قضايا وآراء

في سيكولوجيا قمة بغداد / قاسم حسين صالح

فقبلها، وعلى مدى نصف قرن، كانت هنالك قطيعة نفسية بين هذه الشعوب وقمم زعمائها.وكان الناس يسخرون منها على طريقة مظفر النواب:

(قمم قمم قمم، معزى على غنم..وتبدأ الجلسة :لا ولن ولم..وينزل المولود نصف عورة ونصف فم).

 كانت قمم سلطة ..معنية بقضايا تدعيم انظمة قمعية متخلفة لا بقضايا شعوبها.ما كانت ترد فيها مفاهيم من قبيل:الديمقراطية، التداول السلمي للسلطة، كرامة الانسان، منظمات المجتمع المدني.مرّة واحدة طرح فيها، ولمسايرة التحضر!، تشكيل منظمات نسوية تدافع عن حقوق المرأة ..وتشكلت فعلا..وترأسها زوجات القادة!.

 هي القمّة الأولى، بعد 22 قمّة،  التي تتغير فيها وجوه بعضها قريب من الناس، يشعر المواطن العربي ان هذا القائد يتحسس همومه ويتحدث بلسانه وأنه صادق فيما يقول..فيبدأ شيء من اليأس الساكن في قلبه من يوم ولد..يتبدد.والفضل في ذلك يعود لشباب الربيع العربي فهو الذي جاء بدماء جديدة ورؤساء وقادة بينهم مثقفون يمثلون نبض الشارع المأزوم بضغوط الفقر والاحباط وامتهان الكرامة والاغتراب عن الوطن.

 وهي القمّة الأولى التي تختزل فيها قرارات كانت في قبلها بين (40 الى 50)بندا..الى تسعة بنود كثير منها معني بقضايا الشعوب.وهي المرّة الأولى التي يحضر فيها اعلام عربي شعبي..يمدح ويقدح بحرية..يشيد بقراراتها او يصفها بالهزيلة دون ان تكون هنالك مخابرات وأمن يصفيهم او يخفيهم تحت الأرض.

 على أن التحول السيكولوجي الأكبر الذي حققته قمة بغداد هو ان العراق ارتاح نفسيا بعودته الى اشقائه، وأن اشقاءه ارتاحوا نفسيا ايضا بتخلصهم من التقصير بحقه والشعور بالذنب نحوه.وكان على العراق ان يستثمر وجود رئيس كردي يترأسه ووزير خارجية كردي نشط ومثقف وفاعل،  بوصفها  تجربة ناجحة للتعايش السلمي والديمقراطي لمجتمعات عربية تتصف بالتنوع.

 تلك تحولات سيكولوجية مريحة حققت خفضا للتوتر الانفعالي بين العراق واشقائه العرب من جهة، وبين القادة العرب وشعوبهم من جهة اخرى ينبغي ان تفضي الى العقلنة في التعامل.

 ولأن هذا التحول السيكولوجي يشكّل بداية، فانه معرض الى ان ينتكس اذا لم تتحول قرارت اعلان بغداد الى تطبيق عملي تتحقق فيها كرامة الانسان العربي. ومع أن الحال لا يبدو كما وصفه المرزوقي التونسي بان (الفساد والتزييف والقمع انتهى نتيجة الثورات العربية التي انطلقت من تونس)،  وان الأنظمة التقليدية العربية ما تزال لها دور فاعل، وأن بعض الأنظمة الديمقراطية خيبت آمال شعوبها فيها واصابتها بالأحباط والخذلان المّر، وأن شيوخ الاسلام السياسي الذين قطفوا ثمار  ربيع الشباب العربي وسيخلقون لأنفسهم وتخلق لهم المشاكل، وأن المستقر في اللاوعي الجمعي ان القمم العربية نفاق وكذب ووعود عرقوبية وقمة بغداد لا تختلف عنها الا في انفاقها الخرافي، وان دور العراق الذي تسلم الآن قيادة العمل العربي مشكوك في نجاحه لأنه غير قادر اصلا على قيادة نفسه ديمقراطيا واصلاح حال مواطنيه،  فضلا عن أن الأنظمة العربية بين ما تزال غير متقبلة له نفسيا وأخرى تسير في دروب ضبابية .. نقول رغم كل ذلك فان رياح التحول السيكولوجي الحاملة للتفاؤل والطاردة لليأس المزمن ..قد انطلقت من بغداد..وما يجعلنا نطمئن أن بغداد للعرب ..كانت فأل خير نتمنى ان يتحقق بتنفيذ مقررات اعلانها ..والا فان المواطن العربي سيصاب بانتكاسة غسل يديه من الديمقراطية ايضا! التي لن يشفى منها الا بتسونامي من نوع جديد يكتسح هذه المرّة أنظمتها الديمقراطية!.

 

قاسم حسين صالح

رئيس الجمعية النفسية العراقية

 

العودة الى الصفحة الأولى

............................

الآراء الواردة في المقال لا تمثل رأي صحيفة المثقف بالضرورة، ويتحمل الكاتب جميع التبعات القانونية المترتبة عليها: (العدد :2099 الأثنين  23 / 04 / 2012)

في المثقف اليوم