قضايا وآراء

ما هو التصميم المعماري المستدام؟ / هاشم عبود الموسوي

فترة التخطيط عبورا بالتصميم والتنفيذ للمشاريع العمرانية واستمرارا بمراحل إدارتها وصيانتها .وتطويرها وإنماء الجانب الإنساني فيها.واما في أكثر البلدان النامية .فنرى بأن المسؤولية تنتهي عند الانتهاء من بناء المشروعات العمرانية .. وتترك المشاريع وفق أهواء السكان .دون تنظيم اجتماعي يوجه نشاطهم المحلي أو يحمي بيئتهم العمرانية .وما تلبث أن تتحول هذه المشروعات إلى مناطق متخلفة اجتماعيا وعمرانيا لتضيف إلى مشاكل المدينة أعباء مضاعفة.

أن التحدي الذي يواجه القطاعات العمرانية في هذا الوقت إنما يتمثل في مقدرتها على الإيفاء بالتزاماتها وأداء دورها التنموي تجاه تحقيق مفاهيم التنمية المستدامة الشاملة وان الإدارة والسيطرة البيئية على المشاريع العمرانية، ستكون واحدة من أهم المعايير التنافسية الهامة في هذه القطاعات في قرننا الحالي، من هنا نشأت في الدول المتقدمة مفاهيم وأساليب جديدة لم تكن مألوفة من قبل في تصميم وتنفيذ المشاريع، ومن هذه المفاهيم (التصميم المستدام) و(العمارة الخضراء) و(المباني المستدامة ) وهذه المفاهيم جميعها تعكس الاهتمام المتنامي لدى القطاعات  العمرانية بقضايا التنمية ا لاقتصادية في ظل حماية البيئة وخفض استهلاك الطاقة والاستغلال الأمثل للموارد الطبيعية، والاعتماد بشكل أكبر على مصادر الطاقة المتجددة .

 

المقدمة:.

تعتبر العمارة الخضراء أو المستدامة أحد الاتجاهات الحديثة في الفكر المعماري والتي تهتم بالعلاقة بين المباني والبيئة . حيث يجب أن تحقق احتياجات الحاضر دون إغفال حق الأجيال القادمة لتلبية احتياجاتهم ــ كما يظهر ذلك أيضا في تقليل تأثير المباني على البيئة إلى جانب تقليل تكاليف الإنشاء والتشغيل،لذلك فهي منظومة عالية الكفاءة تتوافق مع البيئة المحيطة بأقل أضرار جانبية فهي دعوة للتعامل مع البيئة بشكل أفضل.

وفي حالة المدن المستدامة فأن اندماج   أساليب التصميم الخضراء والتقنيات الذكية لا يعمل فقط على خفض استهلاك الطاقة وتقليل الأثر البيئي ولكنة أيضا يقلل من تكاليف الإنشاء وتكاليف الصيانة ويخلق بيئة عمل مريحة ويحسن من صحة المستخدمين ويقلل من المسؤولية القانونية التي قد تنشا بسبب أمراض المباني ويرفع قيمة ملكية المباني وعائدات الإيجار

 

الكلمات الافتاحية:.

التنمية المستدامة /الارتقاء بالبيئة العمرانية/ التصميم الشامل /المدن صديقة البيئة/ التصميم المستدام / العمارة الخضراء/ المباني المريضة /العمارة البيومناخية المتكاملة إشكالية الدراسة:.

برغم تزايد الحديث في السنوات القليلة الماضية عن العمارة البيئية أو المستدامة، وهي العمارة التي تحترم الموارد الطبيعية وجمال الطبيعة،إلا انه وللأسف، فإن العديد من المعماريين والمصممين المهتمين بفكر العمارة المستدامة لا يطبقونها على أعمالهم، وذلك لعدة أسباب، منها ضعف الوعي البيئي لعملائهم، أو ضعف في قناعتهم الشخصية بها.

وأن الغالبية الباقية من المعماريين أنفسهم يجهلون هذا الأمر برمته، ويفضلون التعامل مع العمارة على أنها موضة، وهذا في رأينا أمر سيء وغير مسؤول، لأنه بالنظر إلى استهلاك الطاقة والتلوث الملحوظ، فإن المباني كان لها تأثير متزايد على تدمير البيئة، وبالنسبة لنا، فهذا يجعل موضوع كالعمارة المستدامة - أو ما ندعوه بالعمارة البيومناخية المتكاملة - أن تكون هي المدخل الوحيد الصحيح والمنطقي للتعامل مع البيئة وإلا فأن التدخل العشوائي،سيكون مجهضا للثروات الوطنية في أوطاننا،على المدى القريب والبعيد تراثية مفهوم التصميم العماري المستدام:.

عندما نستهدف في فكرنا العماري إلى إن جميع مبادئ العمارة الخضراء يجب أن تراعى بصورة متكاملة في أثناء عملية تصميم المبنى أو تخطيط المدينة، فعلينا أن نتذكر بأن العديد من المباني والمساكن في تراث العمارة الإسلامية على سبيل المثال قد أعطت نماذجا واستخدمت عناصر معمارية (خضراء) وظهر ذلك في استخدام المواد الطبيعية المتوفرة بالبيئة، أو في استخدام الأفنية الداخلية بما توفره من ظلال نهارا وتخزينها للهواء البارد ليلا، كما أن ملاقف الهواء استخدمت لتهوية الحجرات غير المواجهة مباشرة لجهة الرياح السائدة أو لتهوية السراديب (البدرومات)، أما استعمال المشربيات الخشبية بالواجهات فقد ساعد على كسر حدة أشعة الشمس مع توفير عامل الخصوصية، كل هذه العناصر المعمارية السابقة وغيرها مازالت قادرة على  العطاء لمبانينا الحديثة كما هي أو بعد تطويرها بما يتلاءم مع متطلبات وتقنيات العصر ودرجة تقدمه للحصول على تصميم نسميه بالشامل Holism

 

ماهي الاستدامة ؟

إن مفاهيم التصميم المستدام .. والعمارة الخضراء .. والإنشاءات المستدامة .. والبناء الأخضر .. ما هي إلا طرق وأساليب جديدة للتصميم والتشييد تقف بوجه التحديات البيئية والاقتصادية التي ألقت بظلالها على مختلف القطاعات في هذا العصر، فالمباني الجديدة يتم تصميمها وتنفيذها وتشغيلها بأساليب وتقنيات متطورة تسهم في تقليل الأثر البيئي، وفي نفس الوقت تقود إلى خفض التكاليف وعلى وجــه الخصــوص تكــاليف التشغيل والصيانة

(Running Costs)، كما أنها تسهم في توفير بيئــة عمرانية آمنة ومريحــة. وهكــذا فإن بواعث تبني مفهـــوم الاستدامة في القطــاع العمراني لا تختلف عن البواعث التي أدت إلى ظهور وتبني مفهوم التنمية المستدامة (Sustainable Development) بأبعادها البيئية والاقتصادية والاجتماعية المتداخلة.

 

التكامل بين البيئة والاقتصاد:.

لم تعد هناك خطوط فاصلة بين البيئة والاقتصاد منذ ظهور وانتشار مفهوم التنمية المستدامة الذي أكد بما لا يدع مجالاً للشك أن ضمان استمرارية النمو الاقتصادي لا يمكن أن يتحقق في ظل تهديد البيئة بالملوثات والمخلفات وتدمير أنظمتها الحيوية واستنزاف مواردها الطبيعية. والعمارة المستدامة الخضراء تعزز وتتبنى هذا الارتباط الوثيق بين البيئة والاقتصاد، والسبب في ذلك أن تأثيرات الأنشطة العمرانية والمباني على البيئة لها أبعاد اقتصادية واضحة والعكس صحيح،

 

المباني المريضة Sick Buildings  :.

هي تلك المباني التي تعتمد بشكل أكبر على أجهزة التكييف الاصطناعية مع إهمال التهوية الطبيعية مما يسبب في استهلاك واسع للطاقة، وبالتالي ارتفاع فاتورة الكهرباء وهذا الكلام ينسحب على الاعتماد بشكل وحيد على الإضاءة الاصطناعية لإنارة المبنى من الداخل مما يقود إلى تكاليف باهظة في استعمال الطللاقة وفي نفس الوقت يقلل من الفوائد البيئية والصحية فيما لو كانت أشعة الشمس تدخل في بعض الأوقات إلى داخل المبنى. فقد أثبتت الأبحاث الحديثة أن التعرض للإضاءة الاصطناعية لفترات طويلة يتسبب في حدوث أضرار جسيمة على صحة الإنسان على المستويين النفسي

 والبدني. وتعد عملية التعرض للذبذبات الضوئية الصادرة عن مصابيح الإنارة (الفلوريسنت) والافتقاد للإضاءة الطبيعية من أهم الآثار السلبية التي تعاني منها بيئة العمل المكتبي، فقد ظهرت نتيجة لذلك شكاوى عديدة من المستخدمين في بعض الدول الصناعية المتقدمة تضمنت الإحساس بالإجهاد الجسدي والإعياء والصداع الشديد والأرق. كما أن الإضاءة الصناعية الشديدة تعتبر في مقدمة الأسباب المرجحة لأعراض الكآبة في بيئات العمل. أما الهدر في مواد البناء أثناء تنفيذ المشروع فهو يتسبب في تكاليف إضافية ويقود في نفس الوقت إلى تلويث البيئة بهذه المخلفات التي

 تنطوي على نسب غير قليلة من المواد السمية والكيميائية الضارة، وهكذا فإن الحلول والمعالجات البيئية التي تقدمها العمارة المستدامة الخضراء تقود في نفس الوقت لتحقيق فوائد اقتصادية لا حصر لها على مستوى الفردوالمجتمع.

 

ماهي العمارة البيومناخية؟

هي تلك العمارة النابعة من طبيعة المنطقة، من محددات الموقع والتوجيه وخامات البناء المحلية، ليس فقط فنياً وجمالياً ولكن تقنياً أيضاً، بمحددات الحرارة والبرودة والإضاءة، لذلك، فهي العمارة التي تحترم الطبيعة ومواردها، وتوفر لساكنيها أقصى راحة بيئية ممكنة.

ومع ذلك، فإن العمارة المستدامة لا تعمل على تقييد إبداع المصممين، ففكر هذه العمارة قد خرجت منه نماذج للعمارة المحلية مثل قرى الصيادين البيضاء المنتشرة على شواطئ البحر الأبيض المتوسط، وكذلك الطابع البيئي للعمارة الذي يظهر في مواد البناء وملمس الأسطح، وحتى حيوية الغطاء النباتي المحيط بالموقع.

والتكامل الجيد بالطبع للعمارة البيومناخية يجب أن يتناغم مع الموقع بطريقة واضحة ومؤثرة، لأن العمارة التي لا تترك أثراً ليست عمارة جيدة، ولقد تبلور في وقتنا الحالي مصطلح جديد لهذه المباني الاوهو العمارة الخضراء.

 

مفهوم العمارة الخضراء:.

تعتبر العمارة الخضراء أو المباني والمدن الصديقة للبيئة،أحد الاتجاهات الحديثة في الفكر العماري والذي يهتم بالعلاقة بين المباني والبيئة، وهناك العديد من المفاهيم والتعريـفات التي وضعت في هذا المجـال،

فالمعماري كين يانج Ken Yeang : يرى أن العمارة الخضراء أو المستديمة يجب أن تقابل احتياجات الحاضر دون إغفال حق الأجيال القادمة لمقابلة احتياجاتـــــــهم أيضا،

ويرى المعماري وليام ريد William Reed : أن المباني الخضراء ما هي إلا مباني تصمم وتنفذ وتتم إدارتها بأسلوب يضع البيئة بالدرجة الأولى في اعتباره، ويرى أيضا أن أحد اهتمامات المباني الخضراء يظهر في تقليل تأثير المبنى على البيئة إلى جانب تقليل تكاليف إنشائه وتشغيله،

أما المعماري ستانلي أبركرومبي Stanley Abercrombie : فيرى أنه توجد علاقة مؤثرة بين المبنى والأرض،كما أن مدنا كثيرة في الحضارات القديمة خططت مع الأخذ بعين الاعتبار الواجهات الجنوبية للمباني.

إن من أهم ما يمكن أن نستفيده من مبادئ المدينة التقليدية لترشيد الطاقة الكهربائية هو عنايتها بالظل في جميع أجزائها ومكوناتها ونسيجها العمراني، فالظل يعتبر من أهم العوامل المساهمة في توفير الطاقة بنسبة تصل لأكثر من 30 %، بالإضافة لتركه لمسة جمالية في المدن فالاختلاف بين المساحات المشمسة والمظللة تحدث تباينا يرسم لوحات من الجمال في المدينة نتيجة انكسار الأسطح أو بروزها .

كما أن وجوده يشجع على المشي والتلاقي وهذا يزرع الألفة والمودة بين فئات وأفراد المجتمع، فوفرة الظل وشيوعه له أثره الاجتماعي الطيب عكس ما تعانيه المدينة الحديثة اليوم حيث شاع فيها استخدام وسائل المواصلات المختلفة بدلا من المشي .

 

التكيف مع المناخ Adapting With Climate :.

يجب أن يتكيف المبنى مع المناخ وعناصره المختلفة، ففي اللحظة التي ينتهي فيها البناء يصبح جزءا من البيئة، كشجرة أو حجر، ويصبح معرضا لنفس تأثيرات الشمس أو الأمطار أو الرياح كأي شيء آخر متواجد في البيئة، فإذا استطاع المبنى أن يواجه الضغوط والمشكلات المناخية وفي نفس الوقت يستعمل جميع الموارد المناخية والطبيعية المتاحة من أجل تحقيق راحة الإنسان داخل المبنى فيمكن أن يطلق على هذا المبنى بأنه متوازن مناخيا.

إن مشكلة التحكم المناخي وخلق جو مناسب لحياة الإنسان قديمة قدم الإنسانية نفسها، فقد حرص الإنسان على أن يتضمن بناؤه للمأوى عنصرين رئيسيين هما : الحماية من المناخ، ومحاولة إيجاد جو داخلي ملائم لراحته،

لذا اضطر الناس في المناطق الحارة والجافة والدافئة الرطبة إلى استنباط وسائل لتبريد مساكنهم باستخدام مصادر الطاقة والظواهر الفيزيائية الطبيعيتين، وتبين أن هذه الحلول عموما، أكثر انسجاما مع وظائف جسم الإنسان الفيزيولوجية، من الوسائل الحديثة التي تعمل بالطاقة الكهربائية كأجهزة التبريد وتكــــــــــــــييف الهواء.

ومن هذه المعالجات البيـــــــــــــــئية القديــــــــــــمة نذكر وباختــــــــــــــصار ما يلي :

الفناء الداخلي : يقوم بتخزين الهواء البارد ليلا لمواجهة الحرارة الشديدة نهارا في المناخ الحار الجاف .

الملقف : هو عبارة عن مهوى يعلو عن المبنى وله فتحة مقابلة لاتجاه هبوب الرياح السائدة لاقتناص الهواء المار فوق المبنى والذي يكون عادة أبرد ودفعه إلى داخل المبنى.

النافورة : توضع في وسط الفناء الخاص بالمنزل وتهدف إلى النافورة إكساب الفناء مظهرا جماليا وامتزاج الهواء بالماء وترطيبه ومن ثم انتقاله إلى الفراغات الداخـــــــــــــــلية.

الإيوان: وهو عبارة عن قاعة مسقوفة بثلاثة جدران فقط، ومفتوحة كليا من الجهة الرابعة، وتطل على صحن مكشوف، وقد يتقدمها رواق. وربما اتصلت بِقاعات وغرف متعددة حسب وظيفة البناء الموجودة فيه .

الشخشيخة (النوافذ الزجاجية السقفية): وهي تستخدم في تغطية القاعات الرئيسية وتساعد على توفير التهوية والإنارة غير المباشرة للقاعة التي تعلوها كما تعمل مع الملقف على تلطيف درجة حرارة الهواء وذلك بسحب الهواء الساخن الموجود في أعــــــــــــــــــلى الغرفة .

المشربية : عبارة عن فتحات منخلية شبكية خشبية ذات مقطع دائري تفصل بينها مسافات محددة ومنتظمة بشكل هندسي زخرفي دقيق وبالغ التعقيد وتعمل على ضبط الهواء والضوء إضافة لتوفيرها الخصوصية.

الأسقف : السقوف المقببة على شكل نصف كرة أو نصف اسطوانة تكون مظللة دائما إلا وقت الظهيرة كما تزيد سرعة الهواء المار فوق سطوحها المنحنية مما يعمل على خفض درجة حرارة هذه السقوف.

التقليل من استخــــــدام الموارد الجديــــــدة: Minimizing New Resoures

هذا المبدأ يحث المصممين على مراعاة التقليل من استخدام الموارد الجديدة في المباني التي يصممونها، كما يدعوهم إلى تصميم المباني وإنشائها بألاسلوب الذي يجعلها هي نفسها أو بعض عناصرها مثلا يحتذى به مستقبلا، فقلة الموارد على مستوى العالم لإنشاء مباني للأجيال القادمة خاصة مع الزيادات السكانية المتوقعة يدعو العاملين في مجال البناء للاهتمام بتطبيق هذا المبدأ بأساليب وأفكار مختلفة ومبتكرة في نفس الوقت، مع مراعاة استخدام مواد البناء

والمنتجات التي تؤدي للحفاظ على البيئة على المستوى العالمي ، حيث يمكن استخدام الخشب مثلا شريطة ألا يدمر ذلك الغابات، كما تؤخذ في الاعتبار المواد الأخرى على أساس عدم سمية العناصر التي تنتجها مع انعدام أو انخفاض ما ينبعث منها من عناصر أو غازات ضارة، هذا وتعتبر إعادة تدوير المواد والفضلات وبقايا المباني من أهم الطرق المتبعة للتقليل من استخدام الموارد والمواد الجديدة نظرا لأنها تضم مواد غير نشطة من حيث انعدام التفاعلات الكيميائية الداخلة بها، بالإضافة لاهتمام التصميم المستدام بتوفير فراغ كافي لتنفيذ برامج التخلص من المخلفات

 الصلبة وإعادة تدوير مخلفات الهدم، كما أن أحد الأساليب الأخرى لتقليل استخدام الموارد الجديدة هو إعادة استعمال الفراغات والمباني لوظائف وأنشــــــــــــطة أخـرى.

 

احترام الموقع Respect of site :.

الهدف الأساسي من هذا المبدأ أن يطأ المبنى الأرض بشكل وأسلوب لا يعمل على إحداث تغييرات جوهرية في معالم الموقع، ومن وجهة نظر مثالية ونموذجية أن المبنى إذا تم إزالته أو تحريكه من موقعه فإن الموقع يعود كسابق حالته قبل أن يتم بناء المبنى،

و تعتبر قباب وخيام البدو الرحل، أحد أهم الأمثلة المعبرة عن هذا المبدأ، فهذه الخيام يتم نسجها من شعر الأغنام والإبل ويتم تدعيمها وتثبيتها ببعض الأوتاد الخشبية والحبال فقط، وعند رحيل البدو إلى أماكن أخرى بحثا عن الكلأ لرعي أغنامهم فنلاحظ عدم حدوث أية تغيرات جوهرية بالموقع وربما لا يستدل على إقامتهم إلا من بقايا رماد النار التي كانوا يشعلونها لطـــــــهي الطــــــــــــــــعام أو للتدفئة ليلا .

إن مبدأ احترام الموقع دعوة للمصممين لاستخدام أساليب وأفكار تصميمية يكون من شأنها إحداث أقل تغيرات ممكنة بموقع البناء خاصة في عمليات الحفر أو الردم أو انتزاع بعض الأشجار من أماكنها، ومن أهم الأمثلة المعاصرة في هذا المجال هو ابتكار نظام جديد ومتطور لإيواء الحجاج في وادي منى، فلقد أدت المحاولات التصميمية لاستغلال سفوح الجبال لإيواء الحجاج مع المحافظة على البيئة الطبيعية للمشاعر المقدسة وطبوغرافية الموقع إلى ابتكار نوع من المنشآت الهيكلية القابلة للنقل والانطباق، إن نظام الخيام الهيكلية المنطبقة المتعددة الطوابق ينسجم

 كليا مع طبيعة موقعه ومع ما يجاوره من منشآت لإيواء الحجاج في وادي منى، كما يحافظ على البيئة التي يقوم المسلمون فيها بتأدية جزء كبير من مناسك الحج .

أما سوزان ماكسمان((Susan Maxman فترى أنها العمارة التي تناسب ما يحيط بها وبصورة ما متوافقة مع معيشة الناس ومع جميع القوى المحركة للمجـــــــــــــــــــتمع .

وقد وضح أيان مشارج Ian Macharg)) أن مشكلة الإنسان مع الطبيعة تتجلى في ضرورة إعطاء الطبيعة صفة الاستمرارية بكفاءة كمية المصــــــــــــــــــــــــــــدر للحياة .

وفي وجهة نظر البعض فإن العمارة الخضراء هي منظومة عالية الكفاءة تتوافق مع محيطها الحيوي بأقل أضرار جانبية، فهي دعوة إلى التعامل مع البيئة بشكل أفضل يتكامل مع محدداتها، تسد أوجه نقصها أو تصلح عيبها أو تستفيد من ظواهر هذا المحيط البيئي ومصادره، ومن هنا جاء وصف هذه العمارة بأنها (خضراء) مثلها كالنبات الذي يحقق النجاح في مكانه حيث أنه يستفيد استفادة كاملة من المحيط المتواجد فيه للحصول على متطلباته الغذائية، فالنبات كلما ازداد عمرا ازداد طولا فهو لم يخلق مكتملا منذ بدايته حتى يصل إلى مرحلة الاستقرار، ومن هذه الناحية بالذات اقترن

 اسم العمارة الخضراء بمرادف آخر وهو التصميم المســــــتدام  Sustainable Design

 

التصميم الجيد:

يجب مراعاة الحصول على تصميم يحقق كفاءة مستمرة في العلاقات بين المساحات المستخدمة، كمسارات الحركة، وتشكيل المبنى، والنظم الميكانيكية وتكنولوجيا البناء. كما يراعي التعبير الرمزي عن تاريخ المنطقة والأرض وكذلك القيم والمبادئ الروحية التي يجب دراستها، وذلك حتى يصبح المبنى متميزا بسهولة الاستعمال، وجودة البناء، وجمال الشكل. أي أنه يمكن القول أن تصميم العمارة  الخضراء يضع الأولوية للصحة والبيئة، للحفاظ على الموارد وأداء المبنى خلال دورة حياته. وتعتبر معظم المباني الخضراء ذات كفاءة ونوعية متميزة وذلك لأن عمرها الافتراضي أطول من

 مثيلتها التقليدية وتكلفة تشغيلها وصيانتها أقل وتوفر درجة أعلى من الرضا لدى مستعمليها أكثر من المباني التقليدية. ومما يثير دهشة العديد من الأفراد أن التصميم الجيد للمباني الخضراء يتميز بزيادة قليلة في تكلفة الإنشاء عن التصميمات التقليدية. هذا ويؤدي التفاني بالعمل لتحسين الأداء بروح العمل الجماعي خلال عملية التصميم، والانفتاح على الاتجاهات التصميمية الجديدة، والمعلومات المتوفرة عن أفضل وسائل التطبيق إلى نتائج أكثر فعالية مما لو زيدت ميزانية البناء. هذا ويمكن القول بأن المهندس حسن فتحي من أوائل من دعوا إلى هذا الاتجاه حيث

 يوصف بأنه من مساندي الحفاظ على الطبيعة ففي أعماله نجد العزل الحراري الطبيعي يتم من خلال تصميم نسيج المبنى والتصميم حول الفناء الداخلي تطبيقا لمبادئ الحفاظ على الطاقة والتهوية الطبيعية المناسبة.

 

التوصيات:.

شمولية التخطيط والتصميم وأهمية القرارات الابتدائية، إذ أن لها أكبر الأثر في كفاءة استخدام الطاقة، مثل التصميم الشمسي السلبي الذي يستفيد من الطاقة الشمسية بالتوجيه المناسب، وكذلك الأمر للإضاءة الطبيعية والتبريد الطبيعي.

اعتبار التصميم المستدام فلسفة بناء أكثر من كونه طراز مقترح للبناء حيث أن المباني التي تبنى بهذا الفكر غير محددة الفكر أو الطابع.

لا يتعين زيادة تكلفة المباني المستدامة عن المباني التقليدية، كما أنها لا تختلف عنها في بساطة أو عدم تعقيد التصميم.

تكامل التصميم باعتبار كل عنصر من العناصر جزءا من الكل وضروري لنجاح هذا التصميم.

اعتبار خفض استهلاك الطاقة والحفاظ على صحة الأفراد وتحسينها أهم مبادئ التصميم المستدام.

 

د.هاشم عبود الموسوي:

 أستاذ مشارك في العمارة والتخطيط العمرانـي

 

العودة الى الصفحة الأولى

............................

الآراء الواردة في المقال لا تمثل رأي صحيفة المثقف بالضرورة، ويتحمل الكاتب جميع التبعات القانونية المترتبة عليها: (العدد :2069 السبت 24 / 03 / 2012)

في المثقف اليوم