قضايا وآراء

مختصر الخصائص العامة للمنجز الأبداعي التشكيلي العراقي القديم / حكمت مهدي جبار

ونحن نستعيد تأريخها العظيم .فأننا سوف نقف امام أسئلة عديدة تتوالد كلما أمعنا النظر في تلك الحضارة الرائعة التي اذهلت الدنيا . ومن تلك الأسئلة: كيف ظهر الفن في حياة العراقيين القدماء،وكيف أستطاع وعيهم كبشر يعيش مرحلة طفولة العقل الأنساني أن يبتكروا (الصورة الفنية) رسما وفخارا ونحتا، ويشكلوها من خلال علاقاتهم المعقد بالطبيعة؟ ثم ماهي أهم الخصائص العامة للمنجز ألأبداعي في الفن العراقي القديم؟..

أن ما يميز العقل البشري العراقي هو الأبداع بكل ما تعنى كلمة ألأبداع ،من مفاهيم في الخلق الفني والنشاط الهادف الذي يؤدي الى أكتشاف شيء جديد.وقد كان أبن (وادي الرافدين) منذ الأزمان السحيقة قد كيف التحولات المستمرة للعلاقة الجدلية بين وعيه والواقع .ومن ثم تشكيل الصورة الفنية في الرسم والنحت والفخاريات، فضلا عن الشعر والنثر في نسج الأساطير..

صحيح ان الأمم المجاورة التي رافقت العراقيون بحضاراتهم كانت قد شاركت في صياغة افكار للعالم .الا ان (الرافدينيون) كانوا أشد رؤية وتمعنا للواقع وأقوى أيغالا في تفسير الحياة والكون تلك التي اعتورت الفكر الأنساني وأرقته .

ويجمع الباحثون والمؤرخون في الحضارات الأنسانية القديمة على أن المنجز الأبداعي العراقي هو من أقدم المنجزات الأبداعية الذي انتجته البشرية .وهو بذلك اول المحاولات في أيجاد الوسائل والأدوات التعبيرية عن الحياة وقيمها الجمالية عبر الفن والأدب .فماهي الخصائص العامة لذلك الأبداع :-

 1- السبق التأريخي:

يقول ألأستاذ الكبير طه باقر(1) (علينا ان لانكتفي بمجرد الأستشهاد بأجماع الباحثين على قدم حضارتنا العراقية وأنما نعتمد على البحث العلمي أيضا).فنجد أستاذنا الكبير يؤكد على: أن المنجز الأبداعي للعراقيين ظهر قبل ظهور (التدوين) أي أن (الصورة) ظهرت قبل الكتابة.فتناقلت تلك المنجزات شفاها حتى أكتشفت الكتابة لتدون على الواح الطين .وتقصد بالصورة هي تصوير الأشكال من خلال الرسم على جدران الكهوف وصناعة الفخاريات والتماثيل.

 

2 - الأصالة:

تعرف الأصالة بأنها (2)(القدرة على الأبداع والأبتكار في انتاج أدوات و مخترعات أو أعمال فنية أو أدبية .وبعبارة أخرى هي (أمتياز) الشيء أو الشخص على غيره بصفات جديدة صادرة عنه).فأولى الرموز من خطوط وأشكال هندسية تجريدية جاءت على سطوح الفخاريات وألأدوات جاءت أصلية بهيئتها وغير مقتبسة من فنون أمة أخرى أنما تدفقت من الوعي العراقي وخياله الخصب.والتماثيل التي كانت تطبيقات عملية للدين جاءت كما رآها الفنان العراقي أصلية بما يتناسب وأعتقاده الديني.فكان(أنليل) عراقيا شكلا ومضمونا .ذلك الرمز الألهي الذي توحد تحت هيمنته العراقيون.

 

3 - تزاوج الرؤى والأفكار:

تشابهت الأساليب الفنية التشكيلية السومرية والأكدية والبابلية والآشورية الى حد كبير.وتزاوجت الرؤى كمعطيات للحياة العراقية مابين الفراتين من شماله في آشور الى وسطه حيث اكد وبابل حتى جنوبه حيث سومر. تلك هي ملكة العراق الحضارية العظيمة الشاسعة.

 

4 - الحيوية:

عرف المفكرون (الحيوية)(3) بأن لكل شيء ولكل ظاهرة في الطبيعة جوهرا فعالا غير مادي يسيره نحو (الروح). وقد صار مفهوم الحيوية مذهبا مثاليا لتفسير جوهر الحياة. أما في الفن العراقي القديم فقد كان الفنان يرى في الطين والحجر والخشب وبعض المعادن كمواد تتمتع بخصائص الكائن الحي وفق رؤية الفنان وبما يتفق وأعتقاده الروحي فيما يخص صناعة التمثال من تلك المواد لأغراض دينية.وذلك بالتأكيد يتوقف على أحساس وأدراك الفنان ومستوى أبداعه. وبقيت مسيرة الفن التشكيلي الرافديني معطاءة متدفقة بالحيوية لم تتوقف رغم الكوارث الطبيعية والحروب والأحتلالات والنزاعات الداخلية ،ذلك عبر عنها أحد المفكرين المؤسسين لأحد الأحزاب العربية بأن (العراق بلد

حي) كلما تعرض لنكبة أو محنة تراه يستعيد حيويته وقوته من جديد.فعندما أبعد (السومريين) من الحياة السياسية في بلاد الرافدين في الألف الثاني 200ق.م.ظلت ثقافتهم متمسكة بعراقيتها ثقافة للبلاد ةللأرض وللناس ثقافة حية ليتسلم رايتها من بعد (الأكديون).

 

5 - المحلية والعالمية والتأثير بالحضارات الأخرى:

لازالت التأثيرات للفن التشكيلي العراقي القديم كبيرة وعظيمة في فنون الحضارات الأخرى.فمعظم مدارس الفن الحديث قد تأثرت كثيرا بأساليب الفن العراقي القديم.ففي مفارقة ممتعة جاءت في مقالة للأستاذ الدكتور زهير صاحب قرأناها على احدى المواقع الألكترونية يقول فيها(4))):في العام 1978ميلادية عرضت مجموعة من التماثيل السومرية في باريس ضمن معرض أسترجاعي (لفنون بلاد الرافدين) وقد تزامن عرضها مع افتتاح جديد لأعمال النحات الفرنسي الكبير (رودان) وهو من أهم الفنانين في الفن الحديث.

والمدهش هو ان الأحتفال بـ (رودان) قد تحول الى احتفالية بالفنون السومرية.ليدل ذلك ان الفكر المعاصر قد فهم الفنون التشكيلية السومرية بأعتبارها بنيات ونتاجات ابداعية ومرجع للفن الحديث)) .

 

6 - الأسطورية الأيجابية:

رغم أصباغ الفكر العراقي القديم من قبل الباحثين والمفكرين بانه

(فكرأسطوري) وغير منطقي كما هو عليه عند اليونان والرومان.فأن الغالب الأعم من الباحثين اعتبروه (منجما زاخرا يستقون منه أسس الحضارة وأتجاهاتها وعقائدها).وهكذا جاءت الفنون التشكيلية العراقية القديمة رغم نعتها بـ (الأسطورية) لتكون أقدم وسائل التعبير الفني عن موقف الأنسان من الوجود والخلق والطبيعة والكون.

لقد وضع الفنان العراقي القديم أهم ألأسس الفكرية للفن التشكيلي في العالم القديم عندما جعل العلاقة بين الفكر والمادة علاقة عضوية وجدلية في الوجود.وخاصة العلاقة بين الأداة والعمل .وأعتبرها هي المفجر ليس للأبداع الفني التشكيلي فحسب انما لكافة مظاهر النشاط الثقافي والفكري وألأدبي والسياسي والأجتماعي.

 

 

..........................

مصادر

1- مقدمة في أدب العراق القديم – طه باقر – بغداد – 1976كلية ألآداب – جامعة بغداد .

2- مفاهيم في الفلسفة والاجتماع – أحمد خورشيد – بغداد – 1990.

3 - المعجم الفلسفي المختصر – دار التقدم – موسكو – 1986.

4- مقالة للدكتور زهير صاحب – أستاذ تاريخ الفن القديم – أكاديمية الفنون الجميلة – جامعة بغداد - موقع الفن العراقي الألكتروني.iraqi Art

 

 

تابع موضوعك على الفيس بوك  وفي   تويتر المثقف

 

العودة الى الصفحة الأولى

............................

الآراء الواردة في المقال لا تمثل رأي صحيفة المثقف بالضرورة، ويتحمل الكاتب جميع التبعات القانونية المترتبة عليها: (العدد :2107 الثلاثاء  01 / 05 / 2012)


في المثقف اليوم