قضايا وآراء

القيمة الرمزية للنباتات: أمثلة من الثقافة الأورو- متوسطية كما يقدمها التاريخ الفني للبيولوجيا

إما بالأساطير أو بواسطة التجربة والأفكار العلمية. ولكن من بين المشاهد الطبيعية حازت الأزهار وتركيب النباتات الصغيرة على أكبر قدر من الاهتمام، جماليا واستطاطيقيا.

و لأنه لا يمكن الفصل بين الواجب والعاطفة، ولأن الغاية الأساسية من الفن والحياة تصوير الجانب المشرق والمضيء، ثم الجوانب الخدمية والنافعة، أقتبس هذه المقتطفات من سلسلة بحوث نشرتها (مجلة العلوم التطبيقية).

جدير بالذكر أنه تم حذف أسماء بعض المراجع من وسط المقالة ومن نهايتها لأنها غير متوفرة باللغة العربية، وربما لأنه لا تعني القارئ غير المختص. وكذلك تم حذف بعض الفقرات من المقدمة لأنها استطراد لغوي وتحيل إلى مفاهيم بعيدة عن اهتمام المثقف بالشكل العام.

 

القيمة الرمزية للنباتات - مقدمة عامة

 يتلقى علماء النبات الذين يعملون في حقول مختصة ... تدريباتهم من أجل دراسات منطقية وسببية تتحكم بها شبكة من الأفكار العلمية. على أية حال، إن عددا من العلماء قد يتوصلون خلال مهنتهم إلى حقيقة مفادها أن الخبرة التي يصلون إليها خلال تطورهم المهني تستفيد بنفس الدرجة من الأفكار الملهمة، الأفكار التي غالبا ما تنجم عن علاقات جديدة أو اكتشافات مفاجئة، لا يمكن اشتقاقها بشكل مجرد من التفكير المنطقي. وبهذا الخصوص للعلم دائما علاقات قوية وتشابهات مع الفن. وقد بيّن باتي هذا بشكل مقنع وأثبت أن هذا النوع من التفكير له علاقة بفهمنا للعالم،و أيضا، بالمجتمع. إن ذلك جزء لا يتجزأ من ثقافتنا العالمية العريضة.

 …….

 

حتى الآن توجد هنالك أديان متعددة وفلسفات تتعامل مع مشاكل من هذا النوع، ولكن بها أو من دونها كان الناس يبحثون عن تفسيرات للظواهر النادرة والمشتركة التي تبرز في حياتهم اليومية. إن هذا النمط من التجارب هو مصدر للرموز ويؤكد بكل وضوح أن البشرية والتفكير البشري بحاجة لما هو فوق الآراء التحليلية التي تهتم بالعلوم الراهنة فائقة التطور (انظر: مقالات باتي، 2002، 2004). وإن عددا من العلماء يفرضون بعض الآراء المقدسة أو الظنيّة على الكون. وإن قدرا لا يستهان به من الشروح الرمزية تكون واضحة في الأساطير والخرافات.

و غالبا يشعر البيولوجيون أن النباتات لا يمكن تفسيرها على أساس آليات بيو كيميائية، فهي ذات مواصفات لها قيمة أكبر مما نستخلصه من مجموع أجزائها (باتي، 2003). إنه ليس من المدهش أو الغريب أن أسلافنا أسقطوا ميزاتهم البشرية والسامية على النباتات.

.........

 

لذلك إن السؤال هنا هو: كيف يمكن تعريف المصطلح " رمز ". حسب معجم أكسفورد للغة الإنكليزية " الرمز هو شيء يشير إلى ويمثل أو يعني شيئا آخر ...، بالأخص شيئا ماديا نتعامل معه كأنه يمثل شيئا غير مادي أو مجرد ". بالتأكيد، إن الرموز النباتية حقل واسع، وإن عددا قليلا منها يمكن الاهتمام به هنا.

 …….

 

و اليوم، بعض الرموزالنباتية نفسها وبعض نواتجها الاستقلابية الثانوية يمكن اختبارها بواسطة العلوم المنطقية والتحليلية من أجل إغناء مستقبل بحوثنا في مجالات الطب والوقاية البيولوجية للنباتات (ويمكن تعقب قائمة من هذا المضمار لدى غرينغ وأحمد، 1988).

 

القيمة الرمزية لورود شهر تشرين الأول

تعتبر الورود من بين أكثر أزهار الحدائق كبرياء في ثقافات متعددة، وقد تلقت اهتماما فائقا في مجال التربية والانتخاب في الشرق الأوسط منذ بواكير التاريخ. وإن الورود الحديثة والمعاصرة قد انتخبت على أساس معايير جمالية، ومعايير الحجم، ثم الشكل والرائحة الذكية، وتواتر تفتح الزهور وتحملها للبرودة ومقاومتها للحشرات والأمراض. إن هذا النبات يمكن الاستمتاع به عند الإزهار في كل وقت من العام، وإن أثره الجمالي الناجم من تفتحه انعكس، وخلال ألف عام مضت، على قيمة رموزه.

يضم الجنس Rosa من عائلة Rosaceae مجموعة كبيرة من الأنواع ونطاقا ضخما من هجن الحدائق.

و بالعادة إن لأزهار الورد خمس سبلات وخمس بتلات وتكون الأوراق مدببة وسيقانها شائكة، وهذه صفة يمكن مقابلتها بسمو أزهارها وبالقيمة الرمزية للوردة. إن الأشواك تساعد على التسلق والحركة، وهي تطرد المتطفلين.

و عموما تعتبر بلاد فارس (إيران) والصين الموطن الأصلي لورود الحدائق الكلاسيكية المعروفة اليوم . وقد حدد كروسمان (1974) الخطوط المحتملة لانتشار ورود الحدائق من بدايات التاريخ وحتى العصور الوسطى. وميز ثيوقراطيس Theophrastes (حوالي 370 – 287 ق. م.) 1 بين أزهارالوردة المفردة وأزهار لها 12 – 20 وحتى 100 بتلة (الإشارة هنا تعود على الأزهار المزدوجة - 2) (سبرينغيل، Sprengel 1822).

و تعتبر وردة فرنسا Rosa gallica أو وردة الخل الأب لعدد من الورود المتوفرة في حدائق المحميات الآثارية، وإن طرزها البرية منتشرة في جنوب ووسط أوروبا. وإن هذا النوع يتصف بميله إلى تحويل الأسدية (3 ) إلى بتلات (الزهرة المزدوجة)، بالأجزاء البيضاء الداخلية من البتلات، وبالسبلات الشوكية المنعكسة.

و تسمى الوردة غالبا " ملكة الأزهار ". وفكرة أن الوردة تعبر عن أرقى أشكال الزهور قد جاءت أصلا من بلاد فارس، ومن هناك انتشرت إلى الهند وعبرت الشرق الأوسط حتى وصلت إلى أوروبا. وتستخدم زهور الورود بشكل واسع حتى اليوم كرمز على الحب والجمال، وهي تثمّن بسبب شكلها ورائحتها الذكية. وإنها ترتبط غالبا بالنبالة وتمنح للقادة والمتميزين، كما هي الحال في فترة حكم تيودور (4) ، وفي ولايات الأزهار مثل تكساس وألبرتا، وسوى ذلك. وإن الوردة هامة أيضا من ناحية الرائحة وفي الطهي، ولكن أزهار الورد تبقى رمزا معترفا به عالميا.

و إن أقدم وثيقة مكتوبة عن استعمال الورود من قبل البشر جاءت من بلاد وادي الرافدين. وقد وجد السير ليونارد وولي في المدافن الملكية لأوروك، المركز الثقافي للسومريين (والآن هي أطلال تدعى واركا، وموقعها جنوب العراق)، نصا على رقّ بلغة مسمارية يتحدث على مآثر ساركون الأكادي (القرن 24 ق. م.) في الحروب، الذي امتدت إمبراطوريته من غرب بلاد فارس إلى أطراف آسيا. لقد عبر الأكاديون جبال طوروس وعادوا وبحوزتهم عنب الكروم والتين والورد (انظر: هاينز – موهر وسومير 1988؛ بيوخيرت 2004).

و منذ أيام الإغريق القدماء، رسمت على الأرض لوحات موزاييك، عليها باقات ورود لها أزهار مزدوجة (المثال: أكروبوليس الأناضول، الآن تركيا)، وفي الفترة الحالية، أصبحت الوردة نباتا يدل على أفروديت ربة الحب. ولدى الرومان كانت الورود هي أزهار فينوس (قرينة أفروديت)، وكانت ترمز للربيع والحب الجمال والفتنة، وكذلك لحالة التحول . وهناك أكثر من برهان أنها كانت توضع في إطارات كبيرة تزين المستنبتات، وأيضا الحدائق الخاصة. وتبيّن جدارية في بيت من بومبي شكلا مزدوجا من وردة الغال في إحدى الحدائق. وقد تم نسخها بطريقة في غاية الواقعية والطبيعية (القرن 1 ق. م.).

و في المسيحية أصبحت الورود نباتات رمزية تدل على مريم العذراء. وفي الإسلام، كانت الوردة البيضاء مقدسة ولها علاقة مباشرة بالنبي (بيوخيرت، 2004). وفي العصور الوسطى للمسيحية، كانت الورود غالبا ما ترسم على اللوحات فوق المذابح، ومن أشهرها لوحتان لستيفين لوخنير ومارتن شونغوير بعنوان " مريم في بستان الورود " (كلاهما تعودان للقرن الـ 15). وبمقدور المرء أن يرى الوردة كتزيينات منحوتة على الحجارة في مبان رئيسية وكنائس كبيرة هي من شواهد الفن المعماري. وتجد عدة أواصر في تاريخ الفن بين الورود أو الوردات والصليب لو تفحصنا بدايات الفن المسيحي. وهناك لوح من منقوشات بيزنطية معروض في متحف كورنثيا، محفور عليه ثماني وردات، كل منها متشابكة مع جارتها، بالإضافة إلى إطار من نقوش تمثل الورود فقط، وهي تحيط بالصليب، ليكون صليبا يدل على الحياة.

 

الورود في العصور الحديثة

و في البلاد الاسكندنافية وهولندا توجد مدرسة خاصة برسم الأزهار وقد نشطت بين نهاية القرن الـ 16 ووسط القرن الـ 18 (هيرز، 1985). وكان مؤسسها يان بروغيل الكبير (1568 – 1625)، ابن بيتر بروغيل الكبير، وقد وضع صوره في إطار من الزهور التي لها علاقة بموضوع صوره. وفي لوحة مريم والطفل وإليزابيث، كان جون المعمّد والملائكة والمشاهد الطبيعية محاطة بزهور بساتين غنية بالورود.

وقد أكدت المدرسة الألمانية على متعة الحياة الغنية بالنباتات. وكان هذا مبشرا بالانتقال إلى توظيف الزخرفة بالورود على نحو أوسع في القرون القادمة. وإن لوحات رائعة لأصناف الورود قد تم إنتاجها لمصلحة التاج الفرنسي بريشة ريدوتRedouté (1759 – 1840) 5. وإن سوق الورود اليوم له قيمة تعادل مليارات الدولارات سنويا، ولا تزال الوردة مفضلة على مدار الأعوام، وبالأخص أنها علامة تعني الحب. ولذلك لم يكن من السهل نسيان معنى أو دلالة الوردة .

 

القيمة الرمزية لنباتات شهر تشرين الثاني - الهندباء البرية نموذجا

و في البلدان الشمالية لا تزهر غير نباتات برية قليلة في شهر تشرين الثاني، ولكن سوق الهندباء التي تجف بالتدريج فإنها تواصل النمو حتى في الشتاء البارد. إن الأزهار الزرقاء الحادة تظهر بدءا من أواخر الربيع وحتى نهايات الخريف، وإن الجذور المعمرة القوية والأزهار ذات الأوراق المستوية تحمي النبات طوال فصل الشتاء. لذلك لا غرابة ولاعجب أن الهندباء هي رمز للبقاء والانتظار الطويل ورمز لحراسة الشهداء في فترة العصور الوسطى. وكانت لها أيضا قيمة غذائية ودوائية.

**

 

ينمو نبات الهندباء البرية بريا على أطراف الطرقات في البلدان الدافئة من أوروبا وآسيا والولايات المتحدة وكندا، وكذلك في أستراليا بجنوب العالم.... وفي الدراسات التاريخية، كانت تستخدم الجذور اللحمية الطرية للهندباء البرية (نوع إنتايبوس intybus) كخضار للطعام ولأغراض طبية متنوعة. وبدأت زراعة الهندباء كمصدر للغذاء في القرن الـ 17 (انظر مارزيل، 1935 ؛ ريفوليير 1985)، وكانت المأدبة الرومانية تحتوي على الهندباء منذ قديم الأزمنة. ولقد ارتفعت قيمتها في القرن الـ 18، حينما اكتشف رجل حدائق أنه يمكن تحضير جذورها مع التوابل بعد التحميص، وتقديمها كمقبلات، أو يمكن أن تحل محل القهوة، التي تعتبر في تلك الأوقات ضيافة مرتفعة الكلفة. وعند التحميص إن مادة الإنيولين فيها تتحول إلى (مركب hydroxymethyl furfurol) يمنحها تلك النكهة المشابهة للقهوة المحمصة، وقد تم الإستفادة من هذه الصفة على نحو واسع في فترات القهر الاقتصادي وفترة الانحدار طوال القرون الـ 18 و19 و20، ضمنا نذكر الحملات النابليونية في أوروبا، وكذلك طوال أيام الحرب العالمية الثانية (انظر: فرانكي، 1997). واليوم تزرع الهندباء بطرز ثنائية الحول وكان من الممكن استنباط هجن بالانتخاب والتربية إما لقيمة جذورها التي تؤكل مسلوقة، أو لأزهارها غير الداكنة التي تستخدم على نطاق عريض في السلطات، وتعتبر الصين والولايات المتحدة من أكبر منتجي الهندباء. ...

**

 

و يعتبر نمو الهندباء على أطراف الطرقات إشارة سحرية. كانت أطراف الطرقات أرضا مشاعا، وأماكن للوهم يتجول فيها الشيطان ليلا، وفيها تدفن جثامين المنتحرين (انظر مارزيل 1935، كانديلير 2006). وكانت الهندباء بين النباتات البرية مثالا فاتنا بأزهارها الزرقاء، ويذكر لها في الماضي قيمة تطهيرية، أي فعل مقاوم للشياطين . وقد استمر هذا منذ القرون الوسطى حتى القرن الـ 17، حيث كانت تنتشر مشاعر التشاؤم خلال موسم الحصاد وأثناء استخداماتها الروتينية (مارزيل، 1935). وتقدم ما يسمى " كتب الرحمة " التعاليم الدقيقة لجني هذا النبات ن كما يلي: احفر حتى تستخرج الجذر الوتدي في أيام معينة من السنة (يوم القديس بطرس أو القديس بولص أو القديس جيمس)، وذلك في ساعات معينة (مثلا الثانية إلا ربعا بعد منتصف الليل) وبواسطة أداة محددة (قطعة من الخشب تعرضت لعاصفة من البرق، أو قرون وعل، أو قطعة قروش معدنية). وعندما يوضع هذا الجذر على الجسم، وهو مربوط في قماش نظيف، يمنح الحماية من الأعداء، أو يكون درعا مضادا للرصاص، وقد يشطر الخناجر إلى شطرين، وربما يمزق الحبال. وإن جذور النباتات ذات الأزهار البيض قد تحمل القدرة على الحماية من النيران المستعرة (بيهلنغ، 1967).

أما القيمة التطهرية للهندباء فهي واضحة في بعض اللوحات التي رسمها فرانشيسكو فرانسيا منذ النصف الثاني للقرن الـ 15 وفيها تبدو مريم والطفل (اليوم معروضة في ألتي بيناكوثيك، ميونيخ). وتصورهما اللوحة في بستان أزهار مع المسيح طفلا وهو مضجع على وسادة. ومن جملة النباتات التي تنمو حول الطفل تجد عينيتين من الهندباء البرية لحماية الطفل المولود حديثا (كاندلير، 2006).

و استخدمت الهندباء أيضا كرمز يدل على قوة حراسة الشهداء، ويمكن رؤية ذلك في مذبح القديس أوغسطين، فترة 1487 . وفي إحدى تلك اللوحات، يظهر القديس سان سيباستيان مربوطا بجذع شجرة، والسهام تخترق جسده، ومعها باقة كبيرة من نباتات الهندباء التي تنمو عند قدميه.

 

الترجمة والإعداد: صالح الرزوق

[email protected]

ت 1 2009

 

.................

هوامش المترجم:

1 – ثيوقراطيس: رئيس مدرسة اللوقيوم بعد أرسطو.

2 – أزهار لها صفوف متعددة من البتلات.

3 – الأسدية: هي الأجزاء المذكرة التي تقوم بالتلقيح في الأزهار، ويقابلها المدقة وهي الجزء المؤنث.

4 – العائلة الملكية التي كانت على رأس التاج الإنكليزي في الفترة 1485 – 1603.

5 – بيير جوزيف ريدوت: رسام فرنسي مختص برسم الورود.

المؤلفان: كيندلير يعمل في جامعة علوم الأحياء بالنمسا، وأولريش يعمل في جامعة دارمشتات للتكنولوجيا في ألمانيا.

 

...................

المصدر:

 Symbolism of plants: examples of European-Mediterranean culture presented with biology and history of art: General Introduction , October: Roses , November: Chicory , by: Riklef Kandeler and Wolfram R. Ullrich. Journal of Experimental Botany: 60 (1and and 13 and 14 ), 2009.

 

 

 

 

............................

الآراء الواردة في المقال لا تمثل رأي صحيفة المثقف بالضرورة، ويتحمل الكاتب جميع التبعات القانونية المترتبة عليها. (العدد: 1196 الثلاثاء 13/10/2009)

 

 

 

في المثقف اليوم