قضايا وآراء

هل حرّم الأسلام التصوير؟ / حكمت مهدي جبار

وهي متأثرة بالفن الغربي الذي غزا الأمم والشعوب ليأت بمفاهيم وصرعات ومضامين ومسميات شتى.وتلك الأهتمامات جاءت لتؤكد على أبراز عظمة الفن الأسلامي في التصوير في محاولة لأعادة انتاج ثقافة عربية أصيلة تسكت الأفواه المضادة التي تريد طمس الهوية الثقافية الكبيرة للفن الأسلامي.

لقد نوقشت هذه المشكلة كمواضيع بحث من قبل مفكرين وكتاب ومؤرخي فن وفنانين وأساتذة جامعات ورجال دين وباحثين وتباينت آراؤهم مابين المنع والجواز كل يعتمد على ما لديه من أسانيد وحجج وبراهين، حتى شغلت المؤلفات في هذا الموضوع مساحة لابأس بها من رفوف المكتبة العربية.

وعندما نتمعن في كل ماكتب وما نشر وما سمع وماجاء من أخبار لم نعثر على حجة دامغة في تحريم الأسلام للصورة عن طريق كلام الله في القرآن الكريم.فلم تكن هناك دعوة أو أمر الهي ينهي عن التصوير كفعل (تصوير) أي محاكاة الأشياء الحية ونقلها بالرسم والتصوير من الواقع على سطح أو نحت على حجر وما شابه من تمثيل للأشياء.ولكن ورد في القرآن الكريم وفي الآية 90من سورة المائدة (ياأيها الذين آمنو أنما الخمر والميسر وألأنصاب وألأزلام رجس من عمل الشيطان فأجتنبوه لعلكم تفلحون).وفي الآية لم يكن هناك ذكر للصورة الا الأنصاب والتي هي كانت رموز طوطمية بلا شكل يتقرب اليها عبدة ألأنصاب الى الله زلفى.

صحيح أن الأسلام عندما ظهر في الجزيرة العربية بفكره الجديد لم يحرم الرسم والنحت، انما أستبعدهما عن حياة العربي وهو يدخل مرحلة حياة جديدة، معتبرهما تصرفان الناس عن العبادة.وتشغل المسلمون الجدد عن أقامة الصلوات والعبادات الأخرى.فالمرحلة هي مرحلة تأسيس وبناء حياة جديدة لاوقت فيها للأشياء الثانوية الملهية عن الأمور الأساسية.ولو كان نبي الأسلام محمد (ص) قد دعى لتحريم الصورة كصورة مجردة لما أمتنع عن أزاحة صورة السيد المسيح وأمه مريم العذراء التي كانت معلقة في الكعبة حين دخلها محرراعندما أمر بتحطيم 360ثلاثمائة وستين صنما اثناء الفتح المبين.كما جاء في كتاب فتوح مكة لـ (ألأزرقي).

أما فيما يخص ألأحاديث فقد جاءت مليئة بالتهديد والوعيد، يقول رواتها أنها جاءت على لسان النبي الكريم محمد (صلى الله عليه وآله وسلم) ولم يذكر أسماء رواتها.منها مثلا:- أن أشد الناس عذابا يوم القيامة المصورون.

أن الذين يصنعون هذه الصور يعذبون يوم القيامة، يقال لهم أحيوا ما خلقتم.

أن أشد الناس عذابا عند الله يوم القيامة الذين يضاهون بخلق الله.

لاتدخل الملائكة بيتا فيه كلب ولا تصاوير

من صور صورة في الدنيا لحلف أن ينفخ فيها الروح وليس بنافخ.

أن المصور – الرسام والنحات – العربي المسلم لم يرسم ولم ينحت شكلا متحديا فيه الله تعالى. ولم يصنع عملا ليعبده ويتقرب الي الله به زلفى كما كان يفعل المشركون زمن الجاهلية.ولم يسابق الله ويضاهيه في خلقه.انما الفنان رساما ونحاتا يفعل ذلك كمنجز فني جمالي يتغنى به ومن خلاله بجمال الخالق وجمال مخلوقاته.بل يستغرق في تنزيهه وتسبيحه لروعة الخلقة وذهول الجمال الرباني.

يرى بعض المفسرين لتلك الأحاديث أن المنع لم يكن للرسم والنحت كمنجز انساني أجتماعي يخدم أغراض لتمشية أمور الحياة برؤى جمالية تعظم من شأن الخالق في خلقه وأبداعه.فضلا عن الكسب المادي كأسباب للمعيشة .أنما منعت لكي لاتتخذ وسيلة للأنشغال عن العبادة .ومع كل تلك الآراء بقي الفنان العربي المسلم يقف حائرا امام تلك القضية.وعندما لم يجد ما يطمأنه فيما يخص مخالفة الله والخشية من عصيانه .ذهب بأتجاه ممارسة فن تجريد ألأشكال والأبتعاد عن التجسيم فضا للنزاع وتحاشيا لأرتكاب المعصية.

لقد ازدحمت أبواب جوامع ومساجد المسلمين بصور ألأولياء والصالحين من أل بيت النبي (محمد صلى الله عليه وآله وسلم) ففي العراق مهد الحضارة الأسلامية وأرض الشهادة والتضحية في سبيل الدين نجد أن الآلاف المؤلفة من الصور الشخصية لآل بيت محمد (صلى الله عليه وآله وسلم) معلقة على أبواب المساجد ومداخلها وبعضها داخل المصلى .فضلا عن تعليق صور لأشخاص يمثلون مراجع دينية.فهل أن راسم تلك الصور وصانعها سيطالب يوم القيامة بنفخ ألأرواح فيها وعندما لم يقدر فأنه سيقذف في النار؟؟ أن الدين الأسلامي في جوهره ولبه دين الجمال وهو الدين الذي دعى الى أحترام المخلوقات من بشر وبعض الحيوانات ونباتات أحتراما جماليا وتغنى بالحياة وتحسين صورتها في سبيل تحقيق الصورة المثلى للعيش على الأرض كواجب يؤديه الأنسان ليأخذه متاعا الى الحياة الأبدية الأخرى.وقد احتوى القرآن الكريم على المئات من ألآيات التي تدعوا الى التأمل في القيم الجمالية وتحسين صورة المخلوقات وحارب القبح وأسباب الشر.

أما اليوم فأن معظم رجال الدين يعيشون الأزدواج في الفكر والتفكير وهم يؤدون واجبات الوعاظ والدعاة والمرشدين.وهم يقومون بتأدية ادوارهم الدينية تحت ظلال (الصورة) و(الفن المعاصر) ويستخدمونها وسائل لنشر افكارهم .فهاهي أجهزة التلفازات تنقل عبر (الصورة) من خلال قنوات البث الفضائي (الستلايت) كل ماجاء من قواعد وأسس وأخلاق الأديان.ويظهر رجل الدين وقد أخذه الحماس والحرص يحرم الصورة والنحت والفنون الأخرى بينما هو يوصل افكاره بفضل الفن وصناعة الفن والصورة!!!! الم يكن النقل الفضائي عبر الصور يشابه النقل عن طريق رسم الصور ومحاكاتها؟ثم اين هو رجل الدين من المحرمات والمدنسات والمنجسات التي اغرقت الأرض وطفح فيها الناس.ليأتي ويحرم أسمى المشاعر وأصدق وسائل التعبيرالأنساني عن جمال الخالق وحسن وروعة مخلوقاته عبر الفنون الجميلة.تلك الفنون التي كانت وستبقى اطهر وسيلة لنشر قيم الأسلام .فكم اتعظ الناس وأستقاموا وتابوا من خلال عمل فني أبهرهم فزاد أيمانهم بالخالق اكثر وأفضل من مواعظ رجل دين معقد يأخذه كره الحياة أكثر من حبه لها.فتراه يهدد ويوعد ويخوف ويرعب بنيران جهنم وألسنة الجحيم.ثم يعود الى البيت ليستمتع بمشاهدة أحلى الصور عبر قنوات التلفاز الفضائية متصنعا التقوى والزهد والعفة.

أعتقد أن كل ما جاء به نقلة الأحاديث ومن أولها وفسرها قد صار قديما في خبر كان.فلنعد ونتبصر بما جاء به القرآن الكريم وحقيقة مادعى اليه النبي العربي الكريم محمد صلى الله عليه وآله وسلم.وليعيد بعض رجال الدين (المتدينين) النظر في أرائهم وليعملوا على أعادة انتاج الجمال بدل أن يبثوا صور القبح والخوف والرعب وتهويل صورة الله تعالى بأنه ذلك المعذب والمنتقم والمستأثر .فالله صانع الجمال والحسن والصور البديعة للحياة

 

العودة الى الصفحة الأولى

............................

الآراء الواردة في المقال لا تمثل رأي صحيفة المثقف بالضرورة، ويتحمل الكاتب جميع التبعات القانونية المترتبة عليها: (العدد 2084 : الاحد 8 / 04 / 2012 )

 

في المثقف اليوم