قضايا وآراء

شهرزاد .. في وزارة التربية! / قاسم حسين صالح

وقد زودني القائمون بهذا النشاط بكتيب مكتوب على غلافه (دليل المعلم.. ألف ليلة وليلة- القيم المدنية والمسؤوليات الاجتماعية). تصفحت الدليل فأدهشتني الفكرة. ذلك اننا اعتدنا الاستمتاع بالعالم الأسطوري الساحر والحكايات الجميلة والمغامرات والأحداث الغريبة العجيبة التي تخلقها قصص ألف ليلة وليلة دون التركيز على مضامينها القيمية الأخلاقية والإنسانية.ولأن هذا النص الشعبي الأدبي الجميل حظي بشهرة عالمية وترجم الى عدة لغات بينها الانكليزية بعنوان (Nights  Arabian) فإن "مؤسسة التعليم والتنوع"، ومقرها أميركا، قدح لديها هذا النص فكرة جميلة، وذلك بتحويلها الى منهاج دراسي لتعليم الأطفال (حقوق الإنسان) من خلال المغامرات التي خاضتها شخصياتها الأدبية الخيالية: علاء الدين، علي بابا والأربعين حرامي، السندباد البحري، الشاطر حسن..

قرأت (دليل المعلم) بجزئه الأول المتضمن خمسة عشر درسا لخمس عشرة قصة من ألف ليلة وليلة، فوجدته جهدا تربويا كبيرا صيغ في منهاج دراسي شيّق يهدف الى تعليم تلاميذ المرحلة الابتدائية "القيم المدنية والمسؤولية الاجتماعية والمبادئ التي تسمح لهم أن يساهموا في المجتمع بشكل إيجابي، وأن يكونوا ناجحين ويحترموا من حولهم، وأن يكونوا مواطنين صالحين". ووضع خطة لكل درس تتضمن نقاشات وتطبيقات عملية، حدد في كل قصة أهدافا تعليمية. ففي سبيل المثال، حدد الأهداف التعليمية في قصة (علي بابا والأربعين حرامي) بمساعدة الأطفال على فهم أن السرقة تصرف خاطئ لأنه يجرح مشاعر الناس ويأخذ منهم أكثر من مجرد ممتلكاتهم، إذ ينتزع ثقتهم في غيرهم، وتعليمهم أن السبيل الوحيد لتصحيح خطأ السرقة هو اعادة المسروقات والاعتذار، وتشجيع الأطفال على التعاطف مع من تتم سرقتهم.وما يزيد المنهاج متعة أن شركة (بيغ باد بو) حولت هذه القصص الى رسوم متحركة " كارتون" لتسلية التلاميذ وتعليمهم القيم الحضارية باللغات العربية والكردية والانكليزية.

وما أفرحنا حقا أن وزارة التربية (تعمل على إدخال مناهج ألف ليلة وليلة بهدف تعليم القيم المدنية الأصيلة والمسؤولية الاجتماعية في المدارس العراقية).. ونحييها على تبني هذا المشروع المبتكر والجميل وإعمامه على المدارس العراقية كافة.

 

لكن هنالك إشكالية تتلخص في مسألتين:

الأولى، هنالك خمسة مصادر لاكتساب القيم: الأسرة، المدرسة، المجتمع، الأقران، ووسائل الإعلام.. ولا يمكن للمدرسة أن تضمن تعلّم الأطفال القيم التي يتبناها المشروع من دون تعاون الأسرة تحديدا ووسائل الإعلام.

والثانية، أن ندرك بأن القيم ليست معارف او دروسا نتلقاها، ولا قيمة لها ما لم تتحول الى سلوك، وأن نقدّر حجم دورها بوصفها هي التي تحدد أهداف الفرد وهي التي توجه سلوكه. وان القيم الجديدة المراد تعليمها للأطفال في هذا المنهاج الدراسي المبتكر، تصطدم بواقع يناقضها تماما. ففى سبيل المثال، يهدف هذا المشروع الى تعليم الأطفال قيمة (الأمانة وإدانة السرقة)، فيما يكثر الحديث عن (الفساد.. السرقة) في وسائل الإعلام، ويجري الترويج له بين الناس على أنه صار "شطاره!".. وان الذي (يفتهم!) عليه ان يستغل الفرصة ليختلس ويسرق وينهب.. وتصوير الحال كما لو أن المجتمع العراقي صار بأجمعه مجموعة عصابات!.. وقل الشيء نفسه عن قيم أخرى يهدف المشروع الى تحقيقها من قبيل: العدالة، أهمية الصدق، احترام القانون، البحث عن حلول إيجابية غير عنيفة لحل النزاعات، وان الاغتناء السريع لا يدوم.. ومضاداتها في واقع الحال. وما نقترحه على وزارة التربية هو عقد ندوات للآباء والأمهات، وتوعيتهم بأهمية هذا المشروع لتكون "الأسرة" مصدرا مساندا للمدرسة في زرع وتنمية القيم الجديدة في جيل الناشئة.. وإحياء تجربة "التلفزيون التربوي" لبث قصص شهرزاد (الكارتونية الجميلة) في وقت واحد عبر شبكة تربط عددا من المدارس في كل مدينة عراقية مصحوبة بحوارات من تربويين يجيدون فن التخاطب والإقناع مع الأطفال.

بقي أن نشير الى أن هذه المناهج الدراسية تم تطويرها بهدف تطبيقها في جميع أنحاء العالم، وسيكون العراق أول من يعتمدها في الشرق الأوسط..

فشكرا لوزارة التربية التي استضافت شهرزاد لتروي حكاياتها الجميلة لا على شهريار بل على جيل من الناشئة لتحيي فيهم القيم العراقية الأصيلة. 

 

العودة الى الصفحة الأولى

............................

الآراء الواردة في المقال لا تمثل رأي صحيفة المثقف بالضرورة، ويتحمل الكاتب جميع التبعات القانونية المترتبة عليها: (العدد :2039 الخميس 23 / 02 / 2012)

في المثقف اليوم