قضايا وآراء

الفنّ والذّات المبدع / زهور العربي

تحدث الكارثة ولو يذوب كلّ الجليد يحدث الطّوفان ولو تتهاوى الشّمس مقتربة من الأرض قليلا تتفحّم كلّ الكائنات ...كلّ هذا دليل على أن ووراء هذا النّظام خالق أبدع وصوّر لنا هذا الكون في أبهى صوره ونسج لنا الكمال الفنّي بكل المتناقضات والثنائيات الطبيعيّة فاختلط الماء بالجفاف بالسّهول الخضراء بالصّحاري القاحلة برقّة الألوان بالسواد بالمرتفعات بالمنخفضات بالأصوات بالسّكون بالنّور بالظلام ( الخ ..) كلّ هذا نجده متجانسا متكاملا في لوحة بديعة لا مثيل لها ونحس الفن في ارقى معانيه وندرك انّ الله جميل ويحبّ الجمال وانّه سخّر لنا ما يُسعد حواسّنا الخمس ويشبع حاجتنا للجمال ويترجم ذائقتنا التي سنترجمها بدورنا إبداعا .. هذا الفن الذي لازم الإنسان منذ خلقه واختلف تعبيره عنه باختلاف العصر الذي عاشه لذلك اختلفت نظره العلماء والباحثين له .

 

فالفنون أو الفن باعتباره لغة استخدمها الإنسان ليترجم ذاته الجوهرية بعيدا عن حاجته لمتطلبات حياته رغم أن بعض العلماء يعتبرونه ضرورة حياتية للإنسان كالماء والطعام ...لكن لم يعد الفن كما كان قديما ينقسم إلى سبع أقسام بل اقتصر في عصرنا الحديث على ثلاث فقط وهي (الفن التشكيلي) و(الفن الصوتي )و(الفن الحركي) ولقد تعدّدت الطّروحات والتعريفات للكشف عن ماهيته ...

 

. فمثلا أرسطو يعتبر الفن : «الجمال في الكائن الحي والشيء المكون من أجواء يجيء من عدم التناهي في الكبر والتناهي في الصّغر، بحيث تستطيع العين إدراكه، كذلك المساواة من حيث الحجم» كما يراه كل من أفلوطين وأوغسطين وتوما الأكويني في «دقة المحاكاة» أما (شيلر وكروتشة) فلاسفة الفن في العصر الحديث فيرونه في (القدرة على ترجمة ما في النفس) . وانطلاقا من هذا التّعريف الأخير نلمس مدى ارتباط الفن بالذّات البشريّة البعيدة عن متطلباتها الماديّة فهو الوسيلة التي تكشف عن مواطن الجمال وتعبّر عنه بكل الأساليب الفنيّة رسما أو شعرا أو موسيقى في صور إبداعية تكشف مدى قدرة المبدع على اختزال الجمال فيها وإبرازه أو تقديمه بطريقة تلامس الذّات المتقبّلة التي تنتقي هي بدورها ما يلامس أعماقها وتأنف من تلك الأعمال البعيدة عن الإبداع أو المتطفّلة على الفنّ....

ولقد تطوّرت الفنون في عصرنا وكثرت وتمازجت وارتبطت ببعضها حتّى أصبحنا نقرأ اللّوحات كما نرسم القصيد أو نعزفه لحنا يترجم البوح كأبهى ما يكون وكثر مُمارسوا الفنون خاصّة في هذه المواقع الافتراضية حدّ التّخمة ..

 

لكن يبقى السّؤال ملحّا هل كلّ من مارس الإبداع هو مبدع؟وهل كلّ إبداع يرتقي إلى مرتبة الفن ؟

 

العودة الى الصفحة الأولى

............................

الآراء الواردة في المقال لا تمثل رأي صحيفة المثقف بالضرورة، ويتحمل الكاتب جميع التبعات القانونية المترتبة عليها: (العدد :2087 الاربعاء 11 / 04 / 2012)

في المثقف اليوم