قضايا وآراء

الكاتب والباحث القاضي "زهير كاظم عبود" بين أهله / ثامر الحاج امين

فمن بيوتاتها الفقيرة .. خرجت أغنياء الفكر والأدب والسياسة والفن . ومن أزقة محلاتها الوعرة والمظلمة، تدفقت حزم النور لتخط على جدرانها المتهرئة شعارات الفقراء المطالبة بالحرية والخبز .

من بيت فقير في محلة (الجديدة) ـ واحدة من أعرق محلات المدينة ـ يخرج صبي لايتذكر بعد عقود من الكدح والمثابرة والمعاناة، وبعد طواف قاسٍ بالدنيا، لايتذكر انه تناول في طفولته وجبة فطور الصباح قبل ذهابه الى المدرسة غير قطعة خبز منقوعة بالقليل من الشاي، هذا الصبي وهو في مرحلة الابتدائية آمن بالمستقبل وأيقن ان العمل شرف، فكان يتأبط الكتب صباحا وعند عودته من المدرسة يعمل في نقل الطابوق لعمال البناء، لم ينكفأ ولم ييأس من هكذا بداية وطفولة قاسية، انما اتخذ من الكتاب انيسا، فمدّ جسور المحبة مع الكتب وشرع ببناء شخصيته الثقافية وقد ساعده على ذلك عمله في مكتبة السيد هاشم المكصوصي، تمضي الأيام واذا به يصبح عسكرياً متطوعا في تجنيد البصرة ومفصول لاحقا بتهمة الانتماء للفكر اليساري والحكم عليه بسنة سجن عام 1968، وخلال فترة الفصل يعود الى عامل بناء في جسر الديوانية الجديد ثم عامل في سينما الجمهورية، وبسبب مضايقات أجهزة الأمن ولتربيته الوطنية وافكاره اليسارية المناهضة للدكتاتورية وأعداء الحرية يضطر الى الهرب خارج العراق ليرتبط بمنظمات العمل الفدائي الفلسطيني حيث يقضي في صفوفها خمس سنوات صعبة . يعود بعدها الى العراق ليعمل كاتبا في محكمة تحقيق الديوانية ومواصلا دراسته المسائية في كلية القانون ـ الجامعة المستنصرية ـ ليتخرج منها ويتعين محققا عدليا . ثم الاستقالة والعمل محاميا بعدها الاختبار في المعهد القضائي وقاضيا ورئيسا لمحكمة الأحداث .

أية ارادة عظيمة، وأي اصرار نبيل وجهاد واثق من المستقبل تمتلك هذه الروح التي صارت فيما بعد (زهير كاظم عبود) .

بهذا التقديم لكاتب السطور احتفى اتحاد الأدباء والكتاب في الديوانية بالكاتب والباحث (ابن الديوانية) القاضي " زهير كاظم عبود "، وجاء في التقديم ايضا ( اننا حينما نحتفي بزهير كاظم عبود لا لكونه ابن مدينتنا فحسب ـ مع اعتزازنا وفخرنا به ـ بل نحتفي بقامة وقيمة ابداعية قدمت للثقافة العراقية انجازا مهما وطيبا تمثل بعدد من المؤلفات التي قاربت الثلاثين كتابا في القانون والسياسة والاقليات، نحتفي به مناضلا ًافنى شبابه وسخر قلمه لنصرة المظلومين والكادحين وهذا ماتؤكده سيرته ومؤلفاته التى وقف فيها مناصرا للأقليات المضطهدة في العراق، نحتفي به مثالا للارادة الصلبة التي قاومت بصبر وعزيمة ظروف الفقر والحرمان والملاحقات واستطاعت في النهاية ان تخرج من هذه المواجهة منتصرة، مرفوعة الرأس من خلال نجاحها المعروف في ميادين القضاء والكتابة والعلاقات العامة، نحتفي بـ الانسان " زهير كاظم عبود " الذي ظل مخلصا لمبادئه الوطنية وافكاره اليسارية التى تربى عليها، فلم يتنكر لمن تعلم منهم القيم، فكتب عن الكادح عبدالله حلواص والمناضل كيطان ساجت والمربي مهدي الزيادي مثلما كتب عن رموز المدينة الثقافية، كزار حنتوش، علي الشباني، عزيز السماوي واخرين، وحتى ظرفاء المدينة فقد خصهم بمحبته فتناول سيرتهم في كتاباته) .

ثم تحدث المحتفى به وجاء الحديث مقسما ا الى ثلاثة محاور تمثل منجزه الابداعي فكان المحورالاول عن كتابه (اوراق من ذاكرة مدينة الديوانية) وقد بين ظروف كتاباته وهو في الخارج معتمدا على الذاكرة وقلة المصادر ومعتذرا عن اغفاله الغير مقصود لبعض الشخصيات والاحداث التي تستحق ان يكون لها مكانا في الكتاب . ثم جاء المحور الثاني عن الاقليات التي أصدر عنها ثمانية كتب تناولت الشبك والايزيدية مبينا انه بحكم صداقته مع ابناء هذه الأقليات فقد تعرف عن قرب على الكثير من خفايا هاتين الديانتين وقد زار مناطقهم ومعابدهم وعاش جانبا ًمن طقوسهم الدينية مما صحح الكثير من المعلومات التي جاءت مغلوطة في دراسات الآخرين . وجاء المحور الثالث عن الدستور وقد اسهب في توضيح بعض مواده التي لم تأت منسجمة مع طبيعة المجتمع العراقي ولم تكن ملبية لطموحاته مما تسبب في خلق الكثير من الأزمات السياسية . وقد جرى حوار مثمر مع الحضورالذي كان مميزا في انصاته ومداخلاته . وفي ختام الأمسية قدم الاتحاد الى المحتفى به درع الابداع الثقافي اعتزازا بمنجزه وعطاءه في مسيرة الثقافة العراقية .

 

العودة الى الصفحة الأولى

............................

الآراء الواردة في المقال لا تمثل رأي صحيفة المثقف بالضرورة، ويتحمل الكاتب جميع التبعات القانونية المترتبة عليها: (العدد 2084 : الاحد 8 / 04 / 2012 )

 

في المثقف اليوم