قضايا وآراء

الثقافة السياسية الشمولية .. المسؤول يلتقي / مهدي الصافي

بل قفزت فوق الظروف والواقع البيئي والاجتماعي المضطرب (المتخلف سياسيا واجتماعيا)، واستوردت أحيانا نمط وثقافة الأنظمة الشمولية في إدارة دفة الحكم (في المرحلة المسماة انتقالية أو ضمن حالة الطوارئ)،

مايحدث في العراق وبشكل مكرر (بقصد أو بدونه)، اقتباس جوهري للأسلوب والسلوك الفردي في التعامل مع المجتمع ومؤسساته الرسمية، إننا نسمع ونشاهد عدد من المسؤولين (أو حتى رئيس الوزراء) يلتقي وينظر ويتحدث في جميع الاختصاصات بعيدا عن المؤسسات المعنية بهذا الأمر (بغض النظر عن خلفياته الثقافية والعلمية)، وخلافا لدولة المؤسسات....وتحت عنوان رئيس الوزراء أو المسؤول يلتقي ب...

1- الشخصيات الاجتماعية والعشائرية والدينية

2- الأدباء والمثقفين والمؤسسات الإعلامية

3- القضاة والمحامين

4- الكوادر الصحية والأطباء

5- الكوادر التربوية والتعليمية

7- برعايته يتم افتتاح المشاريع ووضع حجر الأساس للمشاريع الأخرى

8- توزيع المنح والمكرمات على المحتاجين

9- الشباب والرياضيين والمنتخبات الوطنية

10- خبراء المال والاقتصاد، والنفط والطاقة، والتخطيط الاستراتيجي الخ.

هذه التصرفات تعد واحدة من أهم سمات الأنظمة الشمولية، وهي الادعاء بأن المسؤول والرئيس هو الملهم الأول لكوادر تلك المؤسسات وموظفيها، وهو الذي تقع على عاتقه مسؤولية التنظير والتفلسف والتفكير والتخطيط، وكذلك اتخاذ القرارات المصيرية والموافقة على الأفكار الأخرى المطروحة أمامه وفقا لمزاجه وخلفياته الاثنية أو الثقافية (الكلام عام ولا يخص مسؤولا بعينه)،

هذا فضلا عن انه وبتخلف مشهود يفضل الجلوس في مقدمة الحفل أو الحضور لأي مؤتمر، أو تجمع، أو حفل وطني، أو جماهيري، أو علمي، أو ثقافي (بينما الديمقراطية هي سلاح موجه ضد التمييز والتفرقة والرمزية الشخصية)، الخ.

اغلب التصرفات والممارسات اليومية لبعض المسئولين العراقيين في الشارع (أو في الدوائر والمؤسسات الحكومية، والمطارات والأماكن العامة والخاصة)، توحي بأن ثقافة الأنظمة المستبدة المزروعة في المجتمع، لازالت باقية وحاضرة بقوة، لم تستطع النخب السياسية الحاكمة من تغيير صورتها المستنسخة عن الماضي الأليم،

بل تحدث البعض بالفعل عن المكرمات المقدمة للناس المحتاجين والعوائل الفقيرة، بسبب إدارتهم السيئة لموارد البلاد ودفة الحكم (برلمانيين ومسؤولين ووزراء)، ثم تراجعت هذه اللهجة فصارت اسمها المنح (من خزينة الدولة أو المنافع الاجتماعية الخاصة والمقتطعة من قوت العراقيين).

واحدة من مهام رئيس الوزراء (على سبيل المثال لا الحصر) مراقبة أداء الوزارات، لا أن ينتقل إلى المستويات الأدنى في متابعة أداء الوزارات (مبتعدا عن مايمكن تسميته أسلوب الدعايات الانتخابية)، بمعنى أخر إن في دولة المؤسسات يجب أن نعرف من الوزير المعني بالأمر، طبيعة أداء موظفيه ومديرياته أو اللجان المتفرعة عنه (إضافة إلى بقية الهيئات والمراكز والأجهزة الحكومية)،

يعني ليس من المعقول أن يذهب رئيس الوزراء إلى مدراء الصحة، قبل أن يلتقي بهم وزير الصحة نفسه، ويستمع إلى تقريره ومشاكل مديرياته، وعندها يجب أن أحاسب أو أكافئ الوزير أو المديرية الناجحة والمتميزة في أداءها، وهكذا لبقية الوزارات.

الشارع العراقي ليس بحاجة إلى تكرار الاستعراضات السياسية للمسؤولين، الناس تريد عملا على ارض الواقع، سئمنا من هذا الوضع المتخلف، إلى متى تبقى صورة قائد الضرورة تلاحقنا في الشارع، والبيت، والدائرة، والمستشفى، والمدرسة وكل مكان،

كفى لا نريد أن يتبختر علينا المسؤول بموكبه العريض الطويل، الذي جلبه الشعب إلى كرسي المسؤولية (والبعض جلبتهم عشيرتهم وأموالهم وقوائمهم الموحدة)، لنترك المؤسسات والمديريات والأجهزة الحكومية تعمل وفقا للقانون،

لأبأس أن تكون تحت أنظاركم، ولكن عليها أن تكون أولا تحت أنظار هيئات النزاهة والمراقبة البرلمانية والقضائية.

أما أن يبقى عملكم أشبه بعمل مجالس المحافظات، التي لايمر شهر تقريبا إلا واستدعت وحاسبت وغيرت وتحاصصت في هذا المدير أو ذاك (لأنها لا تملك عمل حقيقي تشريعي واضح)، بعيدا عن السياقات الوظيفية المعمول بها عالميا.

تبقى مسألة المتابعة والملاحقة والمراجعة وتدقيق المشاريع والإحالات ونسب الانجاز وكفاءة الأداء، هي واحدة من أهم أعمال ووظائف المسئولين من الوزراء وغيرهم، فنزول المسؤول إلى الميدان، وتواجده في الشارع، لايعني إنه يمتلك ملكة التنظير والخبرات الإدارية الحديثة، بل هو احد حلقات استكمال تنفيذ ومتابعة أداء وزارته، أو المديريات التابعة لها،

يكفي أن يستخدم المسئولين الخبرات والتجارب الدولية الإدارية المتطورة، ومن ثم دراستها واستخدامها والعمل بها، لتمريرها إلى الدوائر والمؤسسات والموظفين المعنيين بالأمر، وهذا من شأنه يقلل من الأعباء والتشتت والتداخل الوظيفي بين المسئولين ورئاسة الوزراء،

حيث يمكن لرئيس الوزراء إن يستثمر جهوده وإمكاناته ومسؤولياته في متابعة أداء كابينته الوزارية بشكل دوري، الملاحظ إن تراجع الأداء الحكومي في اغلب دوائر الدولة هي بسبب ضعف الأداء الوزاري،

نحن أيضا يحق لنا أن نسأل مع بقية الجهات المكلفة بالمساءلة والمحاسبة (البرلمان )، ليس فقط عن البرنامج الحكومي، وإنما عن برامج الوزراء ومشاريعهم الحالية والإستراتيجية المستقبلية، ماذا غيروا من الواقع الصحي، هل تغير أداء الأطباء والممرضين والممرضات، هل استعانت بالخبرات العلمية الأجنبية، وهكذا لبقية المؤسسات الحيوية، كالتعليم الجامعي والتربوي العام، هل تغير أسلوب وطريقة التدريس للمعلمين والمعلمات، وماذا عن مناهج التدريس الخ.

هذه هي الممارسات الإدارية والحكومية في الأنظمة الديمقراطية الناجحة، لقد انتهى وقد التفلسف والسفسطة السياسية، الناس تبحث في مثل هكذا أنظمة عن البرامج الحكومية الغير مسيسة.

ماعلاقة ملفات الفساد ونهب ثروات الشعب، وانقطاع الماء والكهرباء، وتعثر خدمات البلدية، وسوء أداء المؤسسات الصحية والتربوية بالمؤامرات الخارجية، هذه الملفات مسؤولية محلية داخلية،

الحكومة والشعب مسؤول عنها، لتنتهي شماعة تعليق وترحيل الأزمات والإخفاقات، وتخدير العامة بمستقبل غير واضحة معالمه.

الشعب يستغيث بكل وسيلة لتحسين واقعه المزري، وهو يرى نخبه مثقفيه المغيبين رسميا، يراقبون ويتابعون ويحللون الواقع الإداري المتخلف العتيق، ويعملون وينظرون لتفكيك رموز التعقيد الاجتماعي، كما حاول المفكرون العرب التنويريين من استعادة عهد فلاسفة الاسلام في العصور الوسطى، لكن دون جدوى، نرى فراغا واتساعا في فجوة التفاهم والتناغم الثقافي والاجتماعي والسياسي.

نحن ننطلق من خلال تلك الإشارات والاعتراضات والحقائق الموجودة على الارض، إلى فضاء تصحيح المسار الديمقراطي، وإنضاجه وبناء قواعده المتينة، تراعى فيها الحقوق الشخصية أو الفردية، وتصان فيها كرامة الإنسان والحريات العامة، الكل يعتبر متدرب في واحة الديمقراطية، والزمن كفيل بإنقاذ شعبنا من الانهيار السياسي، أسوة ببقية دول الربيع المضطرب.

 

مهدي الصافي

  

 

العودة الى الصفحة الأولى

............................

الآراء الواردة في المقال لا تمثل رأي صحيفة المثقف بالضرورة، ويتحمل الكاتب جميع التبعات القانونية المترتبة عليها: (العدد :2039 الخميس 23 / 02 / 2012)

في المثقف اليوم