قضايا وآراء

تحليل ونقد الظاهرة الكردية في العراق (6-8) / ميثم الجنابي

واختلاف يصعب حده، لكننا نعثر مع ذلك على قانون صارم فيه يقول، بان الوحدة الفعلية للقوم في قومية ووحدة القوميات في امة يفترض أولا وقبل كل شيء بلوغ التكامل الذاتي في القوم والقومية. فهو الشرط الضروري لتكامل مكونات المجتمع والدولة والثقافة في وحدة تكفل للجميع إمكانية الفعل بمعايير المصلحة والانتماء الموحد. ولا تتعارض هذه المعايير مع الاختلاف الحاد في تفسيرها وتأويلها السياسي والفكري، على العكس تفترضه من حيث كونه قوة ديناميكية للتقدم والارتقاء في مختلف ميادين الحياة. ويمكن تلمس تاريخ هذه الحالة الخاص والعام في التجارب المتنوعة للقوميات الأوربية وعملية تكاملها المعاصر في «امة أوربية». فهي تكشف، كما كشفت في عصور قديمة تجارب «الأمة الإسلامية» عن محاولات مختلفة من حيث تأسيسها وفاعليتها، إلا أنها تصب في نفس الاتجاه العام للبحث عن وحدة شاملة للشعوب. ففي تاريخ الحضارة الإسلامية كان شعارها الباطني هو تنوع واختلاف الشعوب واشتراكها في الانتماء إلى وحدة الأمة المتنورة بفكرة التقية الإسلامية. وهي فكرة تجسدت تاريخيا بأشكال وصيغ تختلف من حيث اقترابها وابتعادها عن النموذج الإسلامي المثالي في «الأمة الوسط» إلا أنها كانت تعبر، بما في ذلك في فشلها، عن مضمون الفكرة المذكورة أعلاه والقائلة، بان تكامل الأقوام في امة يفترض تكاملها الذاتي.

فالتوسع الهائل والسريع لدولة الخلافة لم يكن بإمكانه دمج الأقوام بطريقة تتناسب مع ديناميكية الدولة. وهو اختلاف في التناسب لا يمكن لأية دولة أن تحله بصورة سريعة وذلك بسبب تباين آلية النمو التاريخي للدولة والقوم. إلا أن الخلافة العربية الإسلامية استطاعت في غضون قرنين من الزمن إرساء أسس الاندماج الثقافي للشعوب والقبائل في «امة إسلامية» ارتقت بفضل صيرورتها الثقافية (وليس العرقية) إلى أن تجعل من شعار «أكرمكم عند الله اتقاكم» مرجعية روحية عامة لتكاملها الذاتي. إلا أن الخلاف بين آلية وديناميكية التناسب الفعلي بين الدولة والأمة كان على الدوام يقف أمام محاولات ثلمها المتنوع. وهي عملية طبيعية ومعقدة ليس هنا مجال البحث فيها.

لقد قدمت التجربة الإسلامية نموذجا تاريخيا لما يمكن دعوته بالإمبراطورية الروحية، التي جعلت من مبادئ الإسلام الكبرى أساس البنية السارية في صرح الدول المتنوعة للخلافة. بحيث تحولت «الخلافة» إلى محاولات دائمة لاستخلاف النموذج الأعلى لفكرة الأمة (الإسلامية) وتمثيلها السياسي. واستطاعت هذه التجارب أن تصنع احد أجمل وأرقى نماذج المشاركة الإبداعية للأمم. لكنها تعرضت للانحلال بسبب جمود الإبداع الإسلامي. وارتبط هذا الجمود أساسا بتحول مرجعيات الروح الإسلامي المتسامية إلى عقائد «مقدسة» مما اقفل عليها إمكانية الاجتهاد الدنيوي. وعموما يمكننا القول، بان النتيجة التي أدت إليها في العالم المعاصر تسير بنفس الخطى العامة للتكون والانحلال المميز لتاريخ الوحدة والانفصام. لكن خصوصيتها في العالم المعاصر تقوم في تحول الفكرة القومية إلى الهاجس الفعال والقوة الروحية المحركة للمشاعر القومية وفكرة الأمة. وما لم تنجز الأمة تكاملها الذاتي على أسس قومية فإن من المستحيل توقع اندماجها بالقوميات والأمم الأخرى. وقد تساعد العولمة المعاصرة على التعجيل في بعض جوانب هذه العملية، لكنها يمكن أن تعرقل مسارها الطبيعي. بعبارة أخرى، إن وحدة الأمة تفترض تكامل القومية الذاتي. من هنا صعوبة بل واستحالة تحقيقها دون مرور القوميات بطريق الآلام الفعلية لكي تعي حدودها الذاتية من جهة، ولكي ترتقي، وهذا هو الأهم، إلى مصاف الرؤية الثقافية لذاتها. ويمكن تحقيق هذه الرؤية عندما ترتقي الفكرة السياسية للقومية إلى مصاف الرؤية الحقوقية. ويمكن بلوغ هذه الدرجة بعد تحقيق فكرة الدولة الشرعية والنظام الديمقراطي والمجتمع المدني والثقافة العقلانية الدنيوية. وذلك لأنها المكونات الأربع لزوايا الصرح الواقعي للأمة المعاصرة.

وهي الحالة التي يقف إمامها العراق في مجرى انتقاله من التوتاليتارية إلى الديمقراطية. بمعنى وقوفه أمام مستويين من التكامل الذاتي، الأول وهو قومي والآخر وطني. وصعوبة التكامل الوطني هو نتاج لضعف تكامل القوميات فيه. فالقومية العربية مازالت تعاني من انفصام وتجزئة مريعة نجد انعكاسها المباشر وغير المباشر في استفحال ظاهرة الطائفية بشكل عام والسياسية منها بشكل خاص. أما ضعف تكامل الأكراد فهو نتاج ظاهرة مركبة من تعقيدات عديدة صنعت ما يمكن دعوته بالخلل والضعف التاريخي المميز له.

فمن الناحية المجردة، والبعيدة المدى، يمكننا الجزم بان المصير التاريخي للعراق وتكامله الذاتي سوف يذلل بالضرورة كل التوجهات الطائفية في القومية العربية، والنزعات العرقية عند الأقليات القومية، باستثناء المعاشر الكردية. وهي عملية مرهونة بدورها بكيفية تكامل الهوية الوطنية للعراق، أو ما ادعوه بهوية الاستعراق، بوصفها فلسفة تكامله الذاتي.

فهي العملية الوحيدة القادرة على إتمام مرحلة «الفطام» مع النزعات الطائفية والعرقية وكل مظاهر التجزئة التقليدية. وهو «فطام» يمكنه الحدوث أما بطريقة الاندماج الوطني (السياسي والثقافي) أو بالانفصال العرقي (القومي). والمقصود بالاندماج الوطني الصيغة التي تجعل من الجميع مكونات منسجمة على أساس القانون والشرعية والمواطنة الكاملة لا على أساس العرق والأرض، وذلك لافتقادهما إلى أسس عقلانية (تاريخية ثقافية) في العراق، ولا على أساس الطائفية الدينية والمذهبية لأنهما مكونات لا علاقة لها بهوية المستقبل. لاسيما وأن حقيقة الهوية المفترضة في العراق هي هوية المستقبل فقط.

وإذا كانت الأبعاد الطائفية جزء من معترك التكامل السياسي، ومن ثم جزء من نقص العرب في سعيهم للتكامل القومي الحقيقي، فإن الأبعاد العرقية هي جزء من معترك التكامل الوطني، ومن ثم فإنها جزء من نقص الأقليات القومية في سعيها للتكامل الحقيقي بمعايير الهوية الوطنية العراقية.

وفيما يخص الأكراد، فان هذا النقص محكوم لحد الآن بجملة بواعث داخلية دفينة لعل أهمها هو أنهم لم يعرفوا بعد حقيقة الهوية القومية بالمعنى الدولتي والثقافي والتاريخي. بعبارة أخرى، إن الإشكالية التي يواجهها العراق في هذا المجال هي إشكالية القضية الكردية والقومية الكردية والهوية الكردية. وهي إشكالية معقدة ومثيرة للجدل، إلا أن ما يخص العراق منها بصورة مباشرة هو الجانب الأول فقط، أي القضية الكردية بوصفها قضية عراقية. وهو أمر جلي يمكن استقراءه من تاريخ العراق المعاصر ككل، الذي يكشف عن أن «القضية الكردية» كانت إحدى قضاياه العضوية وقت السلم والحرب والصعود والهبوط. ومعضلتها تقوم في واقع استفحالها مع كل انعطاف حاد وانقلاب مفاجئ في تاريخ الدولة والمجتمع. ذلك يعني أنها اقرب ما تكون إلى «مرض» منها إلى حالة طارئة.

فعندما نـتأمل تاريخ العراق الحديث، وبالأخص بعد انقلاب الرابع عشر من تموز عام 1958 ولحد الآن، فإننا نرى نمطا متشابها في السلوك السياسي للحركات القومية الكردية عند كل حالة حرجة أو انعطاف درامي في حياته السياسية. ولا يتصف هذا النمط عموما بهاجس الدفاع عن الدولة، على العكس! إذ نرى في الأغلب سلوكا سياسيا غايته الحصول على «مكاسب» إضافية واستعداد غير مشروط في الارتماء بأحضان القوى الأجنبية والعمل على إسنادها من اجل «تحقيق» إغراضها، كما جرى في الحرب العراقية الإيرانية و"عاصفة الصحراء"، ومرحلة الحصار الشامل والغزو الأمريكي واحتلاله للعراق عام 2003 وما بعده. وحتى في حال التغير الايجابي الهائل صوب تثبيت أسس الدولة الشرعية والنظام الديمقراطي والمجتمع المدني نرى في سلوك الحركات القومية الكردية أبعادا تتسم في اغلبها بنوازع الابتزاز الاقتصادي والسياسي والقومي. بحيث يصبح الهمّ "لقومي" الكردي محصورا بقضايا «المطالبة بالأراضي» العراقية عبر ضمها إلى «كردستان» أو «مناطق كردية» بعد سقوط الصدامية وانحلال الدولة المركزية،وما رافقه من هرج ومرج شامل وفتنة علنية ومستترة. وتحول كل ذلك ?لى "سياسة" شاملة محكومة بخطاب بمستواها وممارسة «حقوقية» (مثل الاستفتاء الشعبي عن حق الأكراد بالانفصال عن العراق). وهي نوايا وممارسات يجري الإفصاح عنها علنا من جانب قيادات الحركات القومية الكردية. كما أنها واسعة الانتشار ومتغلغلة حتى مخ العظام في الخطاب والتثقيف السياسي والأيديولوجي القومي الكردي. بمعنى الإجماع على أن البقاء في العراق هو حالة تكتيكية، وانه مرهون «بظروف معينة»، وان للأكراد حق الانفصال وإقامة الدولة المستقلة. وهو واقع تكرر مرات عديدة، ويتكرر الآن بصورة جلية وواضحة المعالم من الناحية القومية والسياسية والأيديولوجية والعملية. مما يشير بدوره إلى أن الأكراد ليسوا عراقيين. وهو أمر لا يعيبهم في شيء. فهو دون شك أيضا حق من حقوقهم!

غير أن لهذا «الحق» أبعادا عديدة منها ما يخص العراق بصورة جوهرية. والمقصود بذلك الجانب المتعلق بالقضية الكردية بوصفها قضية عراقية. فالأكراد هم الوحيدون من بين شعوب المنطقة الذين لم يفلحوا بإرساء أسس دولتهم الخاصة. كما أنهم يعانون من إشكاليات جمة فيما يتعلق بوعيهم الذاتي والتاريخي والدولتي. فهو "الشعب" الذي لا يمتلك تاريخا قوميا بالمعنى الدقيق للكلمة. من هنا ضعفه التاريخي وبقاءه محكوما بالنفسية العرقية التي تكمن فيها أيضا مأساة الأكراد القومية والتاريخية. ولا يمكن الخروج من هذه المأساة إلا برميها أمام عتبة الدخول للعراق. بمعنى أن الطريق الواقعي لتكامل الأكراد في شعب قادر على الارتقاء إلى مصاف القومية (والقومية الثقافية لاحقا) يفترض المساهمة الجوهرية في إرساء أسس الوطنية العراقية والاندماج الكامل بها. فهي ليست وطنية قومية ولا عرقية. إضافة إلى فوائدها العملية الجمة بالنسبة للأكراد الذين تعرضوا فعلا إلى غبن تاريخي هم أول من يتحمل مسئوليته الفعلية. فالشعوب والأقوام والأمم عادة ما تدفع ثمن اقترافها للخطأ والخطيئة وفقدان الحكمة السياسية.

بعبارة أخرى، إن الحركات القومية الكردية ونخبها السياسية هي التي تتحمل ثقل المهمة التاريخية الواقعة على عاتقهم في الظروف الحالية. ولا يمكن حل هذه المهمة استنادا إلى رؤية تكتيكية. وهي «حكمة» فيما يبدو لم تتعلم الحركات القومية الكردية منها غير «توظيفها» السيئ. وهو تقرير يمكن ملاحظته في حال تأمل ودراسة ردود الفعل والسلوك السياسي للحركات القومية الكردية بعد سقوط الدكتاتورية الصدامية تجاه فكرة الدولة، والفيدرالية، والسلطة، والانتخابات، والتحالفات، والنشاط السياسي، ومستوى التفاعل مع «القضايا العراقية». إذ نعثر في كل هذه الجوانب على رؤية «كردية» فقط، بمعنى ضعف أو اضمحلال الرؤية العراقية العامة. مما يشير إلى أن الأكراد ليسوا عراقيين بالمعنى الدقيق للكلمة، وإن مستوى الابتعاد والاغتراب عن العراق، وبالأخص في مجرى العقدين الأخيرين جعل منهم «قومية" مفطومة عنه. من هنا عدم تحرر اغلب محاولات القيادات السياسية للحركات القومية الكردية من نفسية الغنيمة والأوهام «الكبرى» للحركة القومية. بحيث أصبح العراق بالنسبة لها ميدانا لتجريب «المطالب» و«الحقوق» و«الخطوط الحمراء» المتعلقة بالجغرافيا والمال والميليشيات والسيادة!!! بمعنى ممارسة مختلف أصناف السياسة الانعزالية واللاعقلانية.

وتشير هذه السياسة إلى وجود «مشروع كردي» في العراق لا علاقة له ببناء الدولة الشرعية والنظام الديمقراطي الاجتماعي والفكرة الوطنية العراقية. بمعنى أن همومه الجوهرية هي «القضية الكردية». ويدل هذا الواقع على أن الحركة القومية الكردية لم تدرك الأبعاد الاجتماعية في فكرة الدولة الشرعية والنظام الديمقراطي السياسي والمجتمع المدني. وهي نتيجة مرتبطة أساسا بطبيعة التوجه القومي الكردي الذي تطغي عليه الأبعاد العرقية. ويتضح هذا البعد من خلال الحقيقة القائلة، بأن الحركة القومية الكردية تعمل من حيث الجوهر ليس من اجل دمج الأكراد بالعراق، أي ليس من اجل جعلهم عراقيين بالانتماء والاشتراك، بل من اجل فصلهم القومي العرقي من خلال التوكيد والتشديد على «العراق» و«كردستان». وهي نفسية وذهنية وإيديولوجية تشحذ الأبعاد الدفينة القائلة بان الأكراد ليسوا عراقيين لا بالأصل ولا بالفرع ولا بالانتماء الوجداني ولا بالعمل الاجتماعي.

ذلك يعني، أن بؤرة التوجه الفعلي والباطني و«الملهم» للحركات القومية الكردية هو «كردستان». ومن ثم لا يعني استمرار هذا السلوك بالنسبة للعراق سوى إعادة إنتاج مختلف أشكال اللاعقلانية النظرية والعملية. وذلك لان السلوك الفعلي للحركات القومية الكردية لا يفرز في الواقع سوى نفسية العرق، وذهنية الانفصال، وأيديولوجية الانعزال.

ولا تستطيع هذه العناصر الثلاثة (نفسية العرق، وذهنية الانفصال، وأيديولوجية الانعزال) العمل على إرساء أسس الهوية الوطنية الثقافية للعراق. إذ يفرز هذا الواقع بالضرورة إشكالية المفترق الحاد القائم أمام الحركات القومية الكردية، وهو أما الاندماج الوطني (السياسي والثقافي) الشامل على أسس ومبادئ الدولة الشرعية والمواطنة وأما الانفصال العرقي. إذ لا تعمل المراوحة والدجل والمخاتلة إلا على تعطيل تاريخ الدولة الشرعية والتقدم الاجتماعي.

فإذا كان الجانب الخاص بالحركة القومية الكردية هو جزء من ذاتها "القومية"، ومن ثم تتحمل تبعات ما تقوم به، فان بقاءها في العراق يجعل منها طرفا في صراعاته الداخلية. ومن ثم نقل ما أسميته بنفسية العرق وذهنية الانفصال وأيديولوجية الانعزال إلى ساحة الصراع السياسي العراقي. في حين أن الحاجة الكبرى للعراق في ظروف انتقاله إلى الديمقراطية تقوم في تكامله السياسي الوطني المبني على أسس الرؤية الاجتماعية والحقوقية. بمعنى تخليصه النهائي من ثقل الأيديولوجية القومية العرقية أيا كان شكلها وشخوصها.

بعبارة أخرى، أن العراق بحاجة إلى نقل صراعه الحالي من مستوى الغريزة إلى مستوى الصراع الاجتماعي السياسي. فهو الوحيد القادر على صنع الحرية والنظام. فالعراق ليس بحاجة إلى صراع عرقي. الأمر الذي يطرح بإلحاح أمام الحركة القومية الكردية مهمة الاختيار التاريخي النهائي فيما يتعلق بالعراق: أما الاندماج الوطني (السياسي الثقافي) على أساس المواطنة والديمقراطية والحقوق المدنية، وأما الانفصال العرقي.

ويشكل هذا الاختيار مضمون الحرية الفعلية للعراق، بمعنى تخليصه من إحدى المشاكل المزمنة في تاريخه السياسي الحديث. فالخيارات الكبرى محدودة بحدود المفترق العام. والسؤال الرمزي عما إذا كان بإمكان الأكراد الاندماج الطبيعي والطوعي والفعلي في الهوية العراقية أم لا هو جزء من هوية الاختيار السياسي الاستراتيجي والقومي للأكراد. ويمكن لهذا الاختيار التحقق بهيئة اندماج طبيعي وطني سياسي ثقافي في حال ارتقاء الحركات القومية الكردية إلى مصاف الرؤية الاجتماعية والثقافية. لكنه ارتقاء صعب للغاية (وممكن) بالنسبة للحركة القومية الكردية المعاصرة. وصعوبته تقوم أولا وقبل كل شيء في عدم حسم الخيار التاريخي للحركات القومية الكردية موقفها العام من مشكلة الانتماء والاندماج. من هنا تعلقها المتأرجح بين «كردستانات» جزئية لكنها واقعية، و«كردستان كبرى» لكنها وهمية، بمعنى عدم تحررها بعد من «خريطة كردستان الكبرى» التي لا يمكن جمعها إلا في خيال الرغبة القومية وأحلامها.

أما بالنسبة للعراق، فانه بحاجة إلى خطة عملية واضحة وليس إلى أحلام أي كان مصدرها وشكلها ومستوى «تأسيسها». بعبارة أخرى، إن الحراك السياسي العراقي يدفع في هذا المجال «القضية الكردية» إلى الأمام بوصفها قضيه خياره الاستراتيجي في بناء الدولة الوطنية والنظام السياسي البديل. ومن ثم تتراكم أهمية حسمه النهائي لهذه القضية من خلال وقوفه أمام مفترق حاد أيضا، وهو المطالبة بالاندماج الوطني الثقافي للأكراد فيه أو «فطمهم» عنه. بمعنى تراكم الهواجس والمشاعر والرؤى السياسية عما يمكن دعوته بتحرير العراق من ثقل «المشكلة الكردية».

  

العودة الى الصفحة الأولى

............................

الآراء الواردة في المقال لا تمثل رأي صحيفة المثقف بالضرورة، ويتحمل الكاتب جميع التبعات القانونية المترتبة عليها: (العدد :2080 الاربعاء 04 / 04 / 2012)


في المثقف اليوم