قضايا وآراء

قراءة وتأويل للمجموعة الشعرية (تحت سقف الظهيرة) للشاعر عزيز داخل / رياض عبد الواحد

اذ تتكشف من خلالهما بؤرة سردية / شعرية .

يتكون العنوان من ثلاثة فونيمات , تركيبياً من (ظرف مكان + اسم + اسم)، أما دلالياً فهو يتألف من (زمان + مكان) وبلاغياً يتسم بالإيحاء . الفونيمات الثلاثة تنطوي على مخزون مغلق لانعرف كنهه، فالمعلومة مقتصدة ومؤجلة إلى حين، وبهذا يرمي العنوان إلى سحب المتلقي إليه والتوقف عنده كونه عتبة أولى ثم تتبع مايمكن أن يحدثه العنوان من انشطارات تؤدي – حتماً – إلى إحداث شغف قرائي لدى المتلقي من اجل الوقوف على مايحدث داخل ذلك السقف . لهذا يمكننا القول أن (ثريا) المجموعة استطاعت وبنجاح من تصعيد حساسية المتلقي لاقتناص الأفق الأوسع الذي يتوق لرؤيته، وبهذا انفتح الباب على مصراعيه أمام فعالية القراءة وآلية التأويل .

يمكننا القول أن هذه المجموعة اختطت طريق السرد منحى لها كون الشاعر يشتغل في المجال السردي أيضاً لهذا رأينا إن / النصيص / حمل بعدي الزمان + المكان لان صفاتهما العامة صفات سردية .

 

أنا ثالث أربعة

دخلت المدرسة الابتدائية للبنات

وكان علي

أن ارتدي تنورة زرقاء

وقميصاً ابيض

فاصطبغت طفولتي بعطر التسامح

 

هنا، نلحظ، اعتماد السارد على بنية الحكاية، إذ يقيم نوعاً من التوازي بين المحكي داخل النص والحكاية المرجعية التي يعود إليها النص، لهذا نحس بالتتابع الزمني المحسوب والمرتهن بآلية السرد المتحرك على محور الزمن .

في / الولد الملكي / يحاول السارد أن ينتقل من الشخصية المركزية / الولد الملكي / إلى توصيف ذات أخرى قريبة من الاثنين (السارد + الشخصية الرئيسة) . هذا التوصيف المتشعب زاد من درامية السرد بسبب من تعدد الأصوات داخل العملية السردية .

 

1-   مااجمل صوتك عند ابتداء النجمة الأولى بالأفول .

2-   أيها الولد الملكي .

3-   مازلت في عيني أمي الصغير المدلل .

4-   كنت على صدرها تقضي نهارك نائماً .

5-   وليلك بالنحيب .

6-   أيها الولد الملكي .

7-   هذا هو نهر جاسم من جديد راودني عن جسدي .

8-   لكنني أثرت الفرار .

9-   يقول جدي :

10- احذروا النسباء والذئاب وآذار

11- آه من جرح الغزالة حين تهزمها الريح

12- آه مااقبح التاريخ لايذكر للنجوم منقبة غير العلو

مما يلاحظ على السطور آنفاً اعتمادها على بنية توزيع الحدث وتشظيه عن البؤرة الرئيسة :-

 

السارد الولد الملكي + أمه جده

إن الأخبار يتم بلغة الغياب وما يتحصل منه في الحاضر من التياع واسى نفسي يخيم على السارد إذ انه لم يستطع أن يفلت من عقال ذلك الأسى بدليل القرينة النصية المتمثلة في السطر السابع . فعملية طمر الأسى في الذات قد ولّد لغة تنحى منحى تبطيني, بمعنى غير ظاهري إذ تحمل شفراتها بنحو دقيق كما ورد في الأسطر (12,11,10). هذه السطور الثلاثة تحمل رسالة واستخلاصا لتجربة متخمرة في عقل الجد والمتمثلة لدى السارد الذي تمثلها بنحو جيد ومن ثم إلى الولد الملكي لكي تبقى وشماً في ذاكرته .

إذن الرسالة التي يوجهها السارد إلى أخيه في السطرين (12,11) ماهية إلا مستخلصات حياتية ترشحت نتيجة خيبة الأمل التي وصل إليها السارد وان كان وسيطاً . ينحرف السرد بعد ذلك باتجاه التوصيف لتخفيض وطأة النشيج الروحي المعرش على الحدث بنحو عام بواسطة تبديل لغة الخطاب إذ يعتمد السارد على الأفعال المضارعة ليجسد حالة آنية وكأنها حاصلة أمامنا الآن ومرتبطة بمحيط خارجي .

 

الولد الملكي

يسرح شعره منفلتاً كخيط على كتفيه

ويطير

يخرج كل صباح ليعود بعافية ونعاس

يسقي وردته ويتمتم فوق ثراها شعراً

ياوردة عيد الميلاد

ياوردتنا الحمراء نحن فدى عينيك

 

 

 

 

إن البيئة الخارجية للأسطر آنفاً تحيلنا إلى رؤيا تنعكس بصرياً داخل الخطاب فالربط الحاصل بين / الولد / والوردة / , ثم التحديد اللاحق لتوصيفها بالحمراء يحمل مغزى يشي بوقوع الشخصية المركزية تحت وعي سياسي معين على الرغم من إن هذا الافتراض له مايعززه دلالياً وهو ماتوحي به عبارة (عيد الميلاد) .

 فتوصيف /الولد/بمجموعة من الصفات غير الحادة والشفيفة يخفف من وطأة الحزن إذ إنها , أي التوصيفات , تنحو منحى يحمل آمالاً غير تلك التي تلقي بظلالها المعتمة على السارد ثم تنعكس على حياة

الشخصية لهذا جاء الزمن تعاقبياً بمعنى انه يسير بتؤدة لكي يمكننا من تتبع حياة الشخصية . أن السارد يهيمن على كل شي ويعرف أدق التفاصيل حتى انه بدأ يعالج سلوك الشخصية .

هذا الولد الملكي يبحر في المسافات

بحيث عن وطن يكفيه

وبندقية يستخدمها عند الشدة

احبك أن تحمل وردة عشق بجميع الألوان

 

يختلف السارد مع الشخصية في توجهاتها , فهو أي السارد يتمنى أن تنهل الشخصية من مشارب جمة ولاتقف عند منبع واحد . فالتماهي الحاصل بين السارد (الشاعر) والمروي عنه (الولد الملكي) ينم عن عملية تبادل في كيفية التعامل مع الأشياء . فحين يكف فعل السرد عن وصف / الولد الملكي / يسعى الشاعر لاقتناص الفعل الذي يليق بالمروي عنه بواسطة حمله / البندقية / في الوقت الذي يستدعي حملها .

إن نواة الشفرة – هنا تتخذ منحنيين

الولد الملكي يبحر في المسافات

 يبحث عن وطن يكفيه + بندقية يستخدمها عند الشدة

 

 

إن الشاعر – هنا – قد أبدع في تصوير الفهم الذي يريده للغائب وتمكن أيما تمكن من إيصال فكرته الرئيسية عبر لغة تحمل ميزاتها الغائية وهي بذلك تسعى لتحقيق غايتين : الأولى تكمن في الانزياح التركيبي الذي يغلف القصيدة , والثانية التراكيب الفعلية الحركية ذات السمت الحاد (يطيح , تفترش , ترقص، يرمي ,يفيض ....الخ). فاضفاء البعد الملكي على الولد ليس من باب الاعلان عن الترف الاجتماعي بقدر ما كان من باب التصرف الذي يليق بالغائب بدليل القرائن النصية .

 

1-   الولد الملكي يمتشق سيف العرب .

2-   يلتف بعبارة أجداده ويمتطي الحصان الأبيض

3-   له معشوقة يدعي إنها قمر

4-   يرمي سيفه بعد خطوات ويمزق العباءة العربية

5-   ويهبط كالطائر الجريح

6-   يفيض عذوبة وكسلاً

7-   يحلم بالنصر وشارات الحرب

8-   حملته الريح إلى البصرة

9-   يوزع في طرف الفقراء الضحكات

10- وينام على أرصفة البائسين

يتكرر – كما نلحظ – تكنيك الجمل الفعلية أكثر من الجمل الاسمية الدالة على الثبات لان السارد يتحرك في بقع زمنية متعددة ويجوس أماكن مختلفة للكشف عن حقائق الشخصية وحقيقة الواقع , لهذا كان زخم الجمل الفعلية مؤثراً لأنها ذات حركية ديناميكية قادرة على استيعاب حركة السارد وحركة المروي عنه .

لقد اكتملت لوحة / الولد الملكي / بهذا المقطع الذي يبرز الكثير من سماتة ورؤى السارد . فالأسطر (3,2,1)آنفاً تحمل التصاق / الولد الملكي /بما يكتنزه من تاريخ عائلته , وقد حاول الشاعر أن يكبَر لنا هذه الصورة لتقوي عندنا عمق دلاله الإرث الذي يحمله الإنسان في سن الصغر وانعكاساته عند الكبر . فالسيف + عباءة الأجداد ماهي التاريخ السابق بكل مايحمل من إرهاصات . يحصل في السطر (5) انبعاج سردي يشكل سر تخلي /الولد الملكي / عما ألف من متحصلات (السيف +العباءة العربية) . فعملية الهبوط المنخفضة في السطر (6) ماكان لها أن تحصل لولا تمحيص /الولد / في متحققات الإرث التاريخي الذي يحمله والذي ماعاد يحقق له تطلعاته كون تلك الصفات هي أسباب لخيبته , لهذا عدل عنها إلى مايمكن أن يدعم وجوده الإنساني الفاعل بواسطة الالتصاق بالفقراء . كما ونلحظ تواشج العلاقة بين السطر الأول من القصيدة والسطر الأخير منها

 

مااجمل صونك عند ابتداء النجمة الأولى بالأفول

والجملة الأخيرة

ينام على أرصفة الحيانية

 

إن أفول النجمة هو أفول لتلك المتحصلات التي حملها / الولد الملكي / وهي – بعد ذلك – نازلة لامحال إلى الأرض لكي تجد مستقرها الحقيقي وهذا ماتحصل في السطر الأخير . إن الكناية عن تخلي / الولد الملكي / عما كان عليه متجسدة في عملية / النوم على الأرصفة / أرصفة الفقراء والمتعففين من دون خسارة فادحة .

لقد اتسمت هذه المجموعة بغنى منتوجاتها الدلالية , إذ إن فعل البقاء تحت سقف الظهيرة قد ساعد على ديمومة توهج العقل الإبداعي وإعطانا مدلولات مهمة تقع في منطقة مابعد الخطاب الشعري نفسه

 

العودة الى الصفحة الأولى

............................

الآراء الواردة في المقال لا تمثل رأي صحيفة المثقف بالضرورة، ويتحمل الكاتب جميع التبعات القانونية المترتبة عليها: (العدد :2048 السبت 03 / 03 / 2012)

في المثقف اليوم