قضايا وآراء

الحجاب الإسلامي بين التشريع والابتداع / صالح الطائي

أو يدعي بأن الحجاب لا يصون المرأة، أو أن المرأة المحجبة أكثر إثارة من المرأة العارية، أسألهم: إذا وضعنا في إناءين قطعتي حلوى وغطينا إحداها بغطاء مانع وتركنا الثانية مكشوفة، على من يتجمع الذباب، ولماذا؟ ولا أنسى أن أقول أن بعض الذباب قد يجد له منفذا إلى داخل الإناء المغطى، وهذا استثناء وليس قاعدة، كما أنه لم يتسلل بسبب عيب في الغطاء، بل بسبب المغطى.

 

نحن كمسلمين متنورين نؤمن أن أعظم النظريات لابد وأن تحتاج في وقت ما إلى المراجعة والتدقيق والتمحيص والتجديد والتحسين، بل قد يتم تسقيط النظرية بالكامل والاستعاضة عنها بنظرية أصح منها، وربما لهذا السبب منع بعض علماؤنا الباحثين والدارسين من ربط الآيات القرآنية ببعض النظريات العلمية الحديثة لأن تلك النظرية حتى ولو اثبت العلم صحتها قد يأتي مستقبلا من يجد نظرية أخرى تتعارض معها وتفندها فيبدو وكأن الخطأ منسوب إلى القرآن، وقد تكون آراء دعاة رفض الحجاب بحجة انه غير ملزم لعدم وجود ما يدل على إلزامه محاولة من هذا النمط هدفها التجديد والمراجعة، وهذا الأمر ممكن تطبيقه في الحياة العامة والعلمية، أما في الحياة الفقهية فيستحيل الأخذ به ولاسيما عند الحديث عن فقهيات ركائز العقيدة مثل الصلاة والصوم والحج، فمن غير المعقول أن يأتي من يرى نفسه مجددا ويطلب أداء مراسم الحج في المنازل دونما حاجة للذهاب إلى مكة مثلا أو يطلب أداء صلاة الظهر ركعتين!

ومنه أرجو أن أوفق في الحديث عن الحجاب وموقف بعض المثقفين والباحثين وحتى رجال الدين منه، فأنا واقعا أحد المهتمين بقانون الحجاب وكنت خلال السنوات الماضية أتابع بجد آراء بعض العلماء والفقهاء والإفتائيين بشأنه وقد بدأت العمل على وضع كتاب يتناول كافة الآراء الحديثة التي وصلتني وتحليلها علميا، ومع أني لم أنجزه إلى الآن إلا أن ما توصلت إليه زاد قناعتي ليس بصحة وشرعية الحجاب الإسلامي وإلزاميته ووجوبه فحسب، بل بوجوب تعميمه في هذا العصر بالذات على أوسع نطاق في الحياة البشرية، والالتزام به حرفيا وليس صوريا، وهو أمر يبدو أكثر ضرورة وأهمية من أي وقت آخر. وربما لهذا السبب تأسست في (إسرائيل) جمعية دينية تأمر بوجوب لبس البرقع الذي يغطي كامل الجسم!

وعليه أجد نفسي على النقيض مع من يرى أنه (لا وجود في الشريعة لما يسمى بالحجاب، ولا وجود لضرورته) فيرفض فكرة الحجاب جملة وتفصيلا، يرفض الإيمان بصحة مشروعيته وبنوعه وطريقة لبسه وأماكن انتشاره، ويرفض الإيمان بضرورته، وكل ما يتعلق به.حيث من الممكن أن نستخلص من هذا الرأي أن المسلمين الذين يفرضون الحجاب بحكم عقيدتهم لا يحترمون المرأة فينسحب الاتهام إلى الإسلام نفسه. فهل أن المرأة محتقرة في الإسلام أم أنه رفعها مكانا عليا؟

فهل يحتقر الإسلام المرأة لكي يهينها بالحجاب؟ أقول جوابا: مما لا شك فيه أن للنساء في الإسلام مكانة لم يفزن بمثلها في أي دين أو فقه أو حضارة أو فكر آخر من قبل ومن بعد، وقد أراد الشارع المقدس للمرأة أن تتصدر الأحداث وتشغل كامل وجه الصورة متداخلة مع صورة صنوها ونصفها الرجل، فأطلق على ثاني اكبر سورة في القرآن اسم (النساء) واختار لها مكانا في صدر الكتاب المقدس، وأطلق على سورة أخرى اسم السيدة العذراء مريم، ثم استمر التذكير بأهميتها ومكانتها يتكرر في السور والآيات ابتداء من الامتزاج الكلي للجوهر الواحد {هن لباس لكم  وَأَنْتُـمْ لِبَاسٌ لَهُنّ} مرورا بالحقوق والواجبات {وَلَهُنَّ مِثْلُ الَّذِي عَلَيْهِنَّ بِالْمَعـرُوف} وحسن المعاشرة {وَعَاشِـرُوهُــنَّ بِالْمَعرُوفِ} والإمتاع:{وَمَتِّعُوهُنَّ عَلَى الْمُوسِعِ قَدَرُهُ وَعَلَى الْمُقْتِرِ قدَرُهُ} والإكرام{أَسْكِنُوهُنَّ مِنْ حَيْــثُ سَكَنْتُــمْ مِنْ وُجْدِكُمْ} وحسن المعاملة{فَإِمْسَاكٌ بِمَعْرُوفٍ أَوْتَسْرِيحٌ بِإِحْسانٍ} وعد الاعتداء عليهن { فلا تَعْضُـلوهُنَّ} {وَلا تُضارُّوهُنَّ لِتُضـَيِّقُــوا عَلَيْهِنَّ} {فَلا تَبْغوا عَلَيْهِنَّ سَبِيلاً} {وَلا تَعْضُلُوهُنَّ لِتَذْهَبُوا بِبَعْضِمَا آتَيْتُمُوهُن} {لا يَحِلُّ لَكُمْ أَنْ تَرِثُوا النِّسَاءَ كَرْهـا} {فَآتُـــوهُنَّ أُجُورَهُنَّ فَرِيضة}

نبي الإسلام من جانبه تماهى مع التعليمات الإلهية ففتح باب الحديث مع المسلمين بشأن النساء على مصراعيه ليتناول كل صغيرة وكبيرة تهمها ابتداء من قضية الوأد المسيئة التي أشار إليها القرآن: {وإذا الموؤدة سئلت بأي ذنب قتلت} مرورا بمكانتها الحقيقية حيث كان يؤتى بالهدية إليه، فيقول: (اذهبوا بها إلى فلانة، فإنها كانت صديقة لخديجة) أي يكرم صديقات زوجته المتوفاة لأنه كان يحبها ويكرمها في وقت كانت فيه المرأة مهانة مبتذلة. كان يوصيهم: (استوصوا بالنساء خيـراً) لأنهن أخواتكم (إنما النـسـاء شقائق الرجال) ثم جعل حسن معاملة المرأة مقياسا معياريا للتقييم بين الفضلاء: (خيركم، خيركم لأهــــــله، وأنا خيركم لأهلي) ثم أوجب كسوتهن ما دمن يعملن أو لا يعملن ولا يكسبن: (ولهن عليـــكم رزقهــــن وكسوتهـــــن بالمعروف) ومع وصاياه الكثيرة المتكررة بوجوب إطعام المسكين واليتيم والأسير والفقير والمحتاج جعل الإنفاق على العائلة الأكثر فضلا: (أعظمها أجرا الدينـار الذي تنفقه على أهلك) ودلهم على طرائق تدليل الزوجات: (وإنك مهما أنفقت من نفقة فإنها صدقة حتى اللقمة التي ترفعها إلى فم امرأتك) وجعل سعادة الرجل مقرونة بصلاح المرأة: (من سعادة ابن آدم المرأة الصــالحة)

وتبعا لذلك وضع الإسلام للعلاقة بين الرجل والمرأة حدودا وأوجب على المسلمين ذكورا وإناثا الالتزام بها  ضمن منهجية تحديد الحقوق والواجبات والعلاقات والامتيازات والمسموحات والممنوعات واعتبر أي خروج عليها سواء كان ذكوريا أم أنثويا خروجا على الدين كما أعتبر أي علاقة بين الجنسين أيا كان المتسبب بها أو الداعي لها خارج هذه الحدود مخالفة توجب العقاب الشديد {ولا تقربوا الزنى انه كان فاحشة وساء سبيلا}

وكنوع من أنواع الحماية الذاتية من الفاحشة وإثارة الفتنة تم إقرار الحجاب الذي هو ليس بدعة إسلامية لأنه كان موجودا قبل الإسلام  في الحضارات القديمة، وهناك من يرجع وجوده إلى خمسة آلاف سنة قبل الميلاد. الراهبات السومريات في الحضارة العراقية القديمة كان مفروضا عليهن لبس الحجاب، كما فرضته الملكات الآشوريات على المتزوجات من الأغنياء. فضلا كان الحجاب سمة من سمات المجتمع الراقي عند البيزنطيين في القرنين الرابع والخامس الميلاديين وعند الساسانيين من 224 قبل الميلاد حتى 652 ميلادية، وكان موجودا عند الإغريق وحتى في حضارة روما القديمة. وكان موجودا عند عرب الجاهلية قبل الإسلام

وعلى مستوى الديانات كان الحجاب تشريعا مشهورا في الرسالات قبل الإسلام، حيث نجد في رسالة الرسول بولس الأولى إلى أهل كورنثوس في الإصحاح 11(وأما كل امرأة تصلي أو تتنبأ ورأسها غير مغطى فتشين رأسها لأنها والمحلوقة شيء واحد بعينه) وربما لهذا السبب بقي الحجاب منتشرا في أوروبا حتى مع بداية عصر الحضارة الحديثة،بل لا زالت الراهبات الفاضلات يلبسن الحجاب بأجمل صوره ودقة وضعه، فمن ينظر إلى الراهبة يرى كل أوصاف الحجاب الإسلامي المعروف (إدناء الجلابيب والضرب على الجيوب) وإن كان الالتزام بالطريقة واللون مختلفا.

وكل ما فعله الإسلام انه وجد في الحجاب الموروث ملبسا يليق بالمرأة المسلمة أن ترتديه وأن يصبح لها رمزا، لكي يكمل إيمانها وتعصم به نفسها تماما مثل قطعة الحلوى المغطاة التي يعجز الذباب عن الوصول إليها. وتعرف موافقة الإسلام على هذا السلوك بـ(الإقرار) وهو جزء من أجزاء تعريف السنة.

 

وعليه نجد في القرآن الكريم الكثير من الآيات المتعلقة بالحجاب، من قوله تعالى: {وَإِذَا سَأَلْتُمُوهُنَّ مَتَاعًا فَاسْأَلُوهُنَّ مِنْ وَرَاءِ حِجَابٍ ذَلِكُمْ أَطْهَرُ لِقُلُوبِكُمْ وَقُلُوبِهِنَّ وَمَا كَانَ لَكُمْ أَنْ تُؤْذُوا رَسُولَ اللَّهِ وَلا أَنْ تَنْكِحُوا أَزْوَاجَهُ مِنْ بَعْدِهِ أَبَدًا إِنَّ ذَلِكُمْ كَانَ عِنْدَ اللَّهِ عَظِيمًا} 53 الأحزاب، وهو الأمر الخاص بحجاب أمهات المؤمنين

إلى قوله تعالى: {يا أيها النبي قل لأزواجك وبناتك ونساء المؤمنين يدنين عليهن من جلابيبهن ذلك أدنى أن يعرفن فلا يؤذين وكان الله غفورا رحيما}

والجلابيب جمع جلباب وهو الثوب العريض تشتمل به المرأة فيغطي جميع بدنها أو تلبسه فوق ملابس أخرى، والخمار هو الغطاء الذي تغطي به رأسها ووجهها. وكلمة (يدنين عليهن من جلابيبهن) تعني: يتسترن فلا يظهرن رقابهن وصدورهن للناظرين.

وفق هذه المعايير كان الحجاب سمة ورمزا إسلاميا لم يجد من يعترض عليه إلا في العصور المتأخرة بعد أن وفدت الآراء الغربية إلى المجتمع الإسلامي حيث تعالت الأصوات المطالبة بالسفور في العراق ومصر فأخذ السفور يسير بجنب الحجاب ولكل منهما مساره الخاص، ولقد سمعت عن، وشاهدت بعض اللواتي أسفرن بإرادتهم يعدن إلى لبس الحجاب بإرادتهن أيضا بعد أداء فريضة الحج أو عند إصابتهن بمرض لا يرجى شفاؤه أو عندما يكبر في العمر. وهذا يعني أن الحجاب هو الأصل وان استثناء السفور جاء لأغراض متنوعة لسنا بصدد نقاشها.

أما زوبعة الفنجان المثارة حاليا ضد الحجاب  فهي برأيي ليست أكثر من احد أمرين

الأول: رد فعل للتشدد والتصلب الذي يطبقه السلفيون.

الثاني: حراك مدفوع الثمن بالعملة الصعبة يهدف إلى خدمة مشاريع وأجندات.

وكل من يقول لي أن هناك أسبابا أخرى أقول له: لا، والله، وهي إن وجدت فمن بنات هذين السببين. وسأتحدث عن هاتين النقطتين لاحقا وبالتفصيل.

 

سبب الثورة برأيي سببه بعض الإفتائيين والباحثين الذين يدعون بأن الآيات أقرت الحجاب على نساء النبي دون نساء المسلمين متغافلين عن قوله تعالى: {قل لأزواجك وبناتك ونساء المؤمنين} وجاء التطبيق الفعلي ليثبت وجوب هذا التشريع ففي الحديث عن أم سلمه (رض): "لما نزلت هذه الآية {يدنين عليهن من جلابيبهن} خرج نساء الأنصار كأن على رؤوسهن الغربان من أكسية سود يلبسنها"

ويعني هذا أن الآية جاءت لتشرع قانونا ملزما، وهذا لا يعني أن المرأة يجب أن تتمسك بالحجاب حتى عند حالات الاضطرار الملحة فالقاعدة الفقهية تقول: (الضرورات تبيح المحظورات) وللعلماء آراء مختلفة في حدود الضرورات والمحضورات.

هذا هو الحجاب الإسلامي وهذه قواعده الفقهية التي لا يملك أي إنسان حق الاجتهاد قبالتها بحجة تغير الأحوال والظروف.أما أن يأتي هذا الإفتائي أو ذاك الباحث ليقول أن المرأة يجب أن تلبس البرقع وتغطي كامل جسدها ولا تظهر من جسمها شيء فتلك اجتهادات مرفوضة لأنها تتقابل مع النص أي تجتهد قبالته. إن خطأ الإفتائيين واجتهادهم بدون علم وحجة أنتج (إسلامات) كثيرة بعيدة عن جوهر الإسلام الحقيقي ونحن كمسلمين أولى من غيرنا بضرورة ووجوب معرفة هذه النشاطات التخريبية والوقوف بوجهها لا أن نعمم فتاواهم على الإسلام ونعتبرها من صلبه ثم نوجه من خلالها الطعن للإسلام ورسالته.

أضرب لكم مثالا واترك لكم الحكم:  قبل بضعة سنوات تعرضت مدرسة للمرحلة المتوسطة للبنات في مدينة مكة المكرمة إلى حريق ، وأمام حالة الهلع التي أصيبت بها الطالبات نزع بعضهن الحجاب ، فما كان من قطعان وبهائم  ما يعرف بـ(هيئة الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر) الذين كانوا يطوقون المدرسة بحجة حمايتها من المتطفلين إلا أن يمنعوا الفتيات الفتيات المرعوبات من الخروج منها بحجة أنهن غير محجبات مما أدى إلى موت الكثير منهن. فأي عاقل وأي مؤمن ممكن ان يدعي ان إسهام هؤلاء الجهل بموت الفتيات البريئات حرقا يقره الإسلام؟ وهل يحسب هذا العمل الشنيع على الإسلام المحمدي؟

 

 وفي نقاشي للنقطة الأولى المؤجلة (رد فعل للتشدد والتصلب الذي يطبقه السلفيون)

أقول: إن الإفتائيين الذين تحجروا على بعض المواريث الاجتهادية التي تقبل الصح والخطأ هم الذين أوحوا للناس بهواجس الخوف من تعاليم الإسلام والاعتراض عليها، ومنها الحجاب، فالإسلام أوجب الحجاب وفق أسس يمكن تلخيصها بثلاث نقاط يسيرة لا تقيد الحرية ولا تمنع الحركة ولا تثقل الكاهل، وهي:

  • أن تغطي المرأة رأسها ورقبتها وصدرها وتحجبها عن الرؤية.
  • أن تلبس ثوبا فضفاضا لا يظهر تقاسيم جسدها، حتى لو لبسته فوق ملابس ضيقة.
  • أن لا تظهر زينتها لمن يحل عليها زوجا كأن تضرب برجلها الأرض ليسمع الرجال صوت خلخالها.

وعند مناقشة هذه النقاط نجد من البديهي الذي لا يحتاج إلى إثبات أن شعر المرأة يجلب انتباه الرجل ويثير المشاعر والغرائز، ولطالما تغنى الشعراء بشعور النساء بعد أن افتتنوا بها. ولطالما اهتمت النساء بشعورهن بعد أن أدركن هذه الحقيقة، ولو لم تكن للشعر كل هذه الأهمية لكانت النساء قد تخلصن من ثقله وتعب العناية به وتكاليف تجميله وصبغه، وحلقه مثل لاعبي كرة القدم.

ونجد أن العلماء والمتخصصين قد أثبتوا أن تقاسيم جسم المرأة المخفية التي تبرز من تحت ثوب مبلول، أو تبان من تحت ثوب خفيف، أو تتجسم مظاهرها حتى من تحت الثوب السميك الضيق تبدو أكثر فتنة وإثارة للغرائز حتى من المرأة العارية التي يبان كامل جسمها للعيان. ولذا يأتي الجلباب ليخفي هذه التقاسيم ويميت الفتنة.

أما إظهار الزينة بدأ من الاكسسوارات وصولا إلى العطور الفواحة ومساحيق التجميل وعمليات زرع السليكون مرورا بملابس البحر التي تبدو المرأة عند لبسها وكأنها عارية إلا خيطين، فإنها لا تعدو كونها وسيلة لجلب انتباه الرجل بالقوة، وعلى من تريد حماية نفسها أن لا تظهر هذه الزينة أمام الآخرين.ولهذا السبب قال أحد الأئمة المعصومين: (من تعطرت وخرجت إلى الطريق فقد زنت) بالمناسبة نجد أن الزنى في الفقه أنواع مختلفة حيث هناك زنى العين وهو للرجل والمرأة وزنا القلب وهو للجنسين وزنى الفكر وهو للجنسين كذلك، وفي هذا التقسيم رد على من يدعي بان الإسلام لم يحجب الرجل بينما نجد الإسلام يحجب العين والقلب والفكر أيضا.

 

هؤلاء المتحجرون أنفسهم يدعون حتى إلى الفصل بين الجنسين في المدارس والجامعات الدينية، بل حتى في أداء الطقوس العبادية مثل الحج والصلاة، ولابد وأنكم سمعتم عن الجدل الذي أثير حول الاختلاط في جامعة الملك عبد الله ، وسمعتم بالدعوات التي أطلقها بعضهم بوجوب الفصل بين الجنسين في الحج والصلاة الجامعة. وتصريحات الشيخ يوسف الأحمد الذي طالب بهدم المسجد الحرام وإعادة بنائه لمنع الاختلاط بين الجنسين. وفتوى الداعية السعودي الشيخ محمد العريفي المعروف بداعية الشيطان، والذي وصفته إحدى الصحف التونسية بأنه "يصطحب الشيطان معه في ترحاله وفتاواه" والتي يقول فيها: (بان الشريعة لا تجيز للبنت أن تختلي بأبيها أو أن يضمها لصدره أو يقبلها خشية أن يحرك الشيطان داخله)

يأمرون بهذه الأعمال المنحرفة مع أن تعاليم الإسلام بشأن الاختلاط واضحة ولا تحتاج إلى تأويل، فالاختلاط في التعليم والعبادة حكم من أحكام الشريعة الإسلامية، وهو مباح في الصلاة والحج والمحاكم والأعراس والاجتماعات السياسية. وبالتالي يتأكد لنا أن هؤلاء الإفتائيين الجهلاء الطائفيين يعملون بهواهم لا بعقيدتهم، وهم بدعوتهم هذه يخالفون سنة رسول الله (ص) الذي قال: (لا يؤمن أحدكم حتى يكون هواه تبعا لما جئت به)

هؤلاء هم الذين شوهوا نقاء شريعة الإسلام وشجعوا الناس على رفض تطبيق مباني الشريعة ومنها جاءت المطالبة بإسقاط فرض الحجاب الإسلامي.

وقبالتهم نجد المبتدعين الذين قسموا اليوم إلى ساعات (ساعة لقلبي وساعة لربي)

 ومنهم إحدى الراقصات المصريات اللواتي ذهبن إلى مكة وأدين فريضتي الحج والعمرة حيث لبست الحجاب ولكنها تخلعه في ساعات عملها وتلبس بدلة الرقص الفاضحة وتتعرى أمام جمهورها (*)

وسطية الإسلام ترفض فعل أولئك وهؤلاء ومن يرفض العمل بالوسطية تحت أي حجة أو عذر عليه أن يبحث لنفسه عن أي مسمى آخر باستثناء أن يدعي بأنه مسلم.

وهذا هو قانون الإسلام فمن شاء فليعمل به ومن شاء فليتركه متحديا ربه وحسابه على الله وليس على أحد من المسلمين، فنحن لا نملك أكثر من النصح والتوجيه.

أما أن يتحول الحجاب إلى سجن حكم على المرأة المكوث فيه منذ سن التاسعة إلى قبل موتها بقليل بعد أن تتحول إلى كيس من الفحم من خلال برقع يغطي كامل جسدها فتلك وربي ليست من الإسلام بشيء، وإنما هي وليدة إسلامات المتحجرين الذين استنبطوا لهم أديانا لا تمت إلى الإسلام بصلة وادعوا بأنها الإسلام الحقيقي،

 

أما بخصوص مناقشة النقطة الثانية المؤجلة (حراك مدفوع الثمن بالعملة الصعبة) فأقول وبعيدا عن تأثيرات نظرية المؤامرة: إن دعوات مثل دعوة فصل الحجاب عن قانون الشريعة بحجة عدم شرعيته تبدو ليست بريئة بالمرة، بل ربما تبدو ممنهجة لتطرح كجزء من مشروع تغييري كبير يبغي تلوين الإسلام بألوان جديدة خدمة لمشاريع أكبر كثيرا من الحجاب وغيره.

وحديثي هذا لا يأتي رجما بالغيب ولا بدوافع نظرية المؤامرة فما بين أيدينا من وثائق ودراسات يثبت أن هناك سعيا ذي شعب مختلفة تلتقي كلها عند نقطة واحدة تقف قبالة الإسلام وتبغي تغييره، ليس بالسلاح التقليدي المكشوف وإنما عن طريق وضع النظريات وتسويقها داخل المجتمع الإسلامي عن طريق (الشبكات الإسلامية المعتدلة)   Building Moderate Muslim Networksوهذا المصطلح كان عنوان تقرير (دراسة) من (217) صفحة أصدرته مؤسسة (راند) RAND Corporation (*) الأمريكية في26 آذار 2007 هو ناتج عمل (3) سنوات متواصلة لأربعة من الباحثين العاملين في المؤسسة هم: (شارلي بينارد) و(أنجل رابسا) و(لويل شوارتز) و(بيتر سكيل)

يدعو هذا التقرير إلى التعامل والتعاون مع المسلمين لتغيير معتقداتهم وثقافتهم نحو الاعتدال بمفهومه الأمريكي البحت أي خلق مسلمين ليبراليين، علمانيين، موالين للغرب، لا يؤمنون بالشريعة الإسلامية، بدليل أن التقرير وضع مقياسا حدد بمقتضاه صفة الاعتدال مكونا من (10) فقرات، كما وحددوا الفرق بين المتطرف والمعتدل بالتطبيق الحرفي للشريعة فمن يصر على التطبيق الحرفي فهو ليس معتدلا. وبناء عليه عرف التقرير المعتدل  بأنه: من يرى أن واقع المرأة الحقيقي تمثله العصرنة الغربية وليس ما كان عليه وضعها في عصر البعثة وما بعده.وبالتالي يعرف المعتدل بأنه العلماني الليبرالي الذي لا يؤمن بدور الدين في الحياة المدنية، ويحمل أخلاقا تجديدية، ويؤمن بحرية الإنسان في تغيير دينه متى شاء ولبس ما يشاء! وقد وردت في التقرير عدة توصيات منها:

أولا: ضرورة قيام الولايات المتحدة بتوفير المساندة والدعم لبعض للإسلاميين عن طريق بناء (شبكات بشرية) و(قنوات إعلامية) و(محطات فضائية) و(مواقع الكترونية) واسعة وتقديم الدعم المادي والمعنوي لهم لبناء حائط صد في مواجهة الإسلام وأنشطته.

ثانيا: وضع خارطة طريق تسير للولايات المتحدة وفق بنودها لتنشئة أجيال إسلامية معتدلة ترغب بالتخلي عن المواريث الدينية مثل الحجاب وغيره.

وكانت المؤسسة قد دعت في تقريرها السابق الذي صدر عام  2004 إلى ضرورة تأجيج الصراع السني الشيعي في المجتمع الإسلامي، وهي الدعوة التي تلقفتها الحركات السلفية في الخليج وتونس والمغرب ومصر لتطبقها دون حياء بحجة الغزو الشيعي لهذه البلدان وتبنت الترويج لها الفضائيات الصفراء التي كانت فكرة إنشائها قد جاءت في تقارير المؤسسة نفسها التي دعت أكثر من مرة إلى ضرورة إنشاء ودعم فضائيات بغطاء إسلامي تأخذ على عاتقها الترويج لطروحات المؤسسة!

وفي تقريرها المعنون Rise of political Islam in Turkey (صعود الإسلام السياسي في تركيا) (***) أشارت المؤسسة بوضوح إلى أن (في تركيا الإسلام مختلط مع الديموقراطية والعلمانية وهذا سبب الصراع بين التيار الإسلامي التركي والإسلام المتطرف .. لذلك يجب علينا أن نشجع هذا التيار ليشارك مجموعات ومؤسسات في أماكن اخرى في بلاد الإسلام لنشر الإسلام المعتدل ومتعدد الثقافات) وعليه (أن الولايات المتحدة تعد تركيا لتكون نموذجا للإسلام المعتدل الديموقراطي وتصدره لبقية الدول في الشرق الأوسط) وقد زرت تركيا مؤخرا ورأيت الإسلام المعتدل الذي يتحدثون عنه، رأيت الشبان والشابات يسهرون حتى الصباح في حفلات داعرة حينما تراها تعتقد انك تعيش في الغرب.

كما تحدث الدكتور محمد عمارة عن مؤتمر التنصير الذي عقدته بعض الكنائس البروتستانتية الأمريكية في مدينة "كولورادو"، بولاية "كاليفورنيا" في مايو سنة 1978 بالقول: "وفي هذا المخطط التنصيري الطموح ـ كما جاء في الأبحاث الأربعين التي قدمت للمؤتمر، أعلن المنصرون أنهم لا يستطيعون مواجهة إسلام الكتاب والسنة، ولذلك فإنهم يسعون إلى اختراق الإسلام الذي تختلط به بقايا الشعوذة والخرافات!.. كما يسعون لاختراق الإسلام من خلال المرأة المسلمة، كذلك دعت وثائق هذا المؤتمر إلى اختراق الإسلام من خلال المصطلحات أي وضع بعض مصطلحات العقيدة مثل مصطلح الحجاب على بساط البحث والمناقشة بغية تهديم مبانيها وإلغائها.

 

ومما سبق وصولا إلى طرح موضوع هذا الملف تراني أعجب غاية العجب من انشغال الناس بأمر خرقة وزنها عدة غرامات تغطي المرأة المسلمة بها رأسها برضاها، وغض الطرف عن ملايين القضايا المرعبة التي تتهدد الوجود الإنساني

على الأرض!! والأغرب أن العالم غير المسلم يبدو أكثر تخوفا وانشغالا بأمرها من المسلمين أنفسهم، وان بعض المسلمين يدعمون الغرب في طروحاته ويعملون على تنفيذها حرفيا داخل أرض الإسلام بمواقف مدفوعة الثمن.

 

نعم قد يكون لبعض الإفتائيين دورا في إثارة هذا الجدال العقيم حول شرعية الحجاب ولاسيما بعد دعوتهم للبس النقاب الكامل كرد فعل على قرار شيخ الأزهر، الذي يعد أكبر مرجعية فقهية إسلامية في مصر قبل سنين بمنع النقاب في المدارس الدينية وقال: (إن تغطية وجه المرأة بطريقة لا تسمح بالرؤية إلا من خلال فتحة لا يجوز شرعا) الأمر الذي أثار جدلاً واسعاً في العالم العربي، وأنا واقعا مع هذا القرار السليم لأن النقاب بشكله الوهابي يبدو عبثيا ومتخلفا لا يدعو له إلا علماء السوء الذين تولوا الرد على شيخ الأزهر ومنهم  الشيخ المصري (يوسف البدري) الذي أعتبر الحظر (انتهاكا للقانون الذي يكفل الحرية العامة) ومفتي دبي، الذي قال أن الحظر: (تقييد لحرية المرأة وامتهان لدينها وثقافتها وتقاليدها) ثم جاءت الصحفية (صدف فاروقي) من جريدة (سعودي جازيت) لتدعي بأنه: (بعد تصريحات الشيخ محمد سيد طنطاوي بأيام قلائل طالبت كل المجموعات المختلفة، بدءا من إيطاليا حتى كندا، بحظر النقاب) أنا من جانبي أؤيد السيد الطنطاوي وأقول: لو كان النقاب حكما شرعيا لما أوجبت الشريعة على المرأة أن تبتعد عنه ولا تلبسه وهي في أقدس بقعة في الكون، مكة المكرمة، وتؤدي أحد أقدس الشعائر الإسلامية، وهو الحج.


الدعوات والدعوات المضادة انتقلت إلى الغرب الذي خلط بين الحجاب والنقاب بشكل متعمد، ففي بلجيكا
ترتدي حوالي 30 امرأة فقط النقاب من بين نحو نصف مليون مسلم يعيشون هناك، مما أضطر السلطات لإصدار قانون حظر ارتداء الملابس التي تخفي الهوية ولكن فقط في المباني أو الأماكن التي تعتبر متاحة للاستخدام العام أو لتقديم الخدمات العامة، بما في ذلك الشوارع والحدائق العامة والملاعب الرياضية. ومع ذلك نص القانون على أنه يمكن أن تكون هناك استثناءات في بعض المناسبات

وفي فرنسا يقدر عدد المنقبات حوالي ألفي امرأة، وهو عدد كبير دفع السلطات للاقتداء بالبلجيكيين ودفع رئيس الوزراء الفرنسي (فرانسوا فييون) للقول أثناء افتتاحه مسجدا جديدا في ضواحي باريس: (إن المسلمات اللواتي يرتدين النقاب الكامل (البرقع) يختطفن الإسلام، ويقدمن صورة طائفية مظلمة للدين.) وبعدها وصف بعض الوزراء الفرنسيين الحجاب على أنه (التابوت القاتل) و (المرعب) و(رمز الاهانة) و (شكل من أشكال العبودية) ويجب أن لا ننسى أن هذه الآراء شجعت فرنسا على حظر ارتداء الحجاب أو الرموز الدينية أخرى في المدارس، لكنها لم تمنع لبس الطاقية اليهودية! ومع ذلك قال الوزير الفرنسي المكلف بشؤون المهاجرين (إيريك بيسون): (إنه من الخطر أن نتهم الحجاب بما ليس فيه بعد أن وجدت فرنسا توازنا وعيشا مشتركا داخليا)

وفي ألمانيا ادعت السلطات التعليمية أن ارتداء الحجاب ينتهك سياسة الحياد الديني المتبعة في المدارس، لكنها لم تمنع ارتداء الحجاب إلا في مدارس الولايات الفيدرالية التي لديها قوانين تحظر إبراز الرموز الدينية في الفصول الدراسية.

أما بريطانيا فإنها لا تضع أي قيود على ارتداء الحجاب في أي مكان، وتعتبره من مظاهر التعددية الدينية والعرقية في المجتمع.

يعني هذا أن هناك جدلا ساخنا حول الحجاب والنقاب في العالم كله، هذا الجدل ضمن حدود الدول المتقدمة والعلمانية يُعتبر في الغالب مجرد نقاش عام حول حقوق الإنسان وظلم المرأة واستلاب حقوقها لأنهم يعتقدون أن المرأة ألبست الحجاب قسرا وكرها بدون موافقتها، وهم لم يأخذوا رأي المحجبة، لم يسألوها عن رأيها بالحجاب الذي تلبسه لأنهم لو فعلوا ذلك سيجدون النسبة العظمى منهن يلبسنه عن قناعة كاملة،

كتبت (بولي توينبي) في مقال لها بعنوان (خلف النقاب) نشرته صحيفة (الكرديان) البريطانية: (إن الغطاء من الرأس للقدمين، الذي يمنع الهواء، هو أكثر من أداة للتعذيب، إنه مدنِّس لنشاط المرأة الجنسي. إنه يحول أي إمرأة الى شيء مدنس يدعو للاشمئزاز ولا يمكن لمسه… إنه كساء يظهر شناعة الإثارة الجنسية، وإنه يتوقع منها العنف والاستبداد).

يرمز الحجاب في الغرب والمجتمعات الغربية إلى رفض الاندماج ورفض الانخراط في المجتمع، وهو الأمر الذي تؤيده بعض المسلمات المعترضات على لبس الحجاب. وردا على التصور القاصر للحجاب قالت إحدى المسلمات المحجبات الملتزمات: (ما يراه كثير من الأوروبيين غير المتمسكين بالدين هوسا دينيا، يعد بالنسبة لي صراعا من أجل سلوك سويّ في جميع النواحي الحياتية، فأنا لا أريد أن أنال إعجاب الناس، وإنما يهمني فقط رضا الله.) وقالت عن قرارها بلبس الحجاب في سن التاسعة عشر  تطوعا بل خلافا لرأي والديها أنه: (أفضل قرار اتخذته في حياتي)

 

في ختام هذه الرحلة تراني أعجب كيف فرضت مسألة الخلاف بشأن الحجاب نفسها على العقل الإسلامي وغير الإسلامي في وقت نجد فيه هناك آلاف القضايا والتحديات الخطيرة الأخرى التي لا يلتفت إليها أحد مجرد التفاتة بسيطة! ثم كيف يستسيغ البعض أن يدعو إلى نزع حجاب المسلمات والعالم يدعو إلى إعادة العمل به!؟

إسرائيل التي تجيز عقيدتها لنسائها عمل كل موبقات الأرض خدمة للقضية الصهيونية بما في ذلك تقديم أنفسهن مجانا للمسلمين بهدف الحصول على أي معلومة تخدمهم نجد إحدى طوائفهم الدينية وتسمى  (طائفة الحريديم) أوجبت مؤخرا على أتباعها من النساء لبس النقاب أو القناع الكامل وليس مجرد حجاب يشبه الحجاب الإسلامي! وبالتأكيد نجد أن هذا الأمر لم يثر حفيظة الدول الغربية ولم تعتبره منافيا لحقوق الإنسان، ولم يثر حفيظة المسلمات المدافعات عن حقوق المرأة!

وقبل انعقاد دورة ألعاب الكومنولث في مدينة بنيودلهي وضعت الهند مجموعة ضوابط وطلبت من الزائرين الالتزام بها ومنها ارتداء السراويل أو الثياب الطويلة وليس (الجونلات) القصيرة، ووجوب تغطية الأكتاف. ووجوب تغطية الرأس في المعابد السيخية. ولم أجد من يعيب على الهند سعيها للحفاظ على أنماط حياة وسلوك ألفها المواطن الهندي تاريخيا فلماذا نعترض على المسلم الذي يريد الحفاظ على أنماط سلوكه؟

 

نحن لا نخاف المنع بذاته لأنه لن ينجح بالتأكيد في دفع المرأة المسلمة للتخلي عن حجابها الشرعي، ونرى بأن الحجاب رغم شراسة الهجمة سوف يصمد ويخلد، ولكننا نخاف ذهاب المنع إلى مديات ابعد فالتنازل يقود إلى تنازلات، ولذا ترى العالم يرفض تقديم أبسط التنازلات، في ايطاليا هناك تقليدا يعود إلى عشرينات القرن الماضي يوجب وضع الصلبان في غرف الصفوف الدراسية للمراحل الدراسية وفي عام 2010 اعترضت إحدى الأمهات الإيطاليات على وجود الصلبان في غرف الدراسة وقالت: (إنها تريد تنشئة أطفالها في جو علماني) وتقدمت بشكوى إلى المحكمة الأوربية! فحظر الاتحاد الأوربي وضع الصلبان في الصفوف وقالت المحكمة الأوروبية في حيثيات قرارها: (إن من حق الأم تنشئة أطفالها في الجو الذي تختاره) اذكر هنا أن الكاثوليكية كدين للدولة الإيطالية ألغيت في عام 1984، حين فك الرابط الرسمي بين الفاتيكان والحكومة الإيطالية التي أصبحت علمانية بالكامل.

ولمن يقول بأن الحجاب رمزيا أكثر منه شرعيا، أقول: إنه حتى لو كان كذلك، حتى لو كان الحجاب رمزا لعروبتنا مثلا أو لمواريثنا المجتمعية القديمة، فإن الحفاظ عليه لا يتعارض مع التقدم، أنظروا إلى تعليق وزيرة التعليم الإيطالية على قرار المحكمة الأوربية، إنها قالت: (إن الصليب ليس رمزا للكاثوليكية بل هو رمز تقليدي إيطالي) بمعنى أن الحفاظ عليه يرتبط بالحفاظ على التقاليد الإيطالية الموروثة.

وفي الهند احتج الهنود على شركات المطاعم العالمية حين فتحت فروعا لها في مدنهم الكبرى وقدمت فيها وجبات الطعام الغربية متجاهلة بذلك مكونات الطعام الهندي، وهو ما اعتبر من قبيل تغريب الذائقة الهندية، ومن ثم عدوانا على تقاليد يتعين مقاومته.  وقتذاك لم تجد الشركات العالمية حلا للإشكال سوى أن تضيف بعض الوجبات الهندية إلى ما تقدمه، وأن تستخدم في الوجبات الأخرى البهارات.

 

تقول (سوزانه إندرفيتز) الباحثة في الدراسات الإسلامية في جامعة (هايدلبرغ): (وهذه المدنية الحديثة تنعكس في وظيفة الحجاب التي لا توحي بالرجعية، حيث أن للحجاب أهمية ثقافية وسياسية واجتماعية إلى جانب أهميته الدينية.) فكم من الغرابة أن يتحدث الآخرون عن الحجاب الإسلامي بأسلوب أكثر إنصافا منا نحن المسلمين؟

وقالت هذه الباحثة في حديثها عن الذين يعتقدون بان الحجاب عبء: (وهذا مالا ينتبه إليه الغرب بسهولة، لأن اللباس الإسلامي للرجال أو النساء، يحمي من يلبسه ضد غلاء الملبس وأدوات التجميل والحلي وما شابه ذلك، كما أنه يمكنه من التخلص مما يدل ظاهرا على نشأته الاجتماعية التي قد تقلقه نفسيا. وعلاوة على ذلك فإن اللباس الإسلامي يساعد الفتيات والنساء في الحماية من المضايقات الجنسية ويفتح لهن طريق العلم والوظيفة)

أما الكاتبة الأمريكية والناشطة المسلمة، إسراء نعماني، وهي من أبرز رائدات الحركة النسائية الإسلامية المعروفة بـ"الأنثوية الإسلامية" ومن أشهر ممثلات "جهاد الجندر" (جهاد الجنسين) عملت مراسلة لدى صحيفة "وول ستريت جورنال"، فترى أنه: لا يوجد أي تناقض بين الإسلام والأنثوية النسوية، وقد أدلت بهذا الرأي تزامنا مع تصريح وزير الثقافة المصري السابق فاروق حسني في عهد مبارك: (أن انتشار الحجاب في مصر يعد ردة للخلف) وترى (نيلوفر كوله) الباحثة الاجتماعية التركية الأصل أن ظاهرة الحجاب: (هي أبرز دليل على الاحتكاك بالحداثة وليس العكس)

وتقول (سلطانة بارفين)  و(شازيا أختار) في موضوع لهما بعنوان (حملة الغرب الشرسة على الحجاب): إن الحديث عن الحجاب يريد أن يظهر الإسلام على أنه اضطهادي يضطهد المرأة

أنا أرى  أن الحديث عن الحجاب باعتباره سوءة وعارا يتماهى مع  الآراء التي طرحتها الأديبة اللبنانية (جمانة حداد) صاحبة مجلة (جسد) الفاضحة والتي لخصتها بقولها: (آرائي إعلان حرب على النظم المعادية للجسد والمرأة في العالم العربي) حيث ربطت بين المرأة والجسد بشكل غريزي دون أن تعرف بأنها تهين المرأة بهذا التوصيف التافه، فالمرأة ليست جسدا فقط، وإنما هي إنسان كامل الإنسانية.

 

........................

الهوامش

(*) كما في الرابط  http://www.youtube.com/watch?v=Dbyn7GWLf6k&;feature=related

(**) تدعمها المؤسسة العسكرية الأمريكية وتبلغ ميزانيتها السنوية قرابة 150 مليون دولار، تأسست في 14 مايو 1948 في حقبة الحرب الباردة، ومقرها الرئيسي الآن سانتا مونيكا في كاليفورنيا، ويعمل فيها نحو 1600 موظف معظمهم من الباحثين والأكاديميين. تقوم بجمع المعلومات وتحليلها؛ وإعداد تقارير عنها؛ وإجراء أبحاث تتركز حول الشؤون الدولية، والأمن القومي، والسلامة العامة، والإرهاب والأمن الداخلي، وتقدّمها إلى صناع القرار في الولايات المتحدة الأمريكية

(***) وكما في الرابط http://www.rand.org/pubs/monographs/2008/RAND_MG726.pdf

        وموقع المؤسسة  www .rand .org

 

 

العودة الى الصفحة الأولى

............................

الآراء الواردة في المقال لا تمثل رأي صحيفة المثقف بالضرورة، ويتحمل الكاتب جميع التبعات القانونية المترتبة عليها: (العدد :2087 الاربعاء 11 / 04 / 2012)

في المثقف اليوم