قضايا وآراء

سوريا في بهرجة التخبط (الغربي - العربي) والسيناريو الأسوأ / الطيب بيتي العلوي

... فالحققية إن نهاية الغرب ليس معناه نهاية العالم، ...بل إنبعاث لإنسانية البشرية من جديد، بعد أن وأدها الغرب بهراساته المتواصلة، إثرإدعاءات"تفوقية أنواره"وحصرية إمتلاكه "للحقيقية"و"العقلانية..."الانثروبولجي"بيرتران دوجوفينيل"من كتابه "السلطة" Bertrand De Jouvenel

 

في عام 1949 كان العالم يعيش اوج حمى بدايات الحرب الباردة المستعرة ما بين المعسكرين (الشرقي والغربي)التي كانت تنذربتحويل الكرة الأرضية الى محرقة إنسانية جماعية في ثواني معدودة، بعد ان عاشت البشرية وعاينت - بالتجربة - مدى"تحضر"و"تمدين"و"حداثة"هذا الغرب"العقلاني - التنويري"عبرالصدمات المريعة جراء الحربين الهمجيتين في أوروبا"الديموقراطية - الحداثية"، وخصوصا فظاعات الحرب العالمية الثانية التي إستطالتها في الهمجية:الفظاعتان البربريتان النغازاكيةوالهيروشيمية في اليابان المؤسستان للتاريخ البربري الجديد للبشرية المسمى ب"التاريخ النووي" للإنسانية، الذي أدخل" فرانكلين روزفلت - الذي كان أكثرالرؤساء شعبية وحظوة ودواما في السلطة في كل التاريخ الأمريكي المؤسسي منذ عام 1776: - الولايات المتحدة وأوروبا، إلى التاريخ النووي، والزج بالمعسكرين الكبيرين المتصارعين على إقتسام الكعكة، في حمى السباق إلى التسلح، والتهديد بالمزيد من الفظاعات الغيرالمسبوقة في التاريخ، بالرغم من انه لم يمض على اللقاء التاريخي ما بين ستالين/روزفلت/تشرشل (باستبعاد دوغول من الإتفاقية في آخر اللحظات من قبل الثعلب البريطاني) في مؤتمر"يالطا"عام 1945حول تقسيم المصالح وتقاسم النفوذ وإعادة تشكيل خرائط أوروبا والشرق الأوسط والمغرب العربي (حسب المصالح القوى العظمى الأربعة - وكأن التاريخ يعيد نفسه اليوم)، مما جعل عالم ما بعد الحرب الثانية يرتعب من نشوب حرب نووية مدمرة قد يشعل ثقابها في أية لحظة، يمكنها تحويل اليابسة الى كومة نارية، والى محرقة كونية شاملة ...، وهوما نعيشه اليوم بكل الدقائق والتفاصيل مع إختلافات طفيفة في التفريعات، مع خصوصية الحرب النووية القادمة التي ستتم على ارض الشرق الأوسط، لأسباب سنفصل بعضا منها أدناه

 

وفي هذه السنة بالذات - 1949 - كتب البريطاني الروائي الشهير"جورج اوريل"روايته المشهورة "1984"التي مفادها بأن حقيقة "الغرب الحداثي /الانساني"هي إعتماد "التدليس" كقاعدة أصولية للتفكير للسلوك البربري الغربي المقنع وراء"المظهرالحضاري المزيف".. ولذا ففيالسياسة–يقول - "إن الحقيقية هي الخديعة"وهوالسيناريوالفظيع الذي ركبه الغرب بكل دقة هوليودية لما بعد الحرب الباردة، بعد تفكيك الأنظومة السوفياتية كما شهدناها في حروب"الكوسفو"، والهجمتين الحضارتين على العراق، وهو نفس السيناريو التدليسي الذي عشناه في احتلال ليبيا، وسنعيشه اليوم لدك سوريا، تحت مسمى تدليسي جديد إسمه "التدخل العسكري الإنساني "التدميري" لحماية الشعوب من ديكتاتورياتها (والغرب - بحكم جذوره (الهيلينية - اليهودية) يمتلك قدرات إبليسية على التدليس لا قبل لكل الحضارات السابقة بها)

 

 ونعيش اليوم في زمن "الربيع العربي"وفي زمن "ديموقراطية وعولمة الإعلام وشفافية الخبر ومصداقيته بالصورة "اكبر الأراجيف وأكثر الأساليب قذارة ولولبية وتزويرا في الطرق الخبيثة في معظم شبكات الإعلام الدولي والإقليمي العربي والمحلي مما يجعلنانتسائل :

 - بأي حق ، وبأية عقلانية تلك التي تجعل رؤساء دول"متحضرة" هي من صلب ذات الدول الصليبية التاريخية سابقا والدول الإستعمارية لاحقا، لإختراق حرمة سيادات الدول، مملين الشروط، وكأن العالم مايزال في عهود القرون الوسطى المظلمة، أوتسيره العقليات الكولونيالية للقرن التاسع عشر، لنشهد - عملاتيا - كيف يتحول"العقل الدياليتيكي الغربي القهار"الى"العقل العاهرالمكار" فيصاب هذا الساركوزي البونابارتي–كما تسخر منه الصحافة الفرنسية - بسعارالزار، ولوثة ميكروبية حب الدمار، بعدأن هزت أعطافه نجاح خططه التخريبية في الحدث الليبي - ليجرد سيفه"الشارلماني"البطاربيده اليمنى وملوحا بالتلمود باليد اليسرى–في شأن الحدث السوري - ضد أعداء الملة والدين في بلاد الشام، حفاظا على"الفرقة الأوحد الناجية يوم الدين"والحاملة لنصاعة بيضة"الحنفية البيضاء"السلفوية للإسلام، التي أصبحت اللازمة لمفتي الأمة الأكبرالقرضاوي، دعما للمجلس الإنتقالي(العرعوري - الغليوني - الإستامبولي)المكون من أكثرالدمى الغربية قزامة وبهرجة التي أفررزها الربيع العربي حتى الآن - وبدعم من صبية السماسرة الجدد في أسواق النخاسة الدولية في أرباض نجد وقطر، من المروجين بالإسراع لتخريب دمشق وقتل أهلها وترميل نسائها وتيتيم أطفالها، وإعادتها–كما العراق - إلى ما قبل عهود الغساسنة، حيث يستنجد العلامة "العرور" - من مؤطري "إسلاميي مجلس الثورة الذي للغرابة تكون أعضاؤه بتعيين من دول خليجية ومن الثالوث المقدس الكلاسيكي (فرنسا - بريطانيا - امريكا)مستنجدا بالناتووكأنه يستنجد برب العزة، و متصارخا بالحرف الواحد" إقذفوننا فإننا–نحن الملسمون - أدرى بشؤون ديننا ودنيانا"–فانظر ! - ، ولكم سيتفاجؤهؤلاء جميهم - حتماعلى المدى القصير - بمرارة مقلب الغرب المتقلب المكير، عندما سيتم عصرهم على مذهب"نظرية الليمونة" الغربية ويرمى بهم الى صناديق القمامات !

 - وأية عقلانية تلك التي دفعت بالرئيس الفرنسي ساركوزي - ذلك المعتوه الحالم المستسلم لخطرالحمق والكبرياء والغطرسة في زمن"الربيع العربي" - ليلبس عباءة أحد أبطال الطاولة المستديرة الجسورين للقرون الوسطى، فيصرح بلسان حال النبالة للصحافة الدولية"بأنه لن يتخلى عن الشعب السوري"العظيم"، مهما كلفه الأمر، ولوغامربالديموقراطية وحقوق الإنسان، "بدعمه للإخوان المسلمين والسلفيين التكفيريين والقاعدة في سوريا"؟ثم يزداد انتفاشا "بونابارتيا"ويعطي مهلة وجيزة غيرمشروطة لرئيس دولة هو ما يزال في كل الأعراف الدولية - التي وضعها هذا الغرب نفسه - لقبول الإملاءات الخارجية أوالدمار؟فماذا يقول هنا خبراء القانون الدولي ومنظماته الحقوقية؟

 

حيثيات التخبط الغربي في الشأن العربي

وبقراءة متأنية بعقلية باردة لما بين السطور، وتفحص كل تصريحات متخذي القرارات السياسية في عواصم الغرب وإسرائيل، يتضح لناعلى الإرض، مدى إستفحال التخبط (الغربي - الإسرائيلي في شان"الربيع العربي"الذي إختلقته عقلية"التغيير"الأوبامي في إحدى عشيات الجلسات الرومانسية الحميمية للمربيين الروحيين لأوباما ((كيسنيغر - zbigniew brzezinski )خلال جلساتهما أمام مشاهد فشلهما معا فيما خططا له من مشروع تفكيك المنطقة على هدي"نظرية الفوضى الخلاقة"واستحداث مشروع الشرق الكبير، عبرنازية الهجمة الإسرائيلية على لبنان، قبل الإتيان بالصبي اوباما الى معترك النصب السياسي الأمريكي الجديد ، ليكلف –كتلميذ شاطر - لأداء أدواره"القردانية" - التي أصبحت ثقيلة على النفوس من كثرة تردادها - من اجل تسويق أكذوبات"التغيير"بالحروب الناعمة"والذكية بعد الفشل الذريع للحروب الهمجية السافرة البوشية التي كلفت البينتاغون أكثرمن ثلاثة تريليون من الدولارات في الهجمة على العراق، لتخرج أمريكا بخفي حنين، ولتستجدي الحوارمع طالبان بالإنسحاب"المشرف"من أفغانستان –بعد أن ظل أوباما يتبجح بجعل أولوياته هي الحرب على الأرهاب في تلك البلاد المنكوبة - ويعلم الله وحده ودهانقة أسياد اوباما كم من تريليونات ستدفع "للمجاهدين الأفغان"لإستخدامهم من جديد ضد عدوهم التقليدي السابق"روسيا"وربما ضد الجنس الأصفرمن قبائل هاجوج وماجوج–كما يسمي الغرب - ملايير الصينيين - ، ليدافع المجاهدون"السنيون"الأفغان تعاطفا مع ابناء عمومتهم من جحافل قبائل التتار والتركمان، عن الخاصرة الخلفية للأمريكان ضد روسيا وإيران، لأن الأمريكيين لا قبل لهم لا بمحاربة الروس ولاالفرس ولا الصفرولا حتى السوريين، إن لم يستعينوا بالمرتزقة والعملاءوشدادي الآفاق الآتين من كل فج عميق - مادامت خزائن الأعراب مفتوحة مثل كنز الملك سليمان، لإغداق الأموال الطائلة على كل مغامري الدعقاء الأفاقين ، ولعدم التعويل على"المارينز"الذين ارتفعت حصيلة المنتحرين منهم - في حرب العراق - إلى أعداد رهيبة يخجل جنرالات البينتاغون من ذكرهم ، حيث تناقلت المواقع الغربية والأمريكية–الخارجة عن السيطرةمرآى حوالي 12الف قتيل جندي أمريكي يرمى بهم في زبالات العراق ويدفنون بدون أية طقوس كنسية ترحماعليهم، كما حدث قبيل الإنسحاب المذل، وحيث أثبت العسكرالأمريكي في كل الحروب الأمريكية التي خاضها منذ قرابة قرن(والتي خسرها كلها) - وخاصة منذ حرب الفيتنام والصومال وبيروت(في الثمانينات) والعراق وأفغانستان، أنه أقل جيوش العالم شجاعة وجهوزية من الناحية النفسية والروحية للإقتتال...، وستستمراللعبة القذرة الامريكية في السياسات الخارجية مع أي قادم جديد للبيت الأبيض التي ما يزال التنقيب عن رئيس كركوزجديد مؤهل لتنفيذ الطلبات المشبوهة لحكومة الظل في واشنطن، مع تعديل في الديكورو تغييرالممثلين والاساليب والأقنعة والخطابات

والنتتيجة؟

إن محصلة المحصلات –كما تبدو جلية على السطح - هي أن التخبط الغربي وصل إلى مداه في الشأن السوري، فلا مجلس الأمن ولا منظماته أومبعوثيه مثل كوفي عنان الذي عشنا تجربته في الهجمة على العراق– لقادرين على حلحلة المعضلة السورية التي هي أعقد من ذنب الضب بالرغم من التمظهرالمسرحي الظاهري للبلطجية(الساركوزية - الأوبامية)والعنترية الأعرابية لسببين رئيسسن وهما :

 - أن بلاد الشام الكبرى(سوريا - الاردن - فلسطين) قدأصبحت أرض المعارك الفاصلة في القرن الواحد والعشرين للحروب المدمرة القادمة

 - مفاتيح الحلول الحقيقية ليست لابيد النظام السوري ولابيد المجلس الإنتقالي، بل هي بين أيادي القوى الخارجية الكبرى التي تمسك بخيوط اللعبة الحققية، وتتصارع على رقعة شطرنج المنطقة، ولا نصيب فيها للاعبين الصغار، بينما سيكون وقودها كل شعوب المنطقة التي عودنا تجارالحروب في الغرب على ان قرابة أكثر زهق الأرواح لحوالي مائة مليون نسمة–آخر إحصاء منطمة اليونسكو - لاتحرك ضمائرهم ، ناهيك عن سمج الشعوب الثالثية

 - ولأن الغرب في حقيقية الأمرهو المرتعب لما يجري الآن - على الساحة الإقليمية - وما لا يدخل في الحسبان–على الساحة الدولية ومن داخل البلدان الغربية نفسها التي تغلي مثل البركان - التي يحاول الساسة الغربيون التقليل من شأنها، وترعب فرائص حتى الذين حولوا مفهوم السياسية بالإصطلاح - الذي يعني "حسن الترشيد" - إلى شطارة وفهلوة وتجارة، أوحسابات فلكية وسحروتنجيم وشطحات عرافة وكهانة:


 

العودة الى الصفحة الأولى

............................

الآراء الواردة في المقال لا تمثل رأي صحيفة المثقف بالضرورة، ويتحمل الكاتب جميع التبعات القانونية المترتبة عليها: (العدد :2059 الاربعاء 14 / 03 / 2012)


في المثقف اليوم