قضايا وآراء

الدروس الخصوصية واعبائها على اولياء امور الطلبة / صادق غانم الاسدي

فأن اردت العلم فأطلب اولاُ في نفسك حقيقة العبودية واطلب العلم باستعماله واستفهم الله يفهمك) التعليم مسؤولية دينية وأخلاقية قبل ان تكون مسؤولية وطنية، ويتطلب فيه حشد جميع الجهود وعلى مختلف المستويات كي يتم تشكيل قاعدة صحيحة ذات اسس ينتج منها المسار الحقيقي للتعليم الآمثل والثقافة، وبالتالي نتمكن من الحافظ على افكاروسلوك الفرد وكيان التاريخ والحضارة العربية الاسلامية من الغزو الفكري للتيارات المتشددة، ويعتمد ذلك على قيادة المعلم الرشيدة ودوره الكبير في مسؤوليته الشرعية في توجيه ابناء المجتمع وتأثيره الواضح لتعبئة الجيل من الطلبة بمختلف اعمارهم ومستوياتهم العلمية بأتجاه الخير والفضيلة والبناء لينيروا الدرب بما اكتسبوه من ثقافات وعلوم وان يدقوا ناقوس العلم،ويرسلوا اشعاع المعرفة لتضيء في محطات زوايا الثغورالمظلمة وتغلق الطرق التي يكتنفها الجهل والتخلف، كي يظفرالطلبة بالنتائج النهائية التي تتناسب وحجم مجهودهم وياخذوا دورهم في اصلاح المجتمع وتحقيق العدالة وتوفير الرفاه وقيادة الجموع بالشكل المطلوب، ولايمكن بناء المجتمع السليم الا من خلال التربية والتعليم الصحيح، وان هدم المجتمع هو نتيجة لهدم التربية والتعليم، وكلما اسرعنا في انشاء مدرسة اسرعنا ايضا في غلق سجن،  ومن خلال ذلك كانت لنا استطلاعات ولقاءات في صروح العلم من المدارس ودور العبادة واجرينا لقاءات مهمة مع اولياء امور الطلبة وقسم من المدرسين  ورجال الدين عن ظاهرة الدروس الخصوصية التي انتشرت بالفترة الاخيرة حتى وصلت الى الكليات ومدى تأثيرهاعلى الجانب العلمي في المجتمع باعتبارها احدى الحالات اليومية التي تلازم جميع الاسر ويعيش هذه الحالة كل اطياف المجتمع العراقي ويمكن القول ان هناك اختلافات في وجهات النظر الشخصية ونحن بدورنا نثمن ونحترم هذه الاراء طالما تخدم المسيرة العلميةالتربويةوتضعها بالطريق السليم وهذا مانطمح اليه من خلال طرحنا للموضوع وهدفنا بنفس الوقت هو تخفيف الاعباء عن اولياء امور الطلبة وفي ذات الوقت الوقوف الى جانب الهيئات التعليمية ورفع معاناتهم ومعالجة الظواهر السلبية باسلوب حضاري ونعزز الجوانب الايجابية خدمة لبناء الوطن السليم ذو المؤسسات والصروح العلمية، وعن هذا الموضوع تحدث الينا الدكتور أنس محمود خلف امام جامع الشيخ عبد القادر الكيلاني واستاذ في الجامعة الاسلامية في بغداد حيث قال: الدروس الخصوصية جائزة بالشرع اذا العالم او المدرس المتقن بأي مادة ان يخلص في عمله ولايقصر في اداء واجباته ان ياخذ قسطاً من هذه الدروس على ان يأتيه الطالب طوعاً لاكرهاً مستندين بذلك لقول الرسول صلى الله عليه واله وسلم ( خير ماخذت عليه اجراً كتاب الله )، نأخذ القياس القرأن ثم يقاس عليه بقية العلوم لان بعض الطلبة يرمون الحصول على معدلات عالية تؤهلهم دخول كليات طبية او هندسة فيذهبون بارادتهم طوعيا" فهذا لابأس به، علماً ان هذه الدروس اكثرها منتشرة في المراحل النهائية للدراسة المتوسطة والاعدادية، اما الجانب الاخر والذي يكون فيه المدرس مقصر في دروسه على الطلبة ولايعطي الدرس حقه في سبيل اي يأتي اليه الطلبة ويأخذ المال مقابل ذلك،هؤلاء لايجوز لهم ذلك وحتى رواتبهم حرام لانهم ياخذون المال بطريقة غير شرعية وهو بنفس الوقت استفزاز للطالب وتكليفه فوق طاقته ويقول الله ( لايكلف الله نفساً الا وسعها)، اما المعالجات لهذه الظواهر فهي كثيرة منها برأي الخاص ان لانداوي الجرح او المرض بالمسكنات، نداويه من جذوره ونقلعه من اصله أولاً علينا ان نختار المدرسون الاكفاء، في الوقت الذي يتخرج بعضهم من الكلية وهو لايتقن القراءة والكتابة وهذه مشكلة، وانا اراه في كثير من مدارسنا فليس اهليته كافية للتدريس، المشكلة جذرية تبداء من تعينه، فعلى وزارة التربية ان تختار لجنة مدقنة من المدرسين الاكفاء لتقيم اداء المدرسين الجدد وفتح دورات بطرائق التدريس وكيفية توصيل المعلومة العلمية الى اذهان الطلبة ومراعاة الفروق الفردية قبل تعين المدرسين هذا مايخص الجانب العلمي، اما جانب الامانة فعلى المدرس ان يبتعد داخل الدرس عن شرح معانته اليومية وماصدفه من امور ويهتم بتحضير واستغلال الدرس بجميع وقته في امور خارجة عن اطار التعليم خدمة للطلاب لآن العلم امانة كبيرة في ذمة اعناق المدرسين ولو طبقنا ذلك لما احتجنا الى الدروس الخصوصية0 اما الشيخ علي السوداني احد اساتذة الحوزة العلمية في مدينة الكاظمية المقدسة فحدثنا بهذا الخصوص قائلآً :بالنسبة للحكم الشرعي الصادر من المراجع الكرام لايحضرني منه شيئاً بهذا الجانب، فيمكن ان اقول ان الدروس الخصوصية تبحث بالحياء واختلاف الحكم فمرة يكون الذي يعطي الدرس الخصوصي نفس الاستاذ في المدرسة والدرس، ومرة يكون غيره، ومرة يكون مقصر في الواجب واداء الدرس حتى يجبر الطلبة مع اولياء امورهم للجلوءاليه، ومرة يكون القصور في التلميذ لعدم استيعابه الدروس كغيره من الطلبة نستنتج من ذلك ان الاستاذ الذي يقصر عمداً في اداء واجبه داخل الدرس ويحرم كثير من الطلبة بايصال المعلومة العلمية المفيدة لغرض اجبارهم كرهاً على اخذ دروس خصوصية منه  فهنا الراتب والاموال التي يحصل عليها فيها اشكال شرعي، ومرة يكون غير مقصود لان بعض الطلبة لايستوعبوا في الفترة المدرسية فقسم منهم يحتاج الى جهد اضافي واعادة وتكرار وقد يرمون الحصول على درجات عالية تمكنهم من دخول كليات مثل الطب والهندسة فليجأون الى هذه الدروس بشكل طوعي واختياري دون المساومة والكراهية فهذا لم يشكل اي نوع من باب الحرام، ويستثنى من ذلك دروس القرأن الكريم والتربية الاسلامية الواجب تعلمه على المسلم، فان اخذ الاجر على الواجب وتعليمه حرام بأتفاق علمائنا الاعلام،أما علاج هذه المسألة فيتم بالطريقة التي عالجت فيها الحوزات العلمية مسالة الجدية في التحصيل للطلبة بان غرست في نفس الطالب مبدأ ان الدراسة عمل شرعي وصاحبه مأجور فيكون الدافع للجهد والاجتهاد وجدانية ينبع من الطالب والعائلة ويحرك الاستاذ باتجاه  بذل الجهد والطاقة التي يستطيع من خلالها تبين المادة العلمية بالشكل المرضي وبذلك تتظافر الجهود من الدولة من خلال برامج التوعية التربوية ومن العائلة بتوفير الاجواء الايمانية والوطنية لخدمة العلم والتحصيل، ومن الاستاذ ان يجعل الله هو الرقيب والضمير وهو الحسيب والامانة العلمية مطلوبة بهذا الجانب وبذلك تتظافر الجهود لحل المشكلة ان شاء الله، اما الاستاذ نعمان مزعل عبد الكريم مدير ثانوية المتميزين – الرصافة الثانية فلقد حدثنا قائلآً بكل تاكيد ان الدروس الخصوصية تشكل العبء الاكبر على اولياء امور الطلبة لاسيما وان الاجور غير منطقية وغير متوازنة مع ايرادات الموظف، والحل هو باعداد مدرسين اكفاء مهنيين بمعنى الكلمة يتمتعون بالكفاءة والخبرة العلمية بحيث تكون الحصة الدراسية كافية وكفيلة بمساعدة الطالب على استيعاب المادة ويمكن ان يستغني الطالب عن هذه الدروس، اما الجانب الثاني فهو زج المدرسين في دورات اختصاصية خارج ساعات العمل ( العطلة الصيفية) لرفع الكفاءة والمستوى العلمي، وهنالك جانب ايجابي لابد الاشارة اليه وهو اذا كان الطالب جاد وحريص في تلقيه للمادة العلمية فهذه المسالة لها الدور الكبير في عدم استعانته بالدروس الخصوصية ويكون بعيداً عن تقليد الاخرين حيث اصبحت الدروس الخصوصية لدى البعض ظاهرة للتفاخر وليس للعلم، اضف الى ذلك فأن البعض من الاخوة المدرسين هدفه الكسب المادي فقط بعيداً عن رفع المستوى العلمي وهذا يشكل الجانب السلبي في الامر، اما الاستاذ شاكر حميد بنيان معاون متوسطة فلسطين الرصافة الاولى فيقول : تشكل الدروس الخصوصية عبئا" ثقيلا على أوليا أمور الطلبة والغاية منها بالنسبة لاولياء الامور هي ضمان نجاح الطالب مهما كلف الامر وليس الغاية تعليمية فتراهم يتحملون هذا العبء وينفقون المبالغ الطائلة لان النجاح مضمون والمدرس الذي يحاضر له في الدرس الخصوصي هو نفس المدرس الذي يدرسه في الصف، والحلول الناجعة لمعالجة هذه الظاهرة هو توعية اولياْء امور الطلبة بهذا الحل الخاطىء الذي لايحقق نفعا" للطالب سوى النجاح في ذلك الدرس وبعيداً عن فهمه له وهذا حل مؤقت يعود بشكل سلبي على الطالب وخصوصا" في الامتحانات الوزارية، ارى ان الحل يكون بفتح دورات عامة في المدارس تشمل جميع الطلاب وليس اصحاب الدخول العالية وهنا تتحقق المساواة بين ابناء الفقراء وابناء الميسورين، اما الست ابتسام بدر خلف مدرسة الاجتماعيات في ثانوية الرافدين التابعة لمديرية الرصافة الاولى  فبدات الحديث قائلة : نعم تشكل هذه الدروس اعباءاً كبيرة على اولياء امور الطلبة حيث انها اول ماتشكل عبئاً اقتصادياً وهذا لايتاثر فيه الطالب من العائلة الغنية بقدر تاثر العائلة الفقيرة بذلك، حيث يقتطع صاحب هذه الاسرة من قوته اليومي كي يدخل احد ابنائه الدرس الخصوصي لضمان نجاحة في ظل زيادة الاسعار وارتفاع ملحوظ في مختلف مفاصل الحياة الاقتصادية  وبالتأكيد قد قصر في توفير بعض الاحتياجات الضرورية للعائلة من اجل تلك الدروس، وهناك بعض الحلول والمعالجات تقدم للتخلص من هذه الظاهرة او الآفة التي بدأت تاكل قوت افراد هذا المجتمع منها فتح دورات تقوية اجبارية وتحت اشراف مديرية التربية وبتنظيم من ادارات المدارس وباسعار رمزية وتتضمنها زيارات ميدانية للاشراف الاختصاصي وتكون داخل المدارس وتعتبر جزء من العملية التربوية، اما الاستاذ علي كاظم تايه  مدرس اللغة العربية في متوسطة العدالة تربية مدينة الصدر الثالثة فقال : ان الدروس الخصوصية تشكل اعباءاً كبيرة للعوائل الفقيرة والمتوسطة ويذهب الطالب الى هذه الدروس في اكثر الاحيان طوعياً لزيادة معلوماته وتطوير مستواه العلمي الذي لم يحصل عليه في المدارس الابتدائية لضعف معظم الكوادر التعليمية فيها والتي اغلبها تخرجوا منذ فترة بدورات سريعة وعينوا معلمين ونحن نعاني من معظم الطلاب القادمين الينا من هذه المدارس فضطر ذويهم الى ادخالهم الدروس الخصوصية ويضاف عبء اخر على رب الاسرة،السيدة متوسطة،اما السيدة سحر جاسم احمد مدرسة اللغة العربية في متوسطة الانتصار للبنات تربية الكرخ الثانية فقالت: بالتاكيد ان هذه الدروس لها اعباءاً كبيرة على اولياء امور الطلبة وخصوصاً ونحن نعيش في ظل ظروف اقتصادية صعبة تتأثر بالوضع العام من جميع الزوايا، ومن الممكن ان تستغل هذه الاموال لاكمال مشاريع داخل الاسرة او صرفها ضمن الاحتياجات الضرورية في وقتها بدلاً من ان تذهب للدروس الخصوصية، وبعض من افراد هذه الاسر يدفعون ابنائهم الى اخذ الدروس الخصوصية برغبة صادقة ودون الاجبار واستفزازهم عليها من قبل المدرسين لرفع كفائتهم العلمية ويلتحقون فيها للحصول على معدلات عالية تؤهلهم لدخول الكليات العلمية وتنتشر هذه الظاهرة بكثرة في الصفوف المنتهية بفرعيها العلمي والادبي وكذلك في الدراسة المتوسطة ويمكن ان نقلل من هذه الظاهرة عندما يكون الرقيب الاول والاخير هو الضمير والتفاني وتقديم درس كامل يتم من خلاله ترسيخ المادة العلمية بذهن الطلبة، اما السيدة ام غزوان ربة بيت فتحدث عن ذلك قائلة : عندي اربعة اولاد وجميعهم متميزين، واني اوافق على ارسالهم جميعاً دون الإجبار وبرغبتي لسبب اعتقد انه صحيح برأي ان معظم المدارس يكون فيها الصف الواحد 50 طالب او اكثر ولايمكن ايصال المعلومة المهمة الى جميع الطلاب وبنفس الوقت لايستطيع المدرس او المدرسة السيطرة الكاملة على هذه المجاميع وقد يفقد الطالب جهوده المتميزة بين هذه الامور فاضطر للجوء الى التعليم الفرادي فارسلهم الى الدروس الخصوصية لزيادة معلوماتهم لكي يصبحوا متميزين في الدراسة،وحسب علمي ان معظم الطلاب الذين يذهبون الى الدروس الخصوصية هم من الطلبة المتميزين، اما الكاتب والصحفي خالد محمدالجنابي فله تجربة طويلة مع الدروس الخصوصية وقد حدثنا عن ذلك بمرارة قائلآً : لدي ثلاثة بنات وولد واحد جميعهم مروا بتجربة الدروس الخصوصية اضطراراً وليس اختياراً ولجميع المواد بسبب تدني مستوى التدريس في معظم المدارس ولو تم مراعاة مخافة الله في التدريس من قبل جميع المدرسين لما تم اللجوء الى الدروس الخصوصية، وان بعض المدارس وخصوصاً من مدارس البنين واقولها بكل اسف ان نجاح الطالب في مادة معينة اصبح مرهوناً بتلقي الطالب درسا خصوصياً بعد الدوام لدى نفس المدرس حتى ان لن يواضب على حضور الدروس سواءاً في المدرسة او في الخصوصي وهذه ظاهرة خطيرة جداً حيث تشكل في مضمونها حالى من حالات الفساد الاداري وتلقي الرشوة بشكل جديد، وأروي لك حالة اخرى وهي ان مديرة ثانوية كانت فيها احدى بناتي قبل سنتين الحالة هي ان المديرة قالت لهم في الشهر الرابع من تلك السنة لاتحضروا بعد الان واعتمدوا على المراجعة في البيت وكانت معظم المواد الدراسية غير منتهية وعند استفسار اولياء امور الطلبة عن سبب عدم اكمال المادة في المدرسة كانت اجابة المديرة هي ان الجميع قد تلقوا دروساً خصوصية، هل هذا كلام منطقي من مديرة مدرسة ؟ وهل ان الدروس الخصوصية اصبحت تحل محل المدرسة، والحديث يطول في هذا الجانب لكن اكتفي بهذا القدر وشكر لكم .    

 

تحقيق :صادق غانم الاسدي

 

تابع موضوعك على الفيس بوك  وفي   تويتر المثقف

 

العودة الى الصفحة الأولى

............................

الآراء الواردة في المقال لا تمثل رأي صحيفة المثقف بالضرورة، ويتحمل الكاتب جميع التبعات القانونية المترتبة عليها: (العدد :2133 الاحد  27 / 05 / 2012)


في المثقف اليوم