قضايا وآراء

ضرورة تحديث المذاهب الإسلامية / مهدي الصافي

 وتراجع دور الفرق الجدلية المحركة للعقل الفقهي الجامد،

ولعلنا نجد ضالتنا المشخصة من قبل فلاسفة الاستشراق الغربيين، في واحدة من أهم رسائل التحليل القديم للوضع العربي والإسلامي المتراجع،  والمنزوي بعيدا عن عصر الحداثة العالمية (الأوربية)، هي محاضرة الفيلسوف الفرنسي ارنست رينان ومناظرة أو رد جمال الدين الأفغاني له(محاضرة ألقيت في الأكاديمية الفرنسية السوربون 1883-الإسلامية والعلم)،

وفيها اعترف الأفغاني بأن الإسلام الرسمي قد أطبق على عقول هذه الأمة وجعلها ذيلا للحضارات الأخرى، وكأن الحال نفسه يدور على سماء هذه الأمة بعد إن استفحل المد السلفي،  

أو مايطلق عليه  بالإسلام الوهابي (السعودي - القطري)، وهو دليل على نفاذ أو جفاف منابع المذاهب السنية الأربعة، وانتعاش التوجه الوهابي التكفيري الاقصائي المتطرف، وهو بمثابة السيف الذي سيقطع حبل التواصل الحضاري مع القرية الكونية والعالم الأخر،

سيعمل على تحجم دور المرأة في المجتمع، وستحارب المؤسسات الأدبية والفنية والأخلاقية، وستغلي كل المحاولات الفردية للمفكرين العرب المساهمة بنشر الوعي العربي (رغم محدوديته)، وسنبقى أسرى هذه الأفكار المريضة، التي يدعي أصحابها إنهم الأوصياء القديسين والورثة الشرعيين للإسلام،

ولهذا فهي ترفض أي تقارب مذهبي،  أو طائفي،  أو حتى ديني (مع بقية الأديان السماوية)، وكأن العلة في كل مايحدث هو دعم دول البترودولار لإعادة دولة الخلافة بقيادة خليجية-تركية،

في مقابل متانة المؤسسة الشيعية واتساع رقعتها الجغرافية-السياسية في المنطقة.

التحديث الذي نود أن نشير إليه يشمل أيضا المذهب ألاثني عشر الجعفري، الذي ادخله بعض الجهلة والغوغائيين (بعض الروزخونين وأدعياء المرجعية) في دوامة الخرافة والقداسة الطقسية المستوردة، هؤلاء انحرفوا بعيدا عن الخط الإسلامي الأصيل لمدرسة أهل البيت ع، وصار ديدنهم تحريض الناس على لبس لباس الطقوس والشعائر المفرطة في الغلو(ماتسمى بشعائر عاشوراء الثورة الحسينية)، بينما كان الأولى بهم أن يكون دعاة للمنهجية الإسلامية، بممارسة عملية تهذيب الأخلاق الإسلامية الاجتماعية والدينية، وان تكون مدارسهم الفقهية (الحوزات الدينية) منارة لنشر العلوم القرآنية والفقهية والتشريعية الصحيحة،  النقية من شوائب الدس والكذب والتلفيق، وهذه الميزات التي تجتمع فيها جميع المذاهب الإسلامية، لا احد يهتم بمراجعتها ودراستها وتحليل ماجاء فيها من مغالطات وزيادات وانحرافات، بل ماورث باق دون تحريك لمياهه الراكدة، لأنها بالفعل مهمة صعبة وتحتاج إلى جرأة تواجه المجتمع كما واجهه من قبل بعض العلماء الإصلاحيين (الشيخان –محمد-مهدي الخالصي-بيت كاشف الغطاء-وبيت ال الصدر-السيد محمد حسين فضل الله رحمهم الله جميعا).

المذاهب الإسلامية والمؤسسات الوقفية الرسمية، عليها أن تتطابق في وجهات النظر الخاصة بإعادة هيكلة المؤسسات الإسلامية،  ومراكز أو دور الإفتاء الشرعي، ليسد الطريق على أدعياء الدين من جهلاء العامة من الناس،

هؤلاء الذين يفتون دون معرفة مسبقة بظواهر وبواطن الإحكام القرآنية الشرعية، ومن هنا نحن ندعو إلى أن تكون المدارس وكليات الفقه،  كليات أكاديمية تدمج مع الجامعات والكليات الإنسانية والاجتماعية والألسنية والفلسفية، ومن ثم تكون لخريجي تلك المراكز المفترض انها مهمة ومفيدة لحيوية الفكر، تخرج لنا أساتذة في الفقه والتشريع (المنطقي والعقلي)،  المستند بالطبع للمقدس الديني(القران والسنة النبوية الشريفة)،

فمسألة ولاية الفقيه والتقليد الإجباري للعامة في الفقه الشيعي (الذي يعد إلزاما مقدسا بحيث تكون أعمال المسلم باطلة بدون تقليد مرجع،  وهذا أمر مخالف للشريعة السماوية الإسلامية)، أمور أثبتت فشلها وخروجها عن العقل والمنطق الفقهي، وقد جرب العرب الشيعة المقيمين في إيران لأكثر من عقدين من الزمن هذه الحالة الواضحة، حيث كان المفروض بولاية الفقيه إن تحتضنهم وترعاهم بشكل متساو مع الإيرانيين، إلا إننا وجدنا نفسا عنصريا (قوميا وثقافيا) يمنع تطبيق تلك الفكرة،  متجاهلا أصول تلك الفتوى الشرعية،

(التمييز بين الشيعي الإيراني وتجاهل الشيعة العرب بل ومحاربتهم حتى في قوتهم اليومي)،

إضافة إلى إن المذهب الشيعي يحتاج إلى إعادة دراسة الفقه التنويري للمدارس الجدلية الشيعية،

وقراءة ماكان يطلق عليه المفكر الإيراني الشهيد علي شريعتي بالتشيع العلوي والتشيع الصفوي، وكذلك حاجتهم إلى مراجعة مصادر التشيع الأولى وتنقيتها من المدسوسات،  أو كما يشاع عنها بالإسرائيليات الشيعية أو حتى السنية،

(القائلة بتحريف القران الكريم-وعصمة أئمة أهل البيت ع المطلقة-وسب الصحابة من الخلفاء الراشدين-وإشاعة القصص الأسطورية حول ظاهرة الإمام المهدي عج-وجباية الخمس-وتوريث الدين والأموال للأبناء، إحياء خلافات الخلافة الراشدة وتحميلهم مسؤولية أحداث كربلاء، -الخ.)،

هذا من جهة،  ومن جهة أخرى تحتاج المذاهب السنية الأربعة الى أن تكون حذرة من صعود المد السلفي الوهابي،  لأنه وباء خطير سيصيب المنطقة بالكوارث الثقافية والفكرية والاجتماعية، وهو لايعترف بوجودها وسوف يحاربها بضراوة، وعليها إن تتصدى لهذه الظاهرة الغريبة على الفكر الإسلامي المعاصر،

ولعل مقارنة المفكر العربي محمد اركون (في كتابه نحو تاريخ مقارن للأديان التوحيدية) بين المسلمين في عهد محمد بن عبد الوهاب(1703-1792)وبين ايمانويل كانط(1724-1804)، تعطي صورة واضحة عن الانحطاط العربي الإسلامي الحديث، يقول إن الأول يدخل الدين كليا في دائرة اللامفكر فيه أو المستحيل التفكير فيه(الرافض للعصر الذهبي الإسلامي)، بينما يدمج معاصره كانط الدين والخالق عز وجل داخل عمله الفلسفي النقدي من دون أن يلغي انجازات العقل اللاهوتي في التراث المسيحي (وجاء كتابه الدين ضمن حدود العقل فقط-تجسيد للإبداعات المعرفية الأوربية)،

مع الاختلاف بالطبع بين مايدعو إليه الإسلام المنفتح قرآنيا على العلم والمعرفة والتطور، وبناء الأخلاق الاجتماعية والاقتصادية والسياسية والإنسانية، وبين النظرة الفلسفية الأوربية الرافضة لوجود الكنيسة في الحياة السياسية(ضمن حالة الفصل الأوربي الحضاري بين الدين والدولة أو السياسة)

إلا إن التطبيقات الشخصية لوعاظ السلاطين كانت بمثابة حجر زاوية يقف عائقا بوجه المحاولات المعرفية العربية والإسلامية المنفتحة، هم يحجرون على حدود العقل والمنطق والمقدس الديني،

وألا كيف يمكن لنا أن نقبل بالعودة السلفية المخيفة إلى الشارع الإسلامي،  بعد كل هذا التطور الإنساني التكنولوجي الهائل، وقد عاد بلباس الديمقراطية الشرقية المعلبة خارجيا،

ولهذا نجد إن الصراع في الأحزاب الإسلامية دائم الحدث،  بسبب الاختلافات التأويلية للمناهج والتطبيقات والنصوص الشرعية  المقدسة في العمل الميداني، وعدم قناعة التيار الإسلامي المنفتح (الأفندي أو الغير معمم) بقدسية رجل الدين مهما اختلف علمه،  أو عمره،  أو مرحلته الدراسية، وهذه احدى أهم التناقضات السياسية الموجودة في الحركات الإسلامية.

تحديث المذاهب الإسلامية وهيكلتها مؤسساتيا، تعني إننا نخرج من دائرة المحرم المصطنع إلى دائرة التفكير المنطقي في الأحكام الشرعية المعتدلة،  والمتوافقة مع التطور الحضاري الإنساني الطبيعي، بغية استعادة الخط الإسلامي الصحيح إلى جادة الحق، بعيدا عن المزايدات الشخصية المدفوعة الثمن، وبعيدا عن ولاية البشر الطلقة المطبقة على عقول وحركات وسكنات المجتمع.

(انظر مقالنا السابق ذو العلاقة-فلسفة التفسير والتأويل القرآني)

 

مهدي الصافي

 

 

العودة الى الصفحة الأولى

............................

الآراء الواردة في المقال لا تمثل رأي صحيفة المثقف بالضرورة، ويتحمل الكاتب جميع التبعات القانونية المترتبة عليها: (العدد :2059 الاربعاء 14 / 03 / 2012)

في المثقف اليوم