قضايا وآراء

مقالات الفن والسلطة في العراق القديم أدلجة الفن لصالح الملك .الفن الأكدي انموذجاً / حكمت مهدي جبار

كانوا قد وضعوا مفاهيما جديدة للسلطة والحكم والتي جاءت مستوحاة من الفكر السومري القديم جذر الحضارة العراقية الأول الذي سبقهم .وفترة الحكم الاكدي تميزت كما هو معروف للباحث في تاريخ الحضارات بأضفاء شعور الوحدة الوطنية لدويلات المدن التي كانت قد تناثرت بعد اضمحلال دور السومريين.

لقد وضع حكام أكد مفهوما جديدا للسلطة قائما على القوة والضبط والأنتماء للأرض على أساس الوحدة الوطنية.وكان الفن واحدا من الوسائل المهمة التي اعتمدها حكام أكد في تعزيز وجودهم الوطني ,الا انهم أكدوا على المجد الشخصي والشعور بالعظمة مستعينين بموضوعة تأليه الملك من قبل الآلهة,فضلا عن وضع مفهوم  ينص على أن الأنتماء للوطن لايستكمل شروطه مالم يكن هنالك ولاءً مطلقا للملك.

أن ما جاءنا من لقى فنية ومسلات وتماثيل تشير الى الدور الكبير الذي لعبه حكام أكد من خلال سعيهم (لأدلجة الفن) وأضفاء صيغة (الفن الملتزم) للمنجزات الأبداعية لفناني الشعب لصالح السلطة .وما ان يذكر دارس التأريخ الأكدي سرعان ما يقفز لذهنه شخصيتين أكديتين عظيمتين وهما (سرجون الأكدي) وحفيده (نرام – سين).

أما (سرجون الأكدي)فهو واحدا من أعاظم القادة السياسيين والعسكريين في التأريخ القديم.الذي حكم بلاد (ميزوبوتوميا)(مابين النهرين) في الأعوام

2371- 2316 قبل الميلاد.وهو الذي وحد بلاد سومر تحت عنوان جديد هو الدولة (الأكدية)والتي أمتدت من أرض الرافدين المترامية الأطراف الى الخليج العربي .فتجذرت لدى هذا القائد روحية التزعم ونزعة ألأستيلاء على السلطة في تأريخ العراق القديم داعيا الى ثقافة هيمنة القائد الفذ والشخصية (الكارزمية).

خلف (سرجون الأكدي) خلفاء كثر .الا أن اعظمهم كان هو أبنه الملك (نرام

سين) الذي حكم العراق القديم من عام 2291- 2255 قبل الميلاد.حيث حكم 36 سنة وهي فترة أطول من فترة حكم أبيه.ومن خلال التمعن  بألأخبار التاريخية خصية أكدية والسعي لتوحيد المدن تحت رايته تحت شعار الوحدة .وقد اهتم كثيرا بالفن والفنانين داعيا الى تعظيم المفاهيم الجديدة في السلطة وعلى طاعة الملك والسلطة .ويبدو أن فكرة الهيمنة الوطنية وتوحيد المدن هي امتداد تاريخي ما بين الأب والحفيد.وقد اتضحت تلك السياسات على الممارسات لكل منهما فضلا عن ملامح وجوههم التي تدل على ذلك .

 أختلف المؤرخون والباحثون في عائدية المنجزات الأبداعية التي تعظم من شأن هؤلاء الملوك .فالتمثال البرونزي الذي عثر عليه في الموصل لم تتحدد هويته هل هو لـ (سرجون الأكدي) أم لحفيده (نرام – سين).وكذلك الحال مع (مسلة النصر) التي تجسد صورة لمعركة كبيرة خاضها ألأكديون مع الغزاة المحتلين لم يتحدد فيها من هو قائد هذه المعركة.فقسم يقول انه (سرجون

الأكدي) وقسم يقول انه (نرام – سين).

ومهما يكن من أمر,فأن سمات للفن الأكدي قد برزت وأتضحت وذهبت بأتجاه الواقعية فضلا عن (أدلجة الفن) لصالح السلطة وتعظيم الملك.فنجد في الرأس المنحوت من مادة البرونز والذي يصور رأس لشخصية أكدية اعتقد بعض الباحثين انها تعود لـ (سرجون الأكدي) وآخرون ارجعوها لـ (نرام - سين) نجد أن هناك أيحاءات لمعاني قيادية وملامح حكم وسلطة رصينة وصارمة.

فضلا عن وجود نظرة متأملة لراعي أو مسؤول كبير.عبرت عن التزام واضح للفنان الأكدي بفلسفة الحاكم الأكدي السياسية .أن وقفة متأملة لتمثال رأس هذا القائد الأكدي (سرجون أو نرام سين) تدعوننا للأعتراف ببراعة الفنان في ذلك العصر .فالتمثال رغم بقايا تاثره بالأسلوب السومري من حيث الصياغة ذات الروحية الدينية المتعبدة نجده يتصف بالهيبة والجلال والسلطة وقوة الشخصية حيث ملامح الفخامة والرجولة والهدوء المهيب.ففي العينين نجد النظرة الثاقبة للزعامة الممتدة على طول طريق التفكر بمصالح الشعب .

أن اعظم ما تمكن منه الفنان الأكدي صانع ذلك التمثال هو أضفاء هالة من شعور المشاهد بمسحة الأبتسامة الرهيفة جدا والبسيطة التي اظهرتها براعة الفنان النحات على محيا الشخصية المنحوتة تظهرها تلك الثنية الرائعة لعضلة الشفة العليا وتكور الخدين عبر دراية في تشريح عضلات الوجه.لتوحي بسمات القادة الذين يسخرون من أمور الدنيا الصعبة ومحنها وحروبها ومعاركها.أن دقة التكنيك الفني في نحت رأس القائد الأكدي تظهر مهارة الفنان الأكدي في صقل تلك المعاني الأنسانية على مادة صلبة جدا وهي البرونز.وتدل أيضا على اتباع الفنان لـ (ألأيديولوجية العراقية الأكدية) في النظرة الى الحكم والسلطة ومفاهيم الحياة ألأخرى.مطبقا شعار (الفن الملتزم).

لقد شذب (الفن الأكدي) الكثير مما كان في (الفن السومري) .عندما ربط مفهوم الفن بمفهوم السلطة وجيره لصالحه.

فعندما قام (نرام سين) حفيد (سرجون) بوضع أيديولوجية جديدة .وحد من خلالها المدن التي لم تكن مترابطة في عهد (السومريين).فدعى الفنان لتعظيم شخصيته والتفاخر بأمجاده في الحروب والمعارك.حتى ظهر ذلك في (مسلة النصر) التي تحكي قصة انتصاره على قبائل (اللولوبو) التي غزت العراق.تلك المسلة التي صنعت من (الحجر الرملي) والتي يبلغ ... ففيها نجد اتضاح حقيقة الفكر الأكدي ومنهجيتهم في السياسة والسلطة والحكم والهيمنة والتسلط.والتي جسدها الفنان من خلال أظهار القوة العسكرية والحماس الكبير لقادة أكد.حيث القوانين والأوامر التي لاتقبل النقاش.

أن وقوف القائد منتصبا على سفح الجبل وهو يسحق رؤوس اعداءه والذي تميز بكبر حجمه وهو يصدر أوامره بالتقدم نحو السفح الشاهق لمطاردة الغزاة كان دليلا على ربط مفهوم الألتزام بمفهوم الفن.والدعوة لتعبئته لصالح الملك .وفق الأساليب الواقعية في فن النحت والتي كانت ميزة الفن الأكدي بشكل عام.فنجد أن الجو العام للمسلة يوحي بالقساوة وألأنشاء التصويري مشحون بالعنف أبدع فيها الفنان من خلال توزيع (الفكرات) وفق موضوع قائم على وحدة التنوع.وما تلك الا التزام الفنان بمنهجية الفكر الأكدي الذي قاد الدولة والسعي لجعل الفن في خدمة السلطة في ذلك الزمن السحيق..

 

......................

مصادر

1- مجلة الثقافة الأجنبيةــ العدد الثالث – 2000 – ص 64- مقالة مترجمة.

2- العراق في التأريخ – باب العراق القديم – فصل السومريون والأكديون – ص

 

تابع موضوعك على الفيس بوك  وفي   تويتر المثقف

 

العودة الى الصفحة الأولى

............................

الآراء الواردة في المقال لا تمثل رأي صحيفة المثقف بالضرورة، ويتحمل الكاتب جميع التبعات القانونية المترتبة عليها: (العدد :2111 السبت  05 / 05 / 2012)

في المثقف اليوم