تنبيه: نعتذر عن نشر المقالات السياسية بدءا من يوم 1/5/2024م، لتوفير مساحة كافية للمشاركات الفكرية والثقافية والأدبية. شكرا لتفهمكم مع التقدير

قضايا وآراء

أنا وهاملت شريكان في الحزن على مسرح مركز الابداع الفني

هكذا أستهل المعد والمخرج هاني عفيفي مسرحيته " أنا هاملت" التي أعدها عن النص الأصلي "هاملت " للكاتب شكسبير مستعيناً بترجمات محمد عوض محمد / غازي جمال / جبرا ابراهيم جبرا / د.محمدعناني.

وهذا العمل المسرحي من نتاج ورشة الإخراج تحت إشراف المخرج المبدع عصام السيد وتم تقديمه على قاعة مسرح مركز الابداع الفني / الاستديو في القاهرة . يبدو أن الدولة المصرية منشغلة بالعمل الادبي والفني واضعة خطة بالسماح للمشتغلين في هذين المجالين منطلقة من شعار " الفن والادب لا يمكنا أن يزدهرا إلا في مجتمع ديمقراطي " ومن هذا المنطلق يبدو التحدي أمام الشباب الموهوبين لتعزيز تجاربهم وإتاحة الفرصة لهم والأفضل سيبقى .وهناك رؤية جديدة ترى أهمية المسرح وأهمية الحركة المسرحية فأخذت تطرح بعض العروض ولا داعي لذكر اسمائها وسيأتي الحديث عنها لأحقاً مما طرحت عدداً من المواهب على مستوى التمثيل / الاخراج / الديكور /الإضاءة  وهؤلاء سيكون لهم شأن في الحياة الفنية المصرية والعربية. يتساءل "رولان بارت" ما المسرح؟ إنه جهاز ضخم للاتصال في وقت الراحة ؛ هذا الجهاز يكون قابعاً خلف ستار ما أن نرفع عنه الستار حتى يشرع في إصدار عدد من الرسائل الموجهة اليك ؛ وتنفرد هذه الرسائل بأنها تكون متزامنة ؛ ولكن ذات إيقاعات مختلفة ؛ فأنت في مرحلة من مراحل العرض المسرحي تتلقى في وقت واحد ست معلومات او سبع معلومات صادرة من "الديكور "الملابس" والاضاءة " مكان الممثلين وحركاتهم " وايماءاتهم وكلامهم " ولكن بعض هذه المعلومات تكون ثابته وهذا ماينطبق على "الديكور" في حين أن البعض الاخر يدور أي الكلمة والحركات .ولمواصلة هذه العصرنة وهذا الترهين فيما يتصل بالمسرح ونتيجة التحولات الدائمية في مجتمعاتنا تكون نتيجة لظروف واختيارات الإنسان مما يختار دوره في الحياة عكس محاربته من قبل المتسلطين على رقابنا في واقعنا العراقي المزري .فاختارت مجموعة " هاملت" الانسان وأن الإنسان مخير فأقدمت على تقديم هذا العرض محاولة بذلك أن ترسم مشاهد شكسبيرية بصورة شاعرية لكنها لم تفلح برؤيها الفكرية ولكنها أفلحت برؤيها البصرية .لكون شكسبير أشهر شاعر وكاتب مسرحي في تاريخ الأدب الانجليزي ,ومازالت الساحة تشهد على مدى إبداعه في رسم الشخصيات وجعلها تتحرك على الورق ؛فكان ينطلق قلمه ليصور المواقف والصراعات التي تدور بين ابطالها وذلك في الإطار الذي حدده لها بمنتهى الابداع والمهارة وفي تصوري خير من عمل مع شكسبير الدكتور القصب فكانت اشتغالاته واضحة ومعمقة وفق منهجه المعروف (بمسرح الصورة) لذلك أطلق عليه بمؤسس مسرح الصورة في الوطن العربي .وجاءت مسرحية "هاملت" واحدة من أهم مسرحيات شكسبير والتي كتبت في عام 1600 – 1602 وقصة المسرحية هاملت امير الدنمارك والذي يظهر له شبح أبيه الملك في ليلة ويطلب منه الإنتقام لمقتله وينجح هاملت في نهاية الأمر بعد تصفية العائلة في سلسلة تراجيدية من الأحداث .وتعامل المعد "هاني عفيفي " مع النص الأصلي تعاملا ً ساذجا ً وذلك بحذف معظم المشاهد منسحباً على زماننا وأمكنتنا محافظاً فقط على إسم المسرحية وشخوصها مستخدماً لهجته المصرية إلا من بعض المشاهد التي حاول الحفاظ عليها وخاصة مشهد هاملت مع الشبح + اوفليا + الام وهو يحدث إنقلاباً سلبياً في متن العرض المسرحي لأنه أستطاع التعبير عن النص بشكل بسيط وساذج وغير معمق ودون معرفة بعمق وطرح شاعرية شكسبير المعمقة وهي تحمل في ثناياها أبعادا ً فلسفية ومعرفية وجمالية وهذه تذكرنا بأعمال د.حسين علي هارف الذي لايزال يراوح في مكانه وبتبوء مناصب في قيادة مسرح الطفل وهولم يعكس قدرته بعد على تحريك الاطفال من مكان الى اخر.وظل المعد يدور في فلك البيئة المصرية سواء في مشاهد " المترو" الحفلة " الرقص " يقول جاك دريدا " أن جميع القراءات التي تفرض استراتيجيات – الانساق على النص هي " إساءة قراءة " فجاءت قراءته للنص ضعيفة ولم يصل الى متن النص الاصلي ولم يستطع أن يفعل شيئاً فظلت المشاهد الشكسبيرية باقية والشخصيات كما هي وانها شخصيات تنتمي الى زمن ماضي يتكرر مع أختلاف الزمن والمكان لأنها ليست لديها القدرة على الفعل وإحداث التأثير المطلوب كأن الواقع ما هو الإ لحظة مستعادة من الماضي / التراث ؛ ويفترض من معد هذا العمل الراقي والمعبر أن لايتلاعب مع هكذا عمل شاعري محسوب ؤيعيد صياغته باللهجة المصرية الدارجة مبتعداً عن جمالية اللغة العربية وكأننا في أحدى القرى المصرية .فالاجدر به أن يغير أسم المسرحية وشخوصها ويعطي اسما ً جديدا ً وشخوصا ً جديدة وهو يحاكي الواقع المصري والعربي وان تكون له رؤياه الخاصة في تاليف عمل مسرحي جديد له خطوط واضحة أو على الأقل مفسرة في نسيج النص أو المتن .أما الأخراج فكان موفقاً فقد استهله بالحلم " هاملت " وهو يصارع نفسه على سريره بأصوات تصدر من خلف الستار تطالبه بالتخلص مما يدور بعالمنا العربي من قتل / تدمير / وسيطرة من قبل الغرب رافضأً لكل الشعارات التي تنتهجها الأنظمة العربية .وهناك شاشة تظهر "هاملت " الحديث يتجول بين الأزقة المصرية وشوارعها المكتظة بالأبنية العالية وهو يبحث عن مشاكل الانسان المصري إلى أن يستقر به المخرج في مكتبة على الرصيف مهمولة ليعثر على مسرحية "هاملت" وتبدأ حكاية المسرحية وهو يحمل بيده مسرحية "هاملت"وتنطلق تفاصيل رؤياه الأخراجية مستخدما ادواته المعاصرة من ملابس / مترو / خلوي / كاميرا فيديو / الرقص الغربي / والاغاني المصرية الحديثة فجاءت الرؤية الأخراجية معبرة لواقعنا الحالي من خلال التركيز على جسد الممثل مستفيداً من طاقاته الابداعية الصورية فقسم الفضاء المسرحي الى عدة فضاءات مختلفة منها السرير وهو الماضي مرمزا ً له بفضاء محاط بالعزلة وهو يعطي دلالة الخوف / الحزن / الدمار / لهذه الشخصية وبالتالي خلق لنا روح بصرية مفعمة بتجسيد الأفعال والأشكال صاغها في شكل فني جمالي جسده جميع كادر العمل من ممثلين منهم الفنان محمد فهيم "هاملت" والفنان تامر ضيائي "العم " وديكور وازياء " سالم نظمي " واضاءة " محمد حسني وجميع العاملين في هذا العرض المسرحي . وهكذا تأتي قراءة جديدة لمسرحية هاملت تلقي أحداث عصرنا المعولم الحالي بظلالها على بناء أنساق كيان العرض وعلى  وعائه الفكري والادبي المتمثل بالنص الذي فقد من هالته الأدبية لينحدر هو الآخر في مهاوي لغة زماننا حيث التغيير الذي طرأ على معايير كثيرة من حياتنا الثقافية والفنية والعامة

 

قاسم ماضي - القاهرة

............................

الآراء الواردة في المقال لا تمثل رأي صحيفة المثقف بالضرورة، ويتحمل الكاتب جميع التبعات القانونية المترتبة عليها. (العدد: 1193 السبت 10/10/2009)

 

في المثقف اليوم