قضايا وآراء

القضية الكردية وحق تقرير المصير (2-2) / قاسم حسين صالح


فمن جهة، هنالك التحدي المتمثل في كتابة تاريخ الحركة القومية الكردية كما نشأت في بلدان الشرق الاوسط الحديث. ومن جهة اخرى، هنالك التحدي الذي يطرحه ربط قضية الحركة القومية الكردية في اطار علوم الاجتماع حول طبيعة القومية .

ويوضح الباحث انه ينبغي النظر الى صعود اي نزعة قومية لا بمفردات ما تؤكده النزعة القومية نفسها، بمعنى تنامي الوعي والتنظيم القوميين  فحسب، وانما في سياق صراع الدول وضعف الدول المهيمنة، او تحولها .ويعلق على الوضع في كردستان بقوله " أننا امام واحدة  من أسطع المفارقات التأريخية في اطار النزعة القومية الكردية،ففي حالات عدة،تولت تنظيم الحركة القومية الكردية أحزاب تعلن التزامها برؤية اشتراكية أو ماركسية،وتتوجه الى "الطبقة العاملة" مثل كوملة kamala في ايران وحزب العمال الكردستاني في تركيا.

ويرى باحث آخر(تيدى) أن اهمية سياق الدولة القومية للنزعة القومية الكردية يتبدى في مسألتين .الأولى، ان الدولة القومية توفر ما يؤكد البعد الحقيقي للحركة القومية الكردية لا البعد المرتبط بالطموح .والثانية،ان الحركة القومية الكردية تعلن عن وجود شعب كردي موحد يهدف الى اقامة دولة واحدة فيما الواقع يؤكد ان تأريخ النزعة القومية الكردية الحديثة هو تأريخ ثلاث حركات متمايزة بسياقات وحملات مختلفة، ولكل منها طابع مختلف عن الاخرى،وكثيرا ما اتخذ هذا الاختلاف شكل تحالفات مع دول المنطقة (تركيا،ايران،العراق) ضد جماعات كردية أخرى في الدول ذاتها.

ويضيف: ورغم أن غالبية القوميين الكرد يراودهم حلم كردستان موحدة ومستقلة، فان قادة كرد ايران والعراق، كانوا عادة، يقصرون مطالبهم، لاسباب برغماتية، على تقرير المصير في اطار الدول القائمة، أي التمتع بالحكم الذاتي سياسيا وبالحقوق الثقافية .وقد امتنعوا عن المجاهرة بمثل الوحدة القومية الكردية .وعندما شهدت الحركة الكردية انبعاثا جديدا في تركيا ابان الستينات، في اطار حركة اليسار المتجددة أولا، كانت أولى مطالبها الاعتراف بوجود الكرد، والحقوق الثقافية والتنمية الاقتصادية .

ويرى  عباس ولي استاذ نظرية السياسة بقسم العلاقات الدولية بجامعة ويلز ان الكرد يشكلون اكبر امة بلا دولة في العالم المعاصر . اذ يعيش حوالي ثلاثين مليون كردي في كردستان تحت السلطة القومية لاربع دول ذات سيادة  (تركيا وايران والعراق وسوريا)،تنكرر، بطرائق مختلفة، وجود هوية قومية كردية، وتقمع مظاهرها الساسية والثقافية و بقوة السلاح .

لقد أسفر تقسيم كردستان بعد الحرب العالمية الاولى وما ترتب عليه من تنوع بنيوي في المجتمعات الكردية التي تديرها أنظمة سياسية واقتصادية مختلفة، عن حرمان الكرد من الوحدة السياسية والتلاحم الثقافي .واتخذت التنظيمات والحركات السياسية الكردية المنتشرة في كردستان المقسمة منذ عام 1918،أشكالا متباينة وعملت من أجل أهداف مختلفة .و لكن التصدي لانكار الهوية الكردية ومقاومة الهويات"القومية"المفروضة  يبقيان السبب الاساسي للثورات الكردية ..ويحدد ديالكتيك الانكار والمقاومة الشكل السياسي للقومية الكردية وطابعها.وأهم ما يواجه الكرد في بناء الدولة انهم يفتقرون الى ترصين هوية مشتركة توحدّهم في الأجزاء الأربعة،ويفتقرون ايضا الى لغة كرديو واحدة.

 

سيكولوجيا التغيير في حق تقرير المصير

مع ان الكرد في اقليم كردستان العراق قدموا تضحيات هائلة من الارواح، افجعها احداث حلبجة والانفال والبرزانيين، الا انهم ما كانوا ليحصلوا على ما هم عليه الآن لولا التدخل الخارجي الذي اطاح بالنظام العراقي السابق، ولولا ان الاغلبية العربية وقع عليها نفس الظلم والقسوة والاضطهاد التي مارسها النظام الدكتاتوري ضد الكرد التي وحدّت غالبية الشعبيين في معاداة النظام والعمل على اسقاطه.

هذا يعني ان الكفاح المسلح في العراق ما كان قادرا على اسقاط النظام..برغم الفجوه النفسية الكبيرة بينه وبين غالبية العراقيين، وبرغم ما سببه للناس والوطن من فواجع وكوارث ودمار وحروب عبثية كان لتركيبة شخصية صدام حسين المصابة بالبرانويا وتضخم الأنا دور في اشعالها.

 

  وتأسيسا على ذلك،وبعيدا عن تفاصيل ماجرى وكيف تسلمت سلطة الائتلاف امور الحكم في العراق وتسليمها من ثم لمجلس حكم بتركيبة غير سليمة، فأن الحدث مستبعد جدا ان يتكرر في تركيا، ومحفوف بالمخاطر ان وقع في ايران، وليس بذي قيمة كبيرة للكرد ان وقع في سوريا.

ان هذا الحدث الكبير وما صاحبه وتبعه من تداعيات احدث تغييرا جوهريا في سيكولوجيا التعامل مع حق تقرير المصير، للشعب الكردي بشكل خاص. فلم تعد خارطة الطريق لتحقيق الحقوق المشروعة تمر عبر الكفاح المسلح..ليس فقط لأنها مكلفة ومستنزفه للطاقات، بل لأنها لا تحقق الهدف بمفردها، ولأنها اصبحت محرجة للكرد في اقليم كردستان العراق الذين حققوا اغلب حقوقهم المشروعة.فمع تأكيد نائب رئيس الحزب الديمقراطي الكردستاني السيد نيجرفان بارزاني على ان الحزب "أكد مرارا انه مع استمرار الشعب الكردي في الاجزاء المختلفة من كردستان بدول الجوار" الا انه اضاف بأن " زمن اللجوء الى السلاح والعنف قد ولّى"..وأنه "ضد تحويل اقليم كردستان العراق الى ساحة حرب".

ان التغيير السيكولوجي الجديد ينبغي ان يقلل من استخدام (البندقية)، ويزيد من استخدام (القلم) في التوعية بالقضية الكردية، وان تستهدف شعوب المنطقة بشكل خاص.وهنا قد اختلف عن محللين سياسيين في انني ما عدت اخشى على القضية الكردية من الحكومات قدر خشيتي عليها من جماهير جرى شحن وعيها بانفعال الطائفية من عقول سياسية صنعتها أزمات امتلكت السلطة والثروة واشاعت فسادا ماليا واداريا خلخل المنظومة القيمية والأخلاقية وأضعف او عطّل  الحس الوطني والأخلاقي والانساني الذي كان يوحّد العراقيين في تظاهرات احتجاج تخيف السلطة ان اشعلت حربا في كردستان .وجماهيرعراقية واسعة تتحكم بها آليتان سيكولوجيتان،الأولى:سيكولجيا الاحتماء التي تتحكم بالانسان حين يتعرض لخطر يشبه الاعصار..اي بدون هدف محدد، كالذي حصل بين عامي 2006 و2007 حيث اضطر الشيعي الى الاحتماء بطائفته واحتمى السني  بطائفته والكردي بقوميته...وهذا قانون سيكولوجي تحكمه نزعة البقاء لدى الانسان. والثانية:التعصب القائم على ثنائية (نحن) و (هم).ومشكلة المصاب به انه (أحول عقل) يرى ايجابيات جماعته ويضخّمها ولا يرى سلبياتها..ويضّخم سلبيات الجماعة الأخرى ولا يرى ايجابياتها .فضلا عن انه مصاب بخاصية التعميم،اي الحكم على جميع افراد المجموعة دون استثناء،فان قال أحدهم،كمثال، أنه (مصلاوي)حكم عليه الآخر بانه بخيل مع ان بين اهل الموصل من هو اكثر كرما من اهل بغداد..وهذه هي الصورة النمطية التي يحملها الشيعي عن السني وبالعكس،والعربي عن الكردي وبالعكس السائدة لدى جماهير عريضة بين افراد الشعب العراقي، تكاد هي التي تقرر من يأتي الى البرلمان وتحديد نوعية الحكومة التي تقود البلاد والعباد.

وهذه مسألة ليست سهلة،لآنها تتطلب ان تقوم على فهم سيكولوجيا الاقناع وآليات تغيير الاتجاه. فالرسالة القادمة من مصدر كردي التي تتحدث عن الحقوق المشروعة للشعب الكردي والموجهة الى متلقي عربي لن تحدث تغييرا في اتجاه العربي حتى لو توافر فيها عنصر الموضوعية، لكن الرسالة نفسها لو صدرت من عربي الى عربي يمكن ان تحدث تغييرا ايجابيا في الاتجاه..شرط ان يكون هذا (العربي) يتمتع بالمصداقية،سيما وأن لدى الناس شهية قضم السمعة ولصق التهم.

وعليه فأن فكرة (التجمع العربي لنصرة القضية الكردية) هي وسيلة ناجحة في توعية الشعب العربي في العراق بالحقوق المشروعة للشعب الكردي، شرط ان يكون هذا التجمع حرا في قراءاته وقراراته..ومستقلا عن تأثير ايه سلطة رسمية، وغير مرتبط بحزب او جهة سياسية داخلية او خارجية، وان يثبت عمليا انه يهدف الى خدمة قضية انسانية،ويعمل ليس فقط على نصرة الشعب الكردي بل ونصرة الشعب العربي من حماقات بعض حكامه،ومن حاكم ينطبق عليه قول نزار قباني:

(كلما فكرت ان اعتزل السلطة ..ينهاني ضميري

كلما فكرت أن أتركهم ..فاضت دموعي كغمامة

فتوكلت على الله ..وقررت ان اركب الشعب

من الآن الى يوم القيامة).

 

في ضوء ذلك نوصي بالآتي:

1- ان نجاح التجمع العربي لنصرة القضية الكردية في تقديم خدمة خالصة، يشجّع على ان نوصي بتشكيل (تجمع تركي لنصرة القضية الكردية) في تركيا، (وتجمع ايراني لنصرة القضية الكردية) في ايران..وان يتولى التجمع نفسه تحقيق ذلك.

2 - انشاء مركز اعلامي وبحثي في اربيل،غير مرتبط بجهة سياسية، يتولى ادارته مفكرون عرب من ذوي الخبرة في ميدان الاعلام وسيكولوجيا الاتصال،يعمل على وضع استراتيجية تهدف الى توعية العراقيين بحق الشعوب في تقرير المصير وحق الشعب الكردي في منحه الحقوق القومية المشروعة،من خلال منجزات اعلامية بينها انتاج افلام عن مشاركة الكرد في ثورة العشرين، واحياء مشاعر المحبة  التلقائية الصادقة بين الشعبين..وكيف تجسدت في استقبال العراقيين العرب لملآ مصطفى البرازاني يوم دخل العراق عائدا من الاتحاد السوفياتي،وآخر يصور كيف امتزجت دماء العرب والكرد على ارض كردستان في كفاحهم المشترك ضد الدكتاتورية "**".

3 - البحث عن مصادر تمويل محايدة تؤمّن ديمومة نشاطه وتحويله من مؤتمرات سنوية الى نشاطات يومية مستدامة على وفق استراتيجية تقرها الهيئة العامة للتجمع.

4 -منح العرب المقيمين في الأقليم من عناصر هذا التجمع أقامة دائمية تساعدهم على التحرك بحرية والخروج والدخول الى الأقليم بسهولة.

 

تمنياتنا لمؤتمركم بالنجاح ..

ولتسعد كل الشعوب بحقوقها الانسانية المشروعة.

 

العراق – اربيل

3/5 /2012

 

..................

(**)    طرحنا هذا المقترح على السيد رئيس الأقليم الأستاذ مسعود البرزاني في اللقاء الذي جمعنا بسيادته عصر يوم السبت 5/5/2012 في منتجع صلاح الدين فوافق عليه مشكورا ..مع تأكيد طلبنا أن يديره أكاديميون واعلاميون عرب وأن يكون مستقلا.

 

 

تابع موضوعك على الفيس بوك  وفي   تويتر المثقف

 

العودة الى الصفحة الأولى

............................

الآراء الواردة في المقال لا تمثل رأي صحيفة المثقف بالضرورة، ويتحمل الكاتب جميع التبعات القانونية المترتبة عليها: (العدد :2120 الأثنين  14 / 05 / 2012)

في المثقف اليوم