قضايا وآراء

متى وأين كتب أول حوار أدبي – فلسفي في العالم؟ / حكمت مهدي جبار.

انقدحت أولى بذور الكلمة والحوار بين البشر.وتلك لم تكن فقط حوار عاديا كوسيلة اتصال كما هي اللغة العادية للتفاهم بين الناس .انما كانت حوارا أدبيا فلسفيا مذهلا حير الباحثين والمفكرين والمؤرخين والفلاسفة. ذلك هو الحوار الذي عثر عليه مكتوبا بالمسمارية البابلية وترجم الى اللاتينية ثم الى العربية يمثل جزء من قصيدة وضعت على هيئة حوار بين سيد وعبده ,تقول الأخبار التأريخية انهما عاشا قبل (هوميروس) اليوناني واضع (الألياذة) بقرون عديدة.

أن القاريء المتمعن للقصيدة يجد في البدء صعوبة في التفسير وكشف المضمون .لكنه ما ان يعيد قراءتها مرة أخرى يستخلص ان هناك رؤية فلسفية عميقة جاءت على شكل حوار بين سيد متنفذ ربما كان ملكا أو زعيما لشعبه وبين عبد كمواطن عادي.وتلك مفارقة رائعة بين رجل السلطة وبين المواطن البسيط ,وهم يتحدثون بذلك الأسلوب الفلسفي . أنظر ماذا جاء في الحوار القصيدة؟ (أعل فوق الأطلال القديمة .....وتمش عليها وانظر الى جماجم المتأخرين ..والماضين فأيهم الأشرار ..............وأيهم الصالحون)؟ ويبدو أن الكلام للعبد (المواطن) موجها للسيد (الملك) في أيجاد مشاعر المواطنة تجاه ولي الأمر وهو يمجد ه ويعظمه ويقول له (أعل) أي كن في مكان عال فوق بقايا وأطلال الأعداء التي انهزمت امامك (وتمش عليها).ثم يردف (وانظرالى جماجم المتـأخرين والماضين) كيف تحطمت وصارت أشلاء سواء كانوا اعداء قدماء أو جدد.انظر اليهم (فأيهم الأشرار وأيهم الصالحون) رغم انهم اعداء..

أو ان هناك تفسير آخر للنص وهو أن (انظر ايها القائد وأيها المسؤول راعي الشعب من فوق ما تبقى من الزمان وفكر وانظر الى الجماجم التي ربما ترمز الى اوعية الفكر المتأخر (الحالي) والماضي (القديم) وأعرف منها شرها وصالحها.وبذلك فأن العبد (المواطن) يحاور سيده (الرئيس) بتلك الطريقة الفلسفية عبر نص شعري قصير بفحوى الحكمة والتعقل.

بهذه الأبيات التي وردت بهذا الشكل وبتلك البساطة فأنها لخصت حكمة الأنسان الرافديني وعلى لسان مواطن ربما كان من الدرجة الثاثة كونه

(عبدا) يحاور رئيسه ليؤكد لنا موقفه كأنسان ازاء الزمن والكون والطبيعة.فأبن (الرافدين) لم يترك لنا فقط آثار على شكل بقايا مادية كبقايا الفن التشكيلي من عمارة وفخاريات وجداريات وأختام اسطوانية وآلات موسيقية ولقى حجرية منقوشة .انما خلف لنا فكرا رغم طفولة بنياته في ذلك الزمن السحيق شكل شيئا اعظم من الآثار المادية.وقد عبر عن ذلك ألأستاذ الكبير المرحوم (طه باقر) :- *(ان بابل تحدت فناء الزمن وتسامت على قول الشاعر الأميركي (لونك فيلو- (Long Fellowلأنها تركت وراءها أكثر من آثار اقدام على رمال الزمن) ....

لقد خلق ذلك العبد نصا أعتبر اهم (كلمة) دونت في تأريخ الأدب الأنساني رغم عفويتها وبساطتها في ذلك النصي الشعري الحواري.ليجسد مقولة (في البدء كانت الكلمة) لتكون جوهر الأنسانية وفكرها الذي يميزها عن الحيوانية.وهكذا فقد حقق (الرافدينيون) **(معجزة تدوين الكلمة لأول مرة في مسيرة الأنسان المضنية عبر العصور المتطاولة) برؤية فلسفية عظيمة ابهرت حضارات الأمم الأخرى.

 

....................

*طه باقر – مقدمة في أدب العراق القديم – كلية ألآداب – جامعة بغداد – 1976 **نفس المصدر.

 

 

تابع موضوعك على الفيس بوك  وفي   تويتر المثقف

 

العودة الى الصفحة الأولى

............................

الآراء الواردة في المقال لا تمثل رأي صحيفة المثقف بالضرورة، ويتحمل الكاتب جميع التبعات القانونية المترتبة عليها: (العدد :2128 الثلاثاء  22 / 05 / 2012)

في المثقف اليوم