قضايا وآراء

سياسة السدود التركيه.. سد أليسوالتركي أنموذجا

وبداء التفكير بهذا المشروع من جانب تركيا في عام 1930 وبداء التحري والمسح الهيدرولوجي وفي اواخر أب 2006 قام رئيس وزراء تركيا بوضع حجر الاساس وعلى بعد 50كم عند الحدود العراقية وتبلغ تكلفته 1.200 مليار دولار على ان يتم أنجازه في عام (2010) . 

يقع سد إليسو على نهر دجلة، الذي ينبع من مرتفعات جنوب شرق هضبة الأناضول وتحديداً من بحيرة وان الواقعة في قرية اليسو التركية، ويصب في الخليج العربي بعد لقائه بنهر الفرات. ويتمركز سد اليسو في منطقة دراغيجيتين الواقعة على بعد 45 كليومتر من الحدود السورية.

حيث يبلغ منسوب قمته حوالي (530) اما منسوب الخزن الفيضاني الاعلى (528 ) والخزن الاعتيادي للسد (525 ) .

ويستطيع خزن كمية من المياه تقدر بـ (11,40 ) مليار متر مكعب وتبلغ مساحة بحيرة السد حوالي 300 كم2 ، وتبلغ طاقة المحطات الهيدرو _ كهربائية الملحقة بالسد من حوالي 1200 ميكا واط وبطاقة سنوية تبلغ 3830 كيلو واط ، وعند اكتمال السد سوف ينخفض الوارد المائي (9,7 ) مليار متر مكعب سنوبأ ، تمثل حوالي 47 % من الواردات السنوية لنهر دجلة .

ولما كانت السدود تعتبر منشآت ضخمة تتحكم بمياه النهر بصورة كاملة فان إنشاء المشاريع الحالية والمخطط تنفيذها في كل من تركيا وسوريا على حوض دجلة سوف يجعل من عملية إطلاق المياه الجارية إلى العراق أمراً مرتبطاً بسياسة تشغيلها، يسعى الأتراك من وراءها إلى تحقيق عدد من المنافع والأهداف السياسية والاقتصادية وحتى العسكرية منها ولعل ابرز الأغراض الاقتصادية المعلنة هي:-

 

• توليد الطاقة الكهرومائية بكمياتٍ كبيرة عبر إقامة مشاريع مائية على نهري دجلة والفرات بهدف تقليل فاتورة استيراد النفط من الخارج، وكذلك تصدير الفائض من الطاقة الكهربائية إلى دول الجوار مقابل الحصول على عوائد مالية ضخمة.

• ارواء مساحات شاسعة من الأراضي الزراعية من اجل تحقيق الاكتفاء الذاتي من الغذاء، وتصدير الفائض من المحاصيل الزراعية إلى دول المنطقة بهدف جعل تركيا سلة غذاء الشرق الأوسط.

• السيطرة على الفيضان ودرء مخاطره 

إن هذا المـشروع الذي سيقام على نهر دجلة سوف يعمل لوحده على تقلـيل واردات مياه النـهر بنسبة (60%) حيث ستنخفض كـميات الـمياه من (20) مليار م3 إلى (9) ملـيار م3، الأمر الذي سينعكس بدوره على جميع السكان القاطنين على حوض النهر، حيث ستتأثر حياتهم كثيراً من جراء إقامة هذا المشروع ابتداءٍ من نمط معيشتهم وتوزيعهم الجغرافي مروراً بوضعهم الاقتصادي وصولاً في النهاية إلى حالتهم الصحية التي ستتردى كثيراً بفعل زيادة نسبة التلوث النهري الحاصلة في مياه الشرب.

 

تتجلى لنا أبرز التأثيرات التي سيخلفها بناء المشروع التركي على السكان في العراق بالاتي:

1- التغير في أنماط معيشة سكان الحوض :

إن اعتزام الحكومة التركية على بناء مشروع سد اليسو سوف يعمل بلا شك على توسيع حجم المشكلة البيئية المتفاقمة في العراق، وسيعطيها أبعاداً أخرى لها صلة وثيقة بمشكلة التزايد السكاني الكبير المتوقع خلال السنوات القادمة، وطريقة توسع المراكز الحضرية وزيادة الحاجة الملحة لتامين المياه الصالحة للشرب وبقية الاستخدامات اليومية الأخرى.

 

وعندما سيحين موعد إملاء خزان السد سوف يتضرر من وراء ذلك الملايين من البشر المنتشرين في أنحاء متفرقة في البلاد (الشمال والوسط والجنوب)، حيث ستتضرر (5) مراكز محافظات عراقية و (13) قضاء و (21) ناحية تقع جميعها على حوض هذا النهر وروافده الأخرى، مما سيدفع بالسكان إلى ترك مهنهم الزراعية والصناعية والحرفية والهجرة من الأرياف والقرى إلى المدن وبقية التجمعات السكانية. فهذا النزوح العشوائي سوف يؤدي بمرور الزمن إلى تغيير أنماط وأساليب العمل الاقتصادي لهؤلاء الناس من أنماط منتجة إلى أنماط غير منتجة. وفي نفس الوقت سينخفض الإنتاج الزراعي بشكلٍ كبير جراء تزايد رقعة الجفاف وتدهور المراعي والحقول الطبيعية، وحصول تراجع ملحوظ في الثروة الحيوانية كل ذلك من شانه أن يزيد من حجم المشاكل الاجتماعية لسكان الحوض القاطنين فيه مستقبلاٍ.

 

2- تأثير المشروع على اقتصاديات سكان الحوض:-

أشرنا سابقاً إلى أن بناء سد اليسو سيترك انعكاسات خطيرة على الواقع الاقتصادي لسكان حوض دجلة في العراق نتيجة لانخفاض واردات المياه الجارية إلى البلاد، حيث سيتردى الوضع الاقتصادي للفلاحين والمزارعين الذين يعتمدون بصورة أساسية على مياه النهر في ارواء حقولهم ومزارعهم التي ستعاني من قلة امدادت المياه، إلى جانب ظهور الحاجة إلى الاستيراد بدلاً من الاكتفاء الذاتي أو شبه الذاتي لبعض المحاصيل الزراعية، وحدوث زيادة كبيرة في معدلات البطالة الناجمة عن ارتفاع هجرة الفلاحين وانخفاض فرص العمل بالنسبة للعاطلين منهم.

 

تجدر الإشارة إلى أن مشروع سد اليسو سيقضي على ثلث مساحة الأراضي الزراعية في العراق والتي تقدر بأكثر من أربعة ملايين دونم خلال السنوات الخمس والعشرين المقبلة، ممما يعني هذا حرمان مئات الآلاف من المزارعين من مزاولة أعمالهم ومهنهم الزراعية التي تعد مصدراً رئيساً لمعيشتهم الأساسية. ولا يقتصر الحال وحده على هؤلاء فحسب بل يتعداه ليشمل أيضاً الصيادين الذين يعتمدون في مهنهم على صيد الأسماك، حيث سيؤثر انخفاض معدلات تصريف مياه نهر دجلة على تنمية الثروة السمكية في البلاد.

 

3 - تأثير المشروع على الحالة الصحية لسكان الحوض:-

تعد هذه المسالة غاية في الحساسية بسبب انعكاساتها السلبية والخطيرة على البيئة والإنسان معاً. فانخفاض المياه الذي سيحصل بعد بناء سد اليسو سوف يعمل على حرمان أعداد كبيرة من سكان الحوض من الحصول على مياه الشرب الكافية، رغم تردي نوعيتها وزيادة معدلات التلوث النهري فيها جراء احتواءها على نسب عالية من المواد الكيمياوية والأسمدة المستخدمة من قبل المزارعين الأتراك. وبلا شك فان هذا التلوث سيؤدي إلى ظهور العديد من الأمراض الوبائية الخطيرة بين سكان الحوض وعلى نطاقٍ واسعٍ وكبير خصوصاً الأمراض المعدية مثل الطاعون والكوليرا والتيفوئيد والملاريا.

 

4- تأثير الزلازل والهزات الأرضية على سلامة سكان حوض دجلة في العراق:-

من المعلوم أن تركيا تقع ضمن نطاق زلزالي نشيط حيث تشير الدراسات والبحوث العلمية إلى آن كمية المياه المحتجزة في السدود التركية المقامة على نهري دجلة والفرات من شانها أن تزيد من فرص حدوث الزلازل والهزات الأرضية، مما يتطلب ضرورة القيام بتحركٍ سريع من قبل العراق للضغط على تركيا من اجل الحصول على ضمانات وتعهدات تضمن حقوق العراق في التعويض عن أية أضرارٍ وخسائر مادية وبشرية قد تحدث في حالة انهيار احد السدود المقامة على الحوضين، خصوصاً إذا علمنا آن هنالك علامات استفهام كثيرة تتعلق بمدى مطابقة المشاريع المائية لشروط السلامة الدولية ومنها السدود الكبيرة المقامة حالياً على نهر الفرات وهي سدود كيبان وقره قايا واتاتورك وكذلك سد اليسو الذي سيقام على نهر دجلة في المستقبل.

 

وفيما يخص التأثيرات التي سيخلفها سد اليسو على سكان حوض دجلة في العراق فان الطابع الإنشائي لهذا السد سوف لن يقلل من ذروة حدوث الفيضانات العالية المحتملة الوقوع، وهذا من شانه أن يؤثر بالطبع على سلامة وامن السكان القاطنين أو المنتشرين على طول أسفل مجرى النهر، ناهيك طبعا عن الأخطاء الهندسية التي قد تحدث أثناء العمل بالمشروع والتي من الممكن أن تظهر عيوبها الهندسية بعد إكمال بناء السد إلى جانب الأعمال التخريبية التي قد تقوم بها بعض الجماعات المسلحة المناوئة للحكومة التركية وهي كلها عوامل تساهم في زيادة مخاطر بناء هذا المشروع وغيره من المشاريع المائية في تركيا على حياة ومستقبل السكان في العراق.

 

خلاصة القول، إن هذا المشروع يجّسد ترجمةً خطيرة للموقف التركي الداعي إلى اعتبار نهري دجلة والفرات " نهران وطنيان تركيان ". وان لتركيا الحق الشرعي في استثمارهما وبسط سيادتها المطلقة عليهما حتى النهاية، بهدف نزع الصفة الدولية عنهما فيما يخص مسألة المياه رغم مخالفة ذلك للعهود والمواثيق الدولية المتعلقة باستثمار الأنهار الدولية.

وعلينا نحن كعراقيين ان ندرس هذه التجربة، تجربة حملة ايقاف سد اليسو، بكل جوانبها وان نبدأ بتعلم الاليات والوسائل التي تجعلنا نتعامل مع الاوساط العالمية والاقليمية بكفاءة عالية المستوى. اذ لا يكفي ان نردد بأن اهلنا يموتون من العطش وان لنا حقوقا تاريخية في المياه. بل ان هناك الكثير من المعطيات التي يجب ان نوليها الرعاية والاهتمام لكي نواجه المتغيرات المناخية والبيئية التي انتبه العالم الى مخاطرها منذ اكثر من عقدين من الزمن، كان العراق خلالها وربما ما يزال، منشغلابالصراعت المختلفه .  حان الوقت لكي ينتبه العراقيون على المستوى الرسمي والشعبي، الى ضرورة توجيه الجهود الى تعزيز قدراتنا لمواجة نوع اخر من التحدي مع الطبيعة، الذي يمكن ان يحول بلاد ما بين النهرين الى صحراء قاحلة.

ولدعم هذه التوجهات الانسانية ولتعزيز التأييد الشعبي العالمي للحملة الداعية الى الغاء و رفض انشاء هذا السد 

والسعي إلى عقد اتفاقٍ مباشر مع الجانب التركي، ينص على تعهد الأتراك بعدم القيام بإملاء خزان السد مع بدء الموسم الزراعي في العراق، تجنباً للآثار التي قد تحصل في المستقبل، خصوصاً وأن معدلات سقوط الأمطار بدأت تشهد في السنوات الأخيرة انخفاضاً ملحوظاً، إلى جانب تزايد موجات الجفاف التي أخذت حدتها تزداد هي الأخرى. لذا فمن الضروري جداً قيام الحكومة العراقية باتخاذ الإجراءات الضرورية لمواجهة ذلك، والا فان الكارثة قد تحل وتتكرر كما حصل في عام 1974 عندما قامت كل من تركيا وسوريا بإملاء خزاني (كيبان وطبقة) المقامين على نهر الفرات، وكذلك إملاء خزان أتاتورك العملاق المقام على هذا النهر أيضاً عام 1990، حين أدى هذان الإجراءان إلى إلحاق أضرارٍ اقتصادية فادحة بالعراق، شملت قطاعات الزراعة والصناعة وإنتاج الطاقة الكهربائية .

 

* مركز أبحاث الاهوار . جامعة ذي قار

 

 ............................

الآراء الواردة في المقال لا تمثل رأي صحيفة المثقف بالضرورة، ويتحمل الكاتب جميع التبعات القانونية المترتبة عليها. (العدد: 1189 الثلاثاء 06/10/2009)

 

 

في المثقف اليوم