قضايا وآراء

سلطة المرجعيات الدينية .. المنشأ و المستند / احمدالكناني

ومن ينبوعها تترشح التشريعات الدينية والدنيوية من العبادات والمعاملات، بل تمتلك تلك المرجعيات من النفوذ السلطوي ما قد يفوق بشرعيته السلطات السياسية ايضا، كالحكم بالارتداد وما يترتب على ذلك من اثار تصل الى حد القتل او تطليق الزوجة او مصادرة الاموال ...على الرغم من ان السلطات السياسية لها دوائرها الخاصة التي تستمد شرعيتها منها كأراء الاغلبية مثلا او بحسب الانظمة والقوانين التي تحدد العقد الاجتماعي بين الحاكم والمحكوم. وتكمن الغرابة في نقاش تلك المفردة في السلطة الدينية وتتجلى بوضوح عند الدخول في بواطن تأصيل بعض النظريات القائلة بولاية تلك المرجعيات على مقدرات الناس بصورة مطلقة وشاملة لاعراضهم واموالهم.  فكيف توسعت سلطة المرجعيات الدينية الى هذا الحد الخطير، رغم اننا لا نملك الصورة الواضحة عن شرعية تلك المرجعيات، ومن الذي منحها تلك الصلاحيات التي تجرد الانسان عن حريته وسلوكه وتجعله يتخلى عنها للمرجع الديني، وفي هذا رجوع بالعقل الانساني الى مرحلة ما قبل التنظير للعقد الاجتماعي الذي سنًه رواد علماء الاجتماع امثال توماس هوبز"م???? "و مرورا ب "جان جاك روسو"م  ???? " وبأمكاني القول وبكل ثقة ان في ذلك نسف لكل تاريخ ادبيات الفكر الانساني على الاطلاق اذ ان التفكير بالذات باعتبارها ارادة فعالة حرة أمن بها ودافع عنها الفلاسفة اليونانيين ابتداءا من السفسطائيين منهم  وقالوا  بحرية الفكر في الدين والسياسة والفنون والاخلاق"?" ثم اثبتها سقراط بمقولته عن الحرية " بأن ليس على الارض انسان له الحق في ان يملي على الاخر ما يجب ان يؤمن به او يحرمه من حق التفكير كما يهوى ..ما دام الانسان على وفاق مع ضميره فانه يستطيع ان يستغني رضى اصدقائه وان يستغني عن المال وعن العائلة وعن البيت، ولكن بما انه لا يمكن ان يصل الى نتائج صحيحة بدون ان يفحص المسائل، ما لها وماعليها فحصا تاما فانه يجب ان يترك الناس احرارا، لهم الحرية التامة في مناقشة جميع المسائل بدون ان تتدخل الحكومة في مناقشته"?" وكذلك نجدها في فلسفة تلميذه افلاطون اذ يقول"، ان النفس تصل الى حريتها عن طريق النظر والتأمل،والحرية هي الارتقاء بواسطة الجدل العقلي نحو الوجود المطلق"?" وفي مدينتة الفاضلة يقررايضا بأن "الحرية هي افضل واكمل ما يملكه الناس،و لذلك فهناك مدينة واحدة فقط يملك المرء الحرية بسلام" وعلى هذا النهج سار ارسطو طاليس وابيقور وبقية الفلاسفة اليونانيين"?" ولا يفهم من ذلك ان النقاش في تلك المفردات هو الوقوف في صف العداء للمرجعيات الدينية، او الغاء دورها في المجتمع وانما الهدف هو خلق جو عام يمكن من خلاله مناقشة تلك المسائل بنوع من الشفافية والحرية ومن دون وضع خطوط حمراء تجعلها بمستوى المقدسات التي لا يأتيها الباطل من بين يديها ولا من خلفها، كل ذلك ليتسنى للرأي العام رسم مفهوما واضحا للمرجع الديني وحدود دائرة تحركه، مع الاحتفاظ بحرية ابداء الرأي في الموضوعات المختلفة لا على جهة الفوقية والقداسة وانما كمتابع يتساوى مع غيره في هذا المجال  والمرجع الديني والكلام في المرجع الاسلامي تحديدا  مهمته تكمن في فهم النصوص الشرعية واعمال اجتهاده وابداعه في غير المنصوص منها  ضمن مواقع فراغ النصوص؛ وتطبيق كل ذلك على واقع الحياة لايجاد الحلول المناسبة لما يطرء للناس من حالات في سلوكهم الديني .فهو بذلك يمثل الغطاء الروحي والابوه الروحية بكل ما تحمله هذه الكلمات من معان سامية. وبما يحمله ظل الابوه من مواقف مفصلية في حياة الناس اثناء المفارقات التي يتعرض لها المجتمع ؛ وبما تحمله الروحانية من ارساء قواعد المحبة والسلام والاخاء بين الناس ...  هذه هي الدائرة التي يتحرك بها المرجع الديني وبحسب الاليات المتاحة له والتي قد توسع تلك الدائرة او تضيقها ضمن سياقاتها المذهبية.  ودليل ذلك كما ذكروه يدخل في باب رجوع الجاهل الى العالم ؛ فالسبب في رجوعي الى الفقيه هو جهلي بمسالة عبادية كالصلاة او الحج مثلا او جهلي بمسالة معاملاتية  كالبيع الربوي او الزواج مثلا..و هو السبب نفسه الذي يدعوني للرجوع الى الطبيب وهو الجهل بمرض اعانيه ؛ فالرجوع الى الفقيه او الطبيب يكونان من باب واحد وهو رجوع الجاهل الى العالم  كما ان بعض الخطابات الشرعية ارجعت الحكم الى الشخص نفسه ومن دون الرجوع الى الفقيه وذلك في اثبات رؤوية الهلال وبالتالي وجوب صوم شهر رمضان . فلكل دائرته التي يتحرك فيها. اما ان يراد من الناس اتباع المرجعيات خارج تلك الدائرة كالرجوع اليها لانتخاب هذه المجموعة او تلك او اصدار الفتاوى في مسالة سياسية ما..او ان يتمادي في فرض سلطته الفكرية على الناس فيكفر هذا ويثبت الايمان لذاك ... فهذه امور خارجة عن سلطة المرجعيات   الا ان الاتساع في مفهوم السلطة الدينية ليشمل تحديد المصالح والمفاسد في جميع مرافق الحياة  ليس بالامر الذي يقف عنده البعض ويصفه بالظاهرة الفريدة والجديرة بالاهتمام فالاجدر من ذلك ان نقف امامها لئلا تتمدد وتذهب بعيدا ..ثم انها ليست بالفريدة او انها وليدة الامس وانما هي حالة متجذرة في ضمير هذا الجهاز ومنذ القدم ؛ تظهر في بعض المطبات التي تتعرض لها المجتمعات بحيث تظهر وتتجلى وتاخذ طابع المنقذ الوحيد عندما يخفق الاخرون ؛ مستغلة بذلك الهيمنة الروحية التي تتناغم مع عواطف عموم الناس ؛ وتظمر نفسها في بعض اخر وكانها لم تكن وبحسب الظروف المحيطة بها. وخيرمثال على ذلك ما شهدناه في العراق وعندما حلََت بالبلد اسوء كارثة عرفها تاريخه المعاصر،ظهرت المرجعيات الدينية بعد افول تام وعلى غفلة من الزمن اذ لم يكن لهم اثر في سابق الايام وبمختلف اتجاهاتها المذهبية وكأنها المدافع عن الناس واعلنوها دولة دينية وقسَموا البلد الى اقاليم وامراء وجيوش مذهبية، وقد حصل ذلك في ظل فوضى عارمة سيسجلها التأريخ كمرحلة سوداء ارخت الحماقة  فيها سدولها على العقول فانفصلت بها روْوس الناس عن اجسادها نتيجة لفتاوى اطلقتها المرجعيات الدينية للحصول على مكاسب سلطوية، ولا زالت تمارس ذلك الدور البغيض. وشهدناه في ايران ايام نظال القوى التحررية ضد الدكتاتورية الشاهنشاهية، وكيف قفز رجال الدين الى قمة السلطة بعد الاستفتاء العام  بنعم للدولة الدينية الذي مهدَ للمرجعيات الدينية من بسط نفوذهم فاخضعت فيها ارادة الناس لارادة الولي الفقيه العالم بمصالحهم ومفاسدهم اكثر من انفسهم اذ يعدونهم من العوام والقاصرين ولا بد من القيمومة عليهم وبحسب القوالب الفقهية التي صاغتها عقولهم وجعلتهم بمصاف النبي الذي هو اولى من المؤمنين من انفسهم، كما في نص القران. ونشاهدهم اليوم في الثورات العربية في  كل من تونس ومصر وبقية البلدان العربية التي لا زال المخاض فيها قائما، وكيف ركبوا التيار السياسي والمنافسة على السلطة وعقدهم  الاتفاقات مع من يسمونهم بالكفار لايصالهم الى دفة الحكم .    واعني بالمرجع الديني المفهوم التقليدي للكلمة وهو العالم الديني الذي يمتلك قدرة امعان النظر والاستنباط وابداء الرائ في احكام الدين، ايا كان المذهب الذي ينتمي اليه ؛ ( فهو لا يغير من نمطه وسلوكه سواءا كان سني المذهب او كان شيعيا) وله الحق في رجوع الناس اليه  في الفتوى... هذا المفهوم اذا ما رجعنا به بعيدا الى الوراء سنجده امرا مستهجنا بحسب العقلية السائدة انذاك ؛لانها ستجعل من النصوص الشرعية مادة مطروحة على طارلة البحث . وبداية لم يكن معنى الإجتهاد يخرج عن القياس أو الاستحسان او المصالح المرسلة والتي وضعت لأجل تحديد أحكام القضايا غير المنصوص فيها، وبالتالي فإن مفهومه لم يكن دالاً على بذل الجهد لإستنباط الأحكام من النص، كما هو واضح عند المذاهب الفقهية الأربعة وغيرها من المذاهب التي سادت خلال القرنين الثاني والثالث للهجرة. فقد عُدّ الإجتهاد مصدراً من مصادر التشريع كالكتاب والسنة والإجماع. مما يعني أن آلية إستنباط الأحكام من المصادر الثلاثة لم تفهم بأنها من الإجتهاد. فالإجتهاد لم يصح إلا مع عدم وجدان الحكم الشرعي من المصادر الآنفة الذكر. وكما قال الشافعي  : ونحكم بالإجماع ثم القياس وهو اضعف من هذا ولكنه منزلة ضرورة لانه لا يحل القياس والخبر  موجود"?"

ويؤيد هذا ما ورد في صحيح مسلم في رواية عن النبي ص انه اذا أمّر أميراً على جيش او سرية أوصاه ومن معه بأن يجتهد في الحكم برأيه - على من حاصرهم - دون ان ينسب ذلك الى الله"?"

و اوَل ما نقل الينا من صور التنظير الفقهي من قبل ائمة المذاهب ما نقل عن الشافعي من الاستدلال على الاحكام بالقياس، وكذلك ما روي عن ابي حنيفة النعمان من القول بالقياس والاستحسان وقد اعابه على ذلك الامام جعفر الصادق ورده بأن دين الله لا يصاب بالعقول . وصورالاجتهاد والمواقف الفقهية المنقولة عن مالك وابن حنبل ربما لاتختلف مضامينها عن هذا الخط"?" وعلى الرغم من دعوى إغلاق باب الإجتهاد، إلا أن هناك العديد من الفقهاء الكبار لم يستجيبوا إلى حكم ذلك الإغلاق، فدعوا إلى الإجتهاد لكل من يقدر عليه،  وكان منهم إبن تيمية وتلميذه إبن القيم الجوزية، وإبن حجر العسقلاني وتلميذه   جلال الدين السيوطي. واما ضمن دائرة الاجتهاد الشيعي فالملاحظ في الكتب الفقهية لقدماء فقهاء الشيعة وبالتحديد فترة ما قبل الشيخ محمد بن الحسن الطوسي كانت مجرد سرد للاحاديث والنصوص الشرعية ؛ ومن دون ابداء للرائ اطلاقا اذ ليس من حق المرجع ذلك في مقابل النصوص ؛ حتى اشتهر عنهم مقولة حرمة الاجتهاد وبالتالى التقليد في اصول الدين . ثم بعد ذلك تطور الامر فاقتصرت حرمة التقليد على اصول العقائد دون الفقه ؛فاجازوا التقليد في احكام الفقه . ثم  وبمرور الزمان تطور الجواز ليصل الى مرحلة الوجوب فافتوا بوجوب التقليد في احكام الدين . ثم توسعوا في وجوب التقليد كثيرا حتى اصبحت مادة مصوبة  في جميع الرسائل العملية لم يشذ عنها اي فقيه بحسب تتبعي  تلزم الناس التقليد في الواجبات والمستحبات بل حتى المباحات وفرضوا اشد العقوبات على من لم يلتزم بتلك المادة ببطلان الاعمال كلها فافتوا ببطلان عمل المكلف من دون تقليد ؛ ولا ننسى ان التقليد شامل للمباحات ايضا كشرب الماء مثلا... وهكذا يستمر التوسع في مقام المرجع اكثر فاكثر ليشمل السيطرة على عصب الحياة وهي الاموال التي يحصل عليها الناس من خلال ارباح مكاسبهم عن طريق ضريبة الخمس عبر التوسع في مفهوم الغنيمة وتعميمها لكل مال يحصل عليه الشخص من قوت يومه. وهددوا الناس ايضا ببطلان غسلهم للجنابة اذا ما قاربوا زوجاتهم حال الامتناع عن دفع الخمس . ولم افهم وجه الارتباط بين الاثنين. ويستمر فقهاء الشيعة في هذا الطريق ليجعلوا من المرجع الحق في السيطرة على اموال القصر واليتامى ومن لا والي له فالمرجع والي من لا والي له ؛ كما ان الامام والي من لا والي له ؛ بتنزيل المرجع منزلة الامام من هذه الجهة ؛و هو ما يسمى اصطلاحا " الولاية المقيدة " في مقابل الولاية المطلقة الاتي ذكرها.  ولم يقتصر الامر على ذلك فحسب بل يستمر التوسع والتشقق الى ان يصل الى سيطرة المرجع على كل شى في حياة الناس ؛ وولايته على الاموال والدماء والفروج في ما يعرف اصطلاحا ب"ولاية الفقيه المطلقة" . وعند الوقوف امام هذا التمدد والطغيان السلطوي الديني ليس الغرض منه الدفاع عن انفسنا وكرامتنا كبشر فحسب وانما هو دفاع عن حصن الدين ايضا من ان ينقضَ ويتحول الى ايديولوجية ديكتاتورية مسلطة على رقاب الناس، لانهم  سوف يستمرون في تشويه الاديان عن طريق انزالها من تنزيهها المتعالي الى خضم الصراعات  البشرية والاهواء وتضارب المصالح والسياسات، وهذا ما يشهد عليه التاريخ سابقا ولاحقا، ولذا ينبغي سحب البساط من تحت اقدامهم والتمييز بين المستوى الروحي المتعالي للدين وبين المستوى الايديولوجي السائد حاليا، ولكن الناس البسطاء لايستطيعون القيام  بهذا التمييز فينخدعون بالاقوال والشعارات ويخلطون بين الدين الحقيقي وبين ادلجة الدين او تحويله الى ايديولوجيا، بل ان المثقفين انفسهم لايستطيعون التمييز دائما فما بالك بالناس العاديين ...هكذا تنطلي الحيلة على الناس ويتحول الدين الى نظام ايديولوجي هدفه الوصول الى السلطة او تحقيق المزيد من السلطة "?"

لكني وبحسب المنهجية المتبعة في مثل هذه الموضوعات من سرد الادلة وتفنيدها .. سأحاول ذكر عمدة ما ذكروه من الادلة والاجابة عنها لكن من دون الخوض في مناقشة الاخبار والروايات  دلالة وسندا وترجيح البعض على البعض الاخر، وانما الاقتصار على اثبات المتبنى الذي ذكرته في مطلع المقال من تحديد دائرة  تحرك المرجعية وما طغى على ذلك وتعدى فهو خارج ولاتشفع له كثرة ما ساقوه من الادلة .                            وقد ساقوا الادلة تترى من الكتاب والسنة لاثبات سلطاتهم تلك، ومن جملة ما ذكروه الاستدلال بقوله تعالى "فأعتبروا با اولي الابصار،"?" حيث يستفاد من الاعتبار معنى العبور من الاصل الى الفرع وهي عبارة اخرى عن القياس والاجتهاد" وقوله تعالى" ومايعلم تأويله الا الله والراسخون في العلم "?*" ومن الاحاديث استدلوا بما رواه البخاري في صحيحه في باب اجر الحاكم فأن اصاب فله اجران وان اخطا فله اجر. وما رواه  ابي داوود في السنن من كتاب الطهارة باب المتيمم يجد الماء : خرج رجلان في سفر فحضرت الصلاة  وليس معهما ماء فتيمما صعيدا طيبا فصليا، ثم وجدوا الماءفي وقت فأعاد احدهم الصلاة والوضوء ولم يعد الاخر،ثم اتيا على رسول الله فذكر ذلك فقال للذي لم يعد اصبت السنه واجزاتك صلاتك وقال للذي توضأ واعاد لك الاجر مرتين . وما الى ذلك من الادلة، وهي وان دلَت على الاجتهاد بالمعنى الذي ذكرناه من امعان النظر في ما لا نص فيه، لكن الكلام في تعدي تلك الحدود وممارسة السلطوية الدينية، فهذا لا دليل عليه وانما الدليل ضده لانه تصرف في شؤون الناس وتعد على حقوقهم من دون مسوغ . ولعل ما ذكره فقهاء الشيعة من الادلة على اثبات ولايتهم في ما اسموه بالامور الحسبية على من لا والي له وانهم بمزلة الامام في حال غيبته جعلتهم يتمددون فيعممون ولايتهم على كل مرافق الحياة،و عمدة ادلتهم مقبولة عمر بن حنظلة وسنقف عندها قليلا، والتوقيع المروي عن الامام المهدي.   وهذه التوقيعات تعتبر من المستجدات في الفقه الشيعي وذلك لان السنة "التي هي ثاني الادلة بعد الكتاب الكريم بالاضافة الى الاجماع والعقل "تعني: قول النبي او الامام او فعله او تقريره، وهذه التوقيعات ليست اقوالا ولا افعالا ولا تقريرا وانما هي مجموعة اسئلة كانت توجه الى الامام المهدي من قبل اصحابه ومقربيه ويجيب عنها كتابة لتخرج الى الناس عن طريق بعض معتمديه . وقد ناقش الاصوليون من علماء الامامية في مدى اعتبار هذه التوقيعات وانها كالسنة في حجيتها على الاحكام فاثبتها بعض وانكرها اخرون. هذه التوقيعات ذكرها مجموعة من المحدثين الشيعة في كتبهم الروائية كابن بابويه الصدوق في كتابه اكمال الدين، والكليني البغدادي في اصول الكافي، والطوسي في الغيبة، والطبرسي في الاحتجاج، واخرون .... ولايهمني كثيرا الخوض في تلك التوقيعات وماتحمله في طياتها من الاخبار عن المغيبات وانكار بعض المعتمدين للامام بعد الامام الحسن العسكري وتنزيل بعضهم لاموال الخمس في الجيب وعدم تسليمها للامام المهدي ....، وما يهمني هو ذلك المقطع من التوقيع الذي جعلوه دليلا على رجوع الناس اليهم، وانهم الحجج على الناس،هكذا يقول المقطع : وأما الحوادث الواقعة فارجعوا فيها إلى رواة حديثنا فإنهم حجتي عليكم وأنا حجة الله"??" . اذ اعتبر بعض الفقهاء أن مرجعية راوي الحديث في الحوادث الواقعة ليست لكونه راوياً للحديث من دون إستنباط وإجتهاد؛ وذلك  لان الراوي لا يمكنه أن يكون بهذا الشكل مرجعاً في الحوادث الواقعة ولا أن يكون عارفاً بألاحكام  الشرعية التي تتطلب اعمال النظر والاجتهاد لاستنباط الاحكام طبقا للحوادث الواقعة. هكذا حاولوا الاستفادة من التوقيع  وللاجابة عن هذه التخرصات اقول : هل يعقل ان مرجعية دينية بهذا الحجم وبهذه اليد الطولى تثبت بهكذا توقيعات لم يذكر لراويها وهو إسحاق بن يعقوب الا هذا التوقيع،فهو راو مجهول لم يذكره احد من علماء الرجال بتوثيق او بتضعيف، وانما اكتفوا بروايتهم لهذا التوقيع ليس اكثر من ذلك . وحجتهم في الاخذ بالتوقيع مع مجهولية الراوي هي ان الامام اثنى على الراوي وهذا كاف في وثاقته، وكأنهم بذلك يثبتون سند الرواية بالدلالة . وعلى فرض صحة هكذا توقيع فانه يتحدث عن رواة الحديث، وكما ذكرت في مقدمة المقال فأن الاجتهاد تحور كثيرا واخذ منحنا أخر مختلف جذريا عما كان عليه زمن النصوص، ومحتوى التوقيع غير ناظر الى هذا الاجتهاد بمعناه المتعارف عليه اليوم . فيكون الدليل اخص من المدعى. لهذا فقد اعترف السيد الخوئي في بحث الاجتهاد والتقليد معتبراً أن إطلاق الرواة على المجتهدين هو إطلاق مسامحي، ومن ثم ذهب إلى أن ظاهرالامر بالرجوع إلى رواة الحديث دال على الإرجاع إليهم بما هم رواة لا بما هم مجتهدون، أن أخذ معالم الدين، كما أنه يتحقق بالرجوع إلى فتوى الفقيه، فانه يتحقق بالرجوع إلى رواة الحديث"??"

اما مقبولة عمر بن حنظلة وهي ثاني اهم الادلة على سلطانهم بعد التوقيع فقد جاء فيها : ان  عمر بن حنظلة سأل الامام الصادق عن رجلين من أصحابنا، بينهما منازعة في دين أو ميراث، فتحاكما إلى السلطان، وإلى القضاة أيحل ذلك ؟ قال:"من تحاكم إليهم في حق أو باطل فإنما تحاكم إلى الطاغوت، وما يحكم له فإنما يأخذ سحتاً،وإن كان حقاً ثابتاً له، لأنه أخذه بحكم الطاغوت، وما أمر الله أن يكفر به، قال الله تعالى: ?يُرِيدُونَ أَنْ يَتَحَاكَمُوا إِلَى الطَّاغُوتِ وَقَدْ أُمِرُوا أَنْ يَكْفُرُوا بِهِ?"??" قلت: فكيف يصنعان؟ قال: فإن كان كل واحد اختار رجلاً من أصحابنا، فرضيا أن يكونا الناظرين في حقهما، فاختلفا فيما حكما، وكلاهما اختلفا في حديثكم؟. فقال: " الحكم ما حكم به أعدلهما، وأفقههما، وأصدقهما في الحديث، وأورعهما، ولا يلتفت إلى ما يحكم به الآخر.. الحديث"??". يعبر الفقهاء عن هذه الرواية بـ "مقبولة عمر بن حنظلة"، على اعتبار: أن علماء الرجال لم ينصوا على توثيق عمر هذا، ولكن المشهور قد قبلوا روايته هذه وعملوا بها، فأطلق عليها لفظ: " مقبولة.. بناءا على متبنياتهم من ان عمل الاصحاب جابر لضعف الرواية، لكن تبقى الرواية من حيث السند لا ترقى الى مستوى الصحيحة او الموثقة لا سيما اذا اريد تأ سيس سلطة مطلقة للفقهاء على ضوء هذه الرواية وهو امر في غاية الاهمية والخطورة .  وعلى فرض صحتها فأن الاسئلة التي اثيرت عن التوقيع المتقدم تأتي على هذه المقبولة،فتكون اخص من المدعى ايضا.

وفي خاتمة مقالتي اعتقد جازما بأني قد اجبت عن سؤال المستند والدليل على المرجعيات الدينية وظهر الجواب بأنه توقيع على ورقة في مهب الريح.

 

.................

المصادر:

(1)History of Greek philosophy، trans by S.F. Allyer، Longmans،  London 1881.Vo11،P504   "?" المصدر السابق. "?"   المصدر السابق.

"?"ارسطو،الاخلاق الى نيقوماخوس، تعريب احمد لطفي السيد،دار الكتب المصرية ج1 ص 231 "?" الشافعي،الرسالة، تحقيق احمد محمد شاكر،القاهرة، ط2،ص599 "?" ابن قيم الجوزية، احكام اهل الذمة، تعليق صبحي الصالح، بيروت ط2 ج1ص5

"?"راجع في ذلك ما كتبه الاستاذ يحيى محمد في نقد التراث الفقهي على الصفحة الالكترونية المسماة "فهم الدين" "?"محمد اركون، قضايا في نقد العقل الديني، ترجمة هاشم صالح، دار الطليعة، الطبعة ? ص22

"?" الحشر/?

"*?" ال عمران /?

"??" الحرالعاملي، محمد بن الحسن الحر: وسائل الشيعة إلى تحصيل مسائل الشريعة، تحقيق عبد الرحيم الرباني الشيرازي، دار إحياء التراث العربي ببيروت، ج18، أبواب صفات القاضي، باب 11، حديث 9، ص101 . "??" الإجتهاد والتقليد للخوئي، ص358

"??" النساء، "?*"

"??" الوسائل ج18 ص99، والكافي ج1 ص412، والتهذيب ج6 ص218 و301-302، وذكر الصدوق ذيل الحديث في من لا يحضره الفقيه ج3 ص5، والاحتجاج ج2 ص106، ومستدرك الوسائل ج3 ص187 والجواهر ج40 ص32.

 

العودة الى الصفحة الأولى

............................

الآراء الواردة في المقال لا تمثل رأي صحيفة المثقف بالضرورة، ويتحمل الكاتب جميع التبعات القانونية المترتبة عليها: (العدد :2038 الاربعاء 22 / 02 / 2012)


في المثقف اليوم