قضايا وآراء

الاختلال في توازن الإعلام / جاسم الصافي

في الحقيقة هذه ليست حرية الصحافة ولكن حرية الأغنياء والبرجوازية لكي يغلّطوا الجماهير الشعبية والمضطهدة والمستغلة) .. لينين

أن ما نواجهه اليوم من اختلال في كافة ميادين المجتمع حيث تنعدم فيه مقدرتنا على النهوض بواقعنا من التخلف والتبعية الى بر الأمان، يجعلنا نقف أمام كيل من الاتهامات الموجهة الى أعلامنا فهو أن لم يكن سبب لهذا فهو المتسبب في ازدياد الهوة بين ماضينا وحاضرنا وبين الغرب والشرق وبين الريف والمدينة وبين المسلم والمسيحي وبين العربي واليهودي وهو من مكن الاستراتيجيات الغريبة من اختراق مثاقفاتنا الاقتصادية والسياسية والاجتماعية وتركها فراغات تملا بتدخل المتدخلين، فصناعة الأفكار حكاية قد مضى عليها فترة طويلة وقد تغلغلت مفاهيمها في توجهات الاعلام العربي حتى فقس اليوم اجنة جديدة تجاوزت الجيل الثالث وهو جيل المتلاعبون أو زمن تحريك تلك الأفكار حيث تحصد اليوم نتائج ذلك الزرع، وهذا يعني أننا نمر في مرحلة غامضة على استيعابنا الذي امتلاء بالفوضى والعبثية، وقد يكون الغرب هو المصنع الأول لهذه الأفكار داخل الدول المتحررة من سيطرتها العسكرية لذا تركت خدام مصالحها يزرعون أفكار الاختلال لفسح مجالات من التغلغل والاختراق المستقبلي، لكن السؤال هنا هل أن الغرب قادرون على السيطرة على هذا الى النهاية وخصوصا انه جاء مع نتاج فوضى تاريخية مزج الثقافات بالسياسات في قارورة لا تتحمل الانفجار وبعد إن تجاوز كل التقديرات، بل تحول الأمر الى فوضى لصناعة التاريخ؟ والأمر هنا لا يحتاج الى تضليل أكثر ما نحن فيه فكلنا يعلم ان الإعلام الحديث هو صنيع الغرب بلا شك أما المحترفون عندنا فقد قيدتهم النظم والقواعد السياسية التي أسسها النظام العالمي وفي مجملة الإعلام الدولي، ولتوضيح الأمر نقول أن الإعلام في طبيعته التكوينية مجزء الى إبعاد ولد بها وعاش من اجلها وهي ثلاث ( الاعلام الوطني) و (الاعلام الإقليمي) و (الاعلام الدولي) وهذه التقسيمات قد تمازجت بفضل العولمة وجعلت العالم مرتهن بيد المالكين (أصحاب رأس المال العالمي) حتى يطيعوا العالم لنظمهم الرأسمالية لذا نبذت الخصوصيات الثقافية ( الهوية الوطنية ) ومن ضمنها الاعلام الوطني والإقليمي وهذا لتعمم سيطرتهم وتمكين حلافائهم من التدخل في كل شيء لذا تقصف أفغانستان والعراق ثم تقصف اليمن وليبيا والحبل على الجرار وكل هذا من دون رادع أو حتى معترض لان الأمر ينساق تحت بنود حقوق الإنسان والسلم العالمي أو ما يدعى حرب الإرهاب (بعبع الشعوب) ومثل هذا الأمر لا يحتاج الى مناقشات أكاديمية ولا مطارحات فكرية لتبريره وتحليله وإيجاد المسوغات له لان الاعلام يطرح الجزيئات لكن السياسة تفهم بالكليات لذا يكون المطلوب هنا عمل مشترك يتحمل مسؤوليته الجميع لنقول إننا نمتلك اعلام خاص بنا يمكنه مواجهة التحديات ورسم خطوط للعمل المشترك فيه والذي يتناغم مع المعطيات المتلاحقة في الاعلام العالمي أو الاعلام الإستراتيجي الذي يتخذ تعقيدات وتشعيبات تبدأ بخسائر تظهر منفعتنا اللحظية وتبطن منفعة الدائمة ( للرأسمالية الغربية ) والذي يجني اليوم مكاسب تفوق التصور، لنصبح بعدها تحت رحمة المتصدقين

) المالكيين) تلك هي إستراتيجية الاعلام التي صيرتنا بطرقات هادئة لزمن طويل من أعلام التلميح لا التصريح بالفوضى وتحت قيم مبطنة بالإنسانية أو ما يمكن أن نسميه (بالأعلام الصامت) الذي استغرقت زمنا طويلا من الترتيب والتكتيك ليحولنا الى محاور هشة ماصه للتبعية ومتواصلة للتقليدية الغربية .

أن الاعلام وسيلة اتصال بين والشعوب وهو أداة لعملية تفاهم الأفراد ومعرفتها، وهو من يوجه الرأي العام نحو مقومات التقدم أو العكس، كما انه من يخلق وعي عند الجماهير من مساواة وحرية وعدالة اجتماعية لذا فهو الصانع والناقد لعمل السلطة وكما يقول ماركس ( أن الصحافة الحرة هي المرآة الروحية التي ترى الأمة فيها نفسها والرقابة الحقيقية هي النقد لأنه المحكمة التي تعطي حرية الصحافة )

أن مهمة الاعلام الأساسي هي تسليط الضوء على ما يخدم المجتمع لاستتباب الأمن والرفاهية وكذلك هو يحافظ على الذاتية الثقافية التي تدعم روح التفاهم والتعاون بين أبناء المجتمع وتنبذ دعاية الإرهاب الأثني والقومي كما انه ضرورة من ضروريات التنمية الاقتصادية والاجتماعية فهو المستفز الأول لاهتمام الفرد بعملية التنمية لكن أين إعلامنا من كل هذا ؟

لعل الجميع يذكر ما جرى في بريطانية من تظاهرات الفوضى التي تزامنت مع ربيعنا العربي، حينها ظهر رئيس وزراء بريطانية كاميرو أمام الاعلام وهو يصف المتظاهرين بأنهم لصوص ومشاغبين وإنهم مجرد أطفال مرضى لذا سيلاحقهم بأجهزته الأمنية وقد تمت تصفية تلك التظاهرات بالفعل ولكن كيف، الله اعلم لان الاعلام كان إعلامهم وليس إعلامنا !!

كما اضرب مثال أخر كان الشعب الأمريكي قد عانى منه قديما بسبب وكالات الإنباء الأوربية (هافاس وريوتر) التي كانت تشوه الحقائق الأمريكية وتقتصر في إخبارها على نقل فضائح هووليود أو عمليات السطو والإرهاب بشيكاغو ولم تجد وقتها أمريكا حلا الا أن تنشئ وكالتي (اسوشيتدبريس ويونايتد برس) للتخلص من التدخل والتبعية للاعلام الأوربي

لقد ترك الغرب لنفسه تنظيم أعلام وفق ضوابط وازنت ما بين الإقليمي (الأوربي) والعالمي (الرأسمالي) لذا سيطر على اضطرابها الداخلي والإقليمي بينما تعرضت بعض الدول العربية الى أعلام انتقائي أدام فيها الاختلال السياسي والثقافي وهجن عندها الرأي ألازدواجي الذي انتج رأيا خجل ومتسامحا أمام النقد الهدام المكرس للاستراتيجية الأعلام الغربي لذا ستبقى مصر وليبيا واليمن وسورية تعاني وتعاني لأنها أمام أعلام تحريضي مسيس دجن القنوات الإعلامية المحلية بعد أن فشل الأعلام الغربي المباشرة من تحقيق أهدافه الى حد ما رغم إمكانياته وفخامته، والسؤال هنا كيف نجد حد لهذه الفوضى البنيوية الاقتصادية والسياسية التي توجهها الأيدي الخفية وتعبث بالجميع الى الحد الذي افقرنا ونحن الأغنياء اقتصاديا وثقافيا، كل هذا سببه نحن الذين تركنا الباب خلفنا مشرعا الى يومنا هذا للمتسللين وتعاملنا ببداوة رسختها السلطات الرعوية العربية التي ابتلينا بها.

 

العودة الى الصفحة الأولى

............................

الآراء الواردة في المقال لا تمثل رأي صحيفة المثقف بالضرورة، ويتحمل الكاتب جميع التبعات القانونية المترتبة عليها: (العدد :2040 الجمعة 24 / 02 / 2012)

في المثقف اليوم