قضايا وآراء

القراءات المعاصرة للقران الكريم .. المنهجية اللامذهبية / احمد الكناني

واثرها على واقع النص و بالتالي اعادة تحديد المكانة اللغوية  والدلالية والانثربولوجية للنص، كما نلحظها في قراءة محمد اركون في كتابه "قراءات في القران "(?)

وهي القراءة ذاتها التي اتبعها عابد الجابري في مدخله الى القران الكريم (?)

فهي محارلة فهم المراحل التي قطعها النص القراني منذ بداية نزوله حتى اصبح كما هو الان في المصحف .

وهذا النوع من القراءات يهتم بالتعرف على كيان النص و ذلك من خلال رصد عملية نموه الداخلي من جهة، و من خلال تتبع الكيفية او الكيفيات التي تم التعامل بها معه خلال مسيرته نحو اكتمال وجوده بين الناس كنص نهائي مصون عن الزيادة و النقصان .(?)

و القراءات بهذا المعنى تهيء للقاريء مناخا واسعا لفهم الايات القرانية تفسرا او تأويلا و من دون التقيد بأليات معينة او محددة باطر الاحاديث و المرويات، فهي بذلك اعم من التفسير بالمعنى المصطلح عليه في الدراسات القرانية

هذا بالاجمال بيان لمعنى القراءة المعاصرة للقران، وهو ما اردت الاستهلال به في مقالتي هذه، تاركا الاسهاب في بيان مرتكزات القراءات و بذور نشوئها في الفكر الاسلامي الى محطات اخرى ...وظهر ان هذه القراءات تقوم على اساس ارخنة الخطاب القراني كما يسميها محمد اركون (?)

لكنها في الوقت ذاته تستند على قاعدة مشتركة  مع المناهج التقليدية كالمنهج الترتيبي او التجزيئي القائم على اساس تفسير القران أيه أيه وبحسب ترتيب الايات في المصحف، او المنهج الموضوعي القائم عى اساس استخلاص النتائج في موضوع  ما بعد طرحه على القرأن ككل وان كانت أياته متثوثة في مجموع أيات القرأن .والقاعدة المشتركة هي ان القرأن يفسر بعضه بعضا.

بل يمكن القول ان القرأءات المعاصرة امتداد للمناهج التقليدية و تطويرا لها، لانها تعتني بالظروف التاريخية لزمان نزول القران و بالحالة الاجتماعية لمكان النزول وهذه هي  الميزة الزائدة عن المنهجين، بالاضافة الى ان المناهج ككل  تشترك  في جعل النص القراني  متحدا ومفسرا لبعضه الاخر.

لكن الملاحظ على هذا المنهج انه غريب عن المناهج القرأنية التقليدية وليس امتدادا لها لان الدعوة الى ارخنة الخطاب القراني هي في واقعها ذات الدعوة التي اطلقها علماء اوروبا منذ القرن التاسع عشر بالنسبة للتوراة و الانجيل، وهي الطريقة التي سار عليها و دعا اليها المستشرقون لدراسة ظاهرة الوحي توراتا ام انجيلا ام قرأنا.

فالمنهج المعاصر ليس امتدادا للمناهج التقليدية وانما امتداد للفكر الاستشراقي في فهم النصوص الدينية و اخضاعها للدراسة و التنقيب  و من دون الاعتداد بقدسية النص من عدمه ...واين هذا من القران الكريم الذي لا يأتيه الباطل من بين يديه ولا من خلفه .

ولهذا السبب كان مصير من اتبع هذا المنهج من القراءات ان شكك في قداسة النص القراني والوهيته من خلال تنزيل النص القراني منزلة النص اللغوي و من ثم اخضاعه لعمليات النقد الادبي ....هذا الامر جعل القراء المعاصرون يبحرون ضد التيار الاصولي الذي لم يكتف بعقد المؤتمرات وحشد الجو العام ضد المشروع الذي عدوه عدائيا بل ظلوا يلاحقونهم قضائيا، ولا زلت الصيحات تتصاعد في هذا البلد الاسلامي او ذاك تدعو الى تطبيق عقوبة الاعدام بحق من تثبت عليه دعوى اهانة النصوص المقدسة القرأنية او النبوية

كل ذلك للحد من الموجات المتزايدة التي اعتلت على سطح القرأن و ارادت به كيدا.

وهذا بطبيعة الحال خلل لابد من الوقوف عنده مليا، لكنه خلل في طريقة سلوك المنهج و ليس خللا في المنهج ذاته، خطا في النتائج التي خرج بها القارئ نفسه اذ لكل قارئ مرجعياته الفكرية التي تنعكس على استنتاجاته،و ليس الخطأ في القواعد و الوكائز التي يعتمد عليها المنهج. و لا ننسى ان القضية برمتها قد تكون حلقة من حلقات دائرة الصراع بين الحداثة و الاصولية .

لكن كون المنهج المعاصر من فصيل المناهج الاستشراقية و التي ينبغي طرحها جانبا لانه من مقولة كل بدعة ضلالة و لانه خروج عما اصله السلف الصالح من التقيد بالضوابط الماثورة في التفسير، فأعتقد ان الفكرة ذاتها كانت تقف حائلا امام النصوص النبوية ايضا و بالتالي جمدت الفقه المستمد من النصوص و لقرون مديدة .

و ما يقال عن رجالات هذا المنهج و انهم اناس متطفلون على علوم القرأن و ليس لهم اهلية الاقتراب من القرأن و كشف كنوزه و انهم في الاغلب ممن يتعاطون الفلسفة و هذا الذي جعلهم يتخبطون في استنتاجاتهم و و يحملُون اعبائها على القرأن .

نعم هم كذالك ....مع الاحتفاظ بالفضل لبعضهم في جهودهم المضنية و دراساتهم التي قل مثيلها في الفكر الاسلامي و بالاخص في المجال القرأني، و لسرد قصصهم و جولاتهم في هذا المضمار امر موكول لحلقات قادمة ...

لكن هذا لا يضر ... اذا تسالمنا على صحة المنهج فاليلج الباب من هو اهلا له .

و صحة المنهج من سقمه تظهر في راجحية امتيازاته على ثغراته، و لعلنا لا نختلف في منهج يحقق لنا ما يلي :

*  ان كل كلمة من كلمات القرأن سوف تتعرض لدراسة تأريخية كاملة في مادة مستقلة على حدة . و من الواضح انه اذا ما ذهب هذا المشروع الى نهاياته فأنه سيلقي اضواء تاريخية رائعة على النص القرأني، و سوف نعرف عندئذ جذور كل الكلمات القرأنية و من اين جاءت و ما هي علاقتها بالزمان و المكان، اي القرن السابع الميلادي و بيئة شبه الجزيرة العربية .(?)

*  وحدة في السلوك و الطريقة و ان اختلفت خلفيات السالك الفكرية .

*  انهيار التخندق المذهبي في السلوك، اذ لا تجد قراءة سنية للنصوص القرأنية معتمدة على روايات سنية و بطرق سندية مرفوضة شيعيا . و لا تجد قراءة شيعية للنصوص القرأنية معتمدة على روايات شيعية و بطرق سندية مرفوضة سنيا .

و الكلام لم ينته عند هذا الحد.

 

......................

المصادر:

(?) الصادر بالفرنسية تحت عنوان "Lectures du Coran" .. انظر كتابه "قضايا في نقد العقل الديني " ترجمة هاشم صالح، ط?،  ص??، بيروت 2009 .

(?) محمد عابد الجابري، مدخل الى القران الكريم، نشر مركز دراسات الوحدة العربية، ط?، بيروت 2006 .

(?) المصدر السابق 1/20 .

(?) قضايا في نقد العقل الديني 1/53 .

(?) كلام قاله محمد اركون لهاشم صالح، راجع : قضايا في نقد العقل الديني ص ?? .

  

العودة الى الصفحة الأولى

............................

الآراء الواردة في المقال لا تمثل رأي صحيفة المثقف بالضرورة، ويتحمل الكاتب جميع التبعات القانونية المترتبة عليها: (العدد :2093 الثلاثاء  17 / 04 / 2012)

      

في المثقف اليوم