أو اتهام بعض الفرق الإسلامية لفرق إسلامية أخرى بأنها أخذت عقائدها من اليهود والنصارى مثل اتهام السلفيين المتطرفين للشيعة بأنهم أخذوا عقيدة الفداء من الديانة المسيحية، واخذوا القول بالإمامة من الديانة اليهودية، وغيرها من الأقوال السقيمة الأخرى، لقد أثار الباحث هذا الموضوع ليربطه بالأطروحة المهدوية من خلال التشابه الموجود.

قدم الباحث لفكرته عن البعث بعد الموت من خلال نص ورد في دائرة المعارف البريطانية بقوله: " لقد كانت المناطق التي أحاطت بحوض البحر المتوسط مكاناً لمثل هذه الافكار، فعند الأغريق القدماء يموت أودونيس ثم يبعث فتبعث معه الحياة....وهو عند البابليين في العراق القديم تموز الذي مات ويبعث كل عام...وعند قدماء المصريين أزوريس ليموت ويبعث من جديد...، وعند سكان أسيا الصغرى أيتس، ويلاحظ ان هذه الاسماء كلها ليست ألا أوجهاً متعددة لتسمية واحدة وفكرة واحدة هي فكرة البعث بعد الموت (أنظر اساطير الموت والانبعاث - دائرة المعارف البريطانية)

وأراد من خلال هذه المقدمة ربط المهدوية الإسلامية بالأسطورة الميثولوجية ومن ثم إثبات التبعية الفكرية الإسلامية للديانات التي سبقت، تماما مثلما قال من يختلف مع دين الإسلام، فقال: "ولابد للباحث المتقصي من ان يشير الى ان هذه الافكار تنتمي في جوهرها الابعد، الى ما تعارف عليه علماء الانثروبولوجيا بفكرة الانبعاث بعد الموت  التي ارتبطت بأقدم معطيات البشرية الفكرية، ولنا أن نتسائل أليس لفكرة الأله الذي يموت في الاساطير، وبموته يحل الخراب ثم يبعث من جديد فتملأ الارض خضرة وربيعاً، علاقة بفكرة المسيح الذي سيبعث من جديد ليملأ الارض عدلا وسلاما بعد ان ملئت ظلماً وجوراً، وفكرتها عند المسلمين الشيعة متمثلة بالمهدي المنتظر بن الامام الحسن العسكري(ع)."

فالباحث يعزو فكرة عودة السيد المسيح (ع) الثانية التي تتفق على صحتها الديانات الثلاث بلا خلاف إلى الأسطورة الوثنية القديمة مع وجود النص القرآني الواضح بخصوصها. ثم يعزو المهدوية التي عاد ليربطها بالتشيع وحده ويبريء المسلمين الآخرين من (جريرتها) و (جريمتها) والتي ورد بشأنها مئات الأحاديث المتفق عليها إلى الفكر المسيحي معتبرا أنها فكرة شيعية مأخوذة أو مسروقة من الفكر المسيحي الذي سرقها بدوره من الأساطير الوثنية!

وهو ما أكده حرفيا في قوله: "ويرى بعض الباحثين ان فكرة المسحية –موازية الى حدٍ كبير- في الرمز والحدث لاسطورة تموز والتي هي حجر الزاوية في الديانة المسيحية.وليس من شك في ان عقيدة المهدي المنتظر عند المسلمين الشيعة ذات علاقة وثيقة بفكرة المنتظر المسيح الذي يبعث بعد موته" 

ولا أدري كيف أجاز الباحث لنفسه الاعتراض على ما جاء في القرآن، فالقرآن هو الذي أخبرنا بقصة العودة الثانية للنبي عيسى (ع) والنبي (ص) هو الذي أخبرنا بوجوبية ولابدية ظهور الإمام المهدي (عج) في آخر الزمان.

كنت أتمنى أن يهتم الأستاذ الباحث في مجال تخصصه أكثر من اهتمامه بجزئيات تثير القلق في النفوس والحنق في القلوب، وأنا هنا لا ارفض التجديد ولا اعترض على الفكر الآخر ما دام ناهضا نقيا صادقا، أما إذا لم يحمل هذه المواصفات الإنسانية العادلة فمن حقي ومن حق الآخرين الرد عليه بما يرونه سليما دقيقا دون السعي لمصادرته.

  

صالح الطائي

    بغداد

11/2/2012

 

الهوامش

 

[*] لمست من خلال حديث الباحث عن مصطلح الحداثة أنه متأثر بالتعريف الحداثوي الفلسفي لها، وقد سبق وان كتبت عن هذه الإشكالية دراسة نشرتها مجلة الحداثة المصرية التي تصدر في القاهرة في عددها الأول تناولت فيه الاشتقاقات اللغوية للمصطلح ومما جاء فيه: نواجه أول إشكالية مع الحداثة عند محاولة فهم المصطلح، ففي اللغة الإنكليزية هناك ثلاثة مصطلحات متقاربة ومشتقة من أصل واحد، ولكنها ترمز إلى مواضيع مختلفة هي:

الحداثة modernism: ويقصد بها المذهب الفكري المعروف.

المعاصرة modernity: وتعني إحداث التجديد والتغيير في المفاهيم السائدة  المتراكمة الموروثة نتيجة وجود تغيير اجتماعي أو فكري أحدثه اختلاف الزمن.

التحديث modernization: أي عملية  التجديد والتبديل والتطوير.

جميع هذه المصطلحات تترجم عادة إلى (حداثة) على الرغم من اختلافها شكلا ومضمونا وفلسفة وممارسة. وإذا كان من الممكن الجمع بين مصطلحي modernity و modernization ليعنيا المعاصرة أو التجديد، فإن مصطلح modernism  وهو المصطلح المعول عليه اليوم في النص على معنى الحداثة يختلف عنهما تماما لأن الاتجاه الفكري السليم يتفق مع التحديث والمعاصرة والتجديد ولكنه لا يتفق مع الحداثة بمفهومها السائد كمذهب أدبي أو نظريه فكرية تدعو إلى التمرد على الواقع في جوانبه السياسية والاجتماعية والاقتصادية والدينية. بينما يعني المصطلح الثاني modernity (المعاصرة): أي التجديد بوجه عام دون الارتباط بنظرية ترتبط بمفاهيم وفلسفات متداخلة متشابكة كما هو مصطلح modernism  

ولذا يقول محمد محفوظ في كتابه (الإسلام، الغرب، وحوار المستقبل): "يبدو أن مصطلح الحداثة وكأنه نص مفتوح على كل مضامين التقدم المعاصر، بحيث أنك لا تفرق بشكل صارم بين مضمون مصطلح الحداثة وبين مضامين مفاهيم التحديث والتقدم والعصرية أو الجديد. ويمتد التداخل ليشمل المعايير والقيم وأنماط السلوك واللباس وطراز السكن أي كل مناحي الحياة في آخر المطاف"

[1] سورة التوبة، الآية  101 

[2] سورة يس، الآية 20

[3] سورة القصص، الآية 15

[4] تفسير الميزان، سورة يس

[5] مفردات ألفاظ القرآن، الراغب الأصفهاني، ص 763

[6] سورة البقرة، الآية 180

[7] سورة الأنعام، الآية 61

[8] سورة النساء، الآية 128

[9] سورة التكوير، الآية 14

[10] الراغب، ص 241

[11] مفردات القرآن، ص 173

[12] نقش الشيء نقشا: بحث عنه واستخرجه، يقال: نقش الشوكة بالمنقاش. ناقشه مناقشة ونقاش: أتقصى في حسابه. ينظر: المعجم الوسيط لمجمع اللغة العربية، ص 1006  

[**] أحجمت عن ذكر الأحاديث خوف الإطالة وأنا على استعداد لإيراد مئات الأحاديث من كتب الحديث للمدارس الإسلامية كلها وبدون استثناء. ولمن يريد الاستزادة يمكن مراجعة معجم أحاديث الإمام المهدي الصادر عن مؤسسة المعارف الإسلامية بثمانية أجزاء كبيرة، تشتمل على الآيات القرآنية الخاصة بالأطروحة المهدوية والأحاديث النبوية الواردة في كتب الحديث لدى المسلمين كافة.

[13] سورة الشورى، الآية 17

[14] سورة الأحزاب، الآية 63

[؟] سورة الأنبياء، الآية 109

[15] سورة الإسراء، الآية 51

[16] سورة المعارج، الآية 7

 

للاطلاع

ماذا يقصد بالمصطلح؟ هل هو اسم ام دلالة؟ / عبد الجبار العبيدي

 

العودة الى الصفحة الأولى

............................

الآراء الواردة في المقال لا تمثل رأي صحيفة المثقف بالضرورة، ويتحمل الكاتب جميع التبعات القانونية المترتبة عليها: (العدد :2028 الاحد 12 / 02 / 2012)

في المثقف اليوم