قضايا وآراء

تقييم النفس في الثقافة الإسلامية .. صراع وبحث عن "أنا الحق" / ميثم الجنابي

وان كيفية تبلوره في المقدمات المرجعية الفكرية عادة ما يؤدي إلى تنوع الاختلاف وتشعبه، خصوصا حالما لا يقر "بإجماع" مقبول من جانب الوعي النظري العام  على تقييم التاريخ المنصرم.

وقد كانت تلك وما تزال إحدى النواقص الديناميكية في التاريخ الإسلامي، والتي لم يستطع التحرر منها الوعي الثقافي العربي بشكل عام والسياسي بشكل خاص. وهذا بدوره ليس إلا النتيجة المرافقة لعدم انتقال الكينونة العربية إلى مصاف المرحلة الأعلى التي تذلل بقايا المرحلة الدينية ووعيها اللاهوتي.

وقد ارتبطت هذه الحالة الحرجة والفاعلة في الوقت نفسه بالنسبة لتنشيط الوعي الباحث والناقد في تاريخ الإسلام بما يسمى بالفتنة الكبرى ولواحقها. فقد كانت هذه الفتنة الفعل والنتيجة التي جزأت الصراع وطورته في اتجاه ظهور الفرق السياسية الدينية الكبرى في تاريخ الخلافة ووعيها التقييمي. آنذاك بدأت عفوية الأحكام الأولية تفسح المجال أمام العقائدية المؤدلجة، التي كانت تتضمن في أعماقها استمرار تقاليد الهجاء والذم. غير أنها شكلت المقدمة الضرورية لتطوير محتوى الاتهام برفعه إلى مصاف الضرورة المقدرة. وقد ظل الوعي التقييمي اللاحق أسير هذه الازدواجية المرهقة للفكر ورجاله. لكنهما في الأغلب تقبلاها إما بفعل تقليدية الوعي أو بفعل تقليدية التسمية. وفي كلتا الحالتين وضعتا قواعد تشذيب الأحكام أو ابتذالها حسب "عالم تقييمها الروحي" للظواهر. إذ لم تبرز المعارك الأولية المرتبطة بقضية التحكيم، سوى تسمية المحكمة، التي كانت تتضمن رفض التحكيم. ذلك يعني أن تقييم الاتجاهات، ظل إلى جانب تسميات الخوارج يحتوي على تقيم ما معين. بينما سيعطى لمعنى الخوارج مضمون المعارضة الباطلة في وقت لاحق. في حين ظل الخوارج يجدون فيه تعبيرا إيجابيا عنهم. ومن الطريف هنا الإشارة إلى التحديد الذي قدمه ابن قتيبة للجديد في الشعر، في مقدمة كتابه (الشعر والشعراء) عندما كتب يقول، بان "كل شريف خارجيا في أوله" . والشيء نفسه يمكن ملاحظته لاحقا في ظاهرة تطور التقييم الذاتي للاتجاهات والمدارس الفكرية والسياسية. وينطبق هذا أيضا على كافة الاتجاهات الأخرى.

فتسمية الروافض التي ألصقت بالفرق الشيعية الأولى كانت تتضمن تقيما سياسيا وعقائديا لها، كما كانت تحتوي على أبعاد سياسية وعقائدية في مواقفها تجاه مختلف القضايا. ولم يكن ذلك وليد الصدفة. فقد احتوى هذا التقييم على عناصر إدراك عميق للفكرة الشيعية بشكل عام وأولوية العنصر السياسي فيها. والشيء نفسه يمكن قوله عن المعتزلة وغيرها من فرق الإسلام الكبرى. فهي تسميات تضمنت على الفعل الخارجي ومظاهره. ولكن حالما تصبح هذه العناصر "الخارجية" و"الظاهرية" الناشئة في الأغلب من تأثير الأفعال العفوية والمصادفة أسلوبا للتقييم العام، فإنها تصبح مع مجرى تطور الوعي التجريدي والصراع الفكري والسياسي، أما جزءا من عناصر الممارسة العلمية والعملية، أو يافطة خارجية مثقوبة لا نرى فيها غير فضاء الخلفية الأكثر بروزا وجاذبية. وفي كلتا الحالتين أدى ذلك إلى اغتناء التقييم الفكري في مجرى احتكاكه بالاتجاهات المعارضة. لذا لم تعد الخوارج خوارجا وحرورية ومحكمة، بل ومارقة وشراة. كما لم تعد هذه الأسماء ألقابا ظاهرية، بل أصبحت مكونات أساسية لعناصر التقييم الفكري نفسه.

كما لم يجد وعي "أهل السنة والجماعة" حرجا من أن يبتدع لنفسه "البدع"، التي اتهم بها المخالفين له والمعارضين، من خلال وضع الأحاديث الكاذبة على لسان النبي محمد ومختلف "الآثار" من أقوال السلف الصالح وأفعالهم. حيث يظهر الحديث المنسوب للنبي محمد "سيخرج من ضئضئي هذا الرجل قوم يمرقون من الدين كما يمرق السهم من الرمية". وكذلك الحديث الموضوع، الذي حاول إبراز "الزيف" في ورع الخوارج وانعدام الإيمان الخالص عندهم بكلمات "تحقر صلاة أحدكم في جنب صلاتهم وصوم أحدكم في جنب صومهم ولكن لا يجاوز إيمانهم تراقيهم". بل ونرى "الإجماع" عليها في مختلف كتب التاريخ والأدب والسير والملل والنحل. فنرى ذو الخويصرة، الأب الروحي "للمروق" الديني يظهر مرة بوصفه رجلا أسودا شديد بياض الثياب، وفي حالة أخرى يظهر بهيئة رجل مضطرب الخلق، غائر العينين ناتئ الجبين. ومن هنا "تناسب" كلماته مع مظهره. ففي الحديث الأول يطلق عليه النبي كلمات "سيكون له ولأصحابه نبأ" وفي الثاني كلمات "سيخرج من ضئضئي هذا الرجل". بينما نعثر في صيغة ثالثة لشخصية ذي الخويصرة على صورة رجل مدافع عن قسمة الحق، متهم النبي محمدا بعدم العدل، بحيث يصدر النبي بحقه حكم الموت، الذي لم ينفذه الصحابة الكبار مثل أبو بكر وعمر، لما شاهداه من ركوعه وسجوده. وعلى خلفية هذه الصورة تظهر الإضافة الجدية للحديث الموضوع نفسه بكلمات "لو قتل هذا ما اختلف اثنان في دين الله".

وتظهر هذه "الحادثة التاريخية" المفتعلة قضايا غاية في التشعب من حيث إشارتها إلى مراحل وأساليب وأشكال إدراك ومعاملة الاختلاف الفكري والاجتماعي والسياسي. وبالتالي المواقف العملية والتقييم الفكري والعقائدي. حيث نعثر فيها على تعايش المواقف الإيجابية والسلبية، كما هو الحال على سبيل المثال، في الموقف من أغلب الحركات. إذ نرى في الخوارج أيضا قوة جريئة وحازمة تدعو للعدل، وفي نفس الوقت هي مصدر الخطر اللاحق في تأجيج الخلاف والفتنة. وهي تقييمات تكشف عن وجهها العقائدي والأيديولوجي. من هنا عدم اهتمامها بالسبب، أو على الأقل إنها لا تعير اهتماما له، لأن الفاعلية فيها ولها تعود للغة الإدانة والاتهام. وأدى هذا بدوره إلى إثارة رد الفعل المضاد لها بهيئة الدفاع عن النفس وإعادة تقييمها استنادا إلى وعيها الذاتي والى حقيقة ما تسعى إليه وتريده. ولعل تقييم الخوارج لأنفسهم بالشراة من بين أشدها وضوحا وقوة. فهو تقييم يعكس فاعلية ما أشرت إليه قبل قليل. إذ لم يستند الخوارج إلى ممارسة أساليب الوضع والاختلاق "للحديث" و"الآثار"، بل استندوا إلى الواقع والمثال، على الأقل بالصيغة التي استوعبوها هم، التي تطابقت مع أفعالهم واستجابت لها. حيث حاولوا البرهنة على إنهم الشراة الذين أشار لهم القرآن بقوله "ومن الناس من يشتري نفسه ابتغاء مرضاة الله" . وهو برهان استمد قوته من قدرة الخيال الهائلة على التأويل، التي تحول المثال إلى نموذج مستعد على التجسد الفعلي بمعايير لا تتحكم به مقولات الزمان والمكان. وأدى ذلك إلى أن يتداعى النص القرآني ليتحول من "كلام الله القديم" إلى نص قابل للتأويل السياسي المعاصر. وجعل ذلك الخوارج قادرين على أن يطلقوا على أنفسهم ما يشاءوا من أسماء وصفات "قديمة" مازالت أفعالهم تستجيب لحقائقها وتسعى لتمثلها أخلاقيا. ولعل مواقفهم من تعظيم ابن ملجم، قاتل علي بن أبي طالب، نموذجا لذلك. إذ جعلوا من الآية التي تتكلم عمن اشتروا أنفسهم ابتغاء مرضاة الله، التي تشير مصادر التفسير وكتب التاريخ الإسلامي إلى أنها "نزلت" حول صهيب، "نزولا" على ابن ملجم أيضا.

وهي ظاهرة مرتبطة بواقع كون الوعي التقييمي عادة ما يتجاهل ويتناسى ويتغافل حيثيات التاريخ الملموسة في مجرى صراعه التاريخي الملموس. من هنا سعيه لنقل المتسامي والمقدس إلى ميدان الجميل والقبيح. وهو وعي يعاني من مفارقة الوعي نفسه، لأنه وعي مهموم بالصراع والمواجهة ومنهمك أيضا في تمثيل المادة التاريخية بكل حيثياتها الممكنة، دون أن يعي ملموس أفعاله الخاصة. وهي عملية عادة ما يتداخل فيها الماضي والمستقبل في الحاضر، والمطلق والنسبي في الوعي، والمثال والواقع في العمل. وهي حالة تشبه حال من لا يدرك قيمة الحركة في يديه عندما يكون منهمكا في استرقاق السمع لضرباتها.

وتبرز هذه الصفة المميزة لحركات الخوارج أيضا في استعدادها السريع للمعركة وبحثها الدائم عنها، بحث سعوا لحرق كل انسيابية الأهداف الدافئة في مراجلها. وهو أمر يفسر لنا سر الإنسانية "الهمجية" للخوارج، كما نعثر عليه في أسماء الشراة والمارقة. وهي أسماء تحتوي على تقييم مزدوج، ظلت فعاليته مؤثرة على امتداد زمن طويل. وقد حصلت الشيعة (الروافض) والخوارج على قسطهما الأكبر منه, مما يشير بدوره إلى الأبعاد الاجتماعية والسياسية والعقائدية في مواقفهم وتقييم الآخرين لهم.

وقد ميز هذا التقييم الحاد والشامل مراحل وجودهما الأول. بينما ساهم استمرار صراعهما مع السلطة والهزائم، التي تعرضوا لها إلى توليد أسلوب التعامل غير المباشر مع قضاياهم المباشرة، مما أدى إلى نشوء وتكون عناصر في تركيبتهما الداخلية فسحت المجال لاحقا أمام انعطاف الوعي الذاتي والتقييم أيضا. فقد كسرت ممارسة التقية سورة التحدي وحولته إلى قناة التأمل الذاتي. ذلك يعني أن الممارسة السياسية، التي صنعت في البداية وهذبت إفرازات الواقع وبالأخص وحدة وصراع العناصر الاجتماعية والسياسية والعقائدية، أخذت بإخماد العاطفة المتآكلة بسبب الهزائم "الجسدية" لممثليها. وترتب على ذلك سريان الهدوء التاريخي للعناصر السياسية في السياسة، مما أدى إلى ظهور الإقرار بالاختلاف في فهم العقيدة واستيعابها. ولا يعني ذلك سوى أن عالم السياسة مازال مستمرا ولكن في عالم الفكر. أما النتيجة الطبيعة لذلك فهو ظهور بوادر التقييم العقائدي والفكري.

ولم تكن هذه البوادر معزولة عن الصراع. غير أن الصورة الجديدة، التي لم تخمد فيها بعد حماسة الماضي أخذت تتأطر بملامح الدفاع عن المبادئ ومحاولات فهمها النظري. وشكلت هذه العملية المزدوجة من تياري التبرير والتنظير المقدمة الضرورية للتصنيف العلمي اللاحق. لكن العملية المزدوجة هذه لم تظهر بصورة خاطفة. إذ تورد المؤلفات والمصادر التاريخية جملة من الروايات والأحداث والمفاهيم والممارسات والتقييمات والمواقف عن مختلف أطراف الصراع الاجتماعي والسياسي والعقائدي. وإذا كان ذلك جليا في ميدان السياسة، فلأنها الميدان التي تتضح فيه الأقوال والأفعال بسرعة بالغة. لان النتائج تحكي ما كان مضمرا. وهو واقع صوره الأشعري بدقة عندما كتب عن سلوك عمرو بن العاص في رفعه المصاحف على الرماح، قائلا "كأنه ينظر إلى الغيب من وراء حجاب رقيق" . بمعنى تبين المغزى الفعلي لبلوغ مأربه السياسي عبر استعمال الدهاء والمخادعة. أما في عوالم المثال الأخلاقي، فان الفعل السياسي كثيرا ما يؤدي إلى نتائج معاكسة. وذلك لان استشراف المستقبل يجري على الدوام من خلال يقين الماضي والتمسك به. وهي عملية صراع عادة ما تذوب في الحاضر، وبالتالي يصعب عليها رؤية حقيقة ما يجري فيه، بفعل استحواذ فكرة المستقبل، التي تطابق بين الحقيقة والسلطة والمثال، التي تغيب الماضي والمستقبل في لحظة الحاضر، بوصفها ترديد جديد لما في الأزل!! ومن هذا المنطلق يمكن فهم البروز المتصاعد لقضايا القضاء والقدر والإيمان في مراحل الخمود الأولي للصراع السياسي. حيث نرى القائد الخارجي شبيب بن يزيد الشيباني (ت - 77) يردد في اللحظات الأخيرة قبيل موته وهو على جسر الدجيل بعد أن قطعت حباله كلمات "ذلك تقدير العزيز العليم" .

كل ذلك يشير إلى أن تقييم النفس هو تقييم شخصي، لأنه يجري في صراع، غير أن ذلك لا يعني خلوه من الصدق والاقتراب من تصوير الوقائع التاريخية كما هي. من هنا أثره اللاحق في إثراء الفكر عند الأتباع والأعداء. فقد أبدع سلوك الخوارج المستند إلى مبدأ وحدة الإيمان والعمل في تقييم النفس والآخرين موقف التكفير، الذي أصبح بدوره عنصرا جوهريا في التقييم. غير أن التكفير لم تحول إلى مبدأ شامل لجميع فرق الخوارج، كما هو الحال عند النجدية. والشيء نفسه يمكن قوله على الفرق الكبرى الأخرى، التي كان التكفير فيها ضعيفا كما هو الحال عند المعتزلة أو مستحيلا كما هو الحال عند المتصوفة والفلاسفة. ومع ذلك سرت عدواه، وإن بمستويات متباينة، إلى أغلب الاتجاهات السياسية والفكرية، وخصوصا الشيعة الرافضة وأهل السّنة والجماعة، بينما ضعف عند الاتجاهات الأخرى كالمرجئة والمعتزلة وتلاشى عند المتصوفة والفلاسفة.

فإذا كان التكفير عند الخوارج مبني على مبدأ علمي ـ عملي، فانه مبني عند الشيعة الرافضة على فكرة "النص الإلهي". مما يعني هيمنة العقائدية الجارفة في تقييم النفس والآخرين. لكنها شأن كل عقائدية "رعناء" في العلم والعمل عرضة للخضوع المفاجئ أمام الحركة الدائمة. وهو واقع يمكن ملاحظته في التثليم البطيء والمتناقض لحدة الاتهام العقائدي، كما هو الحال عند الفرقة السليمانية ـ الجريرية، التي ثلمت شوكة التكفير الأولية، دون أن تكسرها كليا. إذ أبقت عليه في موقفها من الماضي وشخصياته، كما هو الحال في مواقفها من عثمان بن عفان. وسوف تدفع الزيدية الصالحية، اتباع الحسن بن صالح بن حي (ت – 168) والابترية، اتباع الابتر وكثير النوى (ت- حوالي عام 169) هذه الممارسة إلى نهايتها المنطقية وذلك بالتوقف عن ذم ومدح الأعداء .

لم تكن هذه المواقف معزولة عن حدة الصراع الاجتماعي وأسلوب القهر الجسدي والروحي والسياسي والفكري الذي مارسته السلطة الأموية ضد معارضيها. فقد أدى هذا القهر إلى إفراز ممارسة التقية الاجتماعية والسياسية والروحية كما هو الحال عند الشيعة وجزئيا عند الخوارج (الفرقة النجدية)، كما افرز مبدأ الإرجاء، الذي احتوى في أعماقه على حرية الفكر والجبن السياسي، دون أن يعطي لأي منهما أولوية مطلقة. أما التأويل المعاصر لها، الذي حاول أن يجعل من الإرجاء تمثيلا لحرية الفكر، ومن المرجئة ممثلين للفكر الحر الحقيقي، فانه لا يعدو كونه صيغة مقلوبة لرفع الجبن السياسي إلى مصاف التسامح الحقيقي. إذ من الصعب الحديث هنا عن تسامح حقيقي في وقت لم تتبلور فيه بعد "المذاهب الرسمية" وصراعاتها المتشنجة. حينذاك فقط تصبح فكرة الإيمان الباطني والدعوة إليها تجسيدا للتسامح الشامل. وهي فكرة لم يجسدها حينذاك بصورة متجانسة سوى الفلاسفة والمتصوفة. وذلك لان قضية التسامح لم تتعلق بوعي المرجئة أنفسهم ولا ببواعث أفكارهم ومقالاتهم، بقدر ما تعلقت بالواقع التاريخي وصراع قواه السياسية وكيفية استيعاب المرجئة له. إذ لا تعطي لنا المعلومات المتوفرة في كتب التاريخ والملل والنحل إمكانية الحديث عن حرية فكر حقيقية عند المرجئة، بقدر ما أنها تشير إلى ما يمكن دعوته بالمساومة الحرة في سلوكها. فالمساومة يمكنها أن تكون خيرا وشرا، أما الحرية فإنها إبداع اللامتناه في الكينونة التاريخية للأمم والثقافة. وقد كانت المرجئة حصيلة هذا التناقض ومحصورة فيه أيضا. وجعلها ذلك تقر بالظلم في حين وتنتفض ضده في حين آخر. فحرية الإرادة ليست قادرة على أن تكون عند بعض من يدعي تمثليها سلاح المعركة الدائم، كما أن القضاء والقدر (الجبر) لا يعيقا على الدوام إمكانية إدارة الصراع.

وبغض النظر عن التأويلات الممكنة هنا، فان المهمة لا تقوم في دراسة المرجئة بشكل عام وخصوصية آرائها وتأثيرها اللاحق على جدل الفرق وصراعها الفكري والسياسي، بل الإشارة إلى مساومة المرجئة الحرة. إذ استطاعت إبداع أسلوب جديد في تقييم الاتباع والأعداء، عبر نقله إلى ميدان الروح. بهذا تكون قد ثلمت جزئيا أحرف التكفير الناتئ في خاتم القهر الفكري والاتهام العقائدي.

وشكلت آراء القدرية الأوائل، الصيغة الفكرية الجديدة لمعارضة أيديولوجية التكفير السياسي والعقائدي. حيث مثلت من الناحية التاريخية نفيا لها من خلال وضعها المقدمة العقلانية الأولى لظهور المعتزلة، وبالأخص لمبدئها عن المنزلة بين المنزلتين. فقد سلكت في تقييمها للقوى المتصارعة سلوكا مستقلا، وقدمت نموذج "التعالي" عن الانصياع إلى الاتهام المتبادل والأحكام الجازمة في تقييم النفس والخصم، وجسدت إمكانية التباين والخلاف في الأحكام العقلية ورفض الإجماع كمقياس للحقيقة. إلا أن ضعف هذا المبدأ كان مرتبطا بتدخل الدولة في شؤون المفكرين وثقل المصالح الإيديولوجية للسلطات والفرق. حقيقة أن تدخل الدولة لم يؤد إلى صياغة منظومة فكرية. وذلك لان المنظومات الفكرية هي على الدوام حصيلة تطور عناصرها الخاصة، التي يشكل الموقف من السلطة أحد عناصرها لا كلها. ذلك يعني أن الدولة تتدخل على الدوام في شئون الفكر، لكن المقصود هنا هو  تدخلها "السافر". وهو تدخل لا يتطابق من حيث محتواه مع خرق الحقيقة أو تشويهها. إذ يجوز أن تلتقي آراء المفكر مع مصلحة السلطة ونظامها السياسي، أو حتى مع رموزها وشخصياتها الكبرى. إضافة لذلك إن لهذه العلاقة جوانب عديدة مرتبطة بتنوع مستويات ونماذج التقييم منها مثل التقييم التاريخي والعلمي والسياسي والفكري. وهو واقع لا يفترض بالضرورة تطابق هذه المستويات والنماذج، كما لا يستدعي إهمال أحدها لحساب الآخر. إذ لا ينبغي النظر، على سبيل المثال، لواقع خرق المعتزلة لحقيقة مبادئهم عندما أيدوا المأمون في أساليبه تجاه المعارضة الفكرية، وبالأخص أسلوب "المحنة"، من زاوية الأحكام السياسية أو الأيديولوجية وغيرها من الجوانب، وذلك بسبب تداخل الفكر والسياسة وتشعبات لا تحصى فيها.

وبغض النظر عن كل المآسي والحالات الدموية لتي رافقت صيرورة الدولة والحضارة، إلا أنها استطاعت وضع حجر الأساس، الذي بني عليه صرح التأويل، التي شكل الباطني فيها إحدى صيغه المتطرفة. وذلك لأنه فسح المجال أمام اختلاف الأفكار والمقالات بصورة غير متناهية، وبالتالي هدم إمكانية ونفسية احتكار الحقيقة. وهي نتيجة دفعتها المتصوفة لاحقا إلى أقصى درجاتها، عبر إزالة التكفير من مقالاتها، وكذلك بصياغتها "شرعية" الإلهام والوحي في التجربة الصوفية. وفي نفس الوقت أدى تطور الدولة والحضارة إلى ظهور وتبلور واستتباب ظاهرة و"منظومة" "أهل السنة والجماعة"، التي صنعت بدورها أدواتها وتقييماتها الخاصة بنفسها وتجاه من يخالفها.

 كل ذلك يكشف عن تنوع هائل في المواقف والتقييمات يتوزعها الاتهام والمديح، والعقلانية السياسية والنزعات الأيديولوجية والعلمية ونفسية الجدل وغيرها. ولم يكن ذلك نتاجا لميدان معين دون آخر، بقدر ما أنه كان نتاجا لتطور العلوم الناشئة آنذاك وصراع القوى السياسية والفكرية. ولم يكن ذلك محصورا بأهل السنة والجماعة، بل والفرق الأخرى التي دفعها للوجود تطور الثقافة الإسلامية في مجرى القرون الثلاثة الأولى من تاريخ الخلافة.

وأفرزت البدايات الأولية للشعر والنحو والأدب والبيان المرتبطة بالقرآن من تفسير وقراءات، وبالحديث من جمع وإسناد، وبالفقه وأصوله وفروعه، وبالجدل والخلاف فيه، تدريجيا أساليب متنوعة في التقييم، كانت تسري بصورة خفية بين ثنايا المعارضة الخفية ضد الاتهام الحسي المباشر. إذ نرى بروز القيم الفنية الجمالية يترافق مع الاهتمام الأولي بالشعر واللغة والنحو والأخبار. ومع أن ظهورها ارتبط تاريخيا بالتطور الحضاري نفسه والصراع الاجتماعي السياسي والديني والإيديولوجي المرتبط به، فان الاهتمام بالجوانب الفنية والجمالية فيه أدى إلى صياغة أسلوب جديد للتعامل مع المادة المدروسة على أساس تقييمها الفني الجمالي. مما أدى بدوره إلى تطبيقه اللاحق على مختلف الجوانب الإبداع والفكر، بما في ذلك دراسة البيان والبلاغة والبديع وغيرها من القيم الفنية الجمالية ـ اللغوية في القرآن. ومع أن ذلك لم يكن معزولا عن الصراع العقائدي والسياسي المباشر، إلا انه ساهم في جعله جزءا من صيرورة الحضارة وتكامل روحها الثقافي. وفسح بالتالي المجال أمام حرية الفكر وتمنطقه.

فمن الصعب توقع ألا تؤدي، على سبيل المثال، الكتب الأدبية والتاريخية للجاحظ (ت – 255) وأبي فرج الأصفهاني (ت – 356) إلى استثارة وتشوق الوعي السياسي والجمالي والفني الأدبي، وترسيخ قيم محاربة العقائد الجافة والتقليد وروح العداوة والاتهام، بفعل تسامي الجميل والبديع فيها واحتواءها المنظم على ذخيرة هائلة من القيم الدنيوية الرفيعة.

وأدى تطور الأدب وقواعد اللغة وفروعها إلى تطوير الأحكام المنطقية ودخول المنطق معترك الحياة والثقافة. وعلى الرغم من أن الدراسات اللغوية والشعرية الأولى لم تتجرد عن الدين وإشكالياته، كما هو واضح في كتابات أئمة اللغة والأدب مثل أبو عمرو بن العلاء (ت - 145) والخليل بن أحمد الفراهيدي (ت - 170) وسيبويه (ت - 180) ويحيى بن زياد الفراء (ت - 207) وسعيد بن مسعدة الأخفش (ت - 215) وعبد الملك ابن قريب الأصمعي (ت - 216) وعثمان بن محمد المازني (ت - 236) وغيرهم. بل لم يكن بإمكانها التجرد عنه بسبب الوحدة التاريخية والعضوية بين القرآن واللغة العربية آنذاك، والمهمات الجديدة في استيعاب المصدر الروحي للثقافة الإسلامية نفسها.

لقد اشترك الشعر وعلم التاريخ والنوادر والأخبار والآثار في استيعاب النص القرآني، مما جعل منه نصا لغويا في ميادين اللغة والنحو. ومن ثم تمنطقه. وأدرك الدارسون منذ وقت مبكر العلاقة الوثيقة بين اللغة والمنطق. من هنا ظهور العبارة الدقيقة عن أن النحو هو منطق العرب، وان المنطق يعادل الكلام. ذلك يعني أن المنطق لم يعد أسير ميدان معين دون آخر بعد أن اخذ يتغلغل في الوعي المجرد والدراسات اللغوية. حينذاك أصبح أحد العناصر الجوهرية التي أخذت تبلور ذهنية الباحثين وأسلوب تحليلهم. ومن ثم التأثير على تقييمهم للأحداث والأشخاص والظاهر. بحيث اصبح من الصعب مزاولة ذلك وتجاهل المنطق في الأحكام في نفس الوقت.

ولم يعن ذلك أن المنطق قد طرد بصورة تامة كل ما لا يتلاءم معه. كل ما في الأمر أن تغلغل المنطق في مختلف الميادين والعلوم والحياة الشخصية لرجال الفكر والإبداع ضيق من إمكانيات التقليد والإيمان الأعمى. كما يشير إلى المقدمات غير المرئية الفاعلة في تثوير المواقف النقدية والتقييم العلمي، الذي سار جنبا إلى جنب مع التقليدية الصارمة واستبداد النص. لكنها كانت تحمل في ذاتها، شأن كل ظاهرة من هذا القبيل، على بذور تحللها. إذ كان لا بد لها من الظهور والتصير بصورة تدريجية مع مجرى تطور الحياة الاجتماعية والفكرية والسياسية. فالاهتمام الأولي والمفرط أحيانا بل والضروري تاريخيا بالقراءات والتفسير، بوصفهما أجزاء من علوم القرآن، دفع إلى أساليب التواتر والإسناد إلى مقدمة التعامل مع المادة المدروسة. فقد استندت القراءات السبع وعلوم الحديث من حيث الجوهر إلى التواتر. وبغض انظر عن التعقيدات التي آثارها في وقت لاحق،الا انه لعب دورا علميا كبيرا بالنسبة لتطوير الدراسات اللغوية والنحوية من جهة، ولترسيخ أسس الرؤية المنطقية والعلمية بالنسبة لأدوات الصراع الفكري في مختلف الميادين. مما أدى لاحقا إلى استبداد ما يمكن دعوته بالتقييم الإسنادي.

ولم يكن ذلك فعلا سيئا على الدوام. بل يمكن تقرير العكس! فقد جمّع الإسناد وتقاليده السيئة أيضا عناصر التدقيق العلمي في التعامل مع الآثار التاريخية. إذ استثارت معرفة الناسخ والمنسوخ، على سبيل المثال، حفيظة الذاكرة التاريخية للدرجة التي أرهقت الفقهاء في وقت لاحق، بحيث اضطر الزهري للقول: "أعيا الفقهاء وأعجزهم أن يعرفوا ناسخ حديث رسول الله من منسوخه". ومهما يكن من أمر هذه القضية، فإن الإعياء ساهم في عبور الشوط الأساسي بالنسبة للجري في ميدان قواعد التدقيق في الإسناد. وبدونه كان من الصعب بناء صرح الأحكام المنطقية والتقييم السليم. إذ كان ينبغي تنظيف الساحة أولا من أجل وضع الأساس.

وبغض النظر عن استحالة تحقيق هذه المهمة بصورة تامة، إلا أنها صاغت من خلال وضعها قواعد التشدد والتمحيص الدقيق تجاه شخصيات الإسناد، مفاهيم الموقف التاريخي ـ العلمي ـ الأخلاقي، الذي حصل على نماذجه المرجعية الرفيعة في مقولات ومعايير الصحيح والحسن والضعيف والمرسل والمنقطع والمعضل والشاذ والغريب. بعبارة أخرى أن استبداد الإسناد، الذي ولعت به في بداية الأمر المدرسة الحجازية عند كل من مالك بن أنس (ت – 179) وعبد الله بن إدريس الشافعي (ت – 204) ولاحقا عند احمد بن حنبل (ت – 241)، لم يتعارض في بعض جوانبه مع المدرسة العراقية، مع انه تحول إلى جزء لا يتجزأ من ذهنية التقليد. إلا أن ما يبدو مشتركا في ظاهره، أدى إلى نتائج مختلفة وأحيانا متعارضة، على الأقل في مجال التأثير الفكري اللاحق بالنسبة لعلم الحديث والفقه والجدل والخلاف وعلم الكلام. حيث نرى، على سبيل المثال، أبو حنيفة (ت – 150) بوصفه الممثل البارز للمدرسة العراقية، اكثر تشددا في الظاهر تجاه رواة الحديث، وأشد "جمودا" من ممثلي المدرسة الحجازية بهذا الصدد. إذ تورد لنا الروايات التاريخية عنه تشدده المفرط، الذي جعله لا يستعمل في استنباطاته واستدلاله الشخصي في الفقه سوى بضعة عشرات من الأحاديث. بل يقال عنه، إنه حفظ سبعة عشر حديثا فقط، على خلاف الممثل البارز للمدرسة الحجازية أحمد بن حنبل، الذي حفظ كما يقال خمسين ألف حديث. وفي الوقت الذي تبرز في المدرسة العراقية أولوية الحقيقة والدقة التاريخية والحكم العملي ـ الحقوقي، تبرز في المدرسة الحجازية أولوية الأبعاد الدينية والأخلاقية الموثقة إسنادا. وبما أن كل شيء عرضة للتغيير، وإن السعي نحو الوحدة والتجزئة هو العملية المطلقة لكل موجود، لهذا لم يستطع علم الحديث تجنب مواجهة مصيره في هذه الحركة المتغيرة. بمعنى مواجهة الوحدة المتجزئة والتجزئة المتوحدة، كما هو جلي في مفاهيم النقل والعقل، والمعقول والمنقول، التي أدت الى مواقف مواقف مختلفة تجاه جوانب ومستويات الثقافة الإسلامية.

أما من الناحية التاريخية، فقد ارتبط التقييم المختلف في مراحله الأولى بصيرورة المفاهيم والأحكام الفقهية، وذلك لعلاقتهم المباشرة وغير المباشرة بتقاليد التقييم، التي أفرزتها مواجهات القوى الاجتماعية والسياسية في بداية نشوء الخلافة. إلا أن الاختلاف النوعي الجديد عنها يقوم في إدخال العقل كحاكم معترف به من قبل القوى المتصارعة، مما أعطى "للثورة والثورة المضادة" أسلحة متكافئة في المواجهة والصراع.

والشيء نفسه يمكن قوله عن ظاهرة التكفير. إذ بغض النظر عن استمرارها، إلا أن نوعيتها الجديدة تقوم في استنادها إلى أحكام الحقوق العقلانية وليس إلى أحكام العقائد ـ النفسية والحزبية. اذ لم تعد أحكام الحقوق قواعد لها أسسها التاريخية وتقاليدها الخاصة فحسب، بل ولدورها الفعال في الفقه وأثره بالنسبة لصيرورة الدولة ومكوناتها الأساسية في الاقتصاد والسياسة والاجتماع والحقوق والأخلاق والفكر، أي في تدويله للأخلاق وأخلقة الدولة.

فالفقه المستند إلى تقليد الإسناد (النقل) الصارم في الحديث وذهنية النص المطلق في القرآن، أديا في آن واحد إلى بلورة الأحكام الواقعية في التقييم، وكذلك إلى شرعنة التكفير وإباحة الدماء. وهي مفارقة سوف ترهق أئمة الفكر في الخلافة، كما هي مرهقة بالنسبة لكل منظومة سياسية ـ اجتماعية ما زالت الدولة قائمة. ومن الناحية التاريخية لا يتحمل الفقهاء لحالهم مسؤولية حمل خاتم القهر والاستبداد، بقدر ما كان ذلك مرتبطا بتقنين ما سمي "بأعمال المكلفين" من حضر وندب وكراهة وإباحة وغيرها من الأحكام المتعلقة بالحياة الاجتماعية والاقتصادية والسياسية والأخلاقية للأمة. وهي أحكام لها علاقة بحرية الفرد وتحديدها. الأمر الذي يفسر لنا سر الصراع القاسي بين فقه الفقهاء وتصوف المتصوفة، باعتباره صراعا بين "الحقيقة" و"الشريعة"، الذي دفع بالمتصوفة للخروج من إطار العادات والعبادات التقليدية المقننة، إلى ميدان التجربة الخاصة.

وليس هناك من معنى لإدانة الماضي في جانب واحد فقط من جوانبه. وذلك لان الضيق المميز للفقه هو ضيق يميز الحقوق جميعا. وذلك لأنها تسعى لتأسيس الحرية من خلال تقنينها. ولم يتعد الفقه تاريخيا حدود ما هو مميز له. من هنا مساهمته الهائلة في صياغة مفاهيم وأساليب التحديد الدقيق والترجيح المستندة إلى أدلة الدراسات اللغوية للنصوص ومعطيات العلوم التاريخية، والمنطق وأدلة العقل في بحثه عن الأسباب والحقيقة الملموسة. ولا يمكن توقع كل ذلك خارج مساعي القوى المتصارعة لأجل إكساب تصوراتها وأفكارها وأحكامها قوة القانون.

وفي الحصيلة أدى ذلك إلى ظهور علم مستقل بالاختلاف والبرهنة على صحة التصورات والأحكام الشخصية هو علم الجدل والخلافيات. فقد كان النظر في الأدلة الشرعية، الذي استند في البداية إلى القرآن والسنة وفي وقت لاحق إلى القياس والإجماع، يجري شأن الاتجاهات العامة في العلوم الأخرى، بين تيارات متباينة ومتعارضة وذات توجهات وقواعد خاصة بها. فتظهر أمامنا في النحو واللغة كل من المدرسة البصرية والكوفية، وفي الحديث المدرسة الحجازية والعراقية، وفي الفقه طريقة أهل الحديث وأصحاب الرأي والقياس. وضمنها تتصارع وتختلف مدارس الشيعة والخوارج والظاهرية. إلا انه اختلاف وتباين جرى في الإطار العام ضمن هذين التيارين الكبيرين.

ولم يقف التطور اللاحق عند حدود الاعتراف بالمدارس المختلفة وصراعاتها، الذي ساهم مساهمة فعالة في تطوير الروح والعقل وترسيخ حرية الفكر وآدابها في الحضارة الإسلامية، بل وبإنتاجه العلم، الذي أخذ على عاتقه مهمة تقنين الجدل وآدابه ومعرفة قواعد الحدود وآداب الاستدلال، أي تعليم كيفية الدفاع والهجوم الفكري، وتعليم الجدل الحر المستند إلى قواعد المنطق. مع أن ذلك لم يقض بصورة نهائية على السفسطة والاغاليط.

وأدى هذا الاختلاف والتنوع والوحدة إلى بناء جهاز تقييمي مناسب نشأت على أركانه منظومة من المعايير والقيم الضرورية للرؤية العلمية. وهو بناء لم ينف نوازع العقائدية والأيديولوجية وتبرير المصالح الضيقة، بوصفها إضافات ضرورية لا يمكن للصراع الفكري أن يتخطاها أو يتخلص منها بصورة نهائية، لأنها تؤدي إلى إضعاف طاقته الذاتية، شأن الغريزة بالنسبة للأخلاق والإبداع.

 

 

العودة الى الصفحة الأولى

............................

الآراء الواردة في المقال لا تمثل رأي صحيفة المثقف بالضرورة، ويتحمل الكاتب جميع التبعات القانونية المترتبة عليها: (العدد :2045 الاربعاء 29 / 02 / 2012)

في المثقف اليوم