قضايا وآراء

مبادىء أهل البيت والثقافة القومية / عبد الجبار العبيدي

وتذكرنا الفكرة بألزامية تدريس مبادىء الثقافة القومية في الجامعات العراقية كمتطلب جامعي في العهد السابق، فلا يتخرج الطالب وينال شهادته الجامعية الا بعد اجتيازه لهذا المقررالهش. وتطرح جامعات الخليج وخاصة جامعة الكويت مقرر الحضارة العربية الاسلامية وهي تعاني منه في التدريس والمنهج، ولا أخفيكم ان المقرر يدرس اليوم عشوائياً .وتطرح الجامعات الأمريكية اليوم فكرة دراسة التاريخ الامريكي بكل جوانبه الأيجابية والسلبية، واشترطت لتخرج الطالب بأجتيازه لهذا المقرر الصعب عندهم، أيمانا منهم بأهمية تاريخ الوطن الأمريكي وتعرف الاجيال الصاعدة له.

وحين مارست التعليم الجامعي بكلية التربية – جامعة بغداد – من عام1977 انيط بي تدريس هذا المقرر، فكنت اعاني صعوبة بالغة في تدريسه لعدم وجود مراجع معتمدة في تأليف المحاضرات، الا ان المصدر الوحيد المفروض علينا وقت ذاك هو فكر صدام حسين وميشيل عفلق والزمرة البعثية التي عاشت حياتها بلا فكر معتمد.

هنا كانت الاشكالية، فأن لم تقم بالتدريس على هواهم ترى المتسلطين فوق الرؤوس الذين احتلوا العمادات اليوم لأخذ الحجة عليك وتقديمك مذنبا وتم لهم ما ارادوا، وبسببه تمت أحالتنا على التقاعد بحجة التقصير في أداء العمل مع أخوة كرام مشهود لهم بالكفاءة والمقدرة العلمية، وما زالت أعمارنا يوم ذاك في بداية الثلاثينيات..

واليوم تطرح وزارة التعليم العالي فكرة تدريس مبادىء اهل البيت في الجامعات العراقية كمتطلب جامعي. لا أرى فرقا بين الفكرتين سوى بين المبادىْ الرصينة لأهل البيت الكرام ومبادىء الثقافة القومية لحزب البعث الخالية من أية ثقافة و مبادىء انسانية مطبقة على ارض الواقع.

أبتداءً علينا ان نحدد من هم أهل البيت في الآية الكريمة من سورة الاحزاب 33 ؟ وهي الآية القرآنية الوحيدة التي طرح فيها أسم اهل البيت صراحة، وماهي المبادىء التي طرحوها ليقوم الأساتذة بتدريسها؟ سؤال يجرنا الى اشكاليات كثيرة قد توقعنا بأشكاليات مجتمعية ودينية اكثر وتورطنا بمتاهات نحن ابعد ما نكون اليها في هذا الزمن الصعب الذي اتخذت فيه الطائفية طريقا في حكم الدولة.

ان مبادىء اهل البيت استقت من القرآن الكريم وهي المبادىء العامة التي يجب على المسلمين تطبيقها بموجب الآيات الحدية وأيات الأحكام ونستطيع تلخيص هذه المبادى الكبيرة بالآتي :

- تربية النفوس على مبادى الاخلاق العالية وتشعباتها .

- لا شرعية للثورات والحكام في حكم الدولة الا بالألتزام بالمبادىء القرآنية والانسانية.

- الالتزام بمبادىء وقيم العمل، بأعتبار ان العمل أداة التطور والبناء والتقدم الحضاري.

 

 2

وتحت هذه البنود الثلاثة تقع التفاصيل في تكوين المنهج المراد تدريسة لمنفعة الطالب والمجتمع معا .

ولنعد الآن الى البداية فنقول من هم أهل البيت؟

لقد حددت الآية 33 من سورة الاحزاب مفهوم اهل البيت، يقول الحق في محكم كتابه الكريم : ( وقرن في بيوتكن ولا تبرجن تبرج الجاهلية الاولى وأقمن الصلاةوآتين الزكاة وأطعن الله ورسوله انما يريد الله ليذهب عنكم الرجس اهل البيت ويطهركم تطهيرا). ولكثرت ما رددت هذه الآية الكريمة ونسج عليها من احاديث ثبت وغير ثبت، تقرر في نفوس الناس ان هذه العترة المباركة لا يمكن ان يدخلها الهوى من أجل مصالحها الشخصية، وأنما جاءت مكملة لرسالة الاسلام قولا وتطبيقا.وقد اكد الباحثون ان من يلتزم بهد المبادى يجب ان يكون ملزما بالتطبيق الحدي لها، فهي ليست كلمات تقال ودروس تدرس، بل هي مبادىء بحاجة الى تطبيق، فهل هذا ممكنا اليوم وسط هذه الفوضى السياسية والطائفية والانحيازية المجتمعية التي تعم الوطن؟

هناك نظريتان في تحديد مفهوم أهل البيت: الأولى تقوم على ان الامام علي (ع) وأولاده من فاطمة الزهراء هم اهل البيت التي خصتهم الآية الكريمة، لذا تراهم يتعمدون في قراءة الآية القرآنية من وسطها وهذا غير جائز في القراءات القرآنية، وهي نظرية الشيعة الامامية التي ولدت عندهم منذ عصر البويهيين. والنظرية الثانية تقوم على كل من دخل بيت رسول الله(ص) وأصبح ممن ينتسبون اليه خلفة وازواجا، وبهذه الحالة تصبح الآية عامة وشاملة للرسول وزوجاته وبناته وكل من ينتمي اليه، فلا تفريق بينهما ولا من نصٍ يوحي بذلك التفريق.وعندي ان النظرية الثانية هي أقرب الى القبول.

يقول الطبري في الرسل والملوك :ان اهل البيت في صدور الناس كانوا اهيب من الأسد لعدالتهم وصدق توجهاتهم، لذا فأن التخوف من حكم الشيعة لدى البعض له ما يبرره اليوم في وقت تتطلع الشعوب لحكم العدالة وخاصة في مفهوم الأرث والوصية حيث اعتُبرت الآيديولوجيا العلوية هي أقرب للقبول، لذا فأن الأندفاع نحو التشيع اصبح كثيرا في مصر وبين الفلسطينيين الذين كانوا هم ابعد الناس عن الالتزام بفكر اهل البيت لعدالة التوزيع عندهم في الأرث والوصية.

 3

نحن لسنا في هذا المقام ان نبحث عن فكر اهل البيت، ففكرهم الرائع يحتاج الى مقالات ومقالات، قدر بحثنا عن هذا التوجه الجديد لوزارة التعليم العالي، وهل سيؤدي غرضه الانساني والعلمي للمجتمع، ام سيؤدي الى مردود سلبي نحن لسنا بحاجة اليه بعد ان وصلت مشاكل الطائفية بيننا الى درجة تمزيق الوطن والجتمع معا.

ابتداءً نسئل الوزارة، من سيقوم بتدريس هذا المقرر؟، اساتذة التاريخ الاسلامي وهم المؤهلون أساساً لذلك، أم من هب ودب كما حصل في مقرر الثقافة الأسلامية؟ ومن سيضع مفردات المنهج المقرر؟ لجنة من التدريسيين المتخصصين أم رجال الدين؟.هنا يكمن بيت القصيد.

في الحالة الاولى الجامعات العراقية غير مؤهلة لتعيين اساتذة متخصصين في هذا المجال لكثرة الجامعات والمعاهد وقلة التدريسيين، ووضع البرنامج العلمي المعتدل يحتاج الى قناعة ومنهجية وزمن، وهذا العنصر غير متوفر الآن .

هنا سيقتصر التدريس على بعضهم من الشيعة ورجال الدين، واذا ادخلت الوزارة رجال الدين في تدريس هذه المادة ستحل كارثة مجتمعية بين طلبة الجامعة والمجتمع، لأن رجال الدين سينطلقون في التدريس من المغالاة الأحادية نحو اهل البيت وتفريغ أفكارهم المتزمتة بالأخرين.لاسيما وان في غالبيتهم لهم موقف سلبي من بعض زوجات الرسول (ص) . وهذه أشكالية يجب التخلص منها لفائدة الجميع.

 على الوزارة ان تكتفي بمشاكلها الكثيرة قبل ان تدخل ميدانا اخر يستعصي فيه الحل، فالذي فينا من التفرقة والتمزق يكفينا.فهل وعت وزارة التعليم الحالي النتائج؟ لنا في ذلك رأي اذا ردت الوزارة على الاقتراح.

 

د.عبد الجبار العبيدي

  

تابع موضوعك على الفيس بوك  وفي   تويتر المثقف

 

العودة الى الصفحة الأولى

............................

الآراء الواردة في المقال لا تمثل رأي صحيفة المثقف بالضرورة، ويتحمل الكاتب جميع التبعات القانونية المترتبة عليها: (العدد :2134 الاثنين  28 / 05 / 2012)

في المثقف اليوم