قضايا وآراء

صحة استحكام الأيروتيك عند جوزية حلو .. قراءة في قصيدة: أوهام وعشاق / جعفر كمال

إحداها عن الآخر في الطبيعة النفسية بنسبة قاطعة. بل نجدها في مواقع عديدة متضادة بحيث لا تتصل بمثيلها إلا بجزئية معينة، كذلك وبنفس النسبة لا تلتقي ميزاتها النفسية، كما عبرت عنه الشاعرة، وتنتقده بأثر ردة فعل شائن من الحبيب، حيث تخبرنا:

أخطائي بعض عشاق جدد

هواجسي خيبات هاوية في العدم

ومثل ذلك يقال عن مظاهر الوحدة الروحية، كيف تصيب العاطفة نواجيها من تضاد شغلانية إرادتها، التي تختفي منها الروابط العقلية المشتركة، وما تصبه من بوح يتفاعل مع الآخر، فتجعلها كنشوء البرعم في عمق الوجد، له مكان حميمي يورق ويبقى يسري باحثاً بحسية باصرة، نبوغ خطوة تهمس بلوغ ثورتها المحمومة، التي تصحب التجلي إلى المبتغى المعني بتلك العلاقة التي تتطلب تحري الدقة، وتبتعد قدر الامكان عن الشعور بالعقم والملالة، وهذا ما قاله ابن قتيبة: "ما عاتبَ الحرَّ الكريمَ كنفسهِ = = والمرء يُصلحه الجليسُ الصالحُ *" أي إنها تقوده بما اشتملت قدرتها إحكاماً وإتقاناً من صناعة حذقة تتصاعد فيها اللوعة العشقية كالسنة النار تتحد ببعضها، وتتشظّى، لتعود تتحد ثانية في تلاقح بنية يصعب فك كيانها، فنقول أن الوحدة الفنية بنيت على أساس شكوى روح الشاعرة، بقولها:

عُشاقي شعراء لم يدركوا أوهامي

يغلقون الباب خلف قصائدهم ويرحلون

أين موقع الانتقال من علاقات بنيت على أخطاء؟ مع عشاق بنوا الأوهام ومشوا فيها، مع إنهم لن يدركوها، لأن المساحة بين الأوهام والواقعية ناشدتها الشاعرة بخيبة أمل لم تحقق لها طموحها الإنساني، ولأنهم هكذا خارج الحاجة، لم تطلب الشاعرة منهم المزيد، إنما جعلت من أولئك العشاق ينتفعون من الشكل ويجهلون المضمون، لأنها أي البطلة دخلت دائرة المجاز، فأصبحت موجة شبق لا تهدأ ولا تتوقف إلا عند ساحلها الأخير، وقد أحسنت الشاعرة المصافات، بما يليق بما هو قابل للمحاسنة في التأليف المتوازن، وتجعله قانوناً متصلاً بالتكوين والمنطق، فالعلاقة الروحية التي تنشدها الشاعرة لا يمكن أن تغذي الفكر والعاطفة بآن، وإن كانت تلك المشاعر تتجه إلى البوح الجسدي، أن تسمي الأعضاء بأسمائها وتعتبره فائض المقصود في معالجات النص، وتتحمل قيح الردود المتخلفة، فهي تستخدم هاتين القوتين "الفكر \ الإرادة" لتنفذ من خلالهما إلى المكاشفة النوعية، التي تتكئ عليها حاجة الشخصية الشعرية، مأخوذة بدوافعها النفسية والفنية المقرونة بقوة الموقف ومتانة الأسلوب.

ابتدأت الشاعرة قصيدتها بالموازنة، بين ما هو غير جدي في العلاقة، وبين أخطاء الاختيار، وأحكمت أجنحة النص باتفاق المعاني، وهذا يحسب لها ببعد التوليفة البلاغية المأخوذة من شكوى الشاعرة، وإرهاصات النص الروحية، لأنها تحتكم إلى البليغ، أن يحقق السهولة، ويكسب التراكيب الفنية صفة الشفافية، كون الشاعرة لم تتحامل على البعض من عشاقها بعلاقة سلبية، أو النعت السئ أو القذف، "كما تفعل بعض "الشاعرات".". بل كانت لهم حَلُولا متى عشقوها ورائحة الغار تسكن جسدها، ولعاب سفرجلها يفيض من لمسة، في قولها الناري:

حين يشرع الليل مجونه تحت قميص نومي

ترتعش النجوم بين شهوة أصابعك

شفتاك حرير تحت لساني

أنت ظل على نهدي العاريين

والساقين المرتجفين هياما

يتكسر أول الصباح قبلة

وهذا القول يغنيه الصدق، وتؤكده المصارحة، ويغذية الاعتراف بشهوة الوجد والمناجاة السائرة على نزعتها المتحررة، التي تعالج من خلالها بنية اللفظ والمعنى بمشادات العاطفة والخيال والفكرة، وإن تفاوتت في المقدار والنوعية بين رجل وآخر، خاصة حين تنداح رغبتها فتطلب شفتيه تلعق لسانها كما تلعق رحيق رطب القنطار، وما سواهُ طعم شذى الريحان، وليس "الحرير، فالحرير لا يصلح أن يحل محل العناب مثلاً، وإن كان ملمسه ناعما لكنه خال من الطعم، فأصبح هذا البيت فقير الرونق، حين ذهبت منه روعته، لأن الشعر لابد له من ذوق نحوي بليغ، كون القبلة لا ترتشف الحرير بلذتها، وخاصة إذا كانت تلك القبلة من اللسان، وهذا قبيح لأنه لا يمكن أن يستوي التركيب بمعناه فنا ولغة، والقبلة تهيم بالعاشقين بالطعم الحلو ورائحة المسك، إلى غياب عن الوعي يدثره اللا اهتمام بما يدور بمن حولهما، ولأنها لا تعرج على رغبة أو تتمنى وجب التفكير بلفظة تتحد غايتها ومعناها مع السياق بحرية حنونة، فهي بقدر ماهي تشتاق لفعل فاعل شجاع، وإن حابها هبوب يلوحها يكون ظله عرق نهديها، فالمحبوب موجود ملهم لها عواصف شهوانية تثور في وجدها، وحين تصرخ به، أن رسم نهدي هو طموح يأخذني حتى المنتهى من اقترابي منك، وتجيب بوحدانية جنس يسكنها على جهة التشبيه:

أضمك ببرق التسعة أشهر

حتى يسقط الليل ثانية

وألده وأسميه بأسمك

النظر في هذه العبارات الشعرية إنها اشتملت المجازية، كالاستعارة والتشبيه، فالتوليف ناشج فائدة البوح اللغوي بالانفجارية المباحة، حتى إنها تتبني الولادة بعد صبر تسعة أشهر أن تكون هي نزوتها الكبرى، لأن الوجع الذي تسببه تلك الولادة أجمل ما تحسه الشاعرة، ربما كونه حريق رحيق يغذي روحها، ولا ضير أن تسميه بأسمه ليكون الأسم ماثلاً أمام عينيها طوال العمر، ربما يعيد صخب ذكرى معينة بكل تفاصيلها.

كما قلت لك سابقا أيتها الشاعرة الحلو، إنك واحدة من سادخل نصوصهن على مهل. من خلال كتاب جديد يختص بشاعرات الأيروتيك. حتى وأن هُددتَ من إحداهن ثانية، وثالثة، وعاشرة وأنت تعلمين هذا.

 

للاطلاع

أوهام وعُشّاق / جوزيه حلو

 

جعفر كمال

........................

هامش:

1-       الشعر والشعراء ص4 طبعة الخانجي

  

 

تابع موضوعك على الفيس بوك  وفي   تويتر المثقف

 

العودة الى الصفحة الأولى

............................

الآراء الواردة في المقال لا تمثل رأي صحيفة المثقف بالضرورة، ويتحمل الكاتب جميع التبعات القانونية المترتبة عليها: (العدد :2124 الجمعة  18 / 05 / 2012)

في المثقف اليوم