قضايا وآراء

العقل الغربي وخرافة الصراع الحضاري (1) .. افتراض ما يمكن أن يحدث / جاسم الصافي

بأنه الثورة الثالثة "على اعتبار أن الثورة الأولى هي الزراعية، والثانية هي الصناعية، أمَّا الثالثة فهي ثورة التكنولوجيا والمعلومات" التي تجعل العالم قرية كونية واحدة، يتوجه الإنسان فيها نحو الجانب العلمي التجاري (التكنولوجي) والذي يدفع نحو حالة من الحرب الذاتية، للحاق بالسوق فيكون بذلك نموذجا تجاريا ومنتجا كميا لا يعير أهمية للنوع فيه، ياباني، أميركي، كوري، صيني ... اذ لا يهم ما فيه من ثقافة أو معرفة، وهذا ما جعل فلسفته القرن العشرين فلسفة تكنولوجية أو لنقل فلسفة تفكيكي وهوسا نقديا الى الحد الذي تهدم فيه أركان كل الحضارات والثقافات القديمة وهو ما أوجد فجوة في الثقافية الحالية عزلتها عن القيم والمبادئ الإنسانية أي أبجديات الفلسفة الأولى في المقابل نجد تطور الاقتصادي والتكنولوجي قد اختصر لغة العالم بكم من المصطلح والأرقام والألوان وهذا ما جعل من ثقافاتنا (استهلاكية) وهي مشكلة عالمية تواجهها كل النظم الاشتراكية والليبرالية والإسلامية على حد سواء، وبتوازي هذه الإيديولوجيات نكون أمام منهج ثقافة يوحد العصر الصناعة والاقتصاد ويعمل على تسييس ثقافة المجتمعات نحو وعي إعلامي دعائي يستنزف أدوات التمنطق العقلي عند الإنسان ولا يترك له مجال لإعادة النظر أو التصحيح في القيم والاعتبارات الذاتية، وما توهمه الجميع حين اعتبروا أن عولمة النظام العالمي الجديد والذي يرتكز على القطب الواحد قد سيس العالم بأكمله من غير أن نعي أن أدوات العصر الحديث (التكنتروني) هي من وحد العالم بلغة جديدة تهتم بالإلية العصرية وتجعل ممن يتجاهلها كلامي أو المتخلف عقليا وقد يقول قائل أن هذه ألأدوات هي منتج لهذا النظام العالمي الذي تتحدث عنه ؟ فنقول نعم .. ولكنه أولا وأخير منتج أنساني طرح للنفع العام وليس هو ملك لشخص أو لنظام دون أخر أي أن مثله مثل اكتشاف النار أو القانون أو الدولة أو الكتابة أو الموسيقى، المهم أن هذه الآليات أضعفت تأثير الدولة في فهم الوضع الثقافي المعاصر مما يدمج أجزاء المجتمعات من فرد، وأسرة، لتقفز بعدها على كل الاعتبارات الحضارية والإنسانية ليكون الشرع و القانون مجرد عادات يمكن التخلي عنها إذا ما تحول الإنسان الى رجل ألي أو إنسان غائي منفذ للأوامر فقط أو ترس في العلمانية والرأسمالية العالمية لهذا جاء إعلان "فوكوياما" الياباني الأصل أمريكي الجنسية، عن نهاية التاريخ، وبداية مرحلة ما بعد الحداثة تدفن فيه منجزات الحضارات العالمية السابقة ووقائعها المادية والروحية مدعيا (أن ما عايشته البشرية فيما مضى ما هو إلا أضغاث أحلام طفوليه، وما على البشر إلا الخضوع لواقع الحال، والانصياع إلى البنية المادية الجديدة أي (العولمية) وبعدها جاء صموئيل هنتينغتون ليعلن عن صدام الحضارات أو صراعها، أي صدام الحضارة الثالثة مع عدوها الأساسي وهو القوميات، أو الثقافات القومية وقد حدد هذا العدو بالاسم وهو: الثقافة العربية والإسلامية وتلتها دعوة أو بيان ستين كاتباً أمريكياً في فبراير من العام 2002، لتؤكد خطورة هذا التوجه الثقافي للموجة الحضارية الثالث بعدها ظهر النقد والصقل لما عرف من صراع أو تصادم أو حوار حضاري وقبل الدخول بهذا الجدل يتبادر الى أذهاننا سؤال وهو أن هذا المصطلح أصبح تأصيل لمقدس أخر يجب أن تمشي علية سياسات دول العالم كي لا تكون في محور الشر أو مع (غول الإرهاب) الذي يفقس اليوم تهم واصطلاحات ونظم بل صار يكبر وينمو مع كل تلك الجهود والحروب .

أن الجدل الذي دار في زمن ما بعد إعلان فرضية صراع الحضارات اخذ روجا منقطع النظير مما حد بالكاتب لان يحول فرضيته من مقال الى كتاب ولا أريد أن أعيد أو اصقل  بتلك المحاورات التي ملاءة العالم بضجيجها لكن ما حدا بنا للحديث عنها هو الجديد العربي والإقليمي والعالمي وعودة الحرب الباردة الى سطح الصراع العالمي وفي محاورها وسيناريوهاتها مثل الربيع العربي وقضية سورية وحزب الله وما تواجهه إيران وهو الذي يعيد الى الأذهان قضية تسلح كورية الشمالية أمام الصين وتسلح باكستان أمام الهند ولماذا تغاضت الرأسمالية العالمية عنهما بينما صعدت من موقفها تجاه القضية الإيرانية الى الحد الذي ينبئ بحرب قريبة وخصوصا أن الكاتب همنتمجنون اعتبر الصراع غربي إسلامي وبرء أفريقا من أن تشكل مثل هذا الخطر لضعفها وتبعيتها، إما أمريكا ألاتينية يمكن لها أن تستمر فيها حركات التغريب ويمكن  إلحاق اليابان بالغرب، كما يمكن لروسيا أن توظف في مواجهة الجمهوريات الإسلامية وسط أسيا مع إبعاد الصين عن اليابان واهم وصاياه التي تنفذ اليوم هي ان لا تكون للإسلام أنياب أبدا ولا تقوم فيه دولة محورية تتجمع من حولها مجتمعات الأمة الإسلامية، ان ما يجري اليوم في العلاقات الدولية يؤكد خطورة المخطط الهنتمجنوني وخصوصا أنه يسحب الصراع بينه وبين السلفية الإسلامية الى بلدان الإسلام نفسها ليوظفها لصراع طائفي فما أن انتهت حرب أفغانستان حتى بدأت حرب العراق وما أن استقر العراق حتى اندلعت الحرب في سورية ولن تهدئ هذه الحروب بل تمول لفقس إرهابا لجيل جديد من الاسلاموية الوهابية نفسها .

وهنا نسال ما هو السبب لكل هذا أليس من الأجدر بنا أن نجد أجوبة لكل ما يحصل، على أن تأتي هذه الأجوبة من ذواتنا ومن بديهيات عقولنا وأن نرسم خريطة تجمع خطوط التقارب الروسي والصيني والإيراني والعالم  العربي، بدل أن نكون طعما سهلا للتعشق بالنظام العالمي الجديد والذي ينحدر الى الهاوي لهرمة وعمق تعقيداته التي أن توقف فيها ترس واحد سيحرق الأخضر واليابس كما في إحداث سبتمبر أو سونامو في اليابان ولست أتكلم بالنيابة عن احد ولكن أتحدث لأنه لابد من وجود محور وسطي لا يرغب أن يكون مع الشر ولا الخير الرأسمالي العالمي، محور يثقف لأدوات العصر من غير ادلجة أو تسيس ومن غير ثقب اسود يسحب العالم الى الوراء الى حرب مفترض نحن سبب وضحاياها . 


 

العودة الى الصفحة الأولى

............................

الآراء الواردة في المقال لا تمثل رأي صحيفة المثقف بالضرورة، ويتحمل الكاتب جميع التبعات القانونية المترتبة عليها: (العدد :2072 الثلاثاء 27 / 03 / 2012)


في المثقف اليوم