قضايا وآراء

قراءة تشكيلية في(*) جدارية النصر لـ ( آشور بانيبال) ضد (تيؤمان) ملك عيلام الفارسي / حكمت مهدي جبار

وجداريات براعة الفنان الآشوري في أستخدام التقنيات الفنية التي فرضت شخصيتها على مسيرة الفن في العالم منذ ذلك الزمن السحيق وحتى يومنا هذا.

وقد أمتاز الفن ألآشوري في فن الجداريات أيما تميز عن باقي فنون الأمم الأخرى.حيث كان هذا الفن قد نشأ ولأول مرة وبلا منازع في أرض الرافدين منذ أن انقدحت شرارات الأبداع العراقي السومري وألأكدي والبابلي ومن ثم ألآشوري حتى اذهلت الدنيا بروعة أداءها وأستخدام ادوات تنفيذها.

وفي هذا الصدد يقول الأستاذ *(علي العلي) أن فن الجداريات نشأ لأول مرة في بلاد الرافدين ثم تبعه في مصر حوالي 300سنة ق م وهذا الفن عندما نقل الى اوربا تأثر به الفنانون الأوربيون الكبار وحفزت فيهم الأبداع وتعددت معالجاتهم لموضوعات كثيرة في الفن الحديث ,أمثال - جيوتو- أوسيلو- مايكل انجلو.وآخرين...

في قراءة متمعنة لجدارية نفذها فنان آشوري في عهد (آشور بانيبال) نجد روعة الأنجاز الفني في تجسيد اجواء المعركة العنيفة التي جرت بين الجيشين الآشوري العراقي بقيادة (آشور بانيبال) من جهة وبين الجيش العيلامي الفارسي بقيادة (تيؤمان) ملك عيلام فيما  يقارب سنة 610 ق.م. والجدارية منفذة بطريقة النحت البارز (الريليف) وجاءت مرتبة على شكل حقول منفصلة واحد فوق ألآخر.تضمنت وقائع الحرب الطاحنة حيث حشود الجيوش وصهيل الخيل وقرقعة العربات وصليل السيوف.تألفت الجدارية من 6 ست حقول متراكبة .

في الحقل ألاول الذي فقد منه جزء كبير نجد الأجزاء السفلى من اقدام الجنود وهي تختلط بحذوع ألأشجار التي تعرضت ربما للحرق أو التكسير جراء المواجهات .أما في الأسفل في الحقل الثاني فأن المشهد يتضمن حركة أكثر وتوزيع للفكرات بشكل يوحي بتصاعد المواجهة.

وفي الحقل الثالث يهيمن شكل شريط طويل يحتوي على ست جنود مشاة يحملون الرماح والدروع وخلفهم ثلاث جنود يقتادون خيولهم كلهم يتجهون يسارا وبحركة مارش عسكري تكاد تتشابه فيها أجساد الجنود.

وعندما ننتقل الى الحقل الرابع فأن مجموعة من ألأشجار وأنهار وسواقي تحتل الجزء الأكبر من الحقل الذي بدى أكبر سعة من الحقول الأخرى .وهناك نهر كبير ربما هو نهر (دجلة) يقسم الحقل الى شطرين.وفي هذا للحقل تتغير حركات الأشخاص.فنرى جنود يركعون وآخرين يسجدون ويرفعون أيديهم على طريقة الرجاء والتوسل.

في الحقل الخامس حيث يستطيل أكثر,فأن حركة مثيرة تكون قد شغلت كل المساحة.وفيها يشعر المشاهد المتمعن الشاعر برهافة الفن أن ثمة أناشيد وطنية  هادرة تنطلق تثير المشاعر وتؤجج الحماس أما لمواجهة الأعداء والتقدم نحو الحرب والقتال وأما أحتفالا بالنصر.حيث تتقدم أرتال الموسيقيون وهم ربما تشبه فرق موسيقى الجيش ينشدون للحرب وللنصر وهم يحملون آلات (القيثارات).يتبعه ارتال من شبان يهتفون ويرتلون لعظمة آشور ولمجد الملك العظيم.وينتهي الحقل من جهة اليمين بغابة من أشجار النخيل الباسق المشتعل خضرة يتخلله نهر صغير حافل بالأسماك .

أما الحقل الأخير وهو السادس.فقد اتضح على مايبدو ان الفنان اراد أن يصور لنا الصفحة الأخيرة من المعركة حيث أشلاء الجثث وألأسلحة المحطمة من سيوف ودروع وعجلات .والرائع في ذلك ان الفنان الآشوري تمكن من أستيعاب هذا المشهد الذي يعبر عن حدوث المعركة عند شواطيء نهر كبير.فغرق القتلى ومعهم خيولهم وهي تجاهد قوة تيار ماء النهر محاولة التشبث بالضفاف وما فيها من عروق أشجار أو قطع أحجار وصخور.

لقد أستغنى النحات الآشوري وهو يوزع (فكرات) figers)) الجدارية (اللوحة) عن العمق الداخلي للمنظور pircpactiv)) معوضا عنها بالحقول المتراكبة.ورغم عدم معرفته بالقواعد المنظورية وأدراك تحقيق البعد الثالث أو العمق للأشكال وألأشياء فأنه قد سرق ألأعجاب وهو يبدع في الأنشاء التصويري .(composion for (image من حيث توزيع المساحات والبراعة في معالجة الفراغات .الى الحد الذي ينسى فيه المشاهد أن هناك أخطاء منظورية.

وقد توضح أهتمام الفنان الآشوري بتوزيع الخلفيات وكأنه يدرك أهمية الـ (backrawn)  فتراه يعالج المناظر الطبيعية في مساحات معينة مستوحيا أياها من البيئة العراقية.مع حفاظه على الأجواء الحربية بأسلوب مثير (dramatic)  مذهل ليثبت للعالم أنه أول من اعتبر (الفن الجداري) كأهم وسيلة من وسائل التعبير الفني عن الحوادث والوقائع في التأريخ..

 

.........................

*الجدارية موجودة في قصر آشور بانيبال في نينوى.

**علي العلي – فنان تشكيلي ..عميد كلية الفنون الجميلة – الجامعة اللبنانية

 

تابع موضوعك على الفيس بوك  وفي   تويتر المثقف

 

العودة الى الصفحة الأولى

............................

الآراء الواردة في المقال لا تمثل رأي صحيفة المثقف بالضرورة، ويتحمل الكاتب جميع التبعات القانونية المترتبة عليها: (العدد :2125 السبت  19 / 05 / 2012)


في المثقف اليوم