قضايا وآراء

العقد الذهبي للإبداع العراقي .. 10 سنوات لاتكفي!؟ / زيد الحلي

وتتبعه الذاكرة ليتجها صوب عقد واحد، وحيد، أي عشر سنوات فقط من عمر العراق الحديث، وربما لا يشاطرني البعض في رؤاي، لكني وجدتُ ان السنوات الممتدة من 1965 لغاية 1975 كانت منارة عالية وسارية مشرعة في تشكيل اللوحة الثقافية العراقية، ولا أريد ان أنكر ان لكل قاعدة أستثناء، فأقول ان هناك سنوات قبل وبعد ذاك العقد، شهدت ملامح رقي ثقافي غير انه كان مثل الضوء، يشع مرة ويخفت مرات، وبهذا يمكنني التأكيد بأنها إستثناءات ضائعة امام الوهج الثقافي للسنين التي حددتها في السطور السابقة ..

فماهي أسس ما ذهبتُ اليه؟ وكيف توفرت لدي القناعة بان ذلك (العقد) بسنواته العشر هي الأهم في مسيرة القافلة الثقافية العراقية؟

في البدء، أعيد القول بأن أعوام منتصف ستينيات وسبعينيات القرن المنصرم في رأيي الشخصي، ومن خلال معايشتي اليومية في أتونها، كانت هي الأزهى في الخارطة الثقافية والفنية في العراق، ومثلما يقال ان النبتة المعطاء هي بنت الأرض البتول، فان تلك الفترة كانت فضاءاً مرحباً بالكفاءات ، وشهد العراق خلالها تقديم عشرات الأعمال الفنية والثقافية بمختلف الإتجاهات وعلى كافة الصعد .

والمنصف في تدوين التاريخ الثقافي، يتذكر كيف كانت أرضية الإبداع تموج بعشرات الأعمال، شكلت بصمة ننحني أمامها أحتراماً لخصوبتها ونمائها، فعلى صعيد الأسرة الصحفية، بأعتبارها قائدة للمجتمع كان ذلك العقد هوالأهم في مسيرتها، ومن أبرز المحطات في حياة الصحفيين العراقيين، كان قرار الاحتفال بعيد الصحافة الذي اتخذه الصحفيون العراقيون في مؤتمرهم الثامن المنعقد في 26 نيسان عام 1968 هو الأهم في تأصيل الكيان الصحفي في المجتمع، وفي الدورة المذكورة تحققت مكاسب مهنية عديدة، نساها الكثيرون ولم يذكرها أحد بعد ان هدرتها السنين اللاحقة، من أهمها التأمين الإلزامي على حياة الصحفيين والحصول على تسهيلات للقبول في (قسم الصحافة) بجامعة بغداد للصحفيين العاملين وحصلت نقابة الصحفيين علي تخفيض 50 بالمائة للصحفيين في طائرات الخطوط العراقية في الرحلات الداخلية والخارجية و50 بالمائة في المؤسسات السياحية (فنادق الدرجة الأولى والمصايف) كما حصل الصحفيون على بطاقات التنقل المجاني في وسائل النقل الحكومية ببغداد والمحافظات وكانت هوية النقابة بمثابة تذكرة مجانية لدخول المسارح والسينمات ، وحققت الصحافة في العقد الذهبي المذكور، سبقاً عالمياً بتحديدها يوم الأثنين الخامس من حزيران 1967 كموعد لبدء العدوان الإسرائيلي من خلال مقال تحذيري للعسكري العراقي النابه محمود شيت خطاب، ونُشر قبل العدوان بأيام، دون ان تصدقه الزعامات العربية !!

وسجلت الصحافة العراقية ايضاً سابقة غيرمطروقة، حين أتفقت صحيفة (الثورة) العراقية في العام 1967 بمبادرة من رئيس تحريرها الدكتور حازم مشتاق مع الصحفي اللامع محمد حسنين هيكل رئيس تحرير صحيفة (الاهرام) المصرية على ان ينشرهيكل مقاله الاسبوعي الشهير " بصراحة " كل يوم جمعة في الصحيفتين العراقية والمصرية بآن واحد، فكانت تلك الخطوة مفتاحاً لصحف عربية آخرى، حيث اتفقت بعد ذلك صحيفة (الانوار) اللبنانية مع الكاتب هيكل لتظهر مقالته في القاهرة وبغداد وبيروت صباح كل جمعة !

وشهدت السنوات الذهبية، ثراءا في الصفحات الثقافية والفنية وفي اصدار ملاحق نوعية لمتابعة ومناقشة الشأن الإبداعي، ومايزال ملحق صحيفة "الجمهورية " الثقافي الذي رعاه رئيس تحريرها عميد الصحافة العراقية فيصل حسون وأشرف على تحريره انور الغساني يشكل ملمحاً بارزاً في هذا الشأن، كما شهدت بروز الكثير من محرري الصفحات الفنية، عالجوا قضايا الفن بمهنية عالية مثل الزملاء عثمان فائق، وحيد الشاهري، شوكت الربيعي، عبد الوهاب بلال، ليث الحمداني، حسام الصفار وعبد الوهاب الشيخلي وغيرهم، فيما كان للصفحات الثقافية مساحة واسعة في شد العضد الابداعي من خلال اشراف كتّاب على دراية بالوسط الثقافي على الصفحات الثقافية، كالكاتب عبد الرحمن مجيد الربيعي الذي حرر الصفحة الثقافية في صحيفة " الأنباء الجديدة" وأستقطب خيرة المبدعين في رفد صفحته بالنتاجات المختلفة، وعبد الرحيم العزاوي (لا اعرف اين هو الآن ؟) وخالد الحلي في صحيفة " المنار" وسركون بولص وفاضل العزاوي في " ابناء النور" وهكذا الحال في الصحف الآخرى .. كما صدرت في ذلك العقد مجلات حفرت اسمها في الوجدان الثقافي مثل مجلة " الكلمة " لحميد المطبعي والأقلام و" الف باء" و” التراث الشعبي " وغيرها .

 

سجالات نقية..

وتصاعدت في تلك الفترة حمى السجالات الثقافية ، لكنها حمى اتسمت بوعي ديمقراطي أشعر حالياً بالحسرة تجاهها، وأقارن بين سجالا ت الأمس النقية وسجلات اليوم المخبوءة تحت سقف الحقد والأنانية ، ولعل كتاب "الموجة الصاخبة " للشاعر سامي مهدي خير من بين إرهاصات الثقافة العراقية التي وجدت مناخاً يسمح لها بتبادل الآراء بفضاء واسع في تلك الحقبة ، ولازالت صورة مقاهي بغداد ولاسيما مقاهي " البرلمان " و"الزهاوي "و" عارف أغا" و"حسن عجمي " و" البلدية " وهي تحتضن مجاميع من المثقفين العراقيين بينهم الشيوعي والقومي والبعثي والبارتي، حول دائرة النقاش الثقافي رائدهم الحوار ولاغيره، وفي المساء تجمعهم موائد الأنس .. وفي السنة الأولى من العقد الذهبي اي في العام 1965، أحتضنت بغداد المؤتمر الخامس لإتحاد الادباء العرب بثقله المعروف، وأعطى إنعقاد المؤتمر الذي شاركتُ بتغطيته كمندوب للصحيفة التي كنت أعمل فيها، أشارة الى البعد الحضاري والثقافي للعراق باعتباره روح الأفكار، وقوام الآراء، وكمال المنطق، وسداد العلم، وقد شجع المؤتمر الذي حضره من العرب خيرة المثقفين والمفكرين منهم: محمد مندور، يوسف أدريس، عبد الرحمن الشرقاوي، زكي نجيب محمود، امين الخولي، أحسان عباس، احمد رامي، نزار قباني، سهيل أدريس وغيرهم، ومن العراق: د. مصطفى جواد وعاتكة الخزرجي ونازك الملائكة والشيخ احمد الوائلي ومحمد حسين ال ياسين ومصطفى جمال الدين .. وقد ولّد انعقاد المؤتمر حراكاً ثقافياً أستمر لسنوات طوال..

وسُمح في ذلك العقد للمكتبات الخاصة بإستيراد الكتب الأجنبية والعربية وكان لمكتبة (مكنزي) دوراً في توفير مصادر الثقافة والفنون من خلال أمهات الكتب الرصينة باللغات الاجنبية، وأنتشرت في المكتبات مجلات ثقافية عربية مهمة مثل مجلة (القصة) و(الشعر) و(المسرح) وكانت تلك المجلات معيناً في تنشأة نخبة من المثقفين الذين تسيدوا المشهد الثقافي اللاحق .

 

قانون رائد للفرق المسرحية

وفي المجال الفني كان لصدور قانون "الفرق المسرحية " في أواسط الستينيات، صدى كبيرا وبارزا في الوسط الفني لاسيما المسرحي، حيث اجيزت رسمياً بموجبه لأول مرة عدة فرق مسرحية ضمت نخبة من الفنانين والفنانات، كفرقة المسرح الفني الحديث برئاسة أبراهيم جلال وفرقة 14 تموزبرئاسة اسعد عبد الرزاق وفرقة المسرح الشعبي برئاسة جعفر السعدي وفرقة اتحاد الفنانين برئاسة سعدون العبيدي وفرقة المسرح العراقي برئاسة شكري العقيدي وفرقة مسرح اليوم برئاسة جعفر علي وفرقة الفنون المسرحية برئاسة عطا محي الدين، وقبل صدور القانون المذكور كان الفنانون يعملون تحت مسمى هجين هو (المجاميع الفنية) مثل(مجموعة خليل شوقي) و (مجموعة أسعد عبد الرزاق) الخ، اي دون وجود سقف رسمي وكانت تطبق عليهم تعليمات وزارة العمل والشؤون الاجتماعية الخاصة بـ (الملاهي والكباريهات)..

وفور ألان أسماء الفرق المسرحية المجازة، بدأت الاستعدادات لتقديم اعمال مسرحية في جوء مشوب بالفرح، وأتذكر ان فرقة (المسرح الفني الحديث) حال أستلامها إجازة التأسيس، أعلنت عن أستعدادها لتقديم مسرحية الكاتب العالمي " فيرنيك" الشهيرة (مسرحية في القصر) أخراج محسن العزاوي وقد أستغربنا في حينها متسائلين: كيف لفرقة تضم أسماءا معروفة، تغامر بتقديم اول عمل لها بعد أجازتها تحت أدارة فنان ما زال قيد الدراسة الاكاديمية في موسكو؟ فجاء الجواب ان المسرحية هي بمثابة أطروحة تخرج للفنان الشاب محسن العزاوي لنيل الماجستير وبذلك اعطت هذه الفرقة نموذجاً في أحتضانها للعناصر الشبابية المتسلحة بالعلم والدراسة ..

وشهدت قاعات العرض، مسرحيات متنوعة قدمتها تلك الفرق، أما الحدث الأهم فقد كان الأعلان عن تشكيل " الفرقة القومية للتمثيل" وربطها بدائرة السينما والمسرح، وكان أول رئيس لها الفنان سامي عبد الحميد، وقدمت باكورة عملها مسرحية توفيق الحكيم " سر شهرزاد " اخراج بهنام ميخائيل بفصل واحد منها هو فصل (الحشاشين) ومسرحية (وحيدة) وهي مسرحية شعبية تأليف موسى الشابندر وأخراج محمد القيسي، ومسرحية عالمية للكاتب " بن جونسون" اخراج أسعد عبد الرزاق .

وقدمت ايضاً (تاجر البندقية) لشكسبير واخراج سامي عبد الحميد، ولبيركامو (العادلون) اخراج جاسم العبودي، ثم عاد سامي عبد الحميد ليقدم عملاً للكاتب كوكتو هو (النسر له رأسان) .. وفي المسرح ايضاً، لابد للمرء ان يتوقف عند النشاط المسرحي الطلابي . كان نشاطاً متميزاً دلل على وعي مسرحي بعد المدى، وشهدت قاعة معهد الفنون الجميلة عشرات العروض لأعمال تعجز عن تقديمها فرق محترفة، ومما قدمه طلبة المعهد مسرحية (حلاق اشبيلية) اخراج سامي السراج ومسرحية (الشريط) لبكيت من اخراج احمد فياض المفرجي و(القاعدة والاستثناء) لبرخت اخرجها على رفيق ومسرحية من اخراج عبد المرسل الزيدي لمؤف ياباني شهير لم تسعفني الذاكرة بتذكر اسمه و(الامبراطور جونز) لناصر علي ناصر و(عدالة مجنون)لأجاثا كريستي من اخراج سليم الجزائري و(ضرار التبغ) لقاسم حول .. الخ

واللافت في ذلك العقد، انتعاش حالة (الحب) للمسرح بشكل واسع في المجتمع، وأصبحت الثقافة المسرحية سمة للشباب وأنسحبت الحالة الى النوادي التي أشتهرت بتقديم الحفلات الخاصة لروادها وأقامة الفعاليات الاجتماعية في اروقتها، حيث توجهت عشرات النوادي الاجتماعية الى تقديم عروض مسرحية محترفة، مثل نوادي شركة نفط الجنوب وشركة نفط الشمال ونادي المركز الثقافي البريطاني ببغداد والنادي الثقافي المسيحي في بغداد الذي شهد عرضاً مسرحياً عالي المستوى هو رائعة موليير مسرحية (البخيل)التي أخرجها جاسم العبودي ومسرحية (زواج بالأكراه) لموليير و (تؤمر بيك) ليوسف العاني وغيرها

ولا يسعنا ونحن نتحدث مستذكرين سنوات العقد الذهبي إلاّ الاشارة الى جهود فرقة مسرح الصداقة الذي أسسه الفنان أديب القليجي (أختار الغربة مع زوجته الفنانة القديرة وداد سالم) ورعاه المركز الثقافي السوفيتي ومكانه في شارع (ابو نؤاس) الذي قدم العديد من الاعمال المسرحية، وكان له الفضل في أكتشاف عناصر فنية أصبح لها الثقل الفني لاحقاً كالفنان جواد الشكرجي وعدنان الحداد، وقد تسنى لي حضور معظم تلك العروض .

وتأسس أول مركز عراقي للمسرح في العقد الذهبي، ففي خلال الأعوام 1966/ 1969 تدارس عدد من المسرحيين العراقيين مخرجين و ممثلين و كتابا و نقادا، وتوصلوا في العام 1969 الى انبثاق (مركز عراقي للمسرح) حيث شكلت أول لجنة رسمية لإدارته، ضمت السادة: عزمي الصالحي وبهجت شاكر ودعزيز شلال ود علي الزبيدي وسامي عبد الحميد وزكي الجابر وسلام علي السلطان وجاسم العبودي و أصبح السيد عزمي الصالحي المدير العام لمصلحة السينما والمسرح في ذلك العام، سكرتيرا للمركز العراقي للمسرح . وفي عام 1971 أصبح الفنان يوسف العاني سكرتيرا له .

 

آفاق سينمائية .. اضمحلت !

وفي ذات الفترة، وضعت أسس صحيحة لأنبثاق صناعة سينما عراقية حقيقية، كانت سمتها البارزة هي استمرارية دوران كامرات السينما في تصوير افلام تفاوتت مستوياتها الفنية، وقد جهزت دائرة السينما والسرح ستوديو حكومي نموذجي بأسم "ستديو بغداد" بأحدث المستلزمات الأنتاجية ، لكن من المؤسف ان هذا الاستوديو لم يجد من يُسخره ويستفيد من الدعم الحكومي في إنتاج افلام عراقية ذات مضامين ومفاهيم ترتقي الى صناعة متطورة، حيث لم ينتج فيه سوى فلمين احدهما وهو " الجابي " اخراج جعفر علي وبطولة أسعد عبد الرزاق، الذي صور بالكامل في باص لنقل الركاب على الطريقة الواقعية التي كانت سائدة آنذاك، وآخر بعنوان " تلفزيون الجيران " ثم دب كسل ملحوظ بهذا الجانب حتى السبعينيات حين ظهرت أفلام عراقية متميزة مثل (الظامئون) و(بيوت في ذلك الزقاق) و(التجربة) و(النهر) وغيرها ..

وكان للقطاع الخاص في الفترة الذهبية التي نتحدث عنها، مساحة واسعة حيث انتجت العديد من الافلام، كان منها (عفرة وبدر) و(ليالي العذاب) و(غزالة) وغيرها .. وهي رغم كونها كانت ذات طابع عام سمته السذاجة في تناول الموضوعات وفي التكنيك السينمائي، إلاَ انها شجعت على الاستمرار، حيث ظهرت أفلام عدة منها: (غرفة رقم 7 /) خراج كاميران حسني و(مع الفجر) اخراج عبد الجبار العبيدي و(بصرة ساعة 11) اخراج وليم سايمون و(يد القدر)اخراج كامل العبلي و(درب الحب) اخراج برهان الدين جاسم و(وداعاً يا لبنان) اخراج حكمت لبيب و(غزالة)اخراج صفاء محمد عليو(طريق الشر) اخراج سامي الجادرو(الحارس) اخراج خليل شوقي و(شايف خير) اخراج محمد شكري جميل و(الجابي) اخراج جعفر علي و(طريق الظلام) اخراج عبد الكريم السراج و(الجزاء)اخراج حسين السامرائي و(جسر الأحرار)اخراج ضياء البياتي و(لظامئون) خراج محمد شكري جميل و(المنعطف)/اخراج جعفر علي و(ليالي بغداد) خراج برهان الدين جاسم .

وفي سنة 1975 وهي آخر عنقود العقد الذهبي للمشهد الثقافي العراقي، أستطاع الفلم العراقي الوثائقي ان يشكل اضافة نوعية في الخارطة الفنية العالمية، من خلال مشاركته بثقة في مهرجانات معروفة منها (لايبزك) و(موسكو) و(طشقند) و(كارلوفيفاري) و(قرطاج) وتناولت تلك الافلام موضوعات ثقافية وعلمية وتاريخية وتربوية .

وشهد العقد الذهبي ايضاً ظاهرة انبثاق تكتلات ثقافية، متنوعة الإتجاهات، اغلبها قادها شباب تحدوهم الرغبة بالتميز الثقافي، كانوا ضد السائد المألوف، وصدرت عن تلك التكتلات بيانات بينت تصوراتها للمحيط التي تعيش فيه، فقرأنا بيان (الشعر) الشهير وآخر بأسم (المجددون في الحركة التشكيلية)..الخ .

 

يوم ألتقيت (كولبنكيان) ..

وفي الحديث عن الفن التشكيلي، ينبغي التذكير بأن أفتتاح قاعة (كولبنكيان) في الباب الشرقي ببغداد كان إيذاناً بنهضة تشكيلية عميقة الأثر في سني (1965 / 1975) وما بعدها ولأفتتاح تلك القاعة حكاية، كنتُ شاهداً فيها ... فماهي؟

حضر عدد من الصحفيين لاسيما من كان مسؤولاً عن الشأن الفني والثقافي في صحيفته، بناء على دعوة لأفتتاح المعرض السنوي السابع لجمعية الفن الحديث مساء يوم 12/ 11/ 1967 بمبنى المتحف الوطني للفن الحديث (كولبنكيان) وضم المعرض المذكور لوحات رائعة لعدد من اعضاء الجمعية، وهم رواد الفن التشكيلي والنحتي في العراق، وحضرحفل الأفتاح وزير الثقافة والإرشاد في حينه دريد الدملوجي فيما شهدت اروقة المعرض حضوراً كثيفاً لأعضاء السلك الدبلوماسي ببغداد ..ولفت أنتباهي حضور شخصية كانت محط اهتمام الجميع ، فسألت عنها فقيل لي انه (السيد روبرت كولبنكيان) اي ممثل مؤسسة كولبنكيان التي تبرعت بأنشاء الصرح الفني الشهير الذي اصبح في لاحق الأيام احد ابرز معالم بغداد الثقافية، وقد أجريت لقاء صحفيا مطولاً مع هذه الشخصية نشرته في صحيفة "العرب" في 18 / 12/ 1967 .. وللذي لا يعرف معلومات عن هذا الصرح أستل من لقائي المنشور آنف الذكر هذه المعلومات: حصلت جمعية الفن الحديث على قطعة الارض التي شيد عليها المبنى في ساحة الطيران في الباب الشرقي في العام 1957 هدية من المرحوم الملك فيصل الثاني وبقيت قطعة الأرض تعيش يتماً، فلا قدرة للجمعية على إنشائها، وحين حلّت السنة الأولى من (العقد الذهبي) زار بغداد السيد (روبرت كولبنكيان) للأطلاع على مشاريع مؤسسته في العراق، ولأن السيد كلبنكيان محب لفن التشكيل ومتابع للفنون الجميلة، فقد أعلن عن رغبته بأن يلتقي ببعض الفنانين، ومن حسن الحظ ان يكون الفنان الرائد حافظ الدروبي والدكتور خالد الجادر ممن التقاهم كولبنكيان، فكانت فرصة ليعرضا على الضيف مشروع بناء المتحف، وأقتنع الرجل، وكُلف المهندس المعماري العراقي قحطان المدفعي عضو جمعية الفن الحديث بأعداد تصاميم المتحف وأرسلت التصاميم الى البرتغال لأطلاع المؤسسة حيث مقر عمالها، فحصلت الموافقة على تشييد المتحف الذي حمل أسم المؤسسة العالمية .

ويطول الحديث عن العقد الذهبي في العراقي، وعذراً ان ركزت ذاكرتي على العالق فيها ولاسيما تذكرها لبدايات العقد المذكور، فهناك المئات من المحطات الواجب ذكرها في السنين التي هي محور هذا المقال، وآمل من ذوي الشأن أغناء هذه الفترة بما يرتأون، وربما لنا عودة لاحقة لأستذكار ما فاتنا من أجواء تلك السنين البهيجة التي ضاعت في خضم ماجرى ويجري في ايامنا التي تتوشح يوماً بعد آخر في ليل مدلهم، لا نرى من خلاله ومضة ضوء، حين انخفضت رؤى البعض وتدنت حياتهم وتلاشت سعادتهم .. وأقول لمن يريد إعادة الضوء الثقافي والابداعي للعراق، ويسعى الى تأسيس عقد ثقافي عراقي جديد، شبيه بأعوام 1965/ 1975 ان تسليح العقول خير من تزيين الجسد بالجواهر وأكتناز الأموال وكأن العراق مرتع للكسب المالي والأعتباري.. لاغير

 

العودة الى الصفحة الأولى

............................

الآراء الواردة في المقال لا تمثل رأي صحيفة المثقف بالضرورة، ويتحمل الكاتب جميع التبعات القانونية المترتبة عليها: (العدد :2053 الخميس 08 / 03 / 2012)

في المثقف اليوم