قضايا وآراء

الفنان التشكيلي العراقي الراحل محمود صبري والسعي لتأسيس علم التشكيل / حكمت مهدي جبار

في لندن حيث توفي وقد قضى حياته بعيدا عن وطنه. وقد تلقينا النبأ بأسى وحزن على فقد فنان تشكيلي عراقي كبير له خصوصية خاصة.كونه ذلك الذي عاش مع التشكيل ليس كونه فنا فحسب انما هو اداء يقوم على أسس علمية.

أن محمود صبري الأنسان كان يسعى لولوج عدة منافذ لأكتناه الحقيقة .فهو الفنان والباحث والمفكر والمناضل والمناصر للكادحين والمحرومين .ومع ميوله لكل تلك المسارب والدروب فأنه كان لايؤمن بتقييد ألأنتماءات وقسر الأنسان تحت وطأة ألآيديولوجيات وموضوعة الألتزام .فكان يدعو الى التحرر الفكري رغم انتماءه.لذلك راح يبحث عن سبل اكثر انفتاحا لوضع نظريته في التشكيل لتكون رسالته الأنسانية المنحازة للمعدمين وللمناضلين المقهورين .وكان يرى أن لابد لفن التشكيل من أسس علمية فيما يخص عناصر اللوحة ومعمارها الفني وتقنيتها من خلال مراحل تنفيذها في الخط  وألأتجاه والنسيج والقيمة واللون.

لقد ربط صبري فلسفته الفنية رغم تباين الآراء حولها فيها بفلسفة الفيزياء لاسيما في مجال اللون والكتلة والذرة.محاولا أن يربط فن الرسم بأساسيات علمية فيزيائية. وأن الرسام عندما يروم أنجاز لوحة انما عليه ان يعرف ان العالم ليس ذلك الكيان الجامد الساكن انما عالم من الألوان والأشكال تتحكم فيها الطبيعة وتبثها له لكي يحاكيها ليس جماليا وفنيا فقط انما يبحث في كنه أسرارها من حيث ارتباط الكتلة بالطاقة داخل المادة مع تغيراتها في الطبيعة.

وهنا فأن صبري يدعو الفنان الرسام الى ان يكونه منقب ومكتشف يسعى الى تجاوز المحسوسات الى الحدسيات .من خلال العلم.ومثلما يدعونا العلماء لفهم العالم وسبر اغواره من خلال العلم فأن الرسام بأمكانه ان  يدعوا لفهم العالم من خلال (الفن المعلم) .وبذلك فأنه اضاف للفن عنوان آخر فصار (علم الفن).وهو يؤسس لنظرية أسماها (بواقعية الكم) وأذا ما أريد أعادة انتاج دراسات جديدة عن (واقعية كم محمود صبري) ومناقشة مضامينها (الفنية العلمية) هل يستسيغها التشكيلي العراقي ويذهب بدروب جديدة في عالم اللوحة حيث يقوم الرسام من جديد بدراسة تفاعلات جزيئات من الهيدروجين والأوكسجين بوصفها عناصر للوحة ورموز وحروف .؟وهل تسرق النظرية الرمز الصوري وتهفت من ملامح الجمال ذاهبة بأتجاه العلم الجامد والصلب لتؤسس (علم تشكيل) جديد متجاوزة فن التشكيل؟وهل تسرق تلك النظرية التي وضعها لنا الفنان الراحل صدق مشاعر الرسام وأستلاب ذاتيه في اللوحة وتحوله من رسام مرهف مستحما بحرية اللون والخط الى مجرب وعالم تحكمه القوانين الفيزيائية والتي اذا ما حدث خطأ فيها قد توقع للتشكيل كارثة؟؟ رغم آراء البعض حول نظرية محمود صبري في الفن مابين مؤيد ومحافظ ومعارض فأنها تبقى سعيا كبيرا لتجاوز المألوف في دراسة فن التشكيل ..غير انها لم تلقى ذلك الأعتمام ولم يسط عليها الضوء من قبل النقاد والباحثين والفنانين بمساحة تستحقها لكي يعيد الجميع النظر اليها

 

 

العودة الى الصفحة الأولى

............................

الآراء الواردة في المقال لا تمثل رأي صحيفة المثقف بالضرورة، ويتحمل الكاتب جميع التبعات القانونية المترتبة عليها: (العدد :2093 الثلاثاء  17 / 04 / 2012)

في المثقف اليوم